وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0916 - الحب في الإسلام2 ، أسباب محبة الله - احتضار مؤمن .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
 اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أسباب محبة الله عز وجل :

 أيها الإخوة الكرام: في الخطبة السابقة بينت، بفضل الله تعالى، أن الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، وأن العقل غذاؤه العلم، وأن القلب غذاؤه الحب، وأن الجسم غذاؤه الطعام والشراب، وما لم تُلَبَّ هذه الحاجات الثلاث معاً يكون التطرف، فإذا لبّيتها معاً يكون التفوق.
 أيها الإخوة الكرام: الحب أكبر كلمة تأتي بعد كلمة الإيمان، لأن الأصل في العلاقة بين الله عز وجل ومخلوقاته هو الحب، بل إن السمة الأولى في العلاقة بين الله والإنسانِ هو الحب:

 

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

( سورة المائدة : الآية 54 )

تعريف الحب :

 أيها الإخوة الكرام: وعدتكم في خطبتين قادمتين، وهذه هي الأولى أن أتحدث عن أسباب محبة الله عز وجل.
 الأسباب كثيرة، وسآتي عليها واحداً واحداً إن شاء الله، ولكن قبل أن آتي على الأسباب أقول:
 ما تعريف الحب؟
 الحقيقة أن الحب أو المحبة لا تعرّف بتعريف أوضح منها، كيف؟
 هل تستطيع أن تحدثني عن طعم التفاح دون أن تذكر كلمة تفاح؟ إذا قلت: حلو المذاق فإنّ مئة فاكهة حلوة المذاق، لا تستطيع إلا أن تقول: طعم التفاح هو طعم التفاح، ولا تستطيع أن تزيد على ذلك:
 لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

 

 أيها الإخوة الكرام: الحدود والتعاريف لا تزيد المحبة إلا خفاء، فلا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة.
 قالوا في تعريف المحبة: هي الميل الدائم بالقلب الهائم، وإيثار المحبوب على جميع المصحوب، وموافقة الحبيب في المشهد والمغيب.
 المحب عبد زاهد عن نفسه، متصل بربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبه أنوار هيبته، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكت فمع الله.

 أيها الإخوة الكرام: من الأسباب التي تجعلك تحب الله، عشرة أسباب:

1)قراءة القرآن وتدبر آياته :

 أن تقرأ القرآن قراءة صحيحة، والأوْلى أن تقرأ وفق قواعد التجويد، وأن تفهم المعاني، وأن يتدبر القارئ كلام الله عز وجل.
 معنى ذلك أن يسأل القارئ نفسه دائماً: أين أنا من هذه الآية؟ هذا، كما قال بعض العلماء، يزيد من محبة الله عز وجل، لذلك قال تعالى:

﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾

( سورة المزمل : الآية 4)

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعلانيةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾

( سورة فاطر : الآية 29)

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تلاوتهِ ﴾

( سورة البقرة : الآية 121)

 وقال علماء التفسير في تفسير: حق تلاوته: أن تقرأه قراءة صحيحة، ثم أن تفهمه، ثم أن تتدبره، ثم أن تعمل به.
 وقال عز وجل:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾

( سورة العنكبوت : الآية 45)


 وقال عز وجل:

 

﴿ أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ﴾

 

( سورة النساء : الآية 82)

 وقال تعالى:

﴿ أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

( سورة محمد : الآية 24)

 سيدنا عثمان رضي الله عنه في الحديث الصحيح الذي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاريُّ ]

 وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( المَاهِرُ بالقرآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاق، له أجران ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 أيها الإخوة الكرام:
 عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً بماء يدعى خم، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال:

((أما بعد أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن تركه وأخطأه كان على الضلالة، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاث مرات ))

[ من حديث صحيح عند ابن خزيمة ]

 أيها الإخوة الكرام: هذا كتابنا، هذا منهجنا، هذا دستورنا، هذه تعليمات الصانع، فيه صلاحنا، فيه نجاحنا:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾

( سورة الإسراء : الآية 9 )

 إن اتبعناه لن تضل عقولنا، ولن تشقى نفوسنا، إنه منهج الله في الأرض.
 خلق الله الأكوان، ونوّرها بالقرآن:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾

( سورة الأنعام، الآية1 )

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾

 

( سورة الكهف، الآية1 )

 الكون في كفة، والقرآن في كفة.

2)التقرب إلى الله تعالى بالنوافل :

 أيها الإخوة الكرام:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( قال الله تعالى: من عادى لي وَلِيّاً فقد آذَنتُه بحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

 أما قوله:

(( كُنتُ سمعَه الذي يسمع به ))

 أي: لا يسمع إلا وفق الوحيين: الكتاب والسنة، فإذا كان هناك ضلالة، أو كان هناك شبهة، أو كان هناك افتراء، أو كان هناك طرح بعيد عن الوحيين، فإنه يرفضه.

 

(( وبصرَه الذي يبصر به ))

 أي: يرى بنور الله، ينطق بتوفيق الله.

 

(( ويده التي يبطش بها ))

 أي: حركته التي يتحرك بها.

 

(( ورجله التي يمشي بها ))

 أي: لا يتحرك، ولا يمشي إلا إلى خير.

 

3)المداومة على ذكر الله تعالى :

 أيها الإخوة الكرام: قال الله تعالى:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

( سورة البقرة : الآية 152)

 أي: اذكروني لعبادي كما ذُكِرت لكم فعرفتموني، فاذكروني أذكركم:

﴿ وَأَقِمِ الصلاة إِنَّ الصلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ والله يعلم ما تصنعون ﴾

( سورة العنكبوت : الآية 45)

 قال العلماء: أكبر ما فيها أنّ ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته عبدته، لكنه إن ذكرك منحك الأمن، منحك السكينة، منحك الحكمة، منحك التوفيق، منحك النصر، منحك التأييد، هذه أعطيات الله عز وجل، أن تكون آمناً:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بالأمن إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (*)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمن وهم مهتدون ﴾

( سورة الأنعام 81-82)

 نعمة الأمن لا تعدلها نعمة على الإطلاق، أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقُّعُ المصيبة مصيبة أكبر منها، ولا ينعم بنعمة الأمن إلا المؤمن، والدليل هذه الآية:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بالأمن إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (*)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمن وهم مهتدون ﴾

( سورة الأنعام 81-82)

 أي: لهم وحدهم.

 يعطيك السكينة: والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، سعِد يونس بالسكينة وهو في بطن الحوت، وسعد إبراهيم بالسكينة وهو في النار، وسعد أصحاب الكهف بالسكينة وهم في الكهف، وسعد النبي الأعظم بالسكينة وهو في الغار:

(( يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 إن منحك السكينة سعدت بها ولو فقدت كل شيء، ولو كنت في السجن منفرداً، وإن حجبت عنك شقيت بفقدها ولو ملكت كل شيء:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

( سورة طه : الآية 124)

 إذاً:

 

﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

 

( سورة العنكبوت : الآية 45)

 يمنحك السكينة، يمنحك الأمن، يمنحك التوفيق، يمنحك السداد، يقذف في قلبك نوراً ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً:

﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

( سورة العنكبوت : الآية 45)

 تذكره أنت وتعبده، لكنه إذا ذكرك منحك ما يفتقر له الأقوياء في الأرض، ومنحك ما يفتقر له الأغنياء في الأرض، ومنحك ما يحرم منه أكابر من في الأرض:
 ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُّك فاتك كل شيء.

 أيها الإخوة الكرام:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

( سورة البقرة : الآية 152)

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

( سورة الأحزاب : الآية 41)

 الأمر ينصبُّ على الذكر الكثير، لأن المنافقين وصفهم الله عز وجل بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، إذاً الأمر هنا ينصبّ على الذكر الكثير:

﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾

( سورة الأحزاب : الآية 35)

(( يقول الله تعالى: أَنا عند ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 ما معنى: أنا معه؟
 إذا كان الله معك فمن عليك؟
 لا تستطيع قوى الأرض أن تنال منك.

 

(( وأنا معه إذا ذكرني ))

 المعية هنا خاصة، معية التوفيق، معية التأييد، معية الحفظ، معية النصر.

(( وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإِن ذكرني في مَلأٍ، ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 يرفع الله لك ذكرك:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (*)وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (*)الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (*)وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

( سورة الشرح 1-4)

 قال بعض العلماء: لكل مؤمن من هذه الآية نصيب بقدر إيمانه واستقامته وإخلاصه.

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

( سورة الشرح الآية4)

(( فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإِن ذكرني في مَلأٍ، ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 أيها الإخوة الكرام:

 

(( مَثل الذي يذكر ربَّه، والذي لا يذكر ربه: مَثلُ الحيِّ والميت ))

 

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

 كم هي المسافة كبيرة بين إنسان حي ينطق ويتحرك ويبتسم ويجلس ويؤنس، وبين جثة هامدة، والناس يخافون الدخول إلى غرفة فيا ميت.

(( مَثل الذي يذكر ربَّه، والذي لا يذكر ربه: مَثلُ الحيِّ والميت ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

 هذا هو الشرط الثالث لاكتساب محبة الله عز وجل.

4)إيثار ما يحب الله تعالى :

 بدليل ما يفهم من قوله تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى (*)وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (*)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

( سورة النازعات 37-39)

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( ثلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حلاوة الإيمان، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 وكم هي المسافة كبيرة بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان.
 حقائق الإيمان أن تمتلك خارطةً لقصرٍ، بينما حلاوة الإيمان أن تمتلك القصر، وأن تسكن فيه.
 فرق كبير بين أن تقول: ألف مليون، وبين أن تمتلكها، المسافة بين أن تنطق بالألف مليون وأن تمتلكها هي المسافة بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان، لكن حلاوة الإيمان ثمنها باهظ.

(( ثلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حلاوة الإيمان، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))

 يعني: الله في قرآنه، ورسوله في سنته، أحب إليه مما سواهما عند التعارض:
 صفقة فيها الملايين، لكن البضاعة فيها شبهة، أو طريقة الكسب فيها شبهة، تركلها بقدمك، وتستغني عنها، عندئذ تذوق حلاوة الإيمان.

 أيها الأخوة الكرام: حلاوة الإيمان ثمنها باهظ، لكن نتائجها رهيبة، نتائجها عظيمة.
 أيها الإخوة الكرام:

(( ثلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حلاوة الإيمان، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))

 عند التعارض، حينما تتعارض مصالحك مع الحكم الشرعي، فتؤثر الحكم الشرعي على مصالحك، عندئذ تذوق حلاوة الإيمان.

(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ ))

 وهو الولاء والبراء.

(( وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

 إن من أهم أسباب المحبة، أنّ الإنسان مبرمج ومفطور ومجبول أن يحبَّ الكمال والنوال والجمال، فما من إنسان مِن ستة مليارات إنسان، إلا ويحب الجمال والكمال والنوال والعطاء.
 الله عز وجل أصل كل عطاء، وكل جمال، وكل نوال، فالذي أحب الله أحب الأصل، والذي أحبَّ ما سواه تعلق بالفرع.

5)فهم أسماء الله تعالى وصفاته :

 أيها الإخوة الكرام: أعظم أسباب محبة الله عز وجل مطالعة أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، ومشاهدتها بعين القلب، فإن لله عز وجل أسماء كلها حسنى، وصفات كلها فضلى.
 أيها الإخوة: المؤمن يطالع جمال الذات، وجمال الأسماء، وجمال الصفات، وجمال الأفعال.
 هو أهل أن تحبه، هو أهل أن تفني شبابك في طاعته، هو أهل أن تجعله منتهى آمالك، ومحط رحالك، هو أهل أن تتقيه، قال تعالى:

﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾

( سورة المدثر : الآية 56)

 أنت مخلوق لمعرفة الله، وحينما تتجه إلى غيره تحتقر نفسك، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

( سورة البقرة : الآية 130)

 أنت حينما تتجه إلى غير الله، أو تتعلق بغير الله تحتقر نفسك دون أن تشعر، لأنه قد ورد في الأثر:
 خلقت لك ما في السماوات والأرض، ولم أعيَ بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه إليك كل حين؟ لي عليك فريضة، ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنتَ عندي مذموماً، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
 أيها الإخوة الكرام: من تأمل صفات الله عز وجل الفضلى وأسماءه الحسنى، وعاش معها يصل به الأمر إلى حالة كأنه ينظر إلى الرحمن مستوياً على عرشه، بائناً من خلقه، يأمر، وينهى، يخلق ويرزق، يميت ويحيي، يقضي وينفذ، يعز ويذل، يقلب الليل والنهار، يداول الأيام بين الناس، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، ووسع كل شيء رحمة وحكمة.
 وسع سمعه الأصوات باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، لا تختلف عليه، ولا تشتبه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح ذو الحاجات، سواء عنده من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخفٍ في الليل وسارب بالنهار، لا يشغله جهرُ من جَهَرَ عن سمعه لصوت من أسر، بل هي عنده كلها بصوت واحد، كما أن الخلق جميعهم خلقهم، وبعثهم عنده بمنزلة واحدة، قال تعالى:

﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾

( سورة لقمان : الآية 28 )

 أحاط بصره بجميع المرئيات، فيرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويرى جناح البعوضة في ظلمة الليل، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
 له الخلق والأمر، له الملك والحمد، له الدنيا والآخرة، له النعمة والفضل، له الثناء الحسن، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
 يمينه ملأى لا تغيضها نفقة الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه، لو أن أشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا أقلام، ولو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر فكتبت بتلك الأقلام، وذلك المداد كلماته، لفنيت الأقلام، ونفد المداد، ولم تنفد كلمات الله، وكيف تنفد وهي لا بداية لها ولا نهاية؟
 هو أول بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبهه الأنام، حي لا يموت، قيوم لا ينام، خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤونة، مميت بلا مخالفة، باعث بلا مشقة، مازال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً، وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً.
 ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائه، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائه لخلقه.
 فإن عاش العبد مع أسماء الله تعالى وصفاته، عظمت محبته لربه عز وجل، ولم يؤثر على رضاه شيئاً أبداً، وإن مزق، وحرق، أو قتل، أو عذب ففي سبيل الله، مهما كانت هذه الألوان من العذاب.
 أيها الإخوة الكرام: محبة الله شيء لا يوصف، وثمرة يانعة لا تدرك إلا بهذه الأسماء.

6)مشاهدة النعم الظاهرة والباطنة :

 إنّ من يتفكر في عظيم إحسان الله له، وما حباه ربه من النعم الظاهرة والباطنة، فلابد أن يحب الله عز وجل حباً عظيماً.
 منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد.
 لو أن خللاً أصاب جسمك لأصبحت حياتك جحيماً لا يطاق، أي خلل في أيّ عضو أو أي جهاز من أجهزتك يجعل الحياة جحيماً لا يطاق.
 خلقك في أحسن تقويم، وكرمك أعظم تكريم، منحك نعمة الهدى، وهي من أكبر النعم.
 أيها الإخوة الكرام: أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه.

7)الانكسار بين يدي الله عز وجل :

 أن تنكسر بين يديه، أن تكون ممرغاً لوجهك في أعتابه.
 كن عزيزاً أمام الخلق، وذليلاً أمام الخالق.
 إن تذللت أمام ربك رفع شأنك، وأعلى قدرك، ومنحك السكينة، ومنحك الوقار، ومنحك الهيبة.
 لذلك أعداء الله عز وجل يتكبرون على الضعاف، وهم أذلة أمام من هو أقوى منهم، بينما أحد كبار العلماء وهو الحسن البصري قام بأمانة الدعوة فأغضب الحجاج، وقال الحجاَّج لمن حوله: والله لأروينّكم من دمه، وأمر بقتله، واستدعى السياف، ومد النطع، وجيء بالحسن البصري، فلما دخل ورأى السياف جاهزاً لقتله، والنطع قد مد، حرّك شفتيه بكلام لم يفهمه أحد، فإذا بالحجاج يقف له، ويقول: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، ومازال يدنيه حتى أجلسه إلى جانبه على السرير، واستفتاه في موضوع، وأكرمه، وشيعه إلى باب القصر، فصعق من هذا التصرف الحاجب والسياف، فتبعه الحاجب، فقال: يا أبا سعيد لقد جيء بك لغير ما فعل بك، فما الذي قلت بربك حينما دخلت؟ قال: حينما دخلت رأيت كل شيء قد أعد لقتلي فقلت: اللهم اجعل نقمته عليَّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، يا مؤنسي عند وحشتي، يا ملاذي عند كربتي اجعل نقمته عليَّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
 قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (*)قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

( سورة طه 45-46)

 أعلى درجات الإيمان أن تشعر أن الله معك، ولا يتخلى عنك، وأنه إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب: ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
 انكسرْ إلى الله، تذللْ إليه، ائتهِ من باب الخضوع، ائتهِ من باب الانكسار، فهذا الباب ليس فيه ازدحام أبداً، الشيء الذي لا يصدق، أن معظم من يعملون في الحقل الديني يأتون من مكانٍ عالٍ، يتحدث أحدهم عن ألقابه العلمية، وعن شهاداته، وعن مكانته، وعن قيمته، وعن خطره في المجتمع، ائتِ ربك من باب الذل، ائتِ ربك من باب الخضوع، ائتِ ربك من باب التواضع، تذلل لمن تهوى.
 أيها الإخوة الكرام: سئل بعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعم، يسجد سجدةً لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء.
 ما من تعريف للعبادة جامع مانع أفضل من تعريف ابن القيم رحمه الله قال: العبادة غاية الحب، وغاية الخضوع.
 العبادة غاية الحب، وغاية الذل إلى الله، العبادة غاية الحب وغاية الانكسار، الانكسار إلى الله عز وجل، الخضوع إلى الله عز وجل، أما حينما تخضع لقوي، وتتجبر على ضعيف فهذه صفة اللئام، يذل أمام الأقوياء، ويتجبر أمام الضعفاء.

8)الخلوة في أوقات التجلي الإلهي :

 عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يُمهِلُ حتى إِذَا ذَهَبَ ثُلُث الليل الأَوَّلُ، نَزَلَ إلى السماء الدنيا، فيقول: هل مِنْ مُستَغْفِرٍ؟ هل مِن تائِبٍ؟ هل من دَاعٍ؟ حتى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾

( سورة السجدة : الآية 16)

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (*)كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (*)وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

( سورة الذاريات 16-18)

﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (*)وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾

( سورة الإسراء : الآية 78)

 الخلوة بالله وقت النزول الإلهي، من أسباب المحبة.

 

9)مجالسة الصالحين والمحبّين :

 أيها الإخوة الكرام: هذا سبب خطير، إنك إذا جالست أهل الدنيا أحببت الدنيا، إنك إن جالست العصاة اشتهيت المعصية، وإنك إن جالست المحبين أحببت الله عز وجل.
 قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

( سورة الكهف : الآية 28)

 أيها الإخوة الكرام: قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

( سورة التوبة : الآية 119)

 لابد من بيئة مؤمنة تعرفها، لابد من أخ مؤمن تصدقه محبتك، ويصدقك محبته:

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

( سورة التوبة : الآية 119)

 كأن الله عز وجل يخبرنا أنكم لن تستطيعوا أن تطيعوني إلا إذا كنتم مع من يحبني، فلا بد من مجالسة المحبين الصادقين.

 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك ونافخِ الكِيْرِ، فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحاً طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحاً خبيثَة ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 لابد من الحمية الاجتماعية، لابد من أن تصاحب المؤمنين:

(( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

[ حديث حسن، أخرجه ابن حبان ]

 تحتاج إلى بيئة إيمانية، إلى بيئة محبين لله عز وجل في جلساتك، وندواتك، وسمرك، وليلك ونهارك، وعطلتك، كن مع المؤمنين، ولا تكن مع الفسقة، ولا مع المجرمين، ولا مع الدعاة إلى غير الله عز وجل.

10)اجتناب المخالفات والمعاصي :

 أن تبتعد عن كل مخالفة تحول بينك وبين الله، أن تترك المعاصي.
 أيها الإخوة، المؤمن يرى أن اتصاله بالله، ورضى الله عنه أغلى من الشهوة، فيؤثر محبة الله على لذائذ الشهوات، لذائذ الشهوات تنقضي، وتبقى تبعاتها، بينما الطاعات ينقضي جهدها، وتبقى ثمراتها، قال تعالى:

﴿ كلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

( سورة المطففين : الآية 14)

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم ﴾

( سورة آل عمران : الآية 31)

تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحـب لمن يحب مطيع

 أيها الإخوة الكرام: البعد عن مخالطة من لا خير فيه، وعدم الإكثار من المباحات، وفضول الطعام والشراب، والنظر، والكلام، وغيرها مما يحول بين العبد وربه.

 هذه أسباب عشرة لجلب محبة الله عز وجل، وهي بين أيدي جميع المؤمنين، وهي في استطاعة كل المسلمين، ولكن البطولة لمن أراد أن يحب الله عز وجل أن يعمل بها.

وأخيراً :

 أيها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

احتضار المؤمن :

 أيها الإخوة: وردتني رسالة طريفة ولطيفة، وقد تناسب هذا الموضوع، ولكن من جهة سلبية، عنوانها احتضار مؤمن، كيف ينتهي المؤمن؟ قال:
 بدأت الذاكرة تنسى أذكار الصباح والمساء لبعد العهد بترديدها، وبدأ المؤمن يتساهل في السنن الرواتب، ولم يبقَ إلا على الفرائض، لا ورد من القرآن يتلى، ولا ليل يقام، ولا نهار يصام، الصدقة يوقفها، فإن خرجت من الجيب خرجت هزيلة على تسويف أن أختها ستكون أكبر منها.
 العمل يستغرق سحابة النهار، وشفق الغروب، وربما بعضاً من نجوم الليل، العمل الإسلامي يقترب من العمل الحرفي يوماً بعد يوم، والمؤسسات الدعوية تقصر نشاطها، وتبدأ مشروعاتها وآمالها حيث يبدأ الدعم، فإن لم يكن هناك دعم فلا نشاط ولا عمل، يمر اليوم واليومان، وربما الأسبوع والأسبوعان، ولم يستغرق وقتاً في قراءة جادة.
 ينقضي المجلس، وينصرف الجمع، وقد أكلوا ملء البطون، وضحكوا ملء الأفواه، وربما أكلوا لحم فلان وفلان ميتاً، وتقصّوا أخبار السلع والسيارات وغرائب الطرائف، ولم يتذاكروا آية أو حديثاً أو فائدة، والحضور جميعاً ملتزمون، ومنهم مؤمنون، فإن كان ولابد فالجرح والتعديل موضوع مجالس اليوم.
 زهد في السنن، توسع في المباح، تهاون في المحظور، لا صلاة ضحى ولا وتر، ولا تبكير إلى الجمع والجماعات، ولا دعاء الخروج والدخول إلى المنزل، ولا السواك عند الوضوء والصلاة، ترف في المطعم والملبس والمركب، ملاطفة الكفار في كل الأوقات بغرض تأليف القلوب، على أساس أنه لا يجب الحديث معهم عن الإسلام ابتداءً لعدم تنفيرهم، ولكن علينا الدعوة عن طريق القدوة إلى أن يحين الموعد المناسب الذي لا يحين أبداً، متابعة الأخبار والبرامج والندوات من دون أن نعمل بما فيها.
 أهذا مؤمن؟ أهذا حال المؤمن؟ أيصلح أن يسمى هذا مؤمناً؟ هل يمكن أن يؤثر عملاً صالحاً في مجتمعه على حظوظ نفسه؟
 أيها الأخوة الكرام: هذا حال بعض المؤمنين بل حال معظم المسلمين، فلابد من صحوة علمية وصحوة عبادية وصحوة في العمل، لابد من تعريف العبادة بأنها: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، أذل أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين، شتت شملهم، فرق جمعهم، خالف فيما بينهم، اجعل الدائرة تدور عليهم، اجعل تدميرهم في تدبيرهم يا رب العالمين، أرنا قدرتك في تدميرهم يا أكرم الأكرمين.
 انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
 اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى، واجمع بينهم على خير، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور