وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0947 - فن المعاتبة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  فن المعاتبة :

أيها الإخوة الكرام، الإسلام حريص أشد الحرص على التماسك،ورد في الأثر: ليس منا من فرق، الإسلام حريص أشد الحرص على تماسك الأسرة، تماسك الحي، تماسك المدينة، تماسك المجتمع المسلم، ما الذي يعزز هذا التماسك؟ المعاتبة الرقيقة والتواصل، ما الذي يفتته ويمزقه ويقطعه؟ الحقد والتقاطع.
للإمام علي رضي الله عنه كلمة رائعة، يقول: لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه.
هذه الخطبة، أيها الإخوة الكرام، موجهة لكل إنسان قيادي، أو لكل أب، أو لكل من ولاه الله على عشرة، لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه، فالعتاب والمعاتبة من أبرز الوسائل التي تبقي المودة، وتشعر بالرحمة وبالقرب وبالألفة، لذلك نجد في القرآن الكريم وهو الكلام المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نجد عتاباً لطيفاً رقيقاً من الله جل جلاله لقمم خلقه، وهم الأنبياء والمرسلون، قال تعالى:

﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾

(سورة التوبة: 43)

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾

(سورة التحريم: 1)

﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى (*)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (*)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾

(سورة عبس: 1-3)

أيها الإخوة الكرام، كأن المعاتبة منهج في القرآن الكريم، ومنهج في سنة سيد الأنام، ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾

(سورة التوبة: 118)

أيها الإخوة الكرام، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام يعاتب صاحباً له أرق معاتبة:

(( نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللهِ، لو كان يُصَلِّي باللَّيْلِ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

قواعد المعاتبة :

أيها الإخوة الكرام، الذي يشد الانتباه، ويلفت النظر سمو الأدب في آيات المعاتبة والعتاب.
أيها الإخوة الكرام، المعاتبة لها قواعد، ومحور هذه الخطبة قواعد المعاتبة.

 

 1) لا تكثر اللوم :

القاعدة الأولى: لا تكثر اللوم فإن كثرة اللوم في الغالب لا تأتي بخير، ليس كل لوم، ولكن كثرة اللوم والعتاب، فإنها تنفر منك الصديق، وتبعد عنك المحب.
أيها الإخوة الكرام، لحظة كدر واحدة في عتاب تفسد عليك أخوة دهر، وتسرع في عتاب يفرق عنك أحبتك، واسمع لخادم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال:

(( لمَّا قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أنسا غلام كَيِّس، فليخدُمْكَ، قال: فخدمته في السفر والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا؟ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

وهو صغير، والصغير مظنة الخطأ الكثير.
القاعدة الأولى: مسموح أن تعاتب، مسموح أن تلوم، ولكن في القضايا الكبرى، ومن حين لآخر، بشرط ألا تكثر، فإذا أكثرت من المعاتبة نفر منك الصديق، وابتعد عنك المحب، هذه القاعدة الأولى.

 2) توقع حدوث الخطأ :

أما القاعدة الثانية فهي: لا تطلب ولا تطمح من الآخرين عدم الخطأ:
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))

[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد حسن ]

ليس العار أن تخطئ، ولكن العار أن تبقى مخطئاً، ليس العار أن تجهل، ولكن العار أن تبقى جاهلاً، المؤمن تواب إذا ذُكِّرَ ذَكَر.
والحديث الذي يفهمه خطأً بعضُ الناس:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( وَالذي نَفسي بيدهِ، لَو لَم تُذنِبُوا لَذَهَبَ الله بكُمْ، وَلَجَاءَ بقوم يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لهم ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

ليس معناه: أن تسارع إلى الذنب. معاذ الله أن يكون هذا من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حينما تملك حساسية مرهفة تعرفك بذنوبك ففي قلبك حياة، أما إذا ارتكبت أكبر الكبائر، ولم تدر ماذا ارتكبت فالقلب ميت، لو لم تذنبوا: بمعنى: لو لم تحسوا بذنوبكم، لو لم تكن لكم حساسية دقيقة تكشف أخطاءكم ذاتياً لذهب الله بكم.

أيها الإخوة الكرام، ينبغي ألا نطالب الآخرين ألا يخطئوا، ليس العار أن تخطئ، ولكن العار أن تبقى مخطئاً.

3) وضح قبح الخطأ لصاحبه :

القاعدة الثالثة: أزل الغشاوة عن عيني المخطئ: حينما ترى الخطأ لا تتشنج، ولا تجحظ بعينيك، ولا يتعكر صفو مزاجك، تمهل، قد يكون المخطئ قد غطي على عينيه، فلم يدر ماذا يفعل؟

 

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا.
أيعقل أن يطلب من نبي الأمة أن يشرع لهذه الفاحشة الكبيرة؟
يا رسول الله ائذن لي في الزنا.
يريد الزنا، يريد الزنا حلالاً، فالصحابة الكرام استفزوا، وتألموا، وغضبوا، منهم من قطب جبينه، ومنهم من قال: دعني أضرب عنقه، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يزد عن أن تبسم، وقرب الفتى إليه، وقال له:

(( أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء )

[ حديث رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ]

عندئذ يقول هذا الفتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس شيء أحب إلي من الزنا، وخرجت من عنده، وليس شيء أبغض إلي من الزنا، إذاً: هذا الذي يخطئ على عينيه غشاوة، حاول أن تزيل هذه الغشاوة بهدوء وبحكمة، وبصبر وبحلم، فلعله يعود إلى فطرته، ويعود إلى رشده.

4) اختر كلمات لطيفة :

القاعدة الرابعة: اختر في المعاتبة الكلمات اللطيفة، لأنها تلين القلب: قال تعالى:

 

﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

(سورة النحل: 125)

إذا كان هناك مئة عبارة حسنة، ينبغي أن تنتقي من هذه العبارات المئة أحسنها، فالمؤمن ليس بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء، لا تقبح، لا تسب، لا تشتم، وفي الحديث الصحيح:

(( والكلمَةُ الطَّيِّبَةُ صدقة ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

5) لا تجادل أثناء العتاب :

القاعدة الخامسة: اترك الجدال في عتابك: لا تجادل، لأنك بالجدال قد تخسر، ولو كنت محقاً، ذلك أن المجادل بعقله الباطن يربط كرامته بأفكاره، فإذا أردت أن تنقض أفكاره بالحجة والبرهان يرى أنك تنتقص من كرامته، فيزداد بها تشبثاً، فلذلك وجه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام:

 

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( أنا زعيم ببيت في رَبَض الجَنَّة لمن ترك المِراء، وإن كان مُحِقّاً، وببيت في وَسَط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ ))

[ حديث أخرجه أبو داود بإسناد حسن ]

وفرق كبير بين المجادلة وبين الحوار، الحوار تسوده المحبة، يسوده التفاهم، يسوده التواصل، تسوده رغبة في معرفة الحقيقة، بينما الجدال يسوده الكبر، يسوده رغبة في تحطيم الآخرين، يسوده استعلاء، فإياك أن تجادل، لا تجادل، ولكن ألق كلماتك الرقيقة العاتبة بأرقى أسلوب، فلعل قلب المخطئ يلين.

 6) تخيل أنك المخطئ :

أيها الإخوة الكرام:
القاعدة السادسة: ضع نفسك موضع المخطئ، ثم فكر في الحل: دائماً قبل أن تهدم حاول أن تبني، قبل أن تلوم بيِّن البديل، قبل أن تقرِّع ائتِ بالحل، هذه دعوة إيجابية، أما أن تكتفي بالنقض، تكتفي بالتجريح، تكتفي بانتقاص الإنسان، حاول إذا أردت أن تنتقد أن تبين الصواب، حاول إذا أردت أن تنكر بدعة أن تبين السنة، حاول إن أردت أن تُجَرِّح في هذا السلوك أن تبين السلوك الصواب، الله عز وجل قال:

﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾

(سورة البقرة: 275)

ساعة حرم الربا أحل البيع، وإذا قال لعباده:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾

(سورة النور: 30)

شرع لهم النكاح، فقال:

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾

(سورة النور: 32)

إذا أمرك بغض البصر يعطيك البديل، وهو الزواج الشرعي.

لازلنا في قواعد المعاتبة التي ترضي الله عز وجل:
مرة ثانية، المعاتبة تؤدي إلى التواصل، والحقد يؤدي إلى التقاطع، ومن منهج الإسلام القويم أن تعاتب أخاك، لا أن تصرمه.

7) كن رفيقاً ولا تكن عنيفاً :

القاعدة السابعة: الرفق لا العنف:

 

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَه، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَه ))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم وأبو داود ]

وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ اللهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعطي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطي على العنفِ، وما لا يُعطي على مَا سِواهُ ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف، إن الله رفيق يحب الرفق.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ ))

[ حديث أخرجه الإمام أحمد ورجاله ثقات ]

يدخل أعرابي المسجد فيبول في ناحية المسجد، فيغضب عليه بعض الصحابة، والنبي عليه الصلاة والسلام ينهاهم عن فعلهم هذا، فلما فرغ الأعرابي من بوله ناداه النبي عليه الصلاة والسلام وقال:

(( إِنَّ هذه المساجدَ لا تصلحُ لشيء من هذا البول والقَذَرِ ، إِنما هي لِذِكْرِ الله ، والصلاةِ ، وقراءةِ القرآن ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

عن أبي هريرة رضي الله عنه:

(( أنَّ أعْرَابيّاً دخلَ المسجدَ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جَالِس، فصلَّى ركعتين، ثم قال: اللَّهُمَّ ارْحمني ومحمداً ، ولا ترحمْ معنا أحداً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد تَحَجَّرْتَ وَاسِعاً ، ثم لم يَلْبَثْ أن بالَ في ناحية المسجد، فأسْرَعَ إِليه النَّاسُ، فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقال: إِنما بُعِثْتُم مُيَسِّرِينَ، ولم تُبْعَثُوا مُعسِّرِينَ، صُبُّوا عليه سَجْلاً من ماء، أو قال: ذَنُوباً من ماء ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود ]


كلمات بسيطة تخرج من قلب رحيم مشفق، تلامس شغاف هذا البدوي، فيرفرف قلبه سعادة، ويقول: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد تحجرت واسعاً، أي ضيقت واسعاً.
لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.

8) دع المخطئ يكتشف خطأه :

القاعدة الثامنة: دع الآخرين يتوصلون لفكرتك بأنفسهم، واجعل المخطئ يكتشف خطأه بنفسه، ثم هو يكتشف الحل بنفسه:
رجل في بعض البلاد الإسلامية كان يكره أحد الدعاة المتفوقين المخلصين، يكرهه بشكل عجيب، ولا يستطيع أحد أن يقنعه به، إلا أن جاء إنسان، وقدم له مؤلفات هذا الداعية باسم آخر، قرأها، أُعجب بها، أُخذ بها، أكبر مؤلفها، ثم اكتشف فيما بعد أن هذه الكتب لمن كان يبغضه، ولمن كان يكرهه، أحياناً نعادي بلا سبب، إما بانحياز أعمى، أو بضيق أفق، أو بإيغار صدر من جهة بعيدة، فلذلك دع الآخرين يكتشفوا أخطاءهم بأنفسهم.

 

9) اذكر حسنات من تعاتبه :

القاعدة التاسعة: حينما تعاتب، اذكر الجوانب الإيجابية فإن هذا يشعر المعاتب بالإنصاف: إن ذكرت محاسنه، ثم نوهت بسلبياته فهذا يدعو إلى الطمأنينة لك، أنك منصف:

 

(( نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللهِ، لو كان يُصَلِّي باللَّيْلِ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

هناك مديح، وهناك توجيه:
إنسان دخل المسجد، وأحدث جلبة وضجيجاً، وشوش على المصلين ليلحق الركعة الأولى مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
عن أبي بكرة رضي الله عنه، أنه انتهى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركعَ قبل أن يصلَ إلى الصفِّ، فذكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:

(( زادَك الله حِرْصاً، ولا تعُدْ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

إن أردت أن تعاتب فاذكر الإيجابيات قبل السلبيات.
إن كان عندك موظف يتأخر كثيراً اذكر له أنك معجب بإخلاصه، معجب بأمانته، معجب بصدقه، لكنه يتأخر، اذكر الإيجابيات قبل السلبيات، هذا يجعل المعاتب يطمئن لإنصافك، إنك ترى ما له وما عليه، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ من إمام سوء، إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر، كان يتعوذ من جار سوء، إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه.

 10) لا تبحث عن أخطاء خفية :

أيها الإخوة الكرام:
القاعدة العاشرة: لا تفتش عن الأخطاء الخفية، لا تتبع عورات المسلمين: فمن طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في عقر داره.
إن رأيت إنساناً يغلب عليه الصلاح والتستر فقف عند هذا، ولا تحشر أنفك في خصوصياته، في دقائق حياته، لا تحاول أن تكون متجسساً، هذا لا يليق بالمؤمن، الله عز وجل يحب الستر، والستِّير اسم من أسماء الله عز وجل، يستر العيوب، ويغفر الذنوب.
إذاً: من تتبع عورات المسلمين أوشك الله أن يفضحه في عقر داره، فالأولى ألا تبحث عن خطأ خفي، نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، بعض المسلمين لو رأوا عملاً طيباً يقولون: له نية سيئة، له نية أن يشتهر، أن يستعلي، هذا شيء خفي، أطّلعت على قلوبهم؟ أشققت عن صدورهم؟ من أجل أن يحبط عمل أخيه يتهمه في نيته، وهل أتيح لك أن ترى قلبه؟ قلب الإنسان لا يطلع عليه أحد إلا الله.

 

 11 ) تحقق من وجود الخطأ :

أيها الإخوة الكرام:
القاعدة الحادية عشرة: استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن والتثبت: حقِّق، قال تعالى:

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

(سورة النمل: 27)

حاول أن تتثبت قبل أن تحكم.

عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال:

(( لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا من ذلك، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال: فجاء رجل من المهاجرين فتركهم، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، قال: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال: يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم؟ ووجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم، قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل، قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل؟ قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم، أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا؟ تألفت قوماً ليسلموا؟ ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا ))

[ حديث أخرجه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح ]


ما القضية؟ ما الخبر؟

 

علي بن الحسين رضي الله عنهما: أنَّ صَفِيَّةَ زَوجَ النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها، قالت:

(( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيتُه أزُورُه لَيلاً، فحدَّثتُه، ثم قُمْت لأنْقَلِبَ، فقام معي ليقْلِبَني، وكان مَسكنُها في دارِ أسامَةَ بن زيدٍ، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلمَّا رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رِسْلِكُما، إنَّها صفيةُ بنتُ حُيَيّ، فقالا: سُبْحان الله، فقال: إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرَى الدمِ، وإني خشيتُ أن يَقْذِفَ في قلوبكما شراً، أو قال: شيئاً ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

وقد ورد في الأثر: البيان يطرد الشيطان.
بيّن، وضّح، أبرز الملابسات، لا يكن كلامك غامضاً ضبابياً يحتمل أشياء كثيرة، لا تضع نفسك موضع التهمة، ثم تلوم الناس إذا اتهموك.

12 ) امدح على القليل :

القاعدة الثانية عشرة: امدح على القليل يكثر الصواب كثيراً: لاحظ النفس الطاهرة البريئة، نفس الطفل التي لم تشبها شائبة، حين تمدحه على عمل صغير تراه يبذل المستحيل ليقدم لك امتنانه من هذه النصيحة.
أيها الإخوة الكرام، عوِّد نفسك أن ترى الإيجابيات، لا أن ترى السلبيات، عوِّد نفسك أن تثني على الإيجابيات لتقل السلبيات، عوِّد نفسك أن تمدح ليزداد الممدوح ثقةً بنفسه، وليكثِر من الصواب، وليقلل من الخطأ.

 

13 ) استخدم الكلمة الطيبة :

القاعدة الثالثة عشرة: إن الكلمة القاسية في العتاب تقابلها كلمة طيبة تؤثر أكثر من الكلمة القاسية: قال تعالى:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾

(سورة الإسراء: 53)

يقول بعض الحكماء في بلاد في المشرق: نقطة عسل تصيد من الذباب ما لا يصيده برميل من العلقم، الكلمة الطيبة صدقة، فحتى إذا أردت أن تعاتب فاستخدم الكلمة الطيبة الرقيقة التي لا تؤذي، ولا تجرح، ولا تصغِّر الإنسان.

14 ) تذكر أن الناس يتعاملون بالعواطف :

القاعدة الرابعة عشرة: تذكر أن الناس يتعاملون أكثر ما يتعاملون بعواطفهم، لا بعقولهم: قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (*)كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

(سورة الصف: 2-3)

هو يخاطب القلوب لا يخاطب العقول، قال تعالى:

﴿ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (*)الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾

(سورة الانفطار: 6-7)

يخاطب القلب، قال تعالى:

 

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾

(سورة الحديد: 16)

يخاطب القلب، حاول أن تخاطب القلب كثيراً، لأن الإنسان يتعامل مع قلبه أكثر مما يتعامل مع عقله، بل إن القرآن الكريم خاطب القلب والعقل معاً، بل في آية واحدة خاطب العقل والقلب، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾

(سورة الانفطار: 6)


خاطب القلب، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾

(سورة الانفطار: 7)

 15 ) أعط الخطأ حجمه :

القاعدة الخامسة عشرة: أعط الخطأ حجمه بدقة: فلا تعظم حقيراً، ولا تحقر عظيماً، من صفات العوام أنهم يبالغون، فالخطأ الصغير يكبرونه إلى درجة وكأنه جريمة، والخطأ الكبير يصغرونه إن صدر من أحبابهم، وكأنه هفوة، حاول أن لا تعظم حقيراً، وألا تحقر عظيماً، إنك إن عظمت الحقير أوغرت الصدور، وإنك إن حقرت العظيم أفسدت الأمور، ليكن وصفك للمشكلة بحجمها الحقيقي.

 

16 ) ابنِ الثقة في نفس المخطئ :

القاعدة السادسة عشرة: ابن ثقة في نفس المخطئ وأقنعه أنه قادر على تجاوز هذا الخطأ، وأنه:

(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))

[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد حسن ]

وحينما تراه قد ترك هذا الخطأ أثنِ عليه كثيراً، وبين له أن هذه النفس البشرية في أصل جبلتها مهيأة للسمو وللصلاح، ولترك الخطأ.

 17 ) لا تعيَّر أحداً بذنبه :

القاعدة السابعة عشرة: لا تعيّر: فالذنب شؤم على غير صاحبه، إن رضيه شاركه في الإثم، أي صاحب المذنب، المذنب مذنب، ولكن يوجد مشكلة مع صاحب المذنب، مع صديقه، مع أخيه، مع جاره، مع قريبه، صاحب المذنب إن رضي بهذا الذنب شاركه في الإثم، وإن ذكره للناس فقد اغتابه، وإن عيره ابتلي به، ليس من أخلاق المؤمن أن يعير بالذنب، المسلم يحب الله، ويحب طاعة الله، ويبغض الشيطان، ويبغض أولياء الشيطان، لكن المؤمن يملك قلباً مرهفاً، ونفساً جياشة، لا تملك الحياء مع من يجترئ على محارم الله، فالحب في الله، والبغض في الله، من أوثق عرى الإيمان، ولكن بعض الناس يشط، فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها يعير المذنب، ويتعالى عليه، فجاء في الحديث الشريف:

 

عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ:

(( أن رجلاً قال: واللهِ، لا يَغْفِرُ الله لِفُلان، وأَنَّ الله تعالى قال: مَن ذَا الذي يَتَأَلَّى عليَّ أن لا أغْفِرَ لِفُلان؟ فَإِني قد غفرتُ له، وأَحبَطتُ عمَلَكَ ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

ابتعد عن أن تعيّر أحداً بذنبه، فقد يعافيه الله ويبتليك، انصح فيما بينك وبينه، اشكر الله عز وجل أن عافاك من هذا الذنب الذي وقع فيه أخوك، ينبغي أن تشكر الله، وأن تدعو لأخيك، لا أن تعيره، لا أن تتعالى عليه، لا أن تقوم مقام الشامت به، فلذلك من قواعد المعاتبة أن تبتعد أشد البعد عن التعيير.
أيها الإخوة الكرام: مرّ أبو الدرداء على رجل قد أصاب ذنباً، فكان الناس يسبّونه، فقال:
أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مخرجيه؟
إذاً هذا الذي أذنب كأنه مريض، حاول أن تكون طبيباً لا شامتاً، حاول أن تكون معلماً لا معنفاً.
وتروي الأخبار أن صديقاً لسيدنا عمر رضي الله عنه ارتد عن دينه، وشرب الخمر، وابتعد عن طريق الحق، فبعث له برسالة:
أما بعد، فإني أحمد الله إليك، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول.
هذه الرسالة فعلت فعلها في نفس هذا الذي أخطأ، فبكى، وتاب، وعاد إلى الله، لكن الذي يعنيني أنه قال لأصحابه: إذا ضلّ أخوكم فافعلوا معه هكذا، لا تكونوا عوناً للشيطان عليه، بل كونوا عوناً له على الشيطان.
أيها الإخوة الكرام، ما من مجتمع، ما من مؤسسة، ما من مدرسة، ما من مستشفى، ما من دائرة، ما من شركة، ما من أسرة، إلا ويجري بين أفرادها بعض الخصومات، فلو عاهدنا أنفسنا أن نعاتب، لا أن نحقد، أن نعاتب ونتواصل، لا أن نحقد ونتقاطع، فعندئذ لعل الله عز وجل يرضى عنا جميعاً.
أيها الإخوة الكرام، أود أن أعيد على أسماعكم عناوين هذه القواعد، فلعل الله عز وجل ينفعنا بها جميعاً.
القاعدة الأولى: كثرة اللوم في الغالب لا تأتي بخير.
القاعدة الثانية: لا تطلب من الآخرين ألا يخطئوا.
القاعدة الثالثة: أزل الغشاوة عن عيني المخطئ.
القاعدة الرابعة: اختر الكلمات اللطيفة في العتاب والمعاتبة.
القاعدة الخامسة : ابتعد عن الجدال.
القاعدة السادسة: ضع نفسك موضع المخطئ، ثم فكر في الحل.
القاعدة السابعة: ما كان الرفق في شيء إلا زانه.
القاعدة الثامنة: دع الآخرين يتوصلون بأنفسهم إلى الصواب.
القاعدة التاسعة: عندما تعاتب اذكر الجوانب الإيجابية.
القاعدة العاشرة: لا تفتش عن الأخطاء الخفية.
القاعدة الحادية عشرة : استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن وإرادة التثبت.
القاعدة الثانية عشرة: امدح على القليل يكثر الصواب كثيراً.
القاعدة الثالثة عشرة : تذكر أن الكلمة القاسية في العتاب تقابلها كلمة طيبة تؤثر أكثر.
القاعدة الرابعة عشرة: تذكر أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر مما يتعاملون بعقولهم فخاطب عواطفهم.
القاعدة الخامسة عشرة: أعط الخطأ حجمه الحقيقي دون مبالغة أو تقليل.
القاعدة السادسة عشرة: ابنِ الثقة في نفس المخطئ.
القاعدة السابعة عشرة: لا تعيّر أحداً بذنب فربما عافاه الله وابتلاك.
أيها الإخوة الكرام: هذه بعض القواعد في التعامل مع الآخرين، فإذا طبقت تماسك المجتمع، وأصبح قوة منيعة يصعب خرقها، ولكن الحقد والتقاطع والغيبة والنميمة تفتت المجتمع، وتخلخل بنيانه، وتجعله هدفاً واضحاً لأعدائه.

 وأخيراً :

أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

القاعدة الذهبية في السلوك :

أيها الإخوة الكرام، قاعدة القواعد: قاعدة ذهبية رائعة رائعة، واقعية واقعية، عملية عملية بسيطة بسيطة، مستنبطة من بعض الأحاديث الشريفة، وصياغتها ليست نبوية:
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك
هذه التي في البيت زوجة ابنك، عاملها كما تعامل ابنتك، أتحب أن يعامل الناس ابنتك كما تعاملها؟
أنت تقف وراء مكتب موظف، لو كنت مكانه أتحب أن تعامل كما تعامله؟
ما رأيت من قاعدة تصلح لتقويم السلوك، وهي جامعة مانعة شاملة، واضحة واقعية بسيطة سهلة، كهذه القاعدة: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك
حينما تغش الناس، أتحب أن يغشك الناس؟
حينما تنظر إلى من لا تحل لك، أتحب أن ينظر أحد إلى زوجتك؟
فهذا الذي يؤلمك يؤلم الآخرين، وهذا الذي يزعجك يزعج الآخرين، وهذا الذي يثير حفيظتك يثير حفيظة الآخرين، وهذا الذي يقلقك يقلك الآخرين، فحينما تضع نفسك مكان الطرف الآخر تنضبط انضباطاً رائعاً: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
عاملهم بالحسنى، لأنك تحب أن تعامل بالحسنى، عاملهم بالعدل والإنصاف، لأنك تحب أن تعامل بالعدل والإنصاف، عاملهم بالمودة والرحمة، لأنك تحب أن تعامل بالمودة والرحمة.
هذه قاعدة جامعة مانعة شافية، تصلح لكل الأوقات والظروف، ضع نفسك مكان الطرف الآخر، فالذي لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك، هذه قاعدة ذهبية هي قاعدة القواعد.

 

  الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمةَ الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان في العراق وفلسطين، يا رب العالمين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور