وضع داكن
25-04-2024
Logo
الحلال والحرام - الدرس : 08 - الكرامة في العمل - الزراعة - التجارة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

كرامة الإنسان أن يكون له عمل :

 أيها الأخوة الكرام: مع الدرس الثامن من سلسلة دروس: "الحلال والحرام"، وقد بدأنا في الدرس الماضي في موضوع العمل، ووقفنا عند الكرامة في العمل.
 العاطل لا كرامة له، قال سيدنا عمر: "إذا رأيت الرجل ليس له عمل يسقط من عيني" فكرامة الإنسان أن يكون له عمل، أي عمل ما لم يكن محرماً في الشريعة شكلاً أو مضموناً أو أسلوباً فهذا العمل شريف، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))

[ متفق عليه عن الزبير بن العوام]

 إذاً من هو الذي ينبغي أن يذم؟ هو القوي الذي لا يعمل، هو الكسول، هو الذي يرضى أن يكون عالة على الناس، هو الذي تعرض عليه الأعمال فيرفضها، لا يحب أن يعمل، وجد أن مدّ اليد أهون من العمل، هذا الذي ينبغي أن يذم.
 أما الإنسان الذي خرج من بيته ليكسب رزقه فهذا عمل شريف.

 

المؤمن الكامل لا يحتقر أحداً مهما كان عمله :

 أيها الأخوة الكرام: مرة ثانية وثالثة ورابعة، لا يوجد في الإسلام ازدواجية، عملك دينك، عملك عبادتك، عملك جزء من رسالتك في الحياة، فالمجتمع الإسلامي متكامل، كل إنسان أتقن عمله، وأخلص في عمله، ورحم الناس في عمله، وكان عمله مشروعاً، وسلك فيه الأساليب المشروعة، و ابتغى كفاية نفسه، وخدمة أهله، وخدمة المسلمين، ولم يشغله عن فريضة، ولا عن واجب، ولا عن طاعة، ولا عن طلب علم، انقلب عمله إلى عبادة.
النقطة الدقيقة: لا يجوز لإنسان له عمل مكتبي أن يحتقر من له عمل عضلي، قد يكون هناك مدير عام وعنده حاجب، الحاجب مكلف بالتنظيف، المؤمن الكامل لا يحتقر أحداً مهما يكن هذا العمل، مادام العمل مشروعاً، وشريفاً، وسلك فيه الأساليب المشروعة، فهو عمل طيب.
 وللمسلم أن يكتسب رزقه عن طريق الزراعة، أو التجارة، أو الصناعة، أو عن طريق حرفة من الحرف، أو وظيفة من الوظائف، يكاد يكون النظام الإسلامي لا يقبل أن يأخذ الإنسان المال إلا مقابل سلعة، أو حرفةٍ، أو وظيفةٍ، أو خدمةٍ، أو تجارةٍ، أو صناعةٍ، أو زراعة، بهذه الطريقة طبعاً هناك كسب، وهناك عدوان على الكسب، من يملك القوة فبحكم قوته، أو سيطرته، أو أساليبه الملتوية، يعتدي على كسب الآخرين، هذا الذي يأخذه سماه العلماء سحتاً، يأكل السحت وتعريف السحت: كسب الكسب، إما بالاحتيال أو بالقوة. إذا كان قوياً أو إذا كان ذكياً، فإما أن يحتال ليأخذ كسب الآخرين، وإما أن يجبرهم على أن يأخذ كسبهم، في كلا الحالتين هذا هو السحت.

 

الحكمة من جعل الأرض بساطاً ممتداً :

 الآن لو بدأنا بالزراعة، الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً﴾

[سورة نوح:الآية 19-20]

 الأرض منبسطة، أحياناً يوجد تضاريس حادة، أوضح مثال مكة المكرمة، جبال كثيرة جداً، انحدارها حاد، صخرية، لو أن الأرض كلها كذلك لمتنا من الجوع، والله جعل لكم الأرض بساطاً، ممتدة.
 ذكرت منذ مدة لو فرضنا أن الأرض تفلتت من جاذبية الشمس، وسارت في أعماق الفضاء الخارجي، وأردنا أن نعيدها إلى حظيرة الشمس، نحتاج إلى مليون مليون حبل فولاذي، قطر كل حبل خمسة أمتار، قوة شد كل حبل تقدر بمليوني طن، كل حبل فولاذي مضفور قطره خمسة أمتار يتحمل قوى شد تعادل مليوني طن، نحن نحتاج إلى مليون مليون حبل، معنى هذا أن الأرض مجذوبة إلى الشمس بقوة تعادل ملونين ضرب مليون مليون طن.
 إن كل هذه القوة من أجل أن تحرفها ثلاثة ميليمتر في الثانية الواحدة، من أجل أن تسير على مسار مغلق، ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

[ سورة البروج:الآية 1]

 لو أردنا أن نزرع هذه الحبال على السطح المقابل للشمس، وهذه الحبال كما تعلمون يزيد طولها عن مئة وست وخمسين مليون كيلومتر، لو أردنا أن نزرع مليون مليون حبل، قطر كل حبل خمسة أمتار، لفوجئنا أن بين الحبلين خمسة أمتار فقط، فنحن أمام غابة من الحبال الفولاذية التي تعيق أشعة الشمس لأنها تتداخل، وتعيق زراعة الأرض، وبناء الأبنية، عندئذٍ تستحيل الحياة على وجه الأرض، الآن دقق في قوله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[سورة الرعد: الآية 2]

 هناك عمد ولكنكم لا ترونها، الله لطيف، عمود ولكن عمود من قوى الجذب يمكنك أن تمشي خلاله، لا يعيق الرؤيا ولا الحركة، ما هو عمود:

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[سورة الرعد: الآية 2]

﴿ والله جعل لكم الأرض بساطا ﴾

[سورة نوح:الآية 19]

تصميم المعادن وصفات المعادن خصيصاً لراحة الإنسان :

 أريد أن أوضح هذه الحقيقة: لمعت فكرة في ذهني أن هذا الزجاج شيء ثمين، تستقبل الشمس في أيام الشتاء، والهواء لا يدخل، والبرد لا يدخل، تنعم بأشعة الشمس، وتستمتع المناظر الجميلة، وبالدفء، وبأشعة الشمس عن طريق هذا البلور.
كيف صنع هذا البلور؟ من رمل خاص، وبمعالجة خاصة، الإنسان صدفةً استطاع أن يصنع من الرمل زجاجاً، أما أن الرمل في علم الله فقد صمم خصيصاً ليكون زجاجاً.
 الرصاص عندما يبرد يزداد حجمه، هذه خاصة مهمة جداً، وهذه الخاصة المهمة أدركتها عندما وجدت أن المحافظة تريد أن تلغي الحديقة، والحديقة لها سور، وهذا السور مثبت في حجارة، كيف ثبت الحديد في الحجر؟ حفرت في الحجر حفرة، وضع الحديد، وصب الرصاص، الرصاص من خصائصه أنه يتمدد حينما يبرد، فإذا كانت الحفرة على شكل إجاصة وتمدد الرصاص الذي لفت نظري أن المهندسين فضلوا أن يقطعوا هذا الحديد بالأكسجين عن أن يقلعوه من الحجر، مستحيل أن يخرج الحديد من الحجر عن طريق الرصاص، إن الرصاص إذا برد تمدد مثل الجبصين تماماً.
 هذه الخاصة هل عثرنا عليها صدفة؟ لا. صمم الرصاص بهذه الخاصة ليكون عوناً للإنسان على تثبيت الحديد بالحجر.
 تجد محلاً تجارياً ضخماً مقفولاً بقفل، القفل مربوط بمثلث حديدي مزروع في الحجر، كيف؟ عن طريق الرصاص، يستحيل قلعه.
 إذاً المعادن وصفات المعادن هذه كلها مصممة خصيصاً لراحة الإنسان، الفضة تطهر المياه لقوله تعالى:

﴿ ويطاف عليهم بآنية من فضة﴾

[سورة الإنسان: الآية 15]

 لِمَ لم يقل من ذهب؟ أنا قرأت كتاباً عن الفلذات، الفضة من خصائصها أنها تطهر السوائل، ففي معامل تكرير المياه آخر مرحلة الماء يمر بأنابيب من الفضة، ففي هذا المعدن خاصة هي التطهير والتعقيم.

﴿ والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً﴾

[سورة نوح:الآية 19-20]

الأرض وضعت خصيصاً لبني البشر :

﴿ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ﴾

[ سورة الرحمن:الآية 10]

 لو أن الله قال: وضع الأرض للأنام أي للأنام ولغير الأنام، أما حينما قدمنا المفعول به فوجد القصر، كقولك:

﴿إياك نعبد﴾

 فرق كبير بين أن تقول نعبد إياك وبين أن تقول إياك نعبد. إذا قلت: نعبد إياك ونعبد غيرك، أما إياك نعبد: فنعبدك وحدك يا رب. تقديم المفعول على الفعل يفيد القصر والحصر.

﴿ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ﴾

[سورة الرحمن:الآية 10]

 أي هذه الأرض وضعت خصيصاً لبني البشر، فيها هواء، فيها ماء، حجم الأرض يتناسب مع وزن الإنسان، أو وزن الإنسان يتناسب مع حجمها، أنت على القمر وزنك السدس، ستون كيلو على الأرض على القمر عشرة كيلو، لو كانت الأرض أكبر كان وزنك مئتي كيلو، الحياة صعبة جداً، بالقمر رواد الفضاء يشكون من خفتهم، يرتدون ثياباً ثقيلة جداً كي يثبتوا على سطح القمر، في الأرض الوزن يتناسب مع الحجم:

﴿والأرض وضعها للأنام* فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام* والحب ذو العصف والريحان*فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾

[سورة الرحمن:الآية 10-13]

 الذرة لها قنوات عبارة عن أنابيب دقيقة جداً يعبر من خلالها غبار الطلع، شيء لا يصدق، لكن مشكلة الإنسان أن الأشياء المألوفة قد لا ينتبه إليها، لكن لو دقق في كل شيء لرأى العجب العجاب.

 

الحكمة من نضج الخضار والفواكه بالتدريج ونضج المحاصيل في يوم واحد :

هل تستطيع تجميد الماء بدون تبريد؟ البطيخ ماء لو عصرت البطيخ لوجدت أن سبعاً وتسعين بالمئة ماء، بشعريات دقيقة وحبيبات دقيقة تجد ماء محلى وملوناً، وهذه القشرة القاسية- تجد السيارة تحمل خمسة طن من البطيخ- تتحمل الضغط، الشكل الكروي شكل يتحمل الضغوط، والضغوط تتوزع على سطحه كله، فلذلك الإنسان لو فكر في الفواكه والثمار، مثلاً المحاصيل تنضج في يوم واحد، أما الفواكه فتنضج تباعاً، والخضار تنضج تباعاً، تدخل إلى بيت مزروع بالطماطم تجد واحداً من خمسين أحمر والباقي أخضر، كل يومين تجنى الثمار الناضجة، حكمة بالغة، نضج الخضار والفواكه بالتدريج أما نضج المحاصيل ففي يوم واحد.
 قال لي أخ: ضمنت حقل بطيخ، حملت منه تسعين سيارة، كل يوم سيارة لمدة ثلاثة أشهر، كيف علم بالبطيخ الناضج؟ يوجد إشارة، يوجد حلزون صغير إذا انكسر تكون البطيخة ناضجة، وإذا بقي طرياً لم تنضج، وعلامات ممكن أن نفكر قال الله تعالى: 

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ﴾

[سورة عبس:الآية 24-25]

استعمالات الخشب :

 آية ثانية قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

[سورة الأنعام:الآية99]

 هذه الآية الوحيدة، نبات كل شيء، ممكن أن تعمل إحصاء عن أنواع النبات، يوجد نبات يعطيك حبات مسبحة، و يوجد نبات يعطيك ليف الحمّام، يوجد نبات يعطيك المسواك، يوجد نبات يعطيك نكاشات أسنان، يوجد نبات للأثاث –الزان-، يوجد نبات للنوافذ –كندي-، يوجد نبات للكبريت –الشوح للاستعمال الطري-، مئة نوع من الخشب، يوجد نبات يتمدد على الماء للأساسات، بعض الأبنية القديمة أساسها خشب، يوجد نبات لونه وردي مثل اللحم اللحام يضع دفاً من المشمش.
 أخبرني أخ كريم خبير في معامل النسيج، معمل ضخم جاء بآلات ضخمة، وضعت على منصات إسمنتية، والآلات من أرقى شركة، فلما أدير المعمل لم ينجح في عمله، الخيط يقطع. لم يتركوا خبيراً إلا وسألوه، جاء خبيراً دارساً في ألمانيا، ألغى المنصة الإسمنتية ووضع منصة من خشب التوت، اشتغل المعمل، لماذا؟ قال: لأن هذا الخشب أليافه متينة ومرنة، فعندما يصل المكوك للآخر هناك صدمة الخشب يمتصها، أما الإسمنت فلا يمتصها فيردها فينقطع الخيط.

 

ظاهرة النبات ظاهرة تلفت النظر صممت خصيصاً لخدمة الإنسان :

 لو دققت في خصائص الخشب، خصائص المعادن، أشباه المعادن، ترى العجب العجاب، وترى أنها صممت خصيصاً لخدمة الإنسان، هي مسخرة للإنسان:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

[سورة الأنعام:الآية99]

 يوجد نبات طعام، يوجد نبات كوشوك، يوجد نبات فلين، يوجد نبات للمنظر، يوجد أشجار زينة، يوجد أشجار نخيل كزينة لا يحمل ثماراً- شواهق-، يوجد أشجار مظلات قف عندها أحيانا تجدها دائرة نظامية، جذع مستقيم، الأغصان مطبقة، الأوراق صغيرة، الأوراق دائمة الخضرة، هذا الشجر تشعر بأنه صمم ليكون مظلة للإنسان، في بعض المناطق الساحلية أمام كل بيت مظلة صيفاً شتاءً، تقول: هذه الشجرة إنما صممت لتكون مظلة للإنسان، يوجد أشجار حدودية، فيها شوك، جميلة جداً، ولها أزهار، ولها أوراق، ولكن اجتيازها صعب، تسمى بالزراعة أشجار حدودية، يوجد نبات لإمتاع العين، أنواع الورود، وأنواع الأبصال، وأنواع الرياحين، لا يعلمها إلا الله، ويوجد نباتات للبيوت؛ نباتات صالونات، هذا من فضل الله على الإنسان، ويوجد نباتات تعطينا البهارات، يوجد نباتات تمتع الحواس، يوجد نباتات عطرية، ويوجد نباتات أدوية، نبات كل شيء، أحصيهم، شيء لا يصدق، ظاهرة النبات وحدها تلفت النظر، معقول بذرة لها أجنحة تطير من قارة لقارة لها حلزون فإذا وقعت على الأرض غمس الحلزون في التراب ثم فتحت فتحة فنزل البذر إلى التراب وأنت لا تدري؟ الرعويات والغابات العذراء إنما زرعت بهذه الطريقة الذاتية بدون مزارع:

﴿ فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا﴾

[سورة الأنعام:الآية99]

 وقوله تعالى:

﴿والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون* وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين﴾

[سورة الحجر:الآية19-20]

ما من مسلم يغْرس غَرساً أو يزرَع زَرعاً إلا كان له به صدقة :

 ما هي البذرة؟ كائن حي، لها رشيم، ولها سويق، ولها جذير، لها محفظة غذاء، إذا زرعته في القطن بعد حين ينمو السويق ويورق وينمو الجذير، تمسك بالمحفظة فارغة، أخذوا قمحاً من الأهرامات مخزناً منذ ستة آلاف عام، زرع فنبت، فهذا الرشيم يعيش ستة آلاف عام، قال عليه الصلاة والسلام:

(( ما من مُسلم يَغْرِسُ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً، فيأكلَ منه طَير، أو إنسان، أو بَهِيمة، إلا كان له به صدقة ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ]

غير موضوع التجارة، والبيع والشراء، والربح، أي إنسان يأكل من هذا الزرع، أي طائر يأكل من هذا الزرع، هذا يعد في صحيفة زارعه صدقة.
 مقتضى الحديث كما يقول شراح الحديث: أن الثواب مستمر مادام الزرع أو الغرس مأكول منه، ولو أنك بعته، لو بعت هذا البستان، لو دخل إنسان وأكل من هذا الشجر بلا إذن، لو أكل الطير، أي زرع يؤكل لزارعه أجر كبير مادام الزرع أو الغرس مأكولاً منه، أو منتفعاً به، ولو مات غارسه، أو زارعه، ولو انتقل ملكه إلى ملك غيره، قال العلماء: في سعة الله عز وجل أنه يثيب على ما بعد الحياة كما كان يثيب على ما في الحياة، العلماء قالوا: ستة أشياء يثاب صاحبها بعد موته: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو غرس، أو زرع، أو رباط - أحدهم أنشأ حصناً على الحدود، فأصبح هذا الحصن مركز قوة للمدافعين - رباط، زرع، غرس، ولد صالح، علم ينتفع به، صدقة جارية، هذه الأشياء الستة مستفادة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الذي فعلها يثاب بعد موته.
 قال: روي أن رجلاً مرّ بأبي الدرداء رضي الله عنه وهو يغرس جوزةً، فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير؟ وهذه لا تثمر إلا بعد كذا وكذا عاماً، فقال أبو الدرداء: ما علي أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري، انظر إلى الإيمان، أنا عليّ أن أزرعها، لوا أكل غيري منها الأجر لي، هذه أحاديث صحيحة.
 لمجرد أن تزرع زرعاً، أو أن تغرس غرساً، أي إنسان أكله بحق أو بغير حق – طائر، إنسان دفع ثمنه أو لم يدفع ثمنه، بعت البستان، انتقل لملكية أخرى، أنت حي، بعد الممات، الأجر ثابت - هل هناك في أي دين آخر ما يدعو للحث على الزراعة كهذه الأحاديث؟

 

قطع الشجرة إثم كبير :

 بعض المفكرين يقولون: ويلٌ لأمة تأكل ما لا تزرع، الأمة التي تخطط لمستقبلها تخطيطاً سليماً ينبغي أن تأكل ما تزرع، أن تكتفي ذاتياً، وهناك حديث معروف عندكم جميعاً، قال صلى الله عليه وسلم:

(( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ))

[أخرجه البزار عن أنس بن مالك]

 يوم القيامة الدنيا انتهت، عليك أن تغرس هذه الفسيلة، لذلك قطع الشجرة إثم كبير.
 في بعض البلدان - بلدان الخليج - لأنها صحراء فحتى جعلوها خضراء دفعوا عليها ألوف الملايين، فقال لي أحد المهندسين: عند المسؤولين تحويل الشارع أهون من قطع شجرة لقيمتها، تحويل شارع من جهة إلى جهة أهون عندهم من قطع شجرة.
 سمعت بوجود جزاء يزيد عن خمسين إلى ستين ألف ليرة لمن يقطع شجرة دون ترخيص.
 يقول رجل:

((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأذني هاتين: مَنْ نَصَبَ شَجَرَةً فَصَبَرَ عَلَى حِفْظِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا حَتَّى تُثْمِرَ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُصَابُ مِنْ ثَمَرِهَا صَدَقَةٌ عِنْدَ اللَّهِ ))

[ أحمد عن رجل من أصحاب النبي]

 دقق في الحديث ، كل شيء يصاب من ثمرها، كل من أكل منها، لو دخل إنسان بغير حق أكل منها، بيع، هدية، سرقة، بأية طريقة.

((مَنْ نَصَبَ شَجَرَةً فَصَبَرَ عَلَى حِفْظِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا حَتَّى تُثْمِرَ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُصَابُ مِنْ ثَمَرِهَا صَدَقَةٌ عِنْدَ اللَّهِ ))

[ أحمد عن رجل من أصحاب النبي]

الحاجة إلى الزراعة و الصناعة و التجارة تختلف باختلاف الأحوال :

 استدل بعضهم على أن الزراعة هي أفضل المكاسب، وقال آخرون: بل الصناعة وعمل اليد أفضل، وقال آخرون: التجارة.
 ما الصواب؟ بعضهم قال: الزراعة، وبعضهم قال: الصناعة، وبعضهم قال: التجارة، فما الصواب؟ الصواب: إذا كنا نستورد الطعام والشراب فأول شيء أن نزرع طعامنا وشرابنا، أما إذا كان لنا أعداء يتربصون بنا فلا بد من صناعة السلاح، صناعة السلاح الذي يحفظ أرضنا، وديننا، وعزتنا، وكرامتنا، تأتي في الدرجة الأولى، وإذا كان موقعنا تجاري ممكن أن نؤمن أعمالاً كبيرة عن طريق التجارة، فالصواب أن كل قطر وكل بلد له ظروفه، و ملابساته، سمعت من أحدهم: بلد صحراوي يوجد مخزون ماء جيد في أعماق الأرض، فزرعوا قمحاً، هذا القمح اشتروه من الفلاح بـستة ريالات، سعره بالدول الأخرى ريال واحد، استنفذوا مخزون الماء كله فلم تربح معهم، الإنسان يجب أن يوازن، كانوا يحفرون ستين متراً يجدون الماء، الآن يحفرون ثلاثة آلاف متر و لا يوجد ماء، استنفذنا الماء كله، وأقمنا محصولاً لم يكن مردوده كما استهلك من الماء، فكل قطر له ظروفه، وملابساته، قال بعض المحققين: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال، فحيث احتيج إلى الأقوات فالزراعة أفضل، وحيث احتيج إلى التجارة فالتجارة أفضل، وحيث احتيج إلى الصناعة فالصناعة أفضل.

 

الحلال والحرام بالزراعة :

 الآن الحلال والحرام بالزراعة: كل نبات محرم استعماله محرم زراعته.
بقطر عربي مجاور عطلت الزراعات الغذائية لتحل محلها زراعة المخدرات الكيلو ثمنه يقدر بمئة ألف، فزراعة الغذاء عطلت وحلت محلها زراعة النباتات المخدرة، فلذلك أي نبات محرم استعماله محرم زراعته.
 إذا كان حكم الدخان حراماً فزراعة الدخان حرام، وإذا كان حكمه مكروهاً فزراعته مكروهة، مادام الحشيش محرماً قطعاً فزراعته محرمة قطعاً.
 بل إن زراعة العنب إذا علم الزارع أن مصيره إلى معامل الخمور تحرم زراعته، أحياناً يزرع اليانسون هذا إلى معامل الخمور، كل إنسان يزرع صنفاً يعلم أنه ينتهي إلى معمل خمر الزراعة محرمة ولو زرع عنباً، هذا هو الحكم الشرعي.
 سمعت عن رجل أعطوه دواء مسكناً، وفي بلد آخر يستخدم كمخدر، بكميات أكبر يصبح مخدراً من المخدرات، في هذا البلد ممنوع استعماله لأن استخدامه ليس استخداماً طبياً بل استخدام إدمان، فالبلد مانع، وجاء إنسان فهربه وربح أرباحاً طائلة، لكنه وقع في شر عمله - غير تقي - ويعلم أن هذا الدواء حينما ينقل من بلد لآخر لا يستخدم كدواء يستخدم كمخدر.
 سألني أخ: يوجد مادة لاصقة في بلد أوربي شرقي تستخدم كمخدر، يضعونها في مكان ثم يعرضونها للحرارة ثم يستنشقون بخارها فتخدرهم تخديراً كاملاً، قال لي: فيها أرباح طائلة، قلت له: حرام، في الأساس هي مادة لاصقة، ويعلم علم اليقين أنها تستعمل كمخدر، درسنا الحلال والحرام.

أيّ شيء يستخدم خلافاً للشرع فلا ينبغي أن يزرع أن يتاجر به أو يباع :

 أي شيء تعلم أنه يستخدم خلافاً للشرع فلا ينبغي أن تزرعه، ولا أن تتجر به، ولا أن تبيعه، لأنه كما قال تعالى:

﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾

[سورة المائدة: الآية 2]

 قال لي: مادة لاصقة ببلد أوربي شرقي يعرضونها للحرارة، ويستنشقون بخارها، مفعولها كفعل المخدر تماماً.
 قال لي: إننا نبيع منها بكميات كبيرة، كلاصق! لكن يستعملونها هكذا انتهى الأمر.
 هذه التجارة اركلها بقدمك، أحياناً يوجد أدوية مسكنة تستعمل كمخدرات بكميات كبيرة، أحياناً الكحول الطبي يشرب - في بعض البلاد يشرب - وله مفعول الخمر، الكحول الطبي! دقق في هذا الموضوع!
 أية زراعة إذا انتهت إلى محرم فهي محرمة، يسمى هذا في الفقه باب سد الذرائع.
 عندنا حكم جديد: لو إنسان ربى خنزيراً ليبيعه لغير المسلمين – يقول: ليس لي علاقة بدينهم حلال؟ - لا يجوز أن تتجر بشيء محرم، ولو بعته لغير المسلمين، هذا هو الحكم الشرعي.
 فكل إنسان يزرع يجب أن ينتبه! يوجد أحياناً زراعات كزراعة العنب فهي رائجة جداً، إنها تباع لمعامل تقطير العنب، يوجد زراعة اليانسون رائجة جداً لكن تباع لمعامل الخمور، فأي زراعة تباع لمعامل الخمور زراعتها محرمة، لأنه ما أدى إلى حرام فهو حرام، وهذا التحريم ليس لذاته ولكن لغيره، ويأتي تحت باب سد الذرائع، هذا هو الحكم الشرعي للزراعة.
 يوجد شيء آخر: أحياناً المزارع تستخدم هرموناً يؤدي إلى نمو النبات، يتألق لونه، ويرتفع سعره، ويزداد المحصول، لكن هذا الهرمون يتراكم في الجسم، والهرمون مسرطن، والهرمون ممنوع بيعه، والدول التي تبيعه لنا ممنوع عندها استخدام الهرمون نفسه، وكل فلاح يستخدم هذا الهرمون ليكبر البضاعة قبل أوانها ويبيعها بسعر أعلى على حساب صحة الناس، هذا الإنسان محاسب عند الله، طبعاً يدخل فيها أشياء كثيرة، كل مادة مسرطنة، مادة مؤذية، تتراكم في الجسم، هذه ينبغي أن تبتعد عنها، لذلك ينصح -إذا كانت هناك البلوى عامة ولا أحد ينضبط بالشرع - أن تختار القطعة الصغيرة من الطماطم، لأن الكبيرة أغلب الظن أنها مهرمنة، لاحظت أن المهندسين الزراعيين يختارون القطعة الصغيرة، هذه لا يوجد فيها هرمون، الهرمون مادة كيماوية وتستقر في الجسم بالنهاية تسرع النمو، وتزيد في عقد النبات، وترفع السعر، لكنها تؤذي الجسم، هذا هو الحلال والحرام في الزراعة.

 

تحريم بيع العينة لأنه تحايل على الشرع :

 لكن ورد حديث يحتاج إلى تفسير يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إذا تبايعتم بالعينة ))

 بيع العينة هو في الصورة بيع شرعي وفي الحقيقة ربوي، ممكن أن تضع سجادة في المحل يأتي من يريد أن يستقرض بالربا لعندك، يقول لك: أتبيعني هذه السجادة؟ تقول له: نعم، بكم؟ بخمسين ألفاً، يقول لك: اشتريتها ديناً، وهي معلقة على الجدار، ثم يقول لك بعد قليل: أتشتريها مني نقداً؟ يقول لك: نعم بـأربعين ألفاً، فيخرج من الدرج أربعين ألفاً ينقدها له، ويسجل في دفتر الذمم، ذمة سجادة بـخمسين ألفاً، الشكل بيع صحيح، إيجاب وقبول، اشتراها بـخمسين ألفاً ديناً ثم باعها بـأربعين ألفاً نقداً، هذا اسمه بيع العينة، أي تحايل على الربا، فالإنسان مراب وعنده هذه السجادة منذ أربعين سنة لم يبعها ولم يشترها، معلقة على هذا الجدار، تباع في اليوم مئة مرة، يبيعها ديناً ويشتريها نقداً وهي معلقة على الجدار، والغبار قد تراكم عليها، هذا اسمه بيع العينة.
 قال: بيع العينة تحايل على الشرع، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))

[ أبو داود عن ابن عمر]

مثلاً: إنسان أنشأ مزرعة، وعاش فيها ببحوحة، وهدوء، ونشاط، لا علاقة له بأحد، ولم يتعرف إلى الله، ولم يخدم إنساناً، ولم يدعُ إلى الله، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن منكر، ولا يريد أحداً، مناظر جميلة، وثمرات يانعة، ومسبح، وفيلا، إذا الإنسان ركن إلى الدنيا، الزراعة أحياناً لها علاقة بالدنيا، نزرع كي نأكل، ونزرع لنكتفي، أما إذا استخدمنا الزراعة كهواية استقللنا بها عن كل نشاط ديني، فقال:

(( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))

[ أبو داود عن ابن عمر]

إتقان الصناعات فرض كفاية :

 يجب على المزارع ألا يغفل عن الله عز وجل، ألا ينسى الله عز وجل، ألا يترك طلب العلم، الحياة بالتوازن، بالوسطية، لا نهمل الزراعة حتى نموت ونستورد كل شيء، ولا نتعلق فيها تعلقاً ينسينا كل شيء، الزراعة سلسة مسلية وجميلة وممتعة، تجد الإنسان يعيش في مزرعته لا يريد أحداً، لكن يبقى جاهلاً، لذلك علماء الشريعة قالوا: إن 

إتقان الصناعات فرض كفاية، كل أمة أسلامية يجب أن يكون فيها من كل الصناعات، بحيث لو أنها أهملت لأثم الجميع

كل صناعة ضرورية يجب أن يختص بعض الناس بإتقانها، و إلا أثم جميع الناس. قال: أثمت الجماعة كلها وبخاصة أولي الأمر وأهل الحل والعقد. أهل الحل والعقد: كمجلس الشورى الذين ينتخبون أهل الحل والعقد، وأولي الأمر المنفذون، والجماعة كلها تأثم إذا تعطلت فيها بعض الصناعات الأساسية.
 مثلاً: ما قولكم أن صناعة غلاف الأدوية - هكذا بلغني قديماً- تصنع من مادة هلامية داخل فيها شحم الخنزير؟ فالأمة كلها تأثم إذا لم يكن عندنا مصنع يصنع الغلاف –البرشام- غلاف الأدوية، يوجد أشياء فيها شحوم خنزير كثيرة جداً، فالأمة كلها تأثم إذا أهملنا صناعة نقيم بها شرع الله عز وجل، يوجد معاجين أسنان فيها شحم خنزير، يوجد حلويات تأتي استيراداً وهي غالية الثمن فيها شحوم خنزير، كل دهن حيواني مستورد من بلد أجنبي في الأعم الأغلب فيه شحم خنزير.
 فمتى نأثم؟ إذا أهملنا الصناعة، نحن في أمس الحاجة إليها أهملناها وبقينا نستوردها من بلاد لا تحلل ولا تحرم أبداً.

 

الاختصاصات النادرة يجب أن تكون متوافرة في المسلمين :

 يقول الإمام الغزالي في إحيائه نص مهم جداً أرجو أن تدققوا فيه: "أما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب"، مثلاً عند المسلمين لا يوجد طبيب مسلم نسائي، هناك طبيب غير مسلم يكشف على عورات النساء، والأكمل أن يتواجد طبيبة، يجب أن تختار أولاً طبيبة، فإن لم يكن هناك طبيبة، تبحث عن طبيب مسلم، لا يوجد فأنت مضطر، فإن لم يكن هناك إنسان طبيب مسلم صادق أمين ورع متفوق ماهر الجماعة كلها تأثم.
الاختصاصات النادرة يجب أن تكون متوافرة في المسلمين.
 قال: "أما فرض الكفاية فكل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب، إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروريٌ في المعاملات"
 كلية التجارة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل. الحسابات عصب التجارة، إذا لم يتوفر المختصون بالحسابات الأمة كلها تأثم، وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها يصبح البلد كله آثماً، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين.
 فالطب والحساب من فروض الكفايات، وكل علم وكل صناعة دقيقة قد نستوردها من بلد غربي وقد يكون البلد الغربي غير منضبط.

آيات كثيرة في كتاب الله تشير إلى الصناعة :

 قال الله عز و جل:

﴿وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد﴾

[سورة سبأ: الآية 10-11]

﴿وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون﴾

[ سورة الأنبياء: الآية 80]

﴿ وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير﴾

[ سورة سبأ: الآية 12]

 هناك آيات كثيرة جداً في كتاب الله تشير إلى الصناعة، فالصناعة كما قلنا: فرض كفاية، والعرب في الجاهلية كانوا يتقنون بعض الحرف، هذا راعي غنم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ . فَقَالَ : نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ ))

[ البخاري عن أبي هريرة ]

 سيدنا النبي، سيد الخلق وحبيب الحق، كان راعي غنم، والغنم ليست له، أي لم يكن غنياً، كان أجيراً، كنت أرعاها لقراريط لأهل مكة، لذلك قالوا: الفخر للعاملين لا للمترفين ولا للعاطلين.

 

العمل النظيف وسام شرف للإنسان :

 الإنسان نراه أحياناً يرتدي ثياب العمل، ميكانيكي، ثوب أزرق ملطخ بالزيوت والشحوم والطين، مستلقِ تحت السيارة، هذا وسام شرف له، هذا عمل نظيف

قال لي شخص كلمة - مكتبه لا يوصف – لكن تجارته محرمة، قال لي: أنا عملي قذر، من فمه قال لي: أنا عملي قذر، ومكتب لا يوصف في فخامته، في اليوم التالي ذهبت إلى إنسان يعمل في الميكانيك، رأيته منبطحاً في أيام الشتاء تحت السيارة، والطين كثير، والمطر تهطل بغزارة، ويرتدي ثياباً مهترئة مبللة زرقاء، أصلها زرقاء اللون، جاءها الزيت والشحم والماء والطين فلا لون لها، وأصلح المركبة تصليحاً جيداً وأخذ أجراً معتدلاً، والله قلت في نفسي: هذا عمل نظيف، انظر المفارقة: مكتب فيه من الأناقة ما لا يوصف، قال لي صاحبه: أنا عملي قذر، وإنسان آخر يعمل في تصليح المركبات وبوضع لا يوصف من القذارة - حسب مصلحته- ومع ذلك أنا قلت: هذا هو العمل النظيف، العمل النظيف أن يكون مشروعاً، والدخل مشروعاً.
يوجد نصيحة للمسلمين: الإنسان لو لبس ثياباً مبتذلة في عمله، هذه الثياب وسام شرف له.
 زرت أخاً يعمل في تصليح المركبات، فأشار إلى إنسان يعمل عنده قال لي - معه لسانس - وما كنت أتمنى أن يقول هذه الكلمة، هو يفتخر أن عنده عمالاً يحملون إجازات ما كان مني إلا أن ذكرت له هذا الحديث:

 

((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود ليه السلام كان يأكل من عمل يده))

[ البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 وجدت رداً مناسباً، هو يريد أن يصغره - أنا عندي عمال معها لسانس و تعمل في المكنسيان ـ وهو قد يكون أمياً، فقلت له:

((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود ليه السلام كان يأكل من عمل يده))

[ البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

أية حرفة تفضي إلى حرام فهي حرام :

 يبدو أن العمل اليدوي هو أحلّ عمل، فيه جهد حقيقي، يوجد عمل أساسه الاحتيال، والإيهام، والكذب، والتدجيل أحيانا، يوجد دلال صلى العشاء باتجاه الشمال، باع البيت ليلاً، ظنّ المشترون بأن البيت قبلي والنوافذ كلها نحو الشمال، قام لصلاة العشاء باتجاه الشمال، طبعاً أخذ أجرته مبلغاً ضخماً، هذا احتيال، صلى باتجاه الشمال ليوهم الشاري بأن البيت قبلي وقد بيع البيت ليلاً.
 أما العمل اليدوي فعمل فيه جهد حقيقي، فيه حلّ حقيقي.
 الآن أخواننا الكرام أية مصلحةٍ، أية صناعةٍ، تفضي إلى حرام فهي حرام، يقولون: أربح شيء تركيب الصحون الفضائية، ابقَ بدون عمل أفضل من أن تعمل بهذه المصلحة.
 يوجد مهن كثيرة جداً، تأجير الأفلام رائجة كثيراً!
 أية صنعة، أية حرفة تفضي إلى حرام فهي حرام، والدليل الوحيد القطعي قوله تعالى:

﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾

[سورة المائدة: الآية 2]

 لا تساهموا في آلات اللهو، أجهزة اللهو، أي كل شيء فيه معصية لا تساهم في صنعه.
 البغاء شيء بديهي حرام، الفنون المبنية على إثارة الغرائز شيء بديهي، صناعات التماثيل بديهية، الأشياء التي فيها إثارة للشهوات، رسام يرسم امرأة شبه عارية، كلامي عنها كلها تحصيل حاصل بأنها حرام من دون أن أضيف شيئاً، فكل هذه الصناعات التي لها علاقة بالحرام فهي حرام.
 سألني أخ سؤالاً: ما هو الحكم الشرعي بالمال الذي يكسبه بعض التجار بوساطة ترويج سلعهم بدعاية تلفزيونية تظهر فيها فتيات كاسيات عاريات ألا يعد حراماً؟
 أكيد الأخ السائل لم يرد جواباً، أراد إعلامكم بأنه حرام، لأنه قال: لأن ما اقترن بحرام فهو حرام، كل شيء اقترن بحرام فهو حرام.

 

الحرام حرام وما أعان على الحرام فهو حرام وما اقترن بالحرام فهو حرام :

 الحرام حرام، وما أعان على الحرام فهو حرام، وما اقترن بالحرام فهو حرام.
 أنت تصنع مادة منظفة - لاشيء عليك -، تصنع مادة عطرية، تصنع طعاماً لأطفال –لا شيء عليك ـ، أما إذا كانت امرأة شبه عارية تعرضه للناس اقترن هذا بحرام، يوجد -والعياذ بالله- من يفعل هذا بلا ورع إطلاقاً، ويصلي أيضاً، ويحضر مجالس علم، ثم يقول: هذا عمل. المسلم ملتزم.
 أعرف أشخاصاً يصنعون إعلانات لكن لا يستخدمون النساء بل الرجال،
 إن شاء الله ننتقل في الدرس القادم إلى التجارة، موضوع التجارة، وموضوع الحرف، وموضوع الوظائف، هذه كلها فيها أشياء حلال، وفيها أشياء حرام، لكن أنا أشعر أن الأشياء المحرمة تعرفونها جميعاً، ما أردت أن أفصل بها، البغاء؛ مثلاً إن جاءك زبون يريد أن يستأجر بيتك في الليلة الواحدة بخمسة آلاف، فهل يوجد من لا يشك في هذا؟ تقول: هم أحرار و أنت تعلم علم اليقين أن هذا المبلغ لا يدفع إلا من أجل الحرام، وهذه شائعة جداً تأجير البيوت للسياح، ويعلم المؤجر علم اليقين أن هذا البيت مستأجر للزنا وشرب الخمر، يقول: بالشهر كله خمسة آلاف، بالليلة الواحدة خمسة آلاف، يظن نفسه شاطراً وذكياً.
 فطبعاً أشياء لا أفصل بها لأني أثق أنكم تعرفونها جميعاً.
 فكل تجارة تفضي إلى حرام، كل صناعة تفضي إلى حرام ، كل زراعة تفضي إلى حرام فهي حرام، ودرسنا الحلال والحرام.
 حتى الإنسان الذي يبيع كؤوساً للخمور لها شكل خاص، هذه ينبغي ألا يبيعها، كل شيء متعلق بالخمور ومستلزماتها و أوانيها، أحياناً أوانٍ للثلج تقدم مع المشروب هذه الأواني ممنوع بيعها.
 يبيعون طاولات الزهر، أشياء كلها محرمة، يجب الانتباه، حتى بيع الدخان فيه مشكلة، فإذا كان محرماً فبيعه محرم، إذا كان مكروهاً فبيعه مكروه، حسب ما ذكر العلماء.
 فكما قلت لكم: أخطر درس بعد معرفة الله الحلال والحرام، ومنعني من التفاصيل أنني أتكلم مع مؤمنين، ويعلمونها بالفطرة والبديهة، ولا حاجة للتفاصيل في هذه.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور