وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 21 - سورة التوبة - تفسير الآية 24 ، الطريق إلى الله ليس سالكاً حينما تُؤثر كل شيء على رضا الله تعالى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


من آثر الدنيا على الآخرة فالطريق إلى الله عز وجل ليس سالكاً :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والعشرين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الرابعة والعشرين وهي قوله تعالى:

﴿  قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)﴾

[ سورة التوبة ]

 صدقوا -ولا أبالغ- أن هذه الآية من الآيات الحاسمة، من الآيات المفصلية، من الآيات الخطيرة، لأنك حينما تؤثر جانباً من هؤلاء، علاقات القربى والنسب، علاقات المال والثروات، علاقات المتعة والسرور، إن آثرت واحدة من هذه على طاعة الله ورسوله، فاعلم يقيناً أن الطريق إلى الله ليس سالكاً، الطريق مسدود. 


من آثر طاعة والده الغارق في المعاصي على طاعة الله خسر الدنيا والآخرة :


﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ يعني الحياة متنوعة، أحياناً يكون الأب قوياً جداً، وغنياً جداً، ويمكن إذا رضي عن ابنه أن يعطيه من الخير ما لا يوصف، مركبة، وبيت، وزواج، ومبلغ كبير، لكن هذا الأب افتراضاً على سبيل الافتراض ليس على الحق، وأن هذا الابن إذا رفض أمراً للأب يُغضِب الله، فقد كل شيء، فالله -عز وجل- يقول:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ أي الأب القوي الغني الذي بتصور الابن يمكن أن يعطيه من الدنيا ما يشاء، لكن هذا الأب افتراضاً ليس على الحق، ليس على منهج الله، لا يأمر بأمر يرضي الله، فحينما يعارَض هذا الأب يخسر الابن كل شيء، هذه الآية حاسمة، والله ما من آية كهذه الآية تعد فاصلة بين الإيمان وبين البعد عن الإيمان.

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ المقصود هنا الأب القوي الغني، الذي يمكن أن يغرق ابنه بالدنيا بما يحتاج، ما كل أب قوي وغني، لكن هناك آباء يهيئ لابنه مركبة، وبيتاً بأرقى أحياء المدينة، وإنفاقاً كبيراً، لكن هذا الأب غارق في معاصي الله، ولا يرضى عن ابنه إلا إذا وافقه على عمله، أن تعارض هذا الأب خسرت كل شيء، فإذا كنت مؤمناً تؤثر طاعة الله على كل شيء. 


الابتلاء قدر كل إنسان :


 سُئل الإمام الشافعي: ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تُمكَّن قبل أن تُبتَلى . وطن نفسك مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تدخل الجنة من دون ابتلاء، لقوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾

 

[ سورة المؤمنون ]

 الابتلاء قدرنا:

﴿  أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(142)﴾

[  سورة آل عمران ]

﴿  أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)﴾

[  سورة القيامة ]


دخول الجنة لا يكون إلا بعد أن يظهر كل إنسان على حقيقته :


 إخواننا الكرام، اعتقد يقيناً أن الابتلاء والامتحان قدرنا، وأنه لا سبيل إلى دخول الجنة إلا بعد التمحيص، والتدقيق، ولا بد من أن تظهر على حقيقتك، والله خبير بالنفوس، الله -عز وجل- هو الخبير الذي يضعك في ظرف لا بدّ من أن تعبّر في هذا الظرف عن حقيقتك، فإما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ الأب القوي، الغني، غير المنضبط بمنهج الله، هذا إذا غضب حرمك كل شيء، وإذا رضي عليك أعطاك كل شيء، المقصود هذا الأب، الأب الذي إن عارضته فقدت كل شيء: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾


مكانة الأب الكبيرة جداً في المجتمع الإسلامي :


 الآن الابن، يمكن أن يكون الأب إنساناً عادياً أما الابن حقق نجاحات في الدنيا كبيرة، هذه النجاحات لا كما يرضى الله عنها، فإذا عارضه الأب أيضاً فقد كل شيء، أنت لاحظ يقول الشاب المتزوج أحياناً: أنا عندي أولاد ثلاثة، الله -عز وجل- قال:

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)﴾

[  سورة الإسراء ]

 أين تسكن يا أخي؟ عند ابني، عندما يكبر تتقدم به السن، يعجز، أنا عند ابني، أما أين تعيش؟ عند أبي، كنت عند أبيك فصار أبوك عندك، هذه الحياة أمامكم، الإنسان في بداياته قوي، أولاده عنده، عندما كبر أصبح أبوه عنده، موضوع ليس له علاقة بالدرس لكن ساقه إلى ذاكرتي سياق الدرس، من فضل الله على المسلمين أن آباءهم المتقدمين بالسن عند أولادهم، هذه حالة صحية عالية جداً، في الغرب مأوى العجزة صدق ولا أبالغ يكون أحياناً من مستوى العشر نجوم، وأي شيء يتخيله الإنسان أمامه طبعاً مقابل أجور عالية جداً، هذا الأب حينما تتقدم به السن وأولاده ليسوا على ما ينبغي، يضعونه في مأوى العجزة، أكبر مشكلة يعاني منها القائمون على هذه المؤسسات للعجزة انتحار هؤلاء، إذا تمكن أن يجلب شفرة ينتحر بها، تمكن أن يجلب حبلاً يموت فيه، أي أداة يمكن أن تنهي حياته، أنا حدثني أخ تابع ندوة مطولة في التلفزيون الفرنسي عن هذه البيوت، بيوت العجزة، المشكلة الأولى الانتحار، ليس لديه أحد، لاحظ هذه المشكلة ليست موجودة عند المسلمين، الأب عند أولاده معه أحفاده، تأتيه بناته ليزوروه، الأب لا يحتاج إلى الطعام والشراب، الأب وصل إلى درجة هذه الأشياء ألفها، وعافت نفسه عنها، ما الذي بقي له فقط؟ أن يكون مع أولاده وأحفاده، نحن في العالم الإسلامي هذه ميزة كبيرة جداً، أن الأب عند أولاده، والأب مع أحفاده، والأب له مكانته الكبيرة جداً، فلذلك اشكروا الله -عز وجل- على هذه الآداب الإسلامية التي تقتضي أن يكون الأب مقبولاً بل ومُرحَّباً به، بل ومعتنى به، بل وإن الأبناء أحياناً يتنافسون على الأب، كل واحد يتمنى أن يكون عنده في البيت، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها.

 قال لي أخ عاش في فرنسا: أكبر مشكلة يعاني منها القائمون على هذه المؤسسات هي انتحار هؤلاء المتقدمين في السن، أما عندنا معزز مكرم، يتقرب أبناؤه إلى الله بخدمته، والعناية به، وقد يكون مشلولاً، ويتحملون خدمته القاسية سنوات طويلة، وكلهم يرى أن هذا مغنم كبير عند الله العزيز الكبير. 


من كان ابنه عنده أغلى من الله عز وجل فقد عصى الله و رسوله :


﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ أحياناً الإنسان يعصي الله من أجل أبنائه، يمكن أن يأكل المال الحرام ليطعمهم ما يتمنون، ليلبسهم ما يريدون، يمكن وفي الأعم الأغلب أن يكون الأب ضعيف الإيمان، ودخله محدود، وعنده أولاد، يمد يده إلى الحرام ليغطي حاجات أولاده، دون أن ينتبه إلى أنه:

(( إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه. ))

[ مسند الإمام أحمد ]

 الابن والزوجة تطعمهم مما تأكل، وتلبسهم مما تلبس، وما كلفك الله أن تمد يدك إلى الحرام من أجلهم، أما عندما تطعمهم طعاماً أنت لا تأكله، لك لقاءاتك مع أصدقائك، ولك طعامك في المطاعم، تطعمهم أردأ الطعام، فأنت محاسب أشد الحساب، لكن ما كلفك الله أن تمد يدك إلى الحرام كي تطعمهم أبداً، هذا شيء مستحيل: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ أي الابن أحياناً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)﴾

[  سورة المنافقون  ]

 وأحياناً الابن مجبنة، مبخلة، يسبب للأب الخوف على المال إلى مستوى البخل: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾


من دفعت زوجها لكسب المال الحرام فقد أغضبت الله و رسوله :


 الأصول والفروع، الآباء أي الأصول مهما علوا، والأبناء الفروع مهما نزلوا: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾ الأقارب المتوازين في النسب؛ الأخ، الأخت.

﴿وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ من بقي؟ أصول، فروع، أخوة وأخوات، عمات وخالات، الحركة نحو الأعلى أصول، نحو الأدنى فروع، الحركة الأفقية الأعمام، والأخوال، والأخوات، والإخوة، أبناء الأخوات والإخوة، تابع لهذا القسم: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾ هذه علاقات النسب، أما علاقات الزواج وأزواجكم، والزوجة غالية جداً.

 إخواننا الكرام، أحياناً الإنسان من أجل زوجته قد يأكل المال الحرام كي يرضيها، يروى أن صحابياً جليلاً طلبت منه زوجته نفقة لا يملكها وألحّت عليه، فقال لها هذه الكلمة الرائعة: اعلمي أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك.

 الصحابية الجليلة كانت تقول لزوجها: نصبر على الجوع ولا نصبر على الحرام، الآن الزوجة تدفع زوجها إلى كسب المال الحرام. 


أسباب العنف في العالم :


 لذلك قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)﴾

[ سورة التغابن ]

 قال علماء التفسير: هذه عداوة مآل، في النهاية زوجته أرضاها ودخل النار من أجلها، البطولة أن رئيساً فرنسياً -القصة منذ عشر سنوات نقريباً- جمع ثلاثين عالماً من كبار علماء النفس والاجتماع، في منتجع في فرنسا، وطلب منهم إجابة عن سؤال واحد، لماذا العنف في العالم؟ نحن في الخمسينات كل أربع أو خمس سنوات يُحكَم إنسان بالإعدام، تزحف دمشق بأكملها، لترى إعدام إنسان بالخمسينات، الآن كل يوم يوجد مئتي قتيلاً، أليس كذلك؟ يعني النفس غالية جداً فما السبب؟ هذا الرئيس الفرنسي جمع ثلاثين عالماً من كبار علماء النفس والاجتماع، في منتجع وأعطاهم ثلاثين يوماً، وطالبهم بإجابة حاسمة عن سؤال؛ لماذا العنف في العالم؟ فكان الجواب -وقد تستغربون ذلك- إنه مجتمع الاستهلاك، تدخل إلى سوق فيه بضائع، مواد غذائية، ألبسة، أدوات كهربائية، أجهزة شيء يفتن الإنسان، ولا يملك ثمنه، دخلت امرأة إلى سوق من أضخم الأسواق في أوروبا قالت: يا إلهي ما أكثر الحاجات التي لا يحتاجها الإنسان، في هذه الأسواق الحاجة تدعوك إلى شرائها أحياناً بالتقسيط، أحياناً بالائتمان، ببطاقة، ترى أنك مثقل، والحياة بسيطة نحن عقدناها، هؤلاء العلماء قالوا: مجتمع الاستهلاك وراء العنف، ما التفسير؟ قال: هذا الإنسان يرى كل يوم في الإعلانات هذه السيارة، وهذا الجهاز، وهذه الثلاجة، وهذه الأدوات المنزلية، هذه الحاجات الراقية يشتهيها، تُعرض عليه كل يوم، في الطرقات، على الشاشة، في الصحف، في المجلات، الإعلانات مثيرة جداً، وراؤها علماء نفس، يريك هذه الآلة وكأنها سبب سعادتك، يريك هذه المركبة أنك إذا اقتنيتها فأنت أسعد إنسان، الإعلانات اليومية على الشاشات، والصحف، والمجلات، وفي الطرقات، هذه الإعلانات تخلق حاجة عند الإنسان، الآن هذا الإنسان أولاً: قد لا يملك ثمن هذه الحاجة، بماذا يشعر؟ يشعر هو وأهله بحالة اسمها الحرمان، هذه حالة، فإذا مدّ يده إلى الحرام ليغطي هذه الحاجات سقط من عين الواحد الديان، وإذا ألغى وقت فراغه، وعمل عملاً إضافياً لم يعد أباً، يقول لك: ذهبت من البيت قبل أن يستيقظ أولادي، وعدت إلى البيت بعد أن ناموا، الشرفاء هكذا، الإنسان الشريف دينه غالٍ عليه، يخاف الله، له عمل آخر، له عمل بمكان، ومحاسب بمكان، العملان أفقداه وقت فراغه، بالمناسبة الإنسان الذي ليس عنده وقت فراغ يملؤه بحسب مبادئه ليس إنساناً، يقول لك: خرجت من البيت قبل أن يستيقظوا وعدت بعد أن ناموا، أعطاك الله العافية، لكن أنت بهذا ألغيت أبوتك، فأنت حينما ترهق نفسك بعمل يفقدك الأبوة أنت ضيعت أكثر مما أخذت.

هؤلاء العلماء الثلاثون كانت إجابتهم: مجتمع الاستهلاك يلقي صوراً مغرية لكل هذه الحاجات التي قد لا يحتاجها معظم الناس، هذه الصور المغرية أمامها ثلاثة مواقف، موقف الشعور بالحرمان المستمر، موقف آخر موقف أن تمد يدك إلى الحرام لتغطي هذه الحاجات، سقطت من عين الله، أكلت المال الحرام، والوضع الثالث أن تعمل عملاً إضافياً يلغي أبوتك، تقريباً أكثر الشرفاء لا يوجد عندهم وقت أبداً ليجلسوا مع أولادهم، من يربيهم؟ من يأخذ بيدهم؟ من يدلهم على الحق؟ لا يوجد أحد، الأب مشغول، لذلك من تعريفات اليتيم من كان أبوه مشغولاً عنه:

إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ     أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا

[ أحمد شوقي ]

 الأب المشغول أولاده كالأيتام، القضية خطيرة جداً: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ هل يوجد غير هذا؟ الآباء مهما علوت، والأبناء مهما نزلت، والإخوان؛ أخ، أخت، عمة، خالة، حركة عرضية وأولادهم طبعاً، وأزواجكم، الزوجة لها حكم خاص، وعشيرتكم. 


على التاجر الابتعاد عن العلاقات التجارية التي لا ترضي الله عز وجل :


 الآن: ﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ أموال حصلتموها بكد وتعب شديدين.

﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ وحينما ذكر الله التجارة ذكر الكساد، والتاجر وحده يعرف معنى الكساد، قال لي مرة صاحب معمل: إذا دخلت إلى المستودع أحس أن قلبي سيقف، البضائع للسقف لكن لا يوجد بيع، يعني أصعب حالة يعاينها التاجر الكساد: ﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾

 مثلاً: عندك بضاعة يمكن أن تعلن عنها بطريقة أو بأخرى، لكن يوجد إعلان بوسائل لا ترضي الله -عز وجل-، امرأة شبه عارية ترتدي هذه الحاجات، هذا إعلان لا يرضي الله -عز وجل-، أحياناً الكساد يدعو التاجر إلى إعلان لا يرضي الله -عز وجل-، أو إلى علاقة مشبوهة، أو إلى علاقات تجارية لا ترضي الله -عز وجل-: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ هذه الأقارب، أبوة، بنوة، أخوات، إخوة، أعمام، أخوال، عشيرة، والشيء المركزي الزوجة. 


أندم الناسِ من دخل أولاده بماله الجنة ودخل هو بماله النار :


 لذلك: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ﴾ هذه عداوة المآل. 

﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ أيها الإخوة الكرام، الإنسان قد يحصّل مالاً بمشقة بالغة، وتحصيل المال بمشقة بالغة معنى اقتراف المال أي جمّعه بجهد بليغ، مرة قال لي صاحب معمل: والله خمسة وثلاثون عاماً أكون بالمعمل الساعة الخامسة فجراً وأغادر آخر إنسان، اشترى بيتاً بمئة وستين مليوناً، لكن جهد فوق طاقة البشر، الأموال التي اقترفتموها أي جمعتموها بجهد كبير، قال لي آخر عنده معمل أقمشة: والله ما ذهبت إلى اللاذقية من ثلاثين سنة مرة، إلا مرة استلمت سيارتي، الذين عندهم أعمال كبيرة هناك جهد كبير جداً في تجميع هذه الأموال، فكل إنسان جمّع ماله من حلال الله -عز وجل- يحفظ له هذا المال لأولاده، لكن أندم الناسِ من دخل أولاده بماله الجنة، ودخل هو بماله النار، ورثوه حلالاً، وأنفقوه في طاعة الله. 


بطولة الإنسان لا أن يحتكم لقانون وضعي بل لقانون الله عز وجل :


 الآية الكريمة من سورة التوبة: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ أي تعبتم في جمعها.

﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ للتقريب، بنظام إيجار معين سابق هناك بعض الفئات من المجتمع محمية من الإخلاء، ساكن في بيت ثمنه فرضاً ملبغ ضخم خمسون مليوناً، أجرته مئة ليرة على النظام القديم، أي ضرائب البيت عشرة أضعاف أجرته، وساكن هذا البيت محمي بالقانون، يقول: أنا القانون معي، إذا وضعت في القبر هل معك قانون يحميك؟ عندك بيت آخر صرت مغتصباً، أيها الإخوة الكرام، كل بطولتك لا أن تحتكم لقانون وضعي، أن تحتكم لقانون الله -عز وجل-: ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ والله هناك حالات بفضل الله نظام الإيجار تعدل، وهذا فضل كبير من الله، لكن قبل تعديل نظام الإيجار كان هناك إنسان يسكن في بيت ضرائبه عشرة أضعاف أجرته، ومحمي، فالذي لم ينظر إلى أن الله سيحاسبه، نظر إلى أن القانون يحميه، هذا خطأ كبير: ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ .


من كان ماله وتجارته أحبّ إليه من الله و رسوله فقد خسر و خاب :


 هنا الشاهد:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ وما عندهم من أموال، وخيرات، وبيوت، والله زارني أخ قال لي: يوجد باسمي قرابة تسعمئة مليون من أراضٍ، ومساكن، وأخي يعمل على سيارة بالأجرة، الأب أعطى ابنه الأول وسجل باسمه أراضٍ وعقارات ما يقترب من ألف مليون، وأخوه  يعمل عملاً شاقاً ليأكل ويشرب، أين العدل؟

﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ﴾ من طاعة الله، من طاعة رسول الله، من الجهاد في سبيل الله، إن كان الأمر كذلك فالطريق إلى الله ليس سالكاً، مسدود


العاقل من تمسك بالشرع و القرآن لا بمصالحه المتعارضة معهما :


 أيها الإخوة الكرام، لا تعتد بمادة بالقانون لصالحك، اعتد بأن الشرع لصالحك، أن القرآن الكريم لصالحك، أن منهج الله لصالحك، والله عندي قصص لا تعد ولا تحصى من أناس تركوا بيوتاً هم يحميهم القانون لكنهم خافوا من الله، ترك بيتاً ولا يوجد عنده بيت، الله -عز وجل- أكرمه ببيت، حدثني أخ قال لي: أنا ساكن في بيت بأحد أحياء دمشق الراقية، أجرته بسيطة، عندما استأجره قالت له صاحبة البيت: هل تعدني أنني إذا طلبت منك البيت أن تعطيني إياه؟ قال لها: أعدك، بأصعب أزمة بيوت في هذه البلدة الطيبة، قالت له: أريد البيت، قال لها: حاضر، أقسم لي بالله أنه سلمها البيت، أو وقع عقداً بتسليم البيت ولا يوجد عنده بيت إطلاقاً، وكان تأمين البيت شيء شبه مستحيل، يقول له المحامي بعد أن وقع: أنت مجنون، بقيت في الطريق، قال لي: أنا حسب ما وعدتها، هو يعمل في الألبسة الجاهزة، وفي البناء الذي يعمل به بيت جميل جداً، قال لي: إذا بعت سيارتي، وبعت كل بضاعتي، وأشياء كثيرة، يمكن أن أدفع الدفعة الأولى من ثمن البيت، فبعد أن اتفقوا وبدأ يبيع، لم يوافقوا على متابعة العقد، قال لي: بعد شهر بعت بيعاً ليس طبيعياً، وأنا أنوي أن أسلم البيت، فنوى ونفذ وسلم البيت، قال: بعد أن سلمت البيت، جاءني أصحاب البيت الذي أردت أن أشتريه وعرضوا عليّ أن يبيعوه لي تقسيطاً، ودفعت أول دفعة، وسكنت في البيت ودعاني إلى طعام والله في هذا البيت، هو عندما ترك البيت تركه طاعة لله، المحامي استغرب قال له: أنت مجنون بقيت في الطريق، لكن الله ما تركه في الطريق، ثم انتقل إلى بيت أفضل.


على الإنسان أن يؤثر طاعة الله على كل ما يملك من حقوق وفق القوانين الوضعية :


 أيها الإخوة الكرام، أقسم لكم بالله عندي قاعدة، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، الوعد النبوي: (إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه) .

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾


من طاعة الله في قرآنه، وطاعة النبي في سنته:


﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾ الطريق إلى الله ليس سالكاً، ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ والله أيها الإخوة هذه الآية من أخطر آيات سورة التوبة، والله ما منا واحد إلا ويتعلق مصيره بها، يجب أن تؤثر طاعة الله على كل ما تملك من حقوق وفق القوانين الوضعية، في القبر لا أحد يحميك إلا الله، قال لي إنسان: استطعت أن آخذ محضراً بثلث قيمته، بتمثيلية أحضر أناساً دفعوا مبالغ للمزايدة صغيرة جداً، وله ترتيبات معينة، فالمحضر بدمشق، واستطاع أن يشتري المحضر بثلثي قيمته، وأكثر من مئتي شخص يملكه، بعضهم أيتام، واعتبر حاله ذكياً جداً ومتفوقاً، قلت له: وكيف تواجه الله بهذا العمل؟ فسكت، بالقبر لا يوجد قانون يحميك؟ قلت له: إما أن تعطي أصحاب الأرض القيمة الحقيقية أو أن تلغي العقد، قال لي: إن شاء الله أفعل، أنا ما رأيته بعدها، مرة كنت في الطريق شاهدت ابنه قال لي: والدي توفي، قلت له: الأرض أرجعها؟ قال لي: لا والله أخذها، تفضل واجه مئتي إنسان يملكون أرضاً ضحكت عليهم بتمثيلية وأخذتها بثلثي قيمتها. 


أغبى الأغبياء من أكل مالاً حراماً و عدّ نفسه ذكياً :


 أيها الإخوة الكرام، الله كبير، لا تعد ذكياً إذا أكلت مالاً حراماً بل تعد أغبى الأغبياء.

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ أنا حدثني أخ -هو محام كبير- قال لي: هناك بيت ثمنه يقدر بستين مليوناً، بعدما مات صاحبه، أبرز إنسان عقد بيع، هذا العقد أصولي لكن قد يكون مزوراً، اضطر القاضي إلى شاهدين، هناك شاهد شهد، الثاني أحضروه بالأجرة، وضع يده على المصحف وحلف يميناً كاذبة أنه يعرف هذه الحقيقة، أقسم بالله هذا القاضي أن هذا الشاهد يمسك الطاولة بيده اليسرى، ويده اليمنى على المصحف، ورفع يده لكن لم ينزلها، فالقاضي انزعج، قال له: انزل يدك، كان ميتاً، ثم قلب، ضعفت يده ووقع، مات أثناء حلف اليمين. 


عين الفسق من آثر دنياه على آخرته :


 أيها الإخوة الكرام، الآية خطيرة جداً: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ من أمر الله في قرآنه، وأمر النبي في سنته: ﴿وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾ الطريق إلى الله ليس سالكاً، فتربصوا مكانكم: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ إذاً أن تؤثر أباك، وأبناءك، وإخوانك، وزوجتك، وعشيرتك، وأموالاً اقترفتها، وتجارة تخشون كسادها، ومساكن على طاعة الله، فهذا هو عين الفسق.

والحمد لله رب العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور