وضع داكن
19-04-2024
Logo
الحلال والحرام - الدرس : 16 - الحياة العامة للمسلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الدين و الثقافة :

 أيها الأخوة المؤمنون: مع الدرس السادس عشر من سلسلة دروس: "الحلال والحرام في الإسلام"، وندخل الآن في الحياة العامة للمسلم.
أيها الأخوة الكرام: هناك مصطلح في تاريخ الحضارات اسمه الثقافة، الثقافة هي مجموع المعتقدات، والتصورات، والأساطير، و العادات، والتقاليد، وأنماط المعيشة، وطرائق الفرح والزواج، وأساليب الحزن، كل أمة لها تقاليد، لها عادات، لها تصورات، لها تراث، لها أساليب في الحياة، مجموع هذه التصورات والمعتقدات والأساليب والعادات والتقاليد تسمى في علم الحضارة ثقافة، الثقافة شيء والدين شيء آخر، الدين وحي من السماء:

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾

[سورة فصلت: الآية 42]

 الدين من عند خالق الكون حق صرف، أما العادات والتقاليد والأساليب والأنماط والتصورات والمعتقدات والأساطير وما توارثه الآباء عن الأجداد والأبناء عن الآباء فهذا يدخل تحت مصطلح الثقافة، لكن الإسلام هذا الدين القويم، هذا التشريع الرشيد، هذا الدستور الحكيم، هل ترك الثقافة سائدة؟ يعتقد الناس بالأوهام، يصدقون بالخرافات، يسحرون، يلجؤون إلى الكهان والعرافين، ويقعون في الأوهام، هذا صلب عمل الدين، هذا مبرر وجود الدين.

 

الإسلام لا يقبل ثقافة خرافية ولا سلوكاً لا يتناسب مع منهج الله :

 لذلك الإسلام ينطلق من أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، ومربياً حكيماً، خلق الكون وفق نظام السببية، كل شي له سبب، وكل شيء له غاية، ولا تناقض في الكون، وهذه هي نفسها مبادئ العقل، هذه خصائص الكون وتلك مبادئ العقل، فأية فكرة، أو تصور، أو خرافة، أو معتقد، أو عادة، أو تقليد، أو نمط معيشة، أو أسلوب حياة، يتناقض مع هذه المبادئ الأساسية فهي مرفوضة، أي المرأة في الهند يجب أن تحرق مع زوجها الميت وهي حية، تسجى إلى جانبه، ويحرق هو الميت وهي الحية

هكذا التقاليد، أكبر قطيع بقر في العالم في الهند لأن البقرة عندهم إله، وصدقوني هناك شعوب في قمة النجاح العلمي، والصناعي، والتكنولوجي، وتنافس أكبر الدول الصناعية في العالم، تعبد ذكر الرجل، وشعوب أخرى تعبد الجرب، وشعوب تعبد الموج، وأخوة كرام مصدقون عندي كانوا في هذه البلاد ورؤوا بأم أعينهم كيف أن هذه الشعوب تعبد هذه الأوثان من دون الله.
 درسنا اليوم الثقافة، الإسلام لا يقبل ثقافة خرافية، لا يقبل سلوكاً لا يتناسب مع منهج الله، لا يقبل معتقداً خرافياً، لا يقبل أضاليل، ترهات، لا يقبل الدجل أبداً، فلذلك المؤمن علمي، أكبر مثل أضعه بين أيديكم الصحابة الكرام، عندما توفي ابن النبي عليه الصلاة والسلام إبراهيم لحكمة أرادها الله كسفت الشمس فقالوا: إن الشمس كسفت لموت إبراهيم، فلما سمع النبي هذا الكلام صعد المنبر وخطب الناس وقال: "إن الشمس والقمر آيتان لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه".
 ليته سكت لعظّمه الصحابة أكثر، لا.
 هذه أمانة علمية، هذه خرافة لا أصل لها، هذا وهم باطل، هذا ادعاء لا يصح، لا يوجد إنسان مؤمن عنده خرافات أبداً، دجل، خرافة، أوهام، أكاذيب، هذا الإسلام حاربه أشد المحاربة، قال تعالى:

﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾

[سورة المؤمنون: الآية 71]

بناء الكون على أنظمة بالغة في الدقة :

 الآن ونحن مسلمون، والقرآن بين أيدينا، والسنة بين أيدينا، ونحضر خطب الجمعة، ومعظم الناس يذهبون إلى المشعوذين، يقول لك: مسحور، كتبوا لي ماء مالحاً، لست متفاهماً مع زوجتي، الجن داخلون بي، يقول لك: هذا الشيخ 

يخرج الجني مني، كل هذا خلط بخلط، خرافات ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك لا يوجد مؤمن دجال

لا يوجد مؤمن خرافي، إياكم أن تعتقدوا بخرافات وأباطيل ودجل، والحقيقة أقول لكم هذه الكلمة: والله لا يوجد شيء في الإنسان أقبح من الجهل، لا يوجد شيء أقبح من أن تتوهم شيئاً غير صحيح، الإنسان المخلوق الأول المكرم الذي أكرمه الله بالقوة الإدراكية، هذا الإنسان المميز العاقل الذي جعل الله له الكون مسخراً، يعتقد بأن البقرة إله، وأن هناك من يسيء العلاقة بينه وبين زوجته كالسحرة، لذلك هذا الكون مبني على أنظمة بالغة الدقة، على رأسها نظام السببية، ومنها نظام الغائية، ومنها نظام الهوية، وعدم التناقض، فالعقل هذه مبادئه، فلا نقبل أبداً إلا الشيء الذي ورد به نص صحيح، قرآن كريم أو سنة صحيحة، وما سوى ذلك لا نقبل به أبداً، قال تعالى:

﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾

[ سورة الأحزاب : الآية 62]

﴿ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾

[سورة فاطر: الآية 43]

 مثلا: تفاحة قبل أن تغسلها أكلتها وقلت: توكلت على الله، لا يضر مع اسمه شيء، الله الشافي، هذه زعبرة، اغسلها، نظام الجرثوم قد يصل إليك رغم كل التمتمات، اغسلها، اعقل وتوكل، قال يا رسول الله: أعقلها أم أتوكل، قال: اعقلها وتوكل، خذ بكل الأسباب وتوكل على رب الأرباب، إن لم تأخذ بالأسباب فقد عصيت، وإن اعتمدت عليها فقد أشركت، هذا هو الدين.
 والإيمان الصحيح أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد على رب الأرباب.

 

الإيمان الصحيح أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد على رب الأرباب :

 لذلك اسمحوا لي أن أقول لكم: إن الذي لا يأخذ بالأسباب يحتقر نظام الكون، والله سبحانه وتعالى لن يغير هذا النظام من أجله، قال لك الطبيب: ضغطك مرتفع دع الملح، لو أنك فقيه لعلمت أن هذا الأمر من الطبيب يرقى إلى مستوى الفرض في دينك، لأن حياتك ليست ملكك، ملك أولادك وزوجتك، وملك المسلمين، وملك أخوانك، وإن هذا يعقبك.
 يجب أن نأخذ بالأسباب، الغربيين أخذوا بالأسباب، وتفوقوا لكن ألهوها وعبدوها من دون الله، والشرقيون لجهلهم تركوا الأخذ بالأسباب، فتحكم بهم من أخذ بالأسباب، وأصبحوا في قبضتهم، سيدنا عمر دخل على قرية فرأى معظم الباعة من الأقباط فعنف أهل هذه القرية تعنيفاً شديداً، فقالوا: إنّ الله سخرهم لنا، كما يقول بعض أهل النفط، لا يعملون يركبون أفخر السيارات، يركبون الطائرات، يأتون بكل المخترعات، لكن بين عشية أو ضحاها فقدت من بين أيديهم الكتلة النقدية، وانتقلت إلى غيرهم بأساليب ماكرة تعرفونها جميعاً، دولة تمتلك مئة وخمسين ملياراً كاحتياطي، أصبحت مديونة بخمسين ملياراً، عامان فقط، يجب أن نأخذ بالأسباب وأن نتوكل على رب الأرباب.
 سيدنا عمر عنفهم لأن هؤلاء الذين يعملون وينتجون ليسوا مسلمين، فقالوا: إن الله سخرهم لنا -كما يدعي بعض الكسالى- فما كان من هذا الخليفة الراشد الذي له نظر بعيد إلا أن قال: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
 سيدنا عمر قبل ألف وأربعمئة عام أدرك أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف، المنتج يتحكم برقبة المستهلك، أنت مؤمن يجب أن تسد ثغرة في الحياة العامة، أنت مهندس زراعي، أنت مهندس مدني، أنت طبيب، أنت خبير كيماوي، أنت صاحب حرفة، أنت تاجر، اليد العليا خير من اليد السفلى، أمسك النبي بيد أحد أصحابه وكانت خشنة رفعها وقال: إن هذه اليد يحبها الله ورسوله.
 والله أحياناً تقع عيني على أخ في لباس العري التعبير المهني – ميكانيكي- والله أكُنّ له كل احترام، ينتهي العمل يرتدي أجمل الثياب، ويأتي إلى المسجد، الله يحب صاحب الحرفة، يحب الذي يأكل من عمل يده، يحب الذي ينفع المسلمين.
 أقول ثانية: لا تنتظر أن يغير الله الأنظمة والقوانين من أجلك، إنك إن لم تعبأ بها تحتقرها، واحتقارك لها يؤدي بك للاستخفاف بخالقها، تجد المسلم بعيداً عن الأسباب، والكافر يأخذ بالأسباب بحذافيرها، ونحن لا نأخذ بها لا بطعامنا، ولا بشرابنا، ولا بحركتنا، ولا بنظام حياتنا، ولا بنظام تجارتنا، أي شيء عشوائي كيفي، لذلك دائما جهدنا لغيرنا، وغيرنا هو الذي يتحكم بنا.
 أول نقطة: درسنا عن الثقافة اليوم، و ماذا يوجد في المجتمع من تقاليد و أوهام و معتقدات و عادات.

لا يعلم الغيب إلا الله :

 أولاً: ليس في الكون كله إنسان واحد، أو جان واحد، أو ملك واحد يعلم الغيب، تستطيع بهذه الآية أن تمسك ألف قصة وتركلها بقدمك، لا يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾

[سورة النمل: الآية 65]

 لا ملائكة، ولا جن، ولا بشر يعلمون الغيب، ابدأ بفنجان القهوة سوف يأتيك مال، كذب، حظك هذا الأسبوع تقرأه من خلال مجلة مزقها لأن هذا كلام فارغ لا يعني شيئاً، رقمك ثلاثة عشر كذب، يوم الأربعاء امتحانك، وإذا كان يوم الأربعاء لن أنجح لأنه يوم الأربعاء، كلها خرافات.

 

الإسلام حرب على الأوهام والخرافات والترهات والأباطيل :

 دققوا لا يوجد شيء في الإنسان أقبح من الجهل، أن تعتقد بشيء غير صحيح، والله قبل سنوات زرت مصر، ودخلت إلى الأهرامات، وجدت أن هذه الأمة التي بنت هذه الأهرامات تنطلق من الجهل، تعتقد أنه يوجد حياة في القبر، الطعام، والشراب، والخبز، واللحم، والمركبات، القبر محدود، مساحته خمسون متراً، لماذا المركبة؟ يوجد مركبة، وعجلات، وذهب، وفضة، وحلي مدفون تحت الأرض لعقيدة واهمة، تحتقر أمة بأكملها، الفراعنة جهلوا الحقيقة، حضارتهم تحت التراب كلها، لاعتقاد واه غير صحيح، لا يوجد شيء يزري بالإنسان كالجهل، أو كالوهم، لذلك الإسلام حرب على الأوهام، والخرافات، والترهات، والأباطيل، والدجل، والكذب، والتزوير، استمعوا إلى قول الله عز و جل:

﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾

[سورة النمل: الآية 65]

 الآن أضعكم أمام قصة ليس لها حكمة عند الله إلا أن تعتقد أن أحداً في الكون لا يعلم الغيب، سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام جاءه وفد من بعض القبائل وطلبوا منه سبعين قارئاً ليعلموا قومهم القرآن الكريم، والنبي بعث معهم هؤلاء السبعين، سبعون قارئاً وعالماً، في الطريق ذبحوهم، لمَ لم يعلم النبي هذه الحقيقة؟ لأنه بشر لا يعلمها، النبي علم آلاف الحقائق المستقبلية عن طرق إعلام الله له، فالنبي يعلم الغيب إذا أعلمه الله، أما إذا لم يعلمه فلا يعلم الغيب، هذا درس بليغ لا يعلم الغيب إلا الله.
 قبل يوم أو يومين سألني صديق أن فلاناً يكشف للمستقبل، ويعلم الغيب، كلام من هذا القبيل، فقلت له: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق يقول الله له آمراً:

﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة الأعراف : الآية 188]

 الله عز وجل أعطانا شاهداً كبيراً سيدنا سليمان أوتي لغة الطير، وقد سخر الله له الجن، كلفهم بأعمال شاقة ومتعبة، ومات سليمان عليه السلام متكئاً على عصاه، ولحكمة أرادها الله حفظ الله له جسمه، وما علموا أنه مات إلا بعد أن أكلت الدابة أي السوسة مِنْسَأَتَهُ، فلما خر تبينت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، أليست هذه القصة دالة دلالة واضحة على أن الجن لا يعلمون الغيب؟ كلفهم بأعمال شاقة، عذبهم عذاباً مهيناً ومات، لو علموا أنه مات لكفوا عن هذه الأعمال الشاقة، لكن ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل مِنْسَأَتَهُ، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

 

الجهل أعدى أعداء الإنسان :

 أخواننا الكرام: كلما سمعت قصة تفيد بأن الشيخ الفلاني يعلم الغيب، يشاهد لك حظك، الشيخ الفلاني، الكاهن الفلاني، الفلكي الفلاني، وكلما وجدت في المجلة حظك هذا الأسبوع، وكلما جلست مع شخص دجال يقرأ لك فنجان القهوة فيقول: سوف يأتيك مال، أو لك عدو يتربص بك احذر منه، هذا كله كلام دجل في دجل، لا تعبأ به أبداً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إني لست بكاهن، وإن الكاهن والكهانة والكهان في النار.
 بعض الناس على سذاجتهم في عهد النبي خبؤوا له شيئاً بأيديهم ثم قالوا له: ماذا بيدنا يا رسول الله؟ أنت نبي قل ما بيدنا؟ أي امتحان سخيف، فقال: إن لست بكاهن، وإن الكاهن والكهانة والكهان في النار.
 إذا خبأت بيدك ليرة ذهبية وسألت عالماً جليلاً هل تعلم ما بيدي؟ يقول لك: لا أعلم وهذا مما أفتخر به أنني لا أعلم.
 أيها الأخوة الكرام: أنا لا أنطلق من وهم، أنا أستمع إلى آلاف القصص من مسلمين، يأتون السحرة والمشعوذين، طبعا باسم مشايخ ليفكوا لهم السحر، ليكتبوا لهم الحجاب، ليوفقوهم في أعمالهم، ليكشفوا لهم عن خصومهم، طبعاً هذا الشيء ليس له أساس من الصحة، يقول عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ))

[مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ]

 هذا هو الحق، وقال عليه الصلاة والسلام:

(( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))

[أبو داود وأحمد والحاكم عن أبي هريرة]

أنواع الكفر :

 عندنا كفر اعتقادي، وهناك كفر عملي، فكل إنسان صدق ساحراً أو كاهناً كذب القرآن الكريم حكماً، إن صدقت الساحر أو الكاهن كذبت القرآن الكريم حكماً، وقد أمر الله النبي عليه الصلاة والسلام أن يصرح لأمته فقال:

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾

[ سورة الأنعام:الآية50]

 أنا عبد أتبع ما يوحى إلي، لذلك المؤمن الصادق لا يستحي من كلمة لا أعلم، أنا عبد وهذا لا أعلمه.

 

خير الإنسان منه و شره منه :

 العرب في الجاهلية كانوا يستقسمون بالأزلام، أي يأتون لمكان عندهم مقدس يوجد سهام مكتوب على أحدها أمرني ربي أن أفعل، ويوجد سهام مكتوب عليها أمرني ألا أفعل، ويوجد سهام لم يكتب عليها شيء، فكل إنسان يغمض عينيه، ويأخذ من بين هذه السهام سهماً، فإن كان افعل سافر وتاجر وتزوج، وإن كان لا تفعل على السهم امتنع عن السفر أو الزواج أو التجارة، وإن جاء السهم فارغاً أعاد الكرة، لذلك قال الله تعالى مندداً ومحرماً:

﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾

[سورة المائدة: الآية 3]

الآن احمل عليها آلاف السلوك، امسك مسبحة وقل: سافر أم لا سافر، سافر أم لا أسافر مثلها تماماً. ويوجد أشياء ليس لها أصل في لقرآن الكريم يفتح القرآن وجد آية تقول: افعل، هذه ليس لها أصل، أي شيء يقاس عليها محرم، يقول عليه الصلاة والسلام:

((لن يَلِج الدرجات من تَكَهَّن أو استقسم أو رجع من سفر طائرًا ))

[ الطبراني عن أبي الدرداء]

 إذا ألغيت السفر لأجل التشاؤم فأنت لست مؤمناً، طبعا التطير العرب كانوا إن طار الطير عن يمينهم تفاءلوا وإن طار عن شمالهم تشاءموا، والله عز وجل قال:

﴿ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

[سورة النمل: الآية 47]

 وقال:

﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾

[سورة يس: الآية 19]

 عملك الطيب يأتي لك بالخير، وعملك السيئ يأتي لك بالشر، خيرك منك وشرك منك، وخيرك عند الله وشرك عند الله، يوجد الآن موضوع الأرقام يقول لك: ما اسمك؟ تقول له: سعيد السين ثلاثة عشر، والعين أربعة عشر، والياء ستة، تسع وتسعون ليس لك حظ لا تتعب نفسك، والله أشخاص مثقفون ويعتقدون بهذا، مشكلة، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، قضية علم.

 

اجتناب السحر :

 الآن يقول عليه الصلاة والسلام:

(( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 طبعا الشاهد من أجل اجتنبوا السحر، وربنا عز وجل قال:

﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ﴾

[سورة البقرة: الآية 102]

 أما ما يتداوله الناس تعلم السحر ولا تعمل به هذا ليس حديثاً، وليس له أساس من الصحة، لأنه إذا تعلمت السحر وقعت في شركه، وقعت في شر عملك، تعلم السحر ولا تعمل به كلام لا أصل له، الدليل قوله تعالى:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ * ﴾

[سورة الفلق ]

 النفاثات في العقد السحرة الذين يفرقون بين المرء وزوجه، والأخ وأخيه، والشريك وشريكه، ومن شر النفاثات في العقد.
 بعض فقهاء المسلمين عدّوا السحر كفراً، من سحر فقد كفر، وبعضهم قال: إنه يؤدي إلى الكفر، وبعضهم حكم بتطهير المجتمع من الساحر، المجتمع المسلم لا يسمح لساحر أن يعمل بين أفراده.

 

من سحر فقد أشرك :

 ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ خَمْسٍ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ ))

[ أحمد عن أبي سعيد الخدري]

 لا يدخل الجنة من آمن بالسحر، والله أنا التقيت بعشرات بل بمئات، إنسان ملء السمع والبصر يصلي في المساجد، يستمع إلى الخطب، يقول لك: الشيخ الفلاني يفك السحر، الشيخ الفلاني يخرج لي الجني، هذا كلام ليس له أساس من الصحة، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من نفث في عقدة فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ))

[ ورد في الأثر]

(( ليس منا من تطيّر أو تطيّر له أو تكهن أو تُكُهِّن له أو تسحر أو سُحر له))

[ البزار عن عمران بن حصين]

 الذي يأتي الكاهن هذا تُكهن له، والكاهن نفسه تكهن، والذي يأتي الساحر سُحر له والذي سحر هو الساحر، والذي تشاءم هو المتطير والذي يؤمن بهذا ويصدقه أيضا مسؤول ويحاسب.

 

تعليق التمائم :

 الآن تعليق التمائم، التمائم حدوة حصان يضعها في السيارة، أو حذاء طفل صغير، أو يقول: عين الحاسد تبلى بالعمى ويرسم سهماً، هذا كله دجل، وهذا كله لا يفعل شيئاً، لا يحميك إلا أن تكون مطيعاً لله عز و جل، لا تضع حدوة، ولا حذاء طفل صغير، ولا تضع تمتمات، وأحياناً يضع يده في الدم ويضعها على السيارة يقول لك: لن يصيبنا حادث، ثم تتحطم السيارة تحطيماً، ليس لهذه البقعة من الدماء علاقة إطلاقاً، أحياناً أرى حجاباً أفتح أول ورقة والثانية والثالثة والرابعة والخامسة كلما أغلق ورقة يلصقها، ويضع لها غلافاً، فيصبح سميكاً، كلها فارغة، ثم تجد خطوطاً، مربعات، دوائر، كلام ليس له معنى، وخط في منتهى القبح، وليس له معنى، ويدفع عليه أجر، سعر هذا الحجاب خروف بخمسة آلاف، ضعها لن يصيبه شيء، كله وهم، شخص مرض ماذا فعل النبي؟ قال:

(( تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا وقد أنزل له شفاء ))

[أخرجه الحاكم عن أسامة بن شريك مرداس الأسلمي ]

 انظر ما أجمل هذا الكلام، تداووا عباد الله فإن الذي خلق الداء خلق الدواء، الله حكيم خلق المرض ليقربك منه، وإذا شفيت يوجد دواء جاهز تشفى منه، وإن كان هناك شيء من أدويتكم خير ففي هذه الثلاث؛ شربة عسل، أو شرطة محجم، أو كي بنار، يقول لك: جلسة كهربائية أي كي بنار شرطة محجم، عملية شربة عسل فيه شفاء للناس، طبعاً هذه من الطب النبوي الشريف، و عن عقبة بن عامر:

((أنه جاء في ركب عشرة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فبايع تسعة و أمسك عن بيعة رجل منهم فقالوا : ما شأن هذا الرجل لا تبايعه؟ فقال : إن في عضده تميمة))

[ المستدرك عن عقبة بن عامر]

 التميمة سوار يوضع في العضد، أو في الرجل، والعرب يعتقدون في الجاهلية أن الذي يضعه لا يموت، لذلك يوجد بيتان شعريان شهيران قال له:

وتجلدي للشامتين أريهم  أني لريب الدهر لا أتضعضع
***

 فأجابه الشاعر قال:

وإذا المنية أنشبت أظفارها  ألفيت كل تميمة لا تنفع
***

 والتميمة سوار يوضع في العضد، أو في الرجل، فإذا وضع لا يموت صاحبه، فالنبي يبايع هؤلاء العشرة رأى أحدهم يضع تميمة فلم يبايعه، فقالوا: لمَ يا رسول الله؟ فقال: إن في عضده تميمة، فقطع الرجل التميمة فبايعه النبي، فقال عليه الصلاة والسلام:

((من علق فقد أشرك))

[ المستدرك عن عقبة بن عامر]

 أحياناً يضع الشخص ستائر في السيارة يعتقد أن الناس يخافون منه، لا تفعل شيئاً، أحياناً يحاول أن يضع صوراً أو أشياء، هذه لا تفعل شيئاً، هذا شرك بالله عز و جل:

((من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له ))

[ ابن حبان عن عقبة بن عامر]

 طبعاً ويحمل على التميمة كل شيء آخر يقوم مقام التميمة، ومن أودع ودعة فلا أودع الله له.
 رأى النبي شخصاً يضع على عضده حلقة فقال له:

((النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة ، فقال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا))

[ أحمد عن عمران بن حصين]

 من الوهن أي كي لا أمرض.

 

العاقل من يشتري الأمن ممن يملكه و هو الله عز وجل :

 أخواننا الكرام: دققوا في بيوتكم، في مركباتكم، في محلاتكم التجارية، شيء غير صحيح، غير شرعي، كلمة من أجل أن يكثر الزبائن، كل هذا خلط بخلط، استقم ولا تغش، وكن أميناً، واخدم الناس، وانصحهم فيرزقك الله، لا يوجد عندنا إلا هذا الطريق.
 وعن عيسى قال: دخلنا على أبي معبد نعوده فقلنا: ألا تعلق شيئاً؟ فقال: الموت أقرب من ذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((من علق شيئاً وكل إليه))

[رواه الطبراني في ترجمة أبي معبد الجهني في الكنى قال: وقد قيل: إنه عبد الله بن عكيم]

 بالمقابل يقول لك: أنا مؤمن، إذا شخص مؤمن ما معنى هذا؟ أي اشترى الأمن ممن لا يملكه، الله هو الحافظ.

 

الابتعاد عن الرقى و التولة :

 قال عليه الصلاة والسلام:

((إن الرقى والتمائم والتولة شرك))

[أبو داود والحاكم عن ابن مسعود]

 قالوا: هذه الرقى والتمائم فقد عرفناها فما هي التولة؟ قال: شيء تصنعه النساء ليتحببن إلى أزواجهن.
 أي خيط يربطونه بمكان معين ليتحببن إلى أزواجهن، والله لا يحبها زوجها لماذا؟ لأنها مقصرة في بيتها، وتجيبه إجابة قاسية، ولا تعتني به، ومقطوعة عن الله عز وجل، فلا يحبها زوجها، فبدل أن تقوم بواجبات زوجها، وبخدمة زوجها، وبخدمة أولادها، وبالإخلاص لربها، تستخدم أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك قيل:

(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ ورد في الأثر ]

 قالت امرأة لأخرى: تأكدي أن الله عز وجل لا يسألك لا عن عملك، ولا عن خدمة زوجك، ولا عن خدمة أولادك، يسألك فقط عن صلاتك، فصلي قيام الليل، وصومي، فالنبي يقول:

(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ ورد في الأثر ]

 كلامها غلط، و أيما امرأة مات زوجها عنها وهو راض عنها دخلت الجنة.
 إذا صامت شهرها، وصلت خمسها، وحفظت نفسها، وأطاعت زوجها، دخلت جنة ربها.
 انظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك، هذا هو توجيه النبي، يوجد الآن نساء لا تعبأ بزوجها، ولا تأتمر بأمره، وتخرج عاصية له، وتدعي أنها تدعو إلى الله عز وجل، هذا السلوك غير إسلامي، الإسلامي أن يبقى الزوج هو صاحب القوامة في البيت افعلي الخير ما تشائين ولكن ضمن نطاق الانسجام مع الزوج.

 

التشاؤم :

 الآن التشاؤم، التشاؤم ورد كثيراً في كتاب الله، قال قوم صالح له:

﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾

[سورة النمل: الآية 47]

أي تشاءمنا منك، وكان قوم فرعون:

﴿يطَّيّروا بموسَى وَمَن معهُ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 131]

 وقال بعض الأقوام لأنبيائهم:

﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾

[سورة يس: الآية 18]

 فما كان جواب هؤلاء الأنبياء إلا أن قالوا:

﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾

[سورة يس: الآية 19]

 أي خيركم منكم وشركم منكم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( ليس منا من تطيّر أو تطيّر له أو تكهن أو تُكُهِّن له أو تسحر أو سُحر له))

[ البزار عن عمران بن حصين]

 وقال صلى الله عليه وسلم:

(( إِنَّ الْعِيَافَةَ وَالطِّيَرَةَ وَالطَّرْقَ مِنْ الْجِبْتِ))

[أحمد عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ]

 و الجبت هو الطاغوت.
 من الشيطان التشاؤم والتكهن والطيرة هذه كلها من الشيطان.
 العيافة هي الخلط في الرمل وهو ضرب من التكهن، والطرق الضرب بالحصى وهو نوع من التكهن، و الجبت ما عبد من دون الله .

 

الابتعاد عن الظن والطيرة والحسد :

 ثلاثة مهلكة الظن والطيرة والحسد، فإن ظننت فلا تحقق، وإن تطيرت فلا ترجع، وإن حسدت فلا تبغي، إذا تشاءمت لا ترجع عن سفرك، وإذا حسدت فلا تبغي على المحسود، وإذا ظننت فلا تحقق ظنك.
 قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه:

((الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك))

[ أبو داود عن ابن مسعود]

 الناس يستعملونها فيقولون: دخل فلان فتعطلت البيعة، ليس لها علاقة، يقول: الزوجة قدمها شؤم، ليس لها علاقة، بريئة، إذا أحبّ الله أن يؤدب زوجها المنحرف ليس لها علاقة أبداً، زوجها منحرف وكسبه حرام فأدبه الله هي لا علاقة لها، فيجب ألا يكون عندنا تشاؤم بشخص ولا بيوم ولا بعدد ولا بشيء.
 يوجد نقطة مهمة جداً سيدنا ابن مسعود قال: يا رسول الله ما منا إلا - أي يتشاءم أحدنا أحياناً فيخاف- ولم يتابع حديثه فأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام:

((ولكن الله يذهبه بالتوكل ))

[ أبو داود عن ابن مسعود]

 إذا تشاءمت دون أن تشعر تشاؤمك هذا يذهبه الله بالتوكل فينتهي الأمر.

 

العصبية :

 من الأمراض المتفشية بالثقافات التي نعيشها العصبية، قال عليه الصلاة والسلام:

((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية))

[ مسلم عن جبير بن مطعم]

 التعصب انحياز أعمى، العصبية تعريفها الدقيق أن تعين قومك على الظلم، أي أوقعك أخوك في مشكلة أنت مع الخصم من دون تفهم، هذه عصبية، جارك، ابنك، دوماً مع قريبك ضد الشخص الآخر، أن تعين قومك على الظلم، هذا تعريف النبي صلى الله عليه وسلم أن تعين قومك على الظلم، لكن النبي قال في حديث آخر:

((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ))

[ البخاري عن أنس]

 أحد أخواننا المحامين والله أكبرته جداً، حدثني أنه توكل عن موكل، الموكل أقنعه أنه مظلوم، قال لي: بدأنا بالدعوى وقطعنا مراحل، وأنا في منتصف الطريق جاءني من أثق به وقال لي: إن الموكل ظالم، وأخفى عنك حقائق كثيرة، وهذه هي الحقائق، قال لي هذا الأخ الكريم: أتيت موكلي وضغطت عليه واستحلفته بالله حتى قال لي الحقيقة فإذا هو ظالم، قال: والله ما كان مني إلا أن رفعت مذكرة إلى القاضي بالحقيقة وما فعلها أحد قبلي، أي أخذت على يده، طبعاً قد يقول أحدكم: لا يجوز هذا في عرف المحاماة، لكن النبي قال:

((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ))

[ البخاري عن أنس]

 مضلل يأكل مالاً حراماً، يلقي أيتاماً في الطريق سيشردهم، سيدمرهم، والقصة كلها كذب، وليس لها أساس، والأوراق كلها مزورة، وهو الوكيل، فما فعل إلا أن تكلم بالحقيقة أمام القاضي فمنع هذا الظلم وانتهى هذا المؤمن، لو أن جميع المحامين يقفون مع الحق لقلّت الدعاوى إلى العشر.
 قال لي أحد القضاة: خمسة بالمئة خصومة حقيقية من كل الدعاوى في قصر العدل، والباقي كلها دعاوى كيدية أي أساسها باطل.

 

الله عز وجل لا يرضى عن المؤمن إلا إذا أنصف الآخرين :

 الله جلّ جلاله يقول:

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾

[ سورة النساء: الآية 135]

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا (8) ﴾

[سورة المائدة: الآية 8]

 هذه الآية تأخذ بالألباب، المخاطب من؟ المؤمنون، من هم أعداؤهم التقليديون؟ الكفار، أيها المؤمن إذا حملك بغضك للكافر على أن تظلمه وأنت متوهم أنك ترضيني بهذا فأنت واهم، إني لا أرضى عنك إلا إذا أنصفت الكافر:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾

[ سورة المائدة]

 أي هذا الكافر إذا عدلت وأنصفته قربته إليّ وقربته إليك، أما إذا زدته ظلماً زدته بعداً عن الله وعن المؤمنين.
 أقول لكم: يمكن أن تقصر مع مؤمن فيسامحك، أو يأخذ موقفاً شخصياً منك، أما إذا أسأت لغير المسلم سيحقد على دينك، وسيشهر لا بك بل بدينك، وسيربط هذا التقصير وهذه الإساءة مع دينك، لذلك قبل أن تسيء لغير المسلم عد للمليون، المسلم قد يعفو وقد لا يدخل الإسلام كطرف، يقول لك: فلان أساء، أما غير المسلم إذا أسأت له فيقول: الإسلام يربي المسلمين تربية ظالمة، وهذه هي أخلاق المسلمين.

 

المؤمن قلبه لا يحب الكافر ويكره عمله لكنه ينصفه :

 أيها الأخوة موضوع التقاليد والعادات والثقافات التي تعيشها الأمة يجب أن يكون متوافقاً مع الدين، منسجماً مع العقيدة الصحيحة، فلا وهم، ولا دجل، ولا خرافة، ولا اعتقاد خاطئ، إننا إذا فعلنا ذلك فقد ضيعنا هويتنا، يقول الله عز وجل:

﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم ﴾

[سورة المجادلة: الآية 22]

 ويقول الله عز وجل:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ﴾

[سورة التوبة: الآية 23]

 قد يقول أحدكم ما علاقة هاتين الآيتين بالدرس؟ أنت مكلف أن تنصف الكافر، وأن تعطيه حقه من دون أن تواليه، من دون أن ترضى عن عمله، من دون أن تقيم معه علاقة حميمة:

﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ﴾

[سورة المجادلة: الآية 22]

 لكن المودة شيء وإعطاء الحق شيء آخر، قال: يا أمير المؤمنين أتحبني؟ فقال له: والله لا أحبك، قال: هل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال له: لا والله حقك سيصل إليك، الحق شيء آخر.
 ذكرت الآيتين لكي لا نتوهم أن إنصاف الكافر وإعطاءه حقه يعني أن تقيم معه علاقة حميمة وأن تحبه، لا، قلبك لا يحبه ويكره عمله لكنك تنصفه.

 

العالم و العابد :

 أيها الأخوة: المؤمن عالم، وإن الله عالم يحب كل عالم، وفضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك، الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما، والعلم يقتضي أن تكون واقعياً، والعلم يقتضي الدليل والتعليل، العلم له منهج وله أسس، العلم الديني أساسه الكتاب والسنة، يوجد آلاف القصص لا أصل لها، ولا تعني شيئاً، وقد تصدم حقائق الشرع، الذي يغش الحليب شكا لشيخه خسارات مستمرة فقال له: يا بني أصبح الغش ضرورياً، برر كلامه بأن الناس أصبح مالهم حراماً، فإذا غششت بعت، هذا كلام خلاف الدين، تجد قصصاً في بطون الكتب تصادم نصوص الشرع مباشرة، نحن لا نؤمن إلا بالكتاب والسنة، فقصة تصادم نصاً قرآنياً يجب أن ترفضها، تصادم نصاً صحيحاً لرسول الله يجب أن ترفضها، قصة تدعوك إلى المعصية مستحيل، فلذلك أيها الأخوة درسنا اليوم متعلق بالثقافة، والثقافة مجموع العادات، والتقاليد، والتصورات، وأنماط السلوك، هذه كلها يجب أن تكون منضبطة بالشرع، ولو محصتم في بيوتكم لوجدتم مئات بل آلاف الأساليب في الحياة لا أصل لها، أول خميسه، وثاني خميسه، أول أربعينة، هذا كله ليس له أساس من الصحة، لا يوجد إلا الكتاب والسنة الذي بين النبي عليه الصلاة والسلام، أحكام الشرع.

المسلمون طبقة واحدة أفلحهم عند الله أتقاهم :


إن شاء الله في درس قادم نتابع الموضوع في فقرة أساسية هي المساواة بين المؤمنين، لا لوم، ولا عِرق، ولا غنى، ولا ذكاء، هذه كلها ليست بشيء في مقياس الإيمان، سيدنا الصديق وضع يده بيد بلال وقال: هذا أخي حقاً، سيدنا عمر خرج وهو أمير المؤمنين إلى ظاهر المدينة لاستقبال بلال الحبشي العبد الأسود، الإسلام ما فرّق بين الناس أبداً، المسلمون طبقة واحدة أفلحهم عند الله أتقاهم لقوله تعالى:

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[سورة الحجرات: الآية 13]

 وإن لم ننطلق من هذه القيمة فنحن في جاهلية، يكفي أن تقول: أنا ابن ، أو حجمي المالي كذا، أو أنا شركتي من الدرجة الأولى، حينما تفتخر بمالك، أو بانتمائك، أو بقرابتك، أو بنسبك، أو بعرقك، أو بكونك في المدينة لست ريفياً، فهذه هي الجاهلية بعينها، أنت مؤمن تفتخر أنك مؤمن. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور