وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الشمس - تفسير الآيتان 07 - 08 خصائص النفس الإنسانية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، في سورة الشمس التي مطلعها قوله تعالى:

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)﴾

[ سورة الشمس ]

 كيف أنَ هذه الشَّمس عظيمة، وهذا النهار وهذا الليل، وهذا القمر ؛ نَفْسُكَ التي بين جَنْبَيْكَ لها جِبِلَّة عظيمة، ولها خصائص، فكما أنَّ لِهذا الجسم خصائص فلِهذه النَّفْس خصائص، والإنسان حينما يكْشِفُ خصائص نفْسِهِ يسْعُد مع ربِّه وأحَدُ أكبرُ هذه الخصائص ؛ ألْهَمَها فُجورها وتقْواها، وأحدُ أكبر هذه الخصائص ؛ ونفْس وما سوَّاها فكيف سَوَّاها ؟‍ الإنسان مَبْدَئِيًّا لو لم يَصِلْهُ الشَّرْع ولم يتلَقَّ العِلْم، ولم يجْلِس مجْلِسَ عِلْم، ولم لم يقرأ كتاب، ولو لم يستمِع إلى خطاب، لو أصْغى إلى فطْرَتِه لعرَفَ أنَّه إن كان على صواب أو خطأ ‍! لأنَّ هذه النَّفْس من خصائصها أنَّك إذا انْحَرَفْتَ عن المبادئ التي جُبِلْتَ عليها تَشْعُرُ بِضيقٍ ! فالإنسان المؤمن إذا ارْتَقَتْ نفْسُهُ، وأصْبَحَ على حساسِيَّةٍ مُرْهَفَةٍ بحيث لو أخْطأ لَشَعَرَ أنَّهُ أخْطا، فكيف أنَّ الإنسان إذا جاع يشْعر أنَّه قد جاع، فلا حاجة لأحَدٍ أن يُعْلِمَه، أما الوَقودُ إذا انتهى فهُناك مُؤَشِّر، لو لم ينْتَبِه إلى المُؤِِّر تقْطَعُهُ، وكذا للحرارة مُؤَشِّر، فلو كان مع حديث شَيِّق وارْتَفَعت حرارة المُحَرِّك ولم ينْتَبِه له يحْتَرِقُ المُحَرِّك ! فالأجْهزة المُعْلِمَة بعْضُها ضَوْئي، والآخر صَوْتي، أم الإحْساس بالجوع؛ ما نَوْعُهُ ؟! لا يوجد عندك لا ضوء ولا صوت، لكن لمَّا تجوع تشْعر به، فهذا إحْساس مُرَكَّب بِطَبيعَة الجِسْم، ولولا هذا الإحْساس لَمات جميع الناس وهم لا يشْعرون ! تنْقُص الكَمِّيات ولا يشعر بها ولا يُلَبِّي حاجِيات الجسم فَيَموت، أما ربُّنا عز وجل خصَّ الإنسان، وصَمَّم هذا الجسد بحيث كَمِيَّة الغِذاء في مستَوْدعات الكبد إذا قلَّتْ عن حَدِّها الأدْنى يشْعُر بالجوع، والإنسان يأكل أحْيانًا خُبْزًا يابِسًا مِن شدَّة الجوع، ويأكل أخْشَن الطَّعام، ويراهُ أطْيَب الطَّعام مِن شِدَّة الجوع، وقد ورد في بعض الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: نعم الإدام الخل " يعني أطْيَبُ طعام على الإطْلاق أن يكون الآكل جائِعًا ! فإذا كان جائِعًا تذَوَّق للطَّعام طَعْمًا لا مثيل له، وأكثر الناس يقولون لك: أكلْنا أكْلَة لا أنْساها إلى الموت، وقد تجدها عادِيَّة إلا أنَّه كان جَوْعانًا ! فالجوع الشديد جعله يتذَوَّق هذا الطَّعام، وحينما يشْبع الإنسان لو وضَعْتَ أمامه أطْيَب الطَّعام تعافُ نفسُه الطَّعام، أحْيانًا الإنسان مِن شِدَّة التُّخْمة والخلط بالطَّعام يحْدث معه إقْياء، لو ذَكرْتَ له أشْهى الطَّعام لرأيْتَهُ يحبّ أن يتقيَّأ، ويكاد يخرج من جلده تقزُّزًا منه، فهذه من خصائص الجسم ؛ الجوع والشبَع وكذا العطش !
لا شيء يعْدِلُ كأس الماء، لو جئت له بأطيب المشروبات لا يرْتوي إلا بالماء.
 فَنَفْسُكَ التي بين جَنْبَيْك، والتي هي أمانةٌ في عُنُقِك لها خصائص، وأحد أكبر خصائصها أنَّك إن انْحَرَفْتَ عن منهَج الله عاقَبَتْكَ نفْسُك بالضِّيق قبل غيرك ! أنت تُسَمِّي هذه كآبَة، وشُعور بالكراهِيَّة، وضيق سَمِّيها ما شئْتَ، المُهِمّ هذا عقوبة النَّفس لِصاحبها جرَّاء خروجه عن منهج الله، فهي أوَّل من تُعاقبُك، وفي أحد الفنادق الفخْمة بألْمانيا مكتوب على الفُرش أنَّه إذا أصابك الأرق فالعِلَّة ليْسَت في فُروشِنَا ولكن في ذُنوبِك !
والإنسان حكيم نفْسِه، هناك شَخْص عنده عِناية بالغَة بِجِسْمه، لا يثقل بالأكل، ولا يأكل
 الحلويات، وهذه لا يأكلها، يأكل أكْلَةً واحِدَة ويقول لك: الإنسان حكيم نفْسِه، وإذا لم أكن حكيم نفْسي أدْفَعُ الثَّمَن باهظ فهذا في الجِسْم، الآن تعال إلى نفْسِه، إذا الإنسان بلغ من الوَعْي الرُّوحي والوَعْي الدِّيني، أنَّهُ إذا غلط شعر بِحِجاب مع الله عز وجل فحاسَبَ نفسَهُ حساب عسير، فأكبر مِقْياس دقيق دقيق بِصَواب عَمَلِك أن تستطيع أن تتَّصِل بالله عَقِبَ هذا العمل، فأنت إذا عَمِلْتَ عملاً وانْتُقِدْتَ، وأنت إذا اسْتَطَعْتَ ان تُصَلِّي صلاةً صحيحة بعد هذا العمل فأنت على حقّ، لكن هذا ليس مِقْياسًا لِكُلّ الناس وإنَّما لِمَن صَفَتْ نفْسُه ولِمَن كانت فطْرَتُهُ سليمة، فالإنسان عليه أن يُحاسب نفسَهُ حسابًا عسيرًا، لذلك الله عز وجل قال:

 

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

 

(سورة الشمس )

 الشيطان أحْيانًا يُلْقي في روعِكَ معنى في تفسير هذه الآية ما أراده الله تعالى أبَدًا، ولو آمَنْتَ به لخَرَجْتَ عن دائرة صواب العقيدة، وهو أنّ الله تعالى ألْهَمَ هذه النَّفْس بِمَعنى خلق فيها الفُجور، وخلقَ فيها التَّقْوى! فإذا كان الله تعالى خلق في هذه النَّفْس الفُجور فكيف يُحاسِبُها ؟! وإذا خلق فيها التَّقْوى فكيف يُجازيها بالجنَّة ؟! فهي لا تقْواها منها، ولا فُجورها منها !إنَّما هو مِن خلْق الله فيها، وهذا المعنى جَبْري فاسِد، ومعنى غير مَقْبول إطْلاقًا، أما ألْهَمَها فُجورها وتقْواها أي أعْلَمَها ذاتِيًّا فكيف أنَّك إن جعْتَ تعرف ذاتِيًّا أنَّك جائِعٌ، وهل يستطيع أحدٌ أن يدخل إلى إحْساسك العضلي، وهذا شُعور فطْري ثابت مع كلّ إنسان، وكذا إن ارْتَقَتْ نفْسُك إلى مستوى الحساسِيَّة النَّفْسِيَّة بحيث أنَّك إذا تَكَلَّمْتَ كلمَةً غير صحيحة وشَعَرْتَ بالسُّقوط الداخلي، وبالحجاب الخارجي فهذه علامة طيِّبَة جدًا على أنَّك حيّ، لأنَّ الله عز وجل قال:

 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾

 

[سورة النحل]

 أحدهم شرب الخمْر إلى أن تمايَل، فدَخَل بيْتَهُ فَذَبَح زوْجته وخمْسة أولاد ! سكْران، ولمَّا صحى مِن سُكْرِهِ قتَلَ نفْسَهُ !! ما الذي عَذَّبَهُ ؟ الفطْرة، وهناك رجل بِبَعْض المُدن كان يمْشي بِسَيَّارتِه على الساعة الثانِيَة ليلاً، وأبٌ مُدَخِّن بعث ابنه على البقَّالِيَّة، فهذا الرَّجل دحس هذا الطِّفل ومات الطِّفل الساعة ليلاً، ولا شرطي ولا أيّ شيء ؛ القَضِيَّة كُتِبَتْ ضِدَّ مَجْهول ! هذا الذي دحس هذا الطِّفل بقِيَ عشرين يوْمًا ما ذاق طعْمَ النَّوْم، مع أنَّ لا أحد يُلاحِقُه من الشرْطة، فَذَهَب إلى طبيب نفْسي وقال له الطبيب: لا حلَّ لك إلا أنْ تدْفَعَ دِيَّة هذا الطِّفْل كي تسْتطيع أن تنام !
 رجلٌ سألني من هذا المسْجد وقال: كنتَ راجِعًا من حلب، وحدث معي خطأ فدحَسْتْ إنسان كبير بالسِنّ، وتابَعْتُ السَّيْر ولا أحَدَ لاحَقَني، والقِصَّة لها أربَعَة سنوات، قال لي: لا أسْتطيع أن أرْتاح ولا أن أنام منذ ذاك الحين !! فقُلْتُ له: اِرْجِع إلى تلك المنطقة وسَل عن الشيخ الذي مات ؛ مَن هم أهْلُه ؟! كي ترْتاح، هذه أمْثِلَة صارِخَة، وهذه هي الفطرة، أما الذي ليس فيه هذه الفطرة، فهو ينطبق عليه قوله تعالى:

 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾

 

[ سورة النحل ]

 وقوله تعالى:

 

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾

 

[ سورة فاطر ]

 ذكر لي أحدهم فقال: أنا جاهِل، وأبي مِن أحد كبار المواشي والصوف، فَكَبُرَ بالسِنّ، فَجَعَلَني محَلَّهُ، ولم يُعَلِّمْني أحَدٌ إنَّما قالوا لي: هؤلاء البَدْو اِذْبَحْهُم !! أي تضاحَك عليهم، فَبِعْتُ أحدهم صوفًا وتضاحَكْتُ عليه بالوَزن، فَعِوَض أن يدْفع أثنى عشرة ألفًا دفع عشرين !!ولكن قال لي هذا البدوي: إن شاء الله، إن لَعِبْتَ بي تجِدُها بِصِحَّتِك! فقال لي: وأنا بالطريق ونفْسي تُراوِدُني ؛ هل أُرجِعُ له ما أخذْتُه منه ؟ وبقيتُ على تلك الحال وأنا أمْشي بالسيارة، ونفسي بين مدٍّ وجزر إلى أن اتَّخَذْتُ قرارًا قائِلاً: وماذا يحْدُث إن أخذْتُ له..ولم أُكْمِل الكلام حتَّى وَجَدْتُ نفسي في شلال من الدِّماء ! انْقَلَبَتْ بي السيارة، فهو لمَّا بِصِراع أعطاه الله مُهلة، أما لما اتَّخَذ قرَارًا عاقبَهُ الله، لأنًّ الله عز وجل قال:

 

﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ(79)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 هكذا أردْتَ، إذاً سَتَرَى ! فدَخَل المشفى، ولما خرج، ذهب للبدوي وقال له: قد سرقتُك في الصوف ! فخُذْ ثمنَكَ، قال له البدوي: لا هذه هدِيَّةٌ مِنِّي، وأعطاهُ سمْنًا !!!
 كُنْتُ بالعُمْرة، فَذَكَر لي صديق قِصَّةً دقيقة جدًا، بَدَوِيًّا ساكن بشَمال جدَّة، فلمَّا توسَّعتْ جدَّة أربعين كيلومتر نحو الشَّمال، أصْبَحَت أرضُه فريبة من المدينة، اِشْترَوْها منه ثلاثة مُجْرِمين، وضَحِكوا عليه بالثَّمَن وعمَّروها باثني عشرة طابِقًا، فأوَّل شريك وقع من فوق إلى تحت ونزل ميِّتًا، وثاني شريك مات بِحَادِث، فانْتَبَه الثالث، وشَعَر أنَّ أمامه خطر كبير، فَبَحَث عن هذا البدَوي حتَّى وجَدَهُ، فقال له: كنتُ غالِطًا وأعْطاهُ ثلاثة أمْثال حِصَّتِه، فقال له البَدَوي: ترى ترى أنت لَحَّقْتَ حالك !! فَدَرْسُنا اليوم عن الفِطرة السَّليمة، والي يُراجع نفْسه عند الغلط، فالله عز وجل قال:

 

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(1)وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2)﴾

 

[سورة القيامة]

 فالذي فطْرته سليمة عليه أن يشكر الله عز وجل، والذي فطْرتُه مطْموسة عليه بِطَلب العلم حتَّى ترجع الفطرة سليمة لأنَّها المقياس الدقيق والله تعالى قال:

 

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)﴾

 

(سورة الشمس)

 والدنيا كلّ شيء مَحْلول فيها، وفيها المُسامَحَة والاعْتِذار، وطلب عَفْو أما في الآخرة فلا شيء من هذا.

تحميل النص

إخفاء الصور