وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة القيامة - تفسير الآيات 3-4 -7-9 النفْس اللَّوامَة نفْسٌ يُحِبُّها الله عز وجل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، في عِلْم المنطِق شيئان مُتعاكِسان، وشيْئان مُتناقِضان، فالشيئان المُتعاكِسان يجْتمعان كالأبْيَضِ والأسْود، أما الشيئان المتناقِضان فلا يجْتَمِعان كالظلام والنور، فَوُجود أحدهما ينْفي الآخر، فالأشْياء المتعاكِسَة تجْتَمِع بينما المتناقِضة لا تجْتَمِع.
حقيقتان إن آمَنْتَ بِأحَدِهما يجب أن تُنْكِرَ الأُخرى، فَوُجودُ إلهٍ في هذا الكون بِيَدِهِ كُلُّ شيء وكاملٌ كمالاً مُطْلَقاً، وإما أن تُؤمن بالعَبَثِيَّة فإن آمَنْتَ بالعَبَثِيَّة فلا معنى لأن تُؤمن بالله، وإن آمنتَ بالله فَيَجِب أن تنفي العَبَثِيَّة إطْلاقاً، يقول الله عز وجل:

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)﴾

[سورة القيامة]

 أكل أموال الناس بالباطل وطغى وبغى ويأتي الموت وينتهي كلُّ شيء ولا شيء بعد الموت، هذه هي العَبَثِيَّة، هناك ضعيف وقويّ وفقير وضعيف، وهناك صحيح ومريض، وإنسانٌ عَمَّر والآخر مات بِسِنٍّ مُبَكِّرَة، وهناك إنسان وسيم جداً وآخر دميم جداً، فهذا الذي تَمَتَّع بالمال طوال حياتِه وحار في إنْفاقِه، وهذا الذي يتمنى أن يكون معه ألف ليرة وهذا الذي أكل أَطْيَبَ الطعام، وهذا الذي لم يأكل شيئاً، وهذه المرأة التي تَمَتَّعَت بِجَمال صارِخ فَخَطَبها أغْنى الأغْنِياء، وهذه الذَّميمة التي ما خَطَبها أحد، ثمَّ يأتي الموت وينتهي كُلُّ شيء، ولا شيء بعد الموت ! هذه عَبَثِيَّة، قال تعالى:

 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)﴾

 

[سورة القيامة]

 وقال تعالى:

 

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)﴾

 

[سورة إبراهيم]

 وقال تعالى:

 

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا(27)﴾

 

[سورة الإنسان]

 فأنت إذا آمنْتَ بالعَبَثِيَّة فلا معنى أن تؤمن بالله تعالى إطْلاقاً، أم إذا آمَنْتَ بالإله فلا يُمْكن أن تعْتدي على أحد لأنَّك سَتَدْفَعُ الثَّمن باهِظا، ولا يمكن أن تأخذ مال أحد، فأنت مع الإنسان القَوِيّ وتنْضَبِط فَكَيْف بالله تعالى ؟! إذا عَلِمْتَ أنَّ هذا الإنسان القوِيّ يعلم كلّ حركاتك وسَكَناتك وسوف يُحاسِبُك حِساباً عسيراً، فلا يُمكن أن تُخالف أمره، فَكَيْف مع الواحِد الدَّيان ؟! فالله تعالى يقول:

 

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)﴾

 

[سورة القيامة ]

 يوم الجزاء والدَّيْمومة، ويوم تُوَفَّى كُلُّ نفْسٍ ما كَسَبَتْ ويوم تُسَوَّى الحِسابات، ويوم يؤخَذ من المظلوم للظالم، ويوم يأخذ للمغتصَب من مُغْتَصِب، يقوم العدْل المطلق بين الخلْق ؛ هذا يوم القِيامة، نحن في دار ابْتِلاء، وغذاً في جزاء، ونحن في دار تَكْليف وغداً تشْريف ونحن في دار عَمَل وغداً دار أمَل، ونحن في حياةٍ دُنيا مُتْعِبَة، والإنسان ينشأ ويتنامى إلى أن يَصِل إلى قِمَّةِ مَجْدِه، ثمَّ يأتي مَلَكُ الموت بعد أن ضَبَط أُموره، وحقَّق دَخْلاً كبيراً، واشْترى بيْتاً مُريحاً، ورَكِبَ مَرْكَبَة فَخْمَةً وعلا اسْمُه وذاع صيتُه يأتي ملكُ الموت ليأخذ منه ما جَمَعَهُ من عُمْرٍ مديد في ثانِيَةٍ واحِدَة، إذاً هذه الدنيا أحْقر من أن تكون عطاءً من الله تعالى، لأنَّ الله تعالى إذا أعْطى لا يأخذ، فالدنيا ليسَتْ عطاءً، ولو أنَّها تَعْدِل عند الله جناح بَعُوضة ما سَقى منها الكافر شَرْبة ماء، هي أحْقَر من أن تكون عَطاءً، وأحْقر من أن يكون الحِرْمان منها عِقاباً قد يحْرِمُها الله تعالى من أحْبابه، وقد يُعْطيها لأعْدائِه، والدليل أنَّهُ أعْطى المُلْك لمن لا يُحِبّ ولِمَن يُحِبّ، فهذا إذاً ليس مِقْياساً، فقد أعْطاهُ لِفِرْعَون، وأعْطى لِخِيرَتِه كَعُثْمان، فالمال إذاً ليس مِقْياساً، وكذا القوَّة فالعِبْرة أن تعْمل لِهذا اليوم الذي سوف يدْفع الإنسان فيه الحِساب دقيقاً فهذا أعْرابِيٌّ سأل النبي عليه الصلاة والسلام أن يَعِظَهُ وأن لا يُطيل عليه فَتَلا عليه قوله تعالى:

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾

 

[سورة الزلزلة]

 فقال: كُفيت فقال عليه الصلاة والسلام فَقُهَ الرَّجل ! أي صار فقيهاً وكذا كلّ آية في كِتاب الله تعالى تَكْفينا طوال حياتنا، ألا يَكْفينا قوله تعالى:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)﴾

 

[سورة النساء]

 أنت تحت المُراقبة، فلو قلنا لك أنت مُراقب فَيُمْكن أن تتوَهَّم الخطأ توهّماً، فَكيف إذا كان الله تعالى هو الذي يُراقبك، فقوله تعالى:

 

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)﴾

 

[سورة القيامة ]

 هي التي تَحَدَّثنا عنها البارحة بالتفصيل وذَكَرْنا أنَّ النفْس اللَّوامَة نفْسٌ يُحِبُّها الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)﴾

 

[سورة القيامة]

 فهذا الإبْهام دَرَسَهُ العلماء فَوَجدوا فيه مائة نقْطة، ومائة علامة، وطَبَعوا إبْهاماً بِحَجْم مائة مُرَبَّع، وطَبَعوا مائة ألف إبْهام، ومَرَّروا هذه المائة ألف على هذا الإبْهام فلم يكن يَجِدوا ولا واحِداً يُوافق الآخر ! بل إنَّ العلماء قالوا: لو أنَّ سَبْعة نِقاط تشابَهَت في إبْهامَيْن لكان الإبْهامان لِرَجُلٍ واحِد فهذا الإبْهام بَصْمة وتوقيع بل وأدَقُّ توقيع، بعض المُجْرمين بِأمْريكا وَضَعوا جزءً من جِلْدٍ على إبْهامِهِم بِعَمَلِيَّة جِراحِيَّة حتى يخْلصوا من موضوع البَصْمات، بعد ثلاثة أشْهر عاد شَكْل الإبْهام الأصْلي إلى الجِلْد الذي رُكِّب فوقه ! والعلماء قالوا: قُزَحِيَّة العَيْن هوِيَّة لك، ليس في الأرْض كُلِّها له قُزَحِيَّة عَيْن تُشْبِهُك، لذلك هناك أقْفال على قُزَحِيَّة العين يَضَعَهُ الإنسان عَيْنيْه على القِفْل فَيُفْتَحُ الباب ! ولا يُفْتح إلا لِصاحِب هاتين العَيْنين، وكذا رائِحَة الجِلْد هُويَّة، فَكُلُّ إنسانٍ له رائِحَة والكلاب البولِسيَّة تهْتدي بهذه الرائِحَة والكلب له قوَّة شمّ يُساوي مليون ضِعْف الإنسان، وكلّ إنسان له نَبْرة صوت خاصَّة وهي هَوِيَّة ثانية، وكلّ إنسان له بلازما دم خاص، وكل إنسان له زمرة نسيجِيَّة خاصَّة ؛ خمسة آلاف زمرة نسيجِيَّة، فَقُزَحِيَّة العَيْن ورائِحَة الجِلْد، ونبرة الصوت وبلازما الدم والزمرة النَّسيجِيَّة والإبهام، فالله تعالى جعل فرْداً لا شبيه لك، وذلك لِكَرامتك عند الله قال تعالى:

 

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)﴾

 

[سورة القيامة]

 فهذا الشكل الذي على الإبهام سوف يعود كما كان، لكن متى ؟! قال:

 

﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)﴾

 لا يوجد لُجوء سياسي هناك، أما هنا فلَدَيْك لُجوء سياسي تنتقل به من دولة لأخرى، قال تعالى:

 

 

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94)﴾

 

[سوة الأنعام]

 فالإنسان في الدنيا له جماعة ووُسَطاء وأتباع، يقول لك أحدهم: فلان جاءَتْهُ أزْمَة، فَجاءَهُ مائة تلفون من أجله ! أما هناك كما قال تعالى:

 

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94)﴾

 

[سورة الأنعام]

 قال تعالى:

 

﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(25)وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(26)وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ(27)كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ(28)فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ(29)وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ(30)﴾

 

[سورة الدخان]

 خِطاباً لِفِرْعَون، فهذه الآية أيها الإخوة تُبَيِّن أنَّه لا عَبَثِيَّة في الكون قال تعالى:

 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

 

[سورة القيامة]

 لن تُحاسَب ! طَلَّقْتَ زَوْجَتَك ظُلماً وأخذْتَ بيتها ولن تُحاسَب ! وأكلت أموال الناس بالباطل ولن تُحاسَب، واعْتَدَيْتَ على أعْراضِهم، واسْتَغَلَّيْتَ ضَعْفَهُم ولن تُحاسب، قال تعالى:

 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)﴾

 

[سورة القيامة]

 باللِّقاء الزوْجي يُفْرز الرجل خمسمائة مليون حُوَيْن، والبُوَيْضَة تحتاج إلى حُوَيْنٍ واحدٍ ! أكبر رقم سَمِعْتُه خمسة آلاف مليون معلومة مُبَرْمَجة وسَمِعْتُ رقماً بِمِلْيون، ولا أدري الدِّقة بينهما، أما هناك مليون أمر مُبَرْمَج على الحُوَيْن المنوي، وكذا على البُوَيْضَة، فإيَّاك أم تؤمن بالعَبَثِيَّة وأن تقول: هذا القوي يفْعل ما يشاء ! ألا يوجد إلهٌ يُحاسِبُه ؟! هذا سوء ظَنٍّ بالله عز وجل، هؤلاء سَيُحاسبون حِساباً عسيراً، الذين يعيشون على أنْقاض الشُّعوب ويتَحَكَّمون بِمَصائِر الشُّعوب، والله عز وجل يُمْهِل ولا يُهْمِل وإليكم هذه القِصَّة الرَّمْزِيَّة وهي شوحَةً جاءَت سيِّدنا سليمان قبل الطوفان وقد أوتِيَ لغة الطير، فقالت له: ربُّك عَجول أم مَهول ؟ فسأل ربَّهُ فقال تعالى: أنا مَهول ولسْتُ عَجول، فاطْمَأنَّتْ فَسَرَقَتْ لحْماً على النار فَعَلِقَتْ جمْرةٌ في اللَّحْم أحْرَقَت عُشَّ أوْلادِها فعادَتْ إليه وقالت له: ألم تقل إنَّه مَهول ؟! فقال له قل لها: هذا حِسابٌ قديم وليس على آخر شيء فَعَلْتيه !! قال: ما من علقة ولا اخْتلاج عِرْقٍ ولا خَدْشِ عودٍ إلا بما قَدَّمَتْ أيديكم، وما يَعْفو الله أكثر، فإذا وَقَع الإنسان بِمُشْكلة عليه أن يُراجِعَ نفْسه، فالله تعالى أكبر من أن يُصيبك بِمُصيبة، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30)﴾

 

[سورة الشورى]

تحميل النص

إخفاء الصور