وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة المزمل - تفسير الآيات 1-7 ، الصلة بالله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآيات الأولى من سورة المُزَمِّل وهي قوله تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1)قُمْ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا(2)نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا(3)أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا(4)إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5)إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا(6)إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا(7)﴾

[ المزمل: الآية 1-7 ]

 كما قال الله عز وجل:

 

﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78)﴾

 

[ الإسراء: الآية 78 ]

 فالإنسان لا بدَّ له من أنْ يُشْحنَ حتى يتألَّق، فالتألُّق يحْتاج إلى شَحْن مثلاً بعض المصابيح تحْتاج إلى شَحْن حتى تُضيء فإذا شُحِنَتْ كثيراً أضاءَتْ أكثر، وإذا قَلَّ شحْنُها قلَّ ضوْؤُها فإذا انْعَدَمَ شَحْنُها اِنْطَفَأتْ فالإنسان لا بدّ له من شَحْن وهو الاتِّصال بالله ؛ في أيِّ الأوقات تكون الصِّلة مُحْكَمَة والجَوُّ مُناسِباً والإقْبال مُكَثَّفاً، والالْتِجاءُ حاراًّ ؛ هو وَقْتُ الليل، إنَّ ناشِئَة الليل هي أشدُّ وطْئاً وأقْوَمُ قيلاً، أعْمَقُ تأثير بالنّفْس بِحَيْث ينتج عنها قَوْل سديد، والقَوْل من عَمَل الإنسان فَكُلَّما اِرْتَفَع مُسْتوى قوله صحَّ عمله لأنَّ أحد الصحابة سأل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أوَنُؤاخذ بما نقول فقال:
عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

(( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ * ))

[ رواه أحمد ]

 لا يسْتقيمُ إيمانُ عَبْدٍ حتى يسْتقيم قلبه ولا يسْتقيم قلبه حتى يسْتقيم لِسانه، فما لم يسْتَقِم اللِّسام لم يسْتَقِم القلب وبذلك الإيمانُ لا يصِحّ، فالذي يتَّصِل بالله اتِّصالاً مُكَثَّفاً الله عز وجل يُطْلق لِسانه بالخير، بالدَّعْوة إلى الله، وبذِكْر الله فأسباب هذه الدَّعْوة وأسْباب التألُّق ؛ إنَّ ناشِئَة الليل هي أشدُّ وطْئاً وأقْوَمُ قيلاً.
 بعض العلماء اِعْتمدوا على بعض الأدلَّة أنَّهُ من صلى الفجْر في جماعة والعِشاء في جماعة فكأنَّهُ قام الليل، فهاتان الصلاتان مُتَّصِلتان بالليل وهما من الليل، والأوْلى على الإنْسان قبل الفجْر ولو صلى رَكْعَتَين يكون مُحَقِّقاً لِقِيام الليل، هو للنَبِيّ فرْضٌ وعلى أُمَّتِهِ سُنَّة أيها المُزَّمِل قمِ الليل إلا قليلاً المُزَّمِّل المُتَحَمِّل لِعِبْء الدَّعْوة، الإنسان حينما يعْرف من هو، ويعْرف حقيقته وهَوِيَّته، يشْعُر أنَّ رِسالةً قد حُمِّلَها من الله عز وجل، والإنسان التافِه ؛ ذو العَقْل يشْقى في النَّعيم بِعَقْلِه، وأخو الجهالة في الشقاوَةِ ينْعَمُ فالإنسان التافِه لا رِسالَةَ له، أما الإنسان المؤمن له رِسالة ينبغي أنْ يوصِلَها ؛ فهناك إنْسان يعيش لِيَأكل، وهناك من يأكل لِيَعيش لكن هناك من هو أرْقى منهما ؛ يعيشُ لِمَبْدأ، فالأنبياء والمرسلون، والعلماء والصالحون هؤلاء يعيشون لِمَبْدأ لذلك يسعدون، أيها الإخوة دَقِّقوا في هذه الفِكْرة لكم نفْسٌ إنْ جعلْتَ هَدَفَكَ محْدوداً تسْتَوْعِبُهُ النفْس، لا ينشأ معها الملل والسأم والضجر، لذلك تبْحث عن المُتْعَة المشْروعة وغير المشْروعة، النفيسة والخسيسة، المقْبولة والمرْفوضة، السبب هو الفراغ أما إذا جَعَلْتَ هَدَفَك أكبر من كُلِّ طاقَتِك ؛ إن جعلت هدفك الله عز وجل فأنت في شباب دائم فالإنسان في شيخوخة حينما تنتهي أهدافُه، أنت أوَّلاً شاب متَّقِدٌ، يعيشُ بالأحلام، في أوَّل حياته يتصَوَّر بيتاً له وزوْجَة بِمُواصَفات مُعَيَّنة، مَرْكز اجْتماعي، يعيش بالأحلام، متى تنْتهي سعادَتُهُ لما يتَحَدَّد بَيْتُهُ وزوْجَتُهُ وعَمَلُهُ ودخْلُهُ، الآن يشْعر بِالمَلَل والضجَر والتفاهَة أما المؤمن فلا يُمكن أنْ يضْجر لأنَّ هدفه الله، النَّفْسُ مُصَمَّمَة لأنْ تسْتَوْعِب أهْدافاً لا نِهائِيَّة فإذا جَعَلْتَ هَدَفَك محْدوداً ضَجِرَتْ نفْسُك، وكُلُّ اِنْحِرافات الناس من الضَّجر مثلاً الانْحِرافات الموجودة بِأمريكا لا يُصَدّقُها العقْل، سببها الضَّجر وهدفه خسيس ومُنْحَط، وصل إلى هَدَفِه فإذا به يريدُ شيئاً آخر، أما المؤمن الأمور المادِيَّة عنده وسائِل ؛ هَدَفُهُ الله عز وجل لذلك هو في شبابٍ دائِم شبابهُ الدائِم تفْسيرٌ لِطُموحه، لذلك قال تعالى:

 

﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5)﴾

 

[ المزمل: الآية 5 ]

 كُلُّ أخٍ من الإخوة الحاضِرين إذا لم يشْعر أنَّ عليه رِسالة ينْبغي أن يُؤَدِّيَها، فهذا إنْسانٌ يعيشُ لِذاته، والذي يعيشُ لذاته يعيشُ على الهامِش أما الذي يعيش لِغَيْره يأتي على بُؤْرَة الاهتِمام فإنْ أردْتَ أنْ تسْعد فأَسْعِدِ الناس وساهِمِ تعريفهم وخِدْمَتِهم ورَفْعِ مُسْتواهم وفي نشْر الحقِّ والفضيلة، وأما إنْ أردْتَ أنْ تعيش على هامش الحياة فاهْتَمّ بِذاتك والذي يهْتَمُّ بِذاته يسْقُط في دائِرَة المَلَل والضَّجَر، وهناك نقطةُ مُهِمَّة من جعل الهُمومَ ذاته شغلهُ بالدنيا ومن جعل الهُمومَ هماًّ واحداً وهو الله تعالى كَفاهُ الله الهُموم كُلَّها اِعْمِل لِوَجْهٍ واحدٍ يكْفِكَ الوُجوه كُلَّها، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا(7)﴾

 

[ المزمل: الآية 7 ]

 في النهار تُسَبِّح، وتُنَفِّذ هذا الذي اكْتَسَبْتَهُ بالليل، ففي النهار تُطَبِّق وتكْتَسِبُ وتُشْحَنُ بالليل، قال تعالى:

 

﴿ وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا(8)﴾

 

[ المزمل: الآية 8 ]

 اِنْقَطِع له انْقِطاعاً تاماً لأنَّهُ أهْلُ التقْوى وأهل المغْفِرَة ؛ أهْلٌ أنْ تنْقَطِعَ له وأهْلٌ أن تجعل مرْضاتِه كلَّ هَمِّك، ومبلغَ عِلْمِك، ونِهاية آمالك، ومحَطَّ رِحالِك ؛ قال تعالى:

 

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا(9)﴾

 

[ المزمل: الآية 9 ]

 هناك مُحامون لامِعون إذا أعْطَيْتَهُ قَضِيَّتَك تشْعُر بِراحَةٍ وطُمأنينة ؛ القوانين واضِحَةٌ عنده ومُذَكِّراته قَوِيَّة، فإذا أنت سلَّمْتَ أمْرَك لِخالق السماوات والأرض، الله عز وجل قال:" فاتَّخِذهُ وكيلاً " ألا تُريدُ أنْ يكون الله وَكيلك، يُدافِعُ عنك، الثَّمَنُ والأتْعابُ المُقَدَّمة هي طاعَتُهُ فقط !

أطِعْ أمْرَنا نرْفَع لأجلك حُجْبنا  فإنا مَنَحْنا بالرِّضى من أحَبَّنا
ولُذْ بِحِمانا واحْتَمِ بِجنابِنــا  لِنَحْميك مما فيه أشْرار خلْقِنا

 فأنت حينما تُطيع الله عز وجل يتَوَلَّى أمْرك قال تعالى

 

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾

[ الطور: الآية 48 ]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا(10)﴾

 

[ المزمل: الآية 10 ]

 فالكافر الفاسق المُنْحَرف الفاجر الشارد ؛ يتكَلَّمُ كلاماً بلا ضَبْطٍ، ولا مسْؤولِيَّة ولا دليل، وَصَلوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا: كاهِنٌ وساحِر ومجْنون... الله عز وجل أثْبَتَ هذه التُّهَم في القرآن لِيُرِيَنا أين رسول الله وأين كلامهم فَشيءٌ طبيعي جداً أنْ يُتَّهَم الإنسان الذي يُريد أنْ يُقَدِّم للناس شيئاً ثمينا ؛ إما حَسَداً أو ضَيْقَ أُفُقٍ أو ما شاكل ذلك، وقال تعالى:

 

﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا(10)﴾

 

[ المزمل: الآية 10 ]

 أما التَّهْديد الذي يقْصِمُ الظهر فَهُوَ قوله تعالى:

 

﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا(11)﴾

 

[ المزمل: الآية 11 ]

 دَعْهُم لي أنا أُعالِجُهُم فإذا النبي عليه الصلاة والسلام دعا شخْصاً إلى الله وما اسْتَجاب، فالله حينها يتولى ترْبِيَتَك !

 

﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا(11)﴾

 

[ المزمل: الآية 11 ]

 الإنسان لا يُمْكن أنْ يسبق الله عز وجل أنت في قَبْضَة الله، فإنْ أَبَيْتَ دينه كان هناك حساباَ عسيراً ودفْعُ ثمنٍ باهِظ.

تحميل النص

إخفاء الصور