وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0927 - النقد2. أسباب الخوف من النقد - الإيمان والصحة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً، صلى الله عليه وسلم، رسول الله، سيد الخلق والبشر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
 اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

النقد البنّاء 2 :

 أيها الإخوة الكرام، في الخطبة السابقة بدأتُ موضوعاً تحت عنوان: النقد وأصوله الشرعية: الدين النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
 وفرقت بين نوعين من النقد:
 نوع بنّاء هدفه الإخلاص، والغيرة على مصالح الأمة.
 ونوع هدّام، هدفه التشفي والانتقام.
 وبينت أن الأول فضيلة، وأن الثاني رذيلة، ووعدتكم أن أتابع الموضوع في خطبة ثانية.

 

المدح والذم :

 أيها الإخوة الكرام، الإنسان بطبيعته يحب المدح، ويكره الذم، هذا من جبلّة الإنسان، ومن فطرة الإنسان.
 فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال:

(( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيْتَ الرجلَ يَعمَلُ من الخير، ويَحمَده الناس عليه؟ قال: تِلْكَ عاجِلُ بُشْرَى المؤمن ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

 إذاً من جبلّة الإنسان، ومن طبيعته، من فطرته التي لا يؤاخذ عليها، أنه يحب المدح، وأنه يكره الذم، لا تثريب على الإنسان إذاً أن يكون بطبعه محباً للمدح، ولكن لما هو فيه، أما الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب.
 فرق كبير بين أن ترتاح لتقدير عملك بين الناس، وبين أن تجبرهم على أن يمدحوك بما ليس فيك.

الخطأ والصواب :

 أيها الإخوة الكرام، النقد: نسبة الخطأ إلى الإنسان، والذم أيضاً نسبة الخطأ إليه، النقد والذم يلتقيان، والخطأ مكروه بالفطرة، فكل إنسان بفطرته يكره أن يخطئ، ويحب أن يصيب دائماً، هذه تمنياته، ولكن:

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

( سورة النساء : 123)

 أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام يقرر حقيقة أصيلة في الإنسان:
 فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))

[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد حسن ]

 المشكلة ليست في أن نخطئ، أو لا نخطئ، المشكلة في أننا إذا أخطأنا علينا أن نتوب، علينا أن نعترف بخطئنا، علينا أن نتراجع عن خطئنا، علينا أن نعود للحق.
 وذكرت في الخطبة السابقة كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام لحكمة تشريعية ما بعدها من حكمة، حجِب عنه الموقع المناسب في معركة بدر، حجبه الله عنه وحياً، وحجبه عنه إلهاماً، وحجبه عنه اجتهاداً، فيأتي صحابي جليل في أعلى درجات الحب والتقدير والأدب يقول:
 يا رسول الله، هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك، أم هو الرأي والمشورة؟ فيقول عليه الصلاة والسلام بكل صراحة: بل هو الرأي والمشورة، فإذا بهذا الصحابي الذي يذوب أدباً ومحبةً وتعظيماً وإجلالاً يقول له: يا رسول الله، إن هذا ليس بموقع، فيسأله النبي عن المكان المناسب، ويستجيب، فيحقق النبي فضيلةً يفتقر إليها معظم من ولاهم الله أمر النطق بالعلم، ونقل المعرفة للناس، فضيلة الرجوع إلى الصواب، يقول له: بارك الله بك، ويأمر أصحابه أن ينتقلوا إلى الموقع الذي أشار إليه الحباب بن المنذر، رضي الله عنه.

لا بدَّ من فضيحة الخطأ :

 أيها الإخوة الكرام، الخطأ موجود، هذه حقيقة، سواء أكنت فرداً أم جماعة، دولة أو أمة، لكن المؤمن يتميز بأنه يفضل أن يكاشف بالخطأ الآن، وأن يبين له، فهذا أحب إليه من السكوت الذي تكون عقوبته سوءاً في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الكرام، إليكم النصوص:

﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

( سورة النور : 24)

 إما أن تعترف الآن بخطئك، أو لابدَّ أن تعترف يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وتلك الفضيحة الكبرى، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( ألا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة ))

[ من حديث أخرجه الطبراني وأبو يعلى ]

﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

( سورة النور : 24)

 وفي آية ثانية:

﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ولا أَبْصَارُكُمْ ولا جُلُودُكُمْ ﴾

( سورة فصلت : 22)

 هم كانوا يكابرون، يأبون أن يعترفوا بخطئهم، هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين، قالوا:

﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾

( سورة الأنعام : 23)

 قال تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

( سورة الأنعام : 24)

﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾

( سورة المجادلة : 18)


 أيها الإخوة الكرام، ذكرت مرةً أنك مخير في ملايين الموضوعات خيار قبول أو رفض:
 قد تعرض عليك وظيفة فترفضها لقلَّةِ دخلها، قد تعرض عليك فتاة كي تتزوجها، لكنها لا تعجبك فترفضها، قد تعرض عليك مهنة ترفضها، إلا الإيمان خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، فإما أن تؤمن في الوقت المناسب، أو لابد من أن تؤمن بعد فوات الأوان، الدليل: فرعون أكفر كفار الأرض، يوم أدركه الغرق قال:

﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

( سورة يونس : 90)

 إذاً: لابد من أن تعترف بخطئك، إن اعترفت به في الدنيا فأنت عند الله كبير، وأنت مؤمن، وأنت تقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وإن أبيت أن تعترف به، وكابرت، وأصررت على الخطأ، فلابد من أن تعترف به على رؤوس الأشهاد، وعندها الفضيحة الكبرى.
 أيها الإخوة الكرام، المؤمن لأنه يعترف بخطئه في الدنيا، ويرجع عنه من قريب، ويحب أن يبين له، فإن الله تعالى يستره في الدار الآخرة، هذا جزاء كبير.

فضيلة قبول النصيحة :

 لذلك أيها الإخوة، قبول النصيحة فضيلة، أن تقبل النصيحة هذا فضل كبير، أن تصغي إليها، أن تشكر من أسداها إليك، أن ترى نفسك غيرَ معصومٍ، نحن نعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، غير أنّ أمته معصومة بمجموعها، وينبغي أن يتناصح المؤمنون.
 المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم.

 

 ورد في الحديث الصحيح:
 عن صفوان بن محرز المازني قال:

(( بينما ابنُ عمرَ رضي الله عنه يطوف، إذ عرضَ له رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أخبرني ما سمعتَ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في النجوى، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُدنى المؤمن من ربه حتى يضَع عليه كنَفَه، فيقرِّرُه بذنوبه: تَعْرِفُ ذَنّبَ كذا وكذا؟ فيقول: أعرف ربِّ، أعرفُ، مرتين، فيقول سَتَرْتُها عليك في الدنيا، وأغْفِرُها لك اليومَ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 إن اعترفت بخطئك، ورجعت عنه، وشكرت من نصحك، فإن الله عز وجل يكافئك على تواضعك، وعلى إصغائك للناصح، أنه يسترك يوم القيامة.
 والذي يركب رأسه في الدنيا، ويأبى أن يعترف، ويبالغ في تغطية أخطائه، سوف يفضح على رؤوس الأشهاد يوم القيامة.
 أيها الإخوة الكرام، شخصان كلاهما ناقص، إلا أن الأول يعترف بخطئه، والثاني لا يعترف بخطئه، الأول وقع في خطأ واحد، أنه خطّاء كأيّ إنسان، بينما الثاني وقع في خطأين، أنه في خطأ، وأنه يرفض أن يعترف بخطئه.

أسباب الخوف من النقد :

 أيها الإخوة الكرام، كتحليل نفسي: لماذا يخاف الناس من النقد؟

1)الوهم من التنقيص والتجريح :

 لأنهم توهموا أن النقد نوع من التنقيص لهم، وبحث عن عيوبهم، وأن الناقد لابد من أن يكون حاسداً أو حاقداً، هذا المفهوم غيرُ صحيح، هذا خطأ يجب تغييره، أنت يجب أن تفهم أن الذي ينتقدك هو الذي يحبك، أن الذي ينتقدك هو الذي يخلص لك، أن الصديق من صَدَقك لا من صدَّقك.

 أيها الإخوة الكرام، هذا نوع، هناك تحليل آخر لرفض الناس للنقد:

2) الخوف من فضيحة الأخطاء :

 أن هناك من يخاف من النقد، لأن بيتَه من زجاج، لأنه يعلم علم اليقين أنه يرتكب الأخطاء التي لا تعد ولا تحصى، وأنه يحكم أهواءه ومصالحه، وأنه يفلسفها، إما فلسفة علمانية أو فلسفة دينية، هو يصر على خطئه.
 هذا الذي يرد على النقد بقسوة بالغة، يرد على النقد بهجوم دفاعي كما يقول بعض العلماء، هذا إنسان غارق في الأخطاء والانحرافات، لذلك لا يقبل نقداً ولا إشارة، ولا عبارة، ولا تلميحاً ولا تصريحاً.
 أيها الإخوة الكرام، لو أن إنساناً عدّ من الدعاة إلى الله، أو من علماء البلد، يرى أن النقد تشكيك للطلاب في علمه وإخلاصه، وإذا كان داعية عدّ النقد تشكيكاً للأتباع في جدارته وصلاحيته.
 هذا الخطأ الكبير الذي نحن فيه، أي إنسان يلفت نظرنا أو ينتقدنا نعده عدواً، يريد أن يحطمنا، يريد أن يسحب البساط من تحت أرجلنا، لا، هذا مفهوم جاهلي.
 المفهوم الصحيح أن الإنسان إذا نصحك نصيحة خالصة لوجه الله، هو محب لك، الذي يرفعك هو من ينتقدك، والذي يمدحك لا يرفعك.
 الذي يمدحك يورطك، الذي يمدحك يوهمك أنك على صواب، فلذلك أيها الإخوة من بطولات الأبطال أن نصغي إلى الناقد، وأي إنسان يلغي النقد فيمن حوله، ينتهي قبله.

نجاة المعترفين بأخطائهم :

 أيها الإخوة الكرام، آدم عليه السلام وأمّنا حواء قالا:

 

﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

( سورة الأعراف : 23)

 لذلك استحقا الرحمة فرحمهما الله عز وجل، وجعل مآلهما إلى الجنة.
 أما إبليس الذي عصى الله تعالى، ورفض السجود لآدم قال:

﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾

( سورة الأعراف : 12)

 فأصابه الكبرياء والغرور، لذلك رفض السجود، فعاقبه الله عز وجل بقوله:

﴿ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (*)وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾

( سورة الحجر 34-35)

مصيبة فلسفة الخطأ وتبريره :

 أيها الإخوة الكرام، هناك من يفعل الخطأ، هذا مرض خطير في المجتمع، من يفعل الخطأ، ويستمرئه، ويعجب به، بل يتحول إلى إنسان يبحث عن مخرج، أو عن تصحيح، أو عن فلسفة، أو عن غطاء، من أجل أن يجعل الخطأ صواباً.
 إن بعض ما في العالم اليوم من مؤسسات، تريد أن تعيد تعريف الجريمة، لأنها شاعت، وانتشرت تريد أن تعيد تعريف جريمة الزنا مثلاً، يقولون: لابد أن يكون هناك إكراه، أما إذا كان ثمة طواعية بين الطرفين فلا جريمة بينهما.
 هناك من يريد أن يقول في الشذوذ: إن جينات في دم الإنسان تحمله على الشذوذ، والإنسان العاقل لا يصدق، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكون في جينات الإنسان جينات الشذوذ، ثم يحاسب على شذوذه، هذا يتناقض مع عدل الله عز وجل، ومع وجوده.
 أيها الإخوة الكرام، العالم الغربي بدأ يفلسف الشذوذ والانحراف بجينات في جسم الإنسان، وحينما اكتشفت الخارطة الجينية أعلنها رئيس أمريكي سابق في احتفال بهيج، كانت هذه الخارطة صفعة لكل من يزعم أن الشذوذ مركب في جينات الإنسان، فكان من أولويات هذه الخارطة أن الخارطة الجينية لا علاقة لها بالسلوك، السلوك اختياري.
 أيها الإخوة الكرام، بعض المسلمين اليوم مع الأسف الشديد يلوي أعناق النصوص، أو يبحث عن فتوى، أو عن رأي شاذ يدعم به خطأً وقع فيه، يقول مثلاً: هذا أمر لا أرى فيه شيئاً، لأن فلاناً في القرن السابع قال هذا، وفلاناً في القرن العاشر قال هذا، والعالم المعاصر له فتوى في هذا، الخطأ خطأ، والصواب صواب، والله سبحانه وتعالى سمى المعروف معروفاً لأن الفطر السليمة تعرفه ابتداءً، وسمى المنكر منكراً لأن الفطر السليمة تنكره ابتداءً.

 

اعترافات الأنبياء بالأخطاء :

 أيها الإخوة الكرام، سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ماذا قال للخضر؟

 

﴿ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً ﴾

( سورة الكهف : 73)

 ويقول له أيضاً:

﴿ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً ﴾

( سورة الكهف : 76)

 سيدنا عيسى، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، رأى رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا، والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله، وكذّبت عيني، هذا تواضع ما بعده تواضع.
 النبي عليه الصلاة والسلام يقول الله له:

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (*)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (*)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾

( سورة النصر)

 أيها الإخوة الكرام، لحكمة بالغة بالغةٍ جعل الله للنبي عليه الصلاة والسلام هامش اجتهادي، فإذا أصاب في اجتهاده أيده الوحي على اجتهاده، وإن ترك الأولى صحح له الوحي، فما الحكمة في ذلك؟
 الجواب: ليكون هناك فرق بين مقام الألوهية ومقام النبوة:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

( سورة الكهف : 110)

 أيها الإخوة الكرام، يوم حنين حينما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم بين أصحابه ماذا حدث؟
 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:

(( لما كان يومُ حُنين آثرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ناساً في القسمة، فأعطى الأقْرَعَ بن حابِس مائة من الإِبل، وأعطى عُيينةَ بنَ حِصن مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب، وآثَرَهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه لَقِسمَة ما عُدِلَ فيها، ولا أُرِيدَ فيها وجه الله، قال: فقلتُ: والله لأُخْبِرنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتَيتُه فأخبرتُه بما قال، فتغير وجهه، حتى كان كالصِّرْف، ثم قال: فمن يَعدلُ إِذا لم يعدل الله ورسولُه؟ ثم قال: يرحم الله موسى، قد أُوذِيَ بأكثر من هذا فَصَبَرَ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 والذين طعنوا في إمارة سيدنا أسامة بن زيد، ماذا قال لهم؟

 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:

(( بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَعْثاً، وأمَّرَ عليهم أسامةَ بنَ زيد، فطعن بعضُ الناس في إمارته، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن تَطْعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وَايْمُ الله، إنْ كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لَمِنْ أحَبَّ الناس إليّ، وإنَّ هذا لَمِنْ أحبِّ الناس إليَّ بعدَه ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام سمع هذا وقبِلَه، ولم يحاسب هؤلاء الذين انتقدوه، بل عدَّ هذا شيئاً طبيعياً في الحياة، قال له رجل في مرة أخرى: اعدل يا محمد، قال له: ويحك من يعدل إن لم أعدل، وهذا الذي توهم أن النبي عليه الصلاة والسلام يحابي أقرباءه حينما قال: لا تقتلوا عمي العباس، هذا الرجل الذي انتقد النبي عليه الصلاة والسلام حينما كشف الحقيقة أن عمه العباس كان مسلماً في مكة، وكان عيناً للنبي عليه الصلاة والسلام، ينقل له كل ما يجري في قريش، وهذا من قيادته الذكية، فإذا لم يشارك العباس في موقعة بدر كشفت هويته، وإذا قال النبي الكريم: إنه قد أسلم كشفه أيضاً، وإذا سكت النبي قتله أصحابه، فكان لابد من أن يقول: لا تقتلوا العباس، لذلك هذا الصحابي حينما كشف الحقيقة قال: والله ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله صلى الله عليه وسلم.

اعترافات الصحابة بالأخطاء :

 أيها الإخوة الكرام، هذا عن أنبياء الله العظام، فماذا عن أصحاب رسول الله؟
 سيدنا الصديق أثنى أصحابه عليه فقال: اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر ما لا يعلمون. أرأيتم إلى هذا التواضع؟
 عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال:

(( كنتُ جالساً عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَقْبَل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أَبْدَى عن ركبته، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا صاحبُكم فقد غامر فسلم، فقال: إِني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعتُ إِليه، ثمَّ نَدِمْتُ فسألته أن يغفر لي، فأبى عليَّ، فأقبلتُ إِليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر، ثلاثاً، ثمَّ إِنَّ عمر نَدِمَ، فأتى منزل أبي بكر، فقال: أَثَمَّ أبو بكر؟ قالوا: لا، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فجعل وَجْه النبيّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّر، حتى أَشْفَق أبو بكر، فجَثا على ركبتيه، وقال: يا رسول الله، وَاللهِ أنا كنتُ أَظلم، مرتين، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله بعثني إِليكم، فقلتُم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقَ، ووَاسَاني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ مرتين، فما أُوذِيَ بعدها ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

 أيها الإخوة الكرام، هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أعلى درجات التواضع، في أعلى درجات الاعتراف بالخطأ، في أعلى درجات التسامح، في أعلى درجات التناصح.
 سيدنا عمر رضي الله عنه، كان شديداً في الحق، وكان شديداً على نفسه، لذلك أعلنها صيحة مدوية: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي.
 ولم يشترط عمر أن تكون سراً أو برسالة مغفلة التوقيع، وكان عليه رضوان الله يتقبل النصيحة حتى ولو كان على المنبر، فربما صعد، وقال: أيها الناس، اسمعوا، وأطيعوا، فقام رجل من عامة الناس فقال: لا سمع ولا طاعة، فقال: لمَ رحمك الله؟ قال: أعطيتنا ثوباً ثَوباً، ولبست ثوبين، فقال: قم يا عبد الله بن عمر، فيقوم عبد الله بن عمر، ويشرح القضية، أنه قد أعطاه ثوبه، فلبس عمر ثوبه، وثوب ولده عبد الله، لأنه رجل فارع الطول.
 قبِلَ النقد، وهو على المنبر.
 قال له أحدهم: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا.

مصيبة رفض النصائح :

 أيها الإخوة الكرام:
 أنت حينما تقبل النصيحة تكوم عظيماً عند الله، أنت حينما تثني على من نصحك تكون كبيراً عند الله، أنت حينما تقبل النصيحة يسترك الله يوم القيامة، يوم الفضيحة الكبرى.
 أيها الإخوة الكرام، ينبغي أن ينصح بعضنا بعضاً، ينبغي أن ينصح العلماء عامة المسلمين، ينبغي أن ينصحوا بعضهم بعضاً، ينبغي أن ينصحوا أولي الأمر، وإن لقوا ما لقوا في سبيل الله، فرب كلمة صادقة مخلصة تغير منهجهم.
 والحقيقة المؤلمة، أن هناك من يحلو له أن يلخِّص عيوب الأمة في العلماء فقط، أو في الحكام فقط، أو في عامة الناس فقط.
 الأمة بأكملها مسؤولة عن أخطائها، لا يعفى إنسان، ولا فئة، ولا طبقة، ولا شريحة، الأمة بأكملها مسؤولة عن الأخطاء التي تعاني منها.
 لعل هذا خطأ كبير مركب في العقل الباطن، رفض النصيحة، رفض النقد، الاعتداد بالصواب، هذا كبر في الإنسان، هذا ضيق أفق في الإنسان، هذا جمود في الإنسان، هذا الذي يمنعه أن يتطور.
 أيها الإخوة الكرام، الأمة لا تزال تعد النقد نوعاً من الاستفزاز أو حطاً للمكانة، والحقيقة أن الأمر على خلاف ذلك.

 

الطريقة المثلى في النقد :

 أيها الإخوة الكرام، لكن الخطأ الشائع الفاضح المنتشر ينبغي أن ينتقد علانيةً، والإنسان المستتر بذنبه ينبغي أن ينصح سراً، هذه الحكمة.
 ليس من الحكمة أن الذي يفعل الكبائر، ويفتخر بها، أن نحجم عن ذكر خطئه، وليس من الصواب أن الذي يستتر، ويخشى أن يفضح أن ننصحه علانيةً.
 فإذا كان الذي يرتكب الخطأ يفتخر به، وينشره هو بين الناس، ينبغي أن يكون إعلان الخطأ جهاراً نهاراً، أما الذي يخشى أن يفتضح، هذا ينبغي أن ينصح سراً.

 

الفطرة السليمة والفطرة الفاسدة :

 أيها الإخوة الكرام، هناك فِطَر سليمة أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام:
 عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:

(( مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 طبعاً هذا الحديث يذكر مع التحفظ، حينما تفسد الفِطَر، وحينما يصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً، عندئذ لا عبرة لثناء الناس على هذا الإنسان، وفي الحديث:

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا : يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشد، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر، ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأَشدُّ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً؟ ))

[ من حديث ضعيف، أخرجه زيادات رزين ]

 الصواب أن يبقى المعروف معروفاً، والمنكر منكراً، والخطأ أن الناس انحرفوا فأمروا بالمنكر، ونهوا عن المعروف، ولكن مصيبة المصائب، ولكن الطامة الكبرى، أن ينقلب المعروف منكراً، وأن يصبح المنكر معروفاً.

(( قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ ))

 أي هل سنأمر بالمنكر؟

(( قال: نعم، وأَشدُّ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً؟ ))

 التفلت الكامل من منهج الله يعدّ مدنية، يقال: فتاة سبور، تعرض كل مفاتنها في الطريق.
 النفاق في أعلى درجاته لباقة وذكاء وحنكة.
 كسب المال الحرام شطارة.
 أصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً.
 التمسك بأهداف الشريعة جمود، تزمت، ضيق أفق.
 التفلت والإباحية عصرنة، وحضارة، وتقدم، وعقل منفتح.

(( كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً؟ ))

 وهذه مصيبة المصائب.

المديح وتناقضه مع الواقع :

 أيها الإخوة الكرام، لهذا الموضوع تتمة إن شاء الله تعالى في خطبة قادمة.
 الأخطاء التي تعاني منها الأمة لابد من تصحيحها، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، هان أمر الله علينا فهنّا على الله.
 الشيء الشائع الآن المديح ، تجلس بين العلماء، كل واحد يمدح الآخر إلى درجة غير معقولة، تجلس مع التجار، مع المثقفين، ترى تبادل المديح.
 لو كان هذا الكلام صحيحاً، إذاً لماذا هذا الواقع سيئ؟ لماذا هذا الواقع الذي لا نحسد عليه؟
 والله الذي لا إله إلا هو أكاد أظن أنه ما مرَّ على أمة الإسلام مرحلة كهذه المرحلة، تغتصب أراضينا، يقتل أبناؤنا، تهدم بيوتنا، تردم آبارنا، نذل إذلالاً ما بعده إذلال، والكل يمدح، هذا المديح يتناقض مع الواقع، إما أن الواقع هو الصحيح، أو المديح هو الصحيح.
 فلذلك أيها الإخوة، لنكفّ عن المديح، ولنبحث عن الأخطاء بإخلاص شديد، بنصح غيور، بمحبة لهذه الأمة، ولمستقبل هذه الأمة.

وأخيراً :

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

 

* * *

 

الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإيمان والصحة :

 أيها الإخوة الكرام، الإيمان صِحّة، صِحّة بالمعنى الدقيق:

﴿ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

( سورة الشعراء : 213)

 أقوى جهاز في الإنسان يكافح معظم الأمراض هو جهاز المناعة، هذا الجهاز يقوى بالحب، يقوى بالشعور بالأمن، والأمن من خصائص المؤمن، بدليل قوله تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (*)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام،81-82)

 نعمة الأمن لا يعرفها إلا المؤمن بنص الآية الكريمة، والأمن تقوية لجهاز المناعة، لذلك:

 عن عبيد الله بن محصن رضي الله عنه، أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِناً في سِرْبه، مُعافىً في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها ))

[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد ضعيف ]

الضمير وجهاز المناعة :

 تحت يدي بحث علمي لا أستطيع في هذه العجالة أن أعالجه كله أمامكم، لكن ملخصه: أن وخز الضمير يضعف جهاز المناعة.
 الشعور بالذنب، هذا الشعور فطري، العالم أو الجاهل، الكبير أو الصغير، حينما يخرج عن منهج الله، عن وعي أو عن غير وعي، يشعر بكآبة، سمّها كآبة، سمها شعور بالذنب، سمها عقدة نقص، هذا الشعور بالذنب يضعف جهاز المناعة، وإذا ضعف جهاز المناعة قويت الأمراض، فالاستقامة صحة، والتوحيد صحة.
 الآن، إذا ضعف توحيد الإنسان، ورأى أن الأمر بيد غير الله، بيد هؤلاء الطغاة، والله هذا الشعور وحده يسبب الأمراض الوبيلة، أن تشعر أن عدواً لك أقوى منك سوف يحطمك، وسوف يبيدك، وسوف يسبب لك كل المتاعب، وأنت أضعف منه، ماذا تفعل؟
 عليك بالتوحيد، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد:

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

( سورة هود : 123)

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

( سورة الكهف : 26)

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ ﴾

( سورة الزخرف : 84)

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

( سورة الزمر : 62)

مصير الظالمين :

 كنت في سفر، والحديث كان عن المؤامرات التي تحاك على الأمة الإسلامية، والأخبار الدقيقة التي تجعل الإنسان يسقط من الإحباط.
 قلت لهم: إضاءة قرآنية: جهة طاغية متغطرسة قوية مستعلية تريد أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب، وحياتها على موت الشعوب، وغناها على إفقار الشعوب، وأمنها على خوف الشعوب، أن تنجح خططها على المدى البعيد هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل مع وجوده.
 اطمئنوا، الله لا يتخلى عنا، لكن الله من حكمته إرخاء الحبل.
 الإنسان في قبضة الله، إنساناً كان أو دولة، أو قوة أو طاغية، هو في قبضة الله، ينبغي ألا يحسب الإنسان أن الله لا يطوله، علم الله يطولك، وقدرته تطولك.
 أيها الإخوة الكرام، هل يمكن أن تقول لإنسان: لا تطفئ لهيب الشمس بنفخة من فمك؟
 هذا كلام مستحيل، هذا لا يقع، أنت لا تنهى إلا عن شيء يقع، إذا قال الله عز وجل:

 

﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾

( سورة إبراهيم : 42)

 معنى ذلك أنه يمكن أن نتوهم أن الله غافل عن الظالمين:

﴿ ولا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ ﴾

( سورة إبراهيم : 42)

 ثق بعدل الله عز وجل، ثق بأن هؤلاء الطغاة في قبضة الله، لكن الحبل مرخى إلى حين:
 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

(( قال الله تعالى: الكبْرِياءُ ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذَفتُه في النار ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

 ثق برحمة الله عز وجل.
 النبي عليه الصلاة والسلام في أشد المحن، وهو في الهجرة وقد أهدر دمه، ووضع مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يتبعه سراقة، يقول:

 يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواريْ كسرى؟
 أي إنني سأصل، وسأنشئ دولة، وسأحارب أقوى دولتين في الأرض، وسأنتصر عليهما، وستأتيني الغنائم، ولك يا سراقة سوارا كسرى، وهذا قد حصل:
 جاء عمر بن الخطاب بسراقة، وألبسه سواري كسرى، وقال: بخ، بخ، أعيرابي من بني مدلج يلبس سواري كسرى.

 والله زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين.
 البطولة أن تكون مؤمناً، أن تستحق وعد الله عز وجل، لكن أمر الله هان على الناس فهانوا على الله.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمةَ الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، أذل أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين.
 اللهم شتت شملهم، فرق جمعهم، خالف فيما بينهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين.
 اللهم أرنا قدرتك بتدميرهم كما أريتنا قدرتهم في تدميرنا يا رب العالمين، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور