وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة عبس - تفسير الآيات 24 - 32 ، التفكير في نعم الله للاتِّعاظ
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآيات الرابعة والعشرون والتي بعدها، وهي قوله تعالى :

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾

[سورة عبس]

 أيها الإخوة الكرام، علماء الأصول قالوا: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، المسلمون في أواخر عهدهم ؛ في عصور تخلفهم فهموا الدِّين عبادات شعائرية صلاةً وزكاةً وصياماً وحجاً بينما كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، هذه اللام لام الأمر، قال تعالى فلْينظر الإنسان إلى طعامه، فأنت مأمور أيها الإنسان أن تُفَكِّر في طعامك، كأس الماء هذا من أين جاء، كيف أصبح عذْباً فُراتاً بعدما كان مِلْحاً أُجاجاً ؟ من أعطى خصائص التَّبَخُّر للماء ؟ من جاعل الماء يتبَخَّر بِدَرجات دُنيا ؟ ومن جعل الهواء يحْمِل بُخار الماء بتفاوت الدرجات؟ من ساق الرياح لتسوق السحاب؟ كيف واجهَ السحابُ المتحمل لبخار الماء جبهةً باردةً فتَخَلّ عن الماء الزائد فأصبح مطراً ؟ كيف سلكه ينابيع ؟ كيف تفجرت الينابيع ؟ كيف كان هذا الماء العذب ؟ فَمثلا في أندنيسيا أربعين ألف جزيرة لكل جزيرة نبع ماءٍ خاص بها يتناسب مع مساحتها، في بعض الجبال بهِمَلايا ينابيع ماء في قمة الجبل ولا يمكن أن تُفسَّر هذه الظاهرة إلا بِمُسْتوْدعٍ في جبل أعلى، من أجل الوُعول، إذْ تعيش هناك في القِمَم حيوانات اسمها الوُعول، وهذه الحيوانات ينبغي أن تشْرب، لها ينلبيع في قِمَم الجِبال، ولابد أن يكون مُسْتودع هذا الماء في جَبَلٍ أعلى، كما أنَّهُ لا بدّ من تَمْديدات، حتى أنَّ بعض الأنهار في الجُزر كَنَهْر التايْمْزفي بريطانيا، كُلُّ أمطار بريطانيا لا تكْفي لِغَزارة هذا النَّهْر، يقولون : إنَّ مُسْتَوْدعاته في أوروبا، وهوناك تَمْديدات تحت الأرْض، فقَضِيَّة الماء العَذْب هس قَضِيَّة تحتاج إلى تأمُّل شديد، فالله عز وجل قال :

 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ(22)﴾

 

[سورة الحجر]

 الإنسان لا يسْتطيع أن يُخَزِّن الماء أبداً فإذا خَزَّنه فسَدَ، أما ربُّنا جلَّ جلاله يُخَزِّن الماء العَذْب الفُرات في جُيوبٍ في أعماق الجِبال، وهناك فَتْحات مُقَنَّنة، فَمَثَلاً نبْع الفيجة من ستَّة عشر متْر بالثانِيَة إلى نصْف متْر بالثانِيَة إلا أنَّ مُسْتوْدعه من نبْع الفيجة إلى قُرْب حمْص، ومن سيف البادِيَة إلى جنوب لبنان ؛ هذا هو حَوْض ماء الفيجة، كُلُّ هذه المدينة لا قيمة لها إطْلاقاً بِبُيوتِها وشوارِعها ومُسْتَشْفياتها من دون هذا النَّبْع، فلو أنَّ الله سبحانه وتعالى أوْكَلَ لنا تَخْزين المِياه لاحْتاج كُلُّ بَيْتٍ إلى مساحة بيْتٍ آخر بالضَّبْط، فطيلة العام يحْتاج الإنسان إلى الماء العَذْب ما يُساوي مساحة بيْتِهِ، فالله تعالى تولى لنا تَخْزين الماء، وقال تعالى :

 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ(22)﴾

 

[سورة الحجر]

 ذَكَرْتُ قبل يومين في خُطْبة الجُمعة أنَّ مِرْصَجاً عِمْلاقاً أوربِّياً يعْمل بالأشِعَّة الحمْراء اكْتَشَفَ وُجود سَحابة في الكون، وهذه السَّحابة يُمْكن أن تمْلأ مُحيطات العالم بسِتِّين مرَّة في أربعٍ وعِشرين ساعة ! والأرض كما تعْلمون أربعة أخْماسِها مُحيطات، اليابِسَة خُمْس، فقارَّة آسيا وأوروبا وإفْريقيا وأمريكا الشماليَّة والجنوبِيَّة، وقارَّة المُتَجَمِّد الجنوب كُلُّ هذه القارات تُساوي خُمْس مساحة الأرض ! والمُحيط أعْماقه في بعض المُحيطات اثْنى عشر ألف متْر !!! في وادي مِرْيانة بالمُحيط الهادي وهو أعْمق نقْطة في المُحيط، هذه المُحيطات تمْلؤُها هذه السحابة سِتِّين مرَّة في يومٍ واحد قال تعالى :

 

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21)﴾

 

[سورة الحجر]

 يوهِمُنا أعْداؤُنا أنَّ هناك حرْب مياه، فهذا التَّقْنين تَقْنين تأديب لا تقْنين عَجْز ! ذَكَرَ لي أخ البارحة كان بِحوران فقال لي : القمْح هناك أعلى من قامة الإنسان وخيْراتٍ لا يعْلمها إلا الله، حوران وحْدها كانت تُطْعم الدَّوْلة الرومانِيَّة!
 ورومانْيا كان فيها تسعةُ وخمسون مليون نسمة، ويذْكر التاريخ أنَّ عدد الساكنين بِسُوريا في العهْد الروماني تسعةُ وخمسون مليون، وحوران وحْدها تُمِدُّ هذه الملايين المُمَلْيَنَة بالقمْح الذي يحْتلّ أعلى درجة في المواصفات، فربُّنا أيّ شيء عنده خزائِنُه، وفي إحدى السنوات وهذه ذَكَرْتها لكم كان اسْتِهلاك القطْر كُلُّه مليون طنّ القمْح، وكان إنتاجنا للقمْح ثلاثة ونصف مليون، فالله تعالى إذا أعطى أدْهَش ! وفي سنة من السَّنوات كان هناك شحّ للمياه في دِمَشْق، والمياه الجَوْفِيَة انْخَفَض مُسْتواها إلى درجة كبيرة جداً حتى أصْبح هناك عطش مُهَدَّدون به جاءتْ سنة مجموع أمطار دمشق ثلاث مائة وخمسون ملم، هناك ينابيع من ثلاثين عاماً تَفَجَّرَتْ، مياه عين منين وصلَتْ إلى برْزة وعين الصاحب تَفَجَّرَتْ، عشرات الينابيع في غوطة تَفَجَّرَتْ، وكانت قد جَفَّتْ من ثلاثين عاماً، فلا أحد يقلق على نقْص المياه والغِذاء فهذا من وَهْم الكُفار لنا، أنَّ هناك أزْمَة سُكانِيَّة وانْفِجار سُكاني، ونقْص للمياه يُنَوِّعون، فَمَرَّةً يقولون حرْبُ نفْط، ومرَّةً حرْبُ قمْح، والآن حرْب مياه وإذا الله عز وجل قَنَّن فهو تقْنين تأديب لا تقْنين عجْز، قال تعالى :

 

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21)﴾

 

[سورة الحجر]

وقال تعالى :

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

[سورة عبس]

 فأنت تأكل ثلاث وَجَبات باليوم، فكأس الحليب مَثَلاً لو خطر بِبَالك من أين يأتي ؟ هذه البقرة، وهذا المَعْمل الصامت، ومعمل الغذاء الكامل فيه الكالسيوم والمغْنزيوم والحديد والفوسْفات وفيتامينات ومواد سُكَرِيَّة ومواد دَسِمَة ومواد مُرَمِّمة، وهناك بقر يُعْطي ستين كيلو في اليوم فلو كان هذا الحليب لولدها فهو لا يحْتاج إلا كيليين حليب، والآن أصبح هناك تهْجين بقر على بقر من نوعٍ آخر، أصْبح يُنْتِج باليوم ستين كيلو حليب باليوم ! فالدم يمُرّ في الخَلِيَّة الثَّدْيِيَة البقريَّة على شَكْل قُبَّة وحول هذه القبَّة مجموعة شَعْرِيات كثيفة جداً، أربع مائة حجم من الدَّم تمرّ في هذه الشَّعْريات كي يصَنَّع حجْم حليب واحد، فكُلّ لتر من الحليب يُسْهم في صُنْعه أربعمائة لتْر دم تمْشي في قُبَّة هذه الخليَّة الثَّدْيِيَة، والخليَّة الثَّدْيِيَة المُصَنِّعة للحليب حتى الآن لا أحد يعْرف كيف تَعْمل وكأنَّها عَقْل فالدَّم يمرّ في أعْلاها، فَتَخْتار الدَّم من بين فرْثٍ ودمٍ، فالفرث هذه الفضلات السائِلَة، نحن لدينا فرْث جامد وهو الغائط، وفرْث سائل وهو حمض اللَّبن وفرثْ غازي وهو غاز الفحْم، نواتِج الاحتراق الصُّلْبة غائِط، والسائلة حمْض البول بالدم، والغازِيَّة غاز الفحْم، فَرَبُّنا عزَّ وجل قال : هذه الخلِيَّة الثَّدْيِيَة تخْتار مواد السُكَّرِيَّة من الدم، مواد بروتينِيَّة والدِّهنيات، والفيتامينات، والمعادن، تختار غِذاء كامل قال تعالى :

 

﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ(66)﴾

 

[سورة النحل]

 فكأس الحليب هو من فضْل الله عز وجل، قال تعالى :

 

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(5)﴾

(سورة النحل)
 خُلِقَتْ خِصِّيصاً لكم، وذَلَّلْناها لكم، أحد إخواننا بِجوبر حكى لي أنَّ بقرةً جَنَّتْ فَقَتَلَتْ أوَّ رجل والثاني والثالث، واسْتطاع صاحبها أن يُلْقي عليها الرَّصاص فقَتَلها، وثَمَنها سبعين ألف، فَهُوَ أساساً جَنَّ بِأوروبا إذْ خالفوا منهج الله عز وجل وأطْعَموا البقر طحين اللَّحْم، والجِيَف، والبقر مُصَمّم لِيَأكل النبات، فهو حيوان نباتي فهم تشاطروا وأطْعموه الجيَف فأصْبح هناك جُنون البقر فاضْطَرُّوا لِيَعْدموا ثلاثة عشر مليون بقرة ‍! ثمنها ثلاثون مليار جُنَيْه اسْتَرْليني ! ثمَّ بعد هذا عرفوا خَطَأهم، والآن مُنِيَتْ بريطانيا بأكبر كارِثَة بِحَياتها في موضوع جُنون البقر لأنَّه بِأُسْتُراليا أطْلقوا النار على عشرين مليون غنَمَة للحِفاظ على أسْعار الغَنَم مُرْتَفِعَة ! ودُفِنَتْ تحت الأرض فالكافر وَحْش، فَكم من شَعْبٍ يموت من الجوع ؟ عشرين مليون غنَمَة للحِفاظ على أسْعار الغَنَم مُرْتَفِعَة ! قال تعالى :

 

 

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

 

[سورة عبس]

 اُنظر إلى هذه الغنمة والبقرة من خلقها ؟ ومن جَعَلها مُذَلَّلة ؟ لو أنَّ الله تعالى رَكَّب أخلاق الضَّبع بالغنمة ! وهذا الزَّيْتون من أرْقى أنواع الدهْن وهو يُعَدُّ الآن دواء وليس غِذاءً فهو دواء للضَّغْط المُرْتفع والكولِستِرول المرْتفع، ولِتَصَلُّب الشرايين والنبي عليه الصلاة والسلام قال :

 

(( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ *))

 

[ رواه الترمذي ]

 فأنت تأكل اللَّبن والجُبْن والقشْطة وكُلّ مُشْتقات الحليب، فَمَن الذي سخَّر هذا المعمل المُذْهِل ؟‍‍! ورَوْثُ البقر سمادٌ غالٍ، فالسَّماد العُضْوي أغلى سماد روْثُ البقر ثمَنُ الكيلو عشْرُ ليْرات وجلدها للأحذِيَة والمصْنوعات الجِلْدِيَّة، ولحْمها يُؤْكل، هناك جداران وسط الثَّدْي مُتعامدان، وهناك أربع حلْمات للبقرة، كلّ حلمة تُعْطي ربع الضرع تماماً، وهو مُقَسَّم إلى أربع أجْواف، وهل فَكَّرْتَ بالقمْح فهو ينْضج بِيَوْم واحد، والبندورة تنْضج على ثلاثة أشْهر، لو كان الحقْل ينْضج بِيَوم واحد ماذا نفْعل بالطماطم، وكذا البطيخ ! من الذي صَمَّم أنَّ البطيخ له حلزون يمْسكها الفلاح فإذا انْكسر معنى ذلك أن قد نضجَت وإذا لم ينْكسر أي لم تنْضج بعد ! أما القمْح والعدس والحمص بِيَوم واحد فالمحاصيل الأساسيَّة تنْضج بيوم واحد، أما أشْجار الفواكه وغيرها فَبِالتَّسَلْسُل، من برْمج هذه الأمور، فالله تعالى قال :

 

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29)﴾

 

[سورة عبس]

 شجرة التَّمْر تعيش ستَّة آلاف سنة، أطْول شَجَرة مُعَمِّرة، وفيها ستة وأربعون مادَّة غِذائِيَّة، وأسْرع مادَّة سُكَّرِيَّة على الإطلاق تنتقل من الفم إلى الدم، فإذا جلس الإنسان لِيَأكل لو أكل عشْر أضْعاف لن يشْبع حتى يصِل السكَّر إلى مرْكز الشِّبَع، فالنبي عليه الصلاة والسلام عَلَّمنا أن نأكل التمْر أوَّلاً، كيف أنَّ القمْح مادَّة أساسِيَّة جداً لنا ؛ يُسَموه مَحْصول اسْتراتيجي، التِّبْن المادَّة العَلَفِيَّة الأولى، والحيوان يسْتطيع أن يعيش على التِّبْن فقط، قال تعالى :

 

﴿ وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾

 

[سورة عبس]

 يجب أن تُفَكِّر في خلق السماوات والأرض، وفي طعامك، فلا بدّ أن تُعْمِلَ العقْل في الآيات الكَوْنِيَّة لأنَّها طريق الإيمان بالله عز وجل.

 

تحميل النص

إخفاء الصور