وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الغاشية - تفسير الآيات 01 - 16 وصف دقيق لأهل النار والجنة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، في سورة الغاشِيَة وَصْفٌ لِحال أهل النار، وحال أهل الجَنَّة، ويتَّضِح من حال هذين الوَصْفَيْن أنَّ البَشَر جميعًا سوف ينتهون إما إلى جنَّةٍ وإما إلى نار، فَو َالذي نفْسُ مُحمَّدٍ بِيَدِه ما بعد الدنيا من دار إلا الجنَّة أو النار، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)﴾

[ سورة الغاشية ]

 أحْيانًا يكون الإنسان يعيش ولَدَيْهِ نشاطات وتِجارة، ولِقاءات وزِيارات وسَفَر وطُموحات وتأسيس مشاريع، لا سَمَحَ الله يأتيه مَرَضٌ عُضال يُنْسيه كُلَّ شيء، كُلُّ هذا يُلْغى، فإذا بهذه الأُسْرة يتغَشَّاها هَمٌّ كبير، فَيَوْم القِيامة السيِّدَة عائِشَة سألتْ النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن قال: يُحْشَر الناس حُفاة عُراة..." الآن لو ساقوه إلى الإعدام، ومن نافذة السيَّارة رأى امرأة سافرة وبِأبْشع صورة ؛ فَهَل يشْتَهيها ؟ هل يراها ؟ لا ينظر إليها إطْلاقًا وكأنَّها لم تَكُن ! لذلك قال تعالى:

 

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 يوم القِيامة يومٌ آتٍ لا مَحَالةَ، قال تعالى: يَغْشى الناس هذا عذاب أليم..." قال تعالى:

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 ساكنة، أوْضَح تفسير لهذه الآية اُنْظر إلى صُوَر المُجْرِمين حينما يُلقى القَبْض عليهم وهم وراء القُضْبان.
قال تعالى:

 

﴿ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 مُجْرِم، ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 فإذا الإنسان سَكَب في صَحْنه والطعام حارّ، فأوَّل لُقْمة يحْترق لِسانه.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 شَوْك، الماء يغلي والطعام كالشوك لا يُسْمِن ولا يغني من جوع، هؤلاء أهل النار.
قال تعالى:

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 أحْيانًا ترى إنسانًا مُرْتاح وأكْله جيِّد، عصير وبيت مُكَيَّف، وليس له مُشْكِلة ؛ ترى وَجْهه مُتألِّق، فهذا مثال من حياتنا الدنيا، فَكَيف بالإنسان يوم القيامة إذا كان بالجَنَّة ووصَل إليها.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 الإنسان أحْيانًا يرْضى عن نفْسِه، وأحْيانًا يَحْتَقِرُ نفْسه ؛ اِتَّصَل بي رجل الآن قبل ساعات، وقال لي: اِرْتَكَبْتُ ذَنْبًا سَقَطْتُ من عَين الله، وأنا أقول لإخواننا: والله لأنْ يسْقُطَ الإنسان من السماء إلى الأرض فَتَنْحَطِمُ أضْلاعه أهْوَنُ مِن أن يسْقط من عَيْن الله ؛ لمَّا يكذب أو يسْرق أو يبْتَزَّ أموال الناس، ويُدَلِّس أو يُعَذِّب الناس، فالبُطولة أن ترْضى عن نفْسِك لأنَّها أقرب إليك، وأنت على نفْسِك بصيرة ولو ألْقَيْتَ المعاذير، قال تعالى:

 

﴿ بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾

 

[ سورة القيامة ]

 واحِد وجد سيَّارة بِبَلَد مُجاوِر وغالِيَة جدًا، وفَنَظَر إلى المِفْتاح فَوَجَدَهُ فيها، فشَغَّلَها ومَشَى، وما انْتَبَه بعد حين أنْ وَجَدَ رضيعًا فَخَنَقَهُ ورماه بالسَّاقِيَة ! صار معه حادِث جعله أولاده أشلاء، وجاء المُعَزُّون وقالوا: والله أمثالكم لا تسْتَحِقُّون مثل هذه المصائب، فقالتْ زوْجته: لا، بل نسْتحِقّ أكثر من هذا ! فالإنسان يعرف نفسَه، وإذا كان ماشي بالحرام يعرفها، وإذا كان يؤْذي الناس يعرف نفسه، وهذا أحدهم كان من طَبْعِهِ الأذى فقال:

 

حُرٌّ ومَذْهَبُ كُلِّ حُرٍّ مذْهبي ما  كنت بالغالي ولا بِالمُتَعَصِّبِ
يَأبي فُؤادي أن يميل إلى الأذى  حُبُّ الأذِيَّة من طِباع العَقْرب

 هناك أشْخاص كالعقرب، تجده يتلَذَّذُ بالأذى، يُؤذي ولا ينتفع من هذا الأذى، فالفائدة أقلّ الفائدة أت تُؤذي كي تنتفِع إلا هناك من يُؤذي ولا ينتفع من هذا الأذى، ثمّ أتَمَّ البيْتَ قائِلاً

 

 

لي أن أردَّ مساءةً بِمَساءَةٍ  لو أنَّني أرْضى بِبَرقٍ خُلَّدِ
حَسْبُ المسيء شُعوره ومقالُه  في سِرِّه يا ليتني لم أُذْنِبِ

 فالإنسان لمَّا يكون سَعْيُهُ جيِّد يرْضى عن نفْسِه، وهذا شُعور جَيِّد جدًّا وحينما يَحْتال يسْقط من عَيْنِ نفْسِه، فقد تكون في عَيْن الناس كبيرًا وأنت في عيْنِكَ صغيرًا، قال تعالى:

 

 

﴿ بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾

 

 

[ سورة القيامة ]

 ثمَّ قال تعالى:

 

 

﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 الإنسان أحْيانًا كي يبْرد يتَحَمَّل صوت مُزْعِج من المُكَيِّف، فإذا ألْغى الصوت شَعَر بالحرّ، ففي الجنَّة لا تسْمع فيها لاغِيَة ؛ هُدوء.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 النَّمارِق وسائِد، والزَّرابِيّ البُسط الفاخِرَة، مصيرنا جميعًا إما إلى هؤلاء، إما إلى هؤلاء، والدنيا فيها خِيارات كثيرة،قال تعالى:

 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)﴾

 

[ سورة الملك ]

 أما عند الموت هناك خِيارَيْن ‍! إلا أنَّه بالدنيا هناك من دَخْله ألف، وألْفَيْن وثلاثة وأربعة إلى مائة ألف، وهناك من دَخْلُه مليون باليوم، وهناك مائة مليون ! الفارق في الدنيا كبير،أما عند الموت فَكُلُّ هؤلاء إما إلى النعيم وإما إلى الجحيم، لذلك قال تعالى:

 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)﴾

 

[ سورة الملك ]

 فالطريق إلى الجنَّة أن تعبد الله، والطريق إلى طاعته، فهو كما قال تعالى:

 

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 أي أنْ تعرف الله مِن خِلال خلْقه، وإن شاء اله تعالى غدًا نتَحَدَّث عن هذه الآيات الثلاث:

 

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 مِن أكبر الآيات الدالة على عظمة الله تعالى الإبل.

تحميل النص

إخفاء الصور