وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة المرسلات - تفسير الآيات 41 - 44 ، حال المتَّقين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل في سورة المرسلات:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)﴾

[ سورة المرسلات ]

 كلّ نشاطات الإنسان في الدنيا لا معنى لها إن لم تكن مُحْسِنَة لأنَّ علاقة الدنيا بالآخرة علاقة العمل الصالح، قال تعالى:

 

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 وقال تعالى:

 

﴿ يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)﴾

 

[سورة الفجر]

 فأنت في هذه الدنيا أُرْسِلْت إليها من أجل أن تعمل عملاً صالحاً يكون سَبَباً لِدُخول جَنَّةٍ عرْضُها السماوات والأرْض، مَخْلوقٌ للجَنَّة وثَمَنها في الدنيا وثمنها العمل الصالح، لذلك هذه الجنَّة كما قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)﴾

 

(سوة المرسلات)

 الإحْسان كلمة مطلقة، يمكن أن تُحْسن إلى كُلِّ من حولك، والإحسان إتْقان العمل والنصح له، والرحْمة بالخلْق، وأن تكون زوْجاً مِثالِياً وأن تكون أباً كامِلاً، وتاجِراً أميناً، وأن زارِعاً مُسْتقيماً، ولا يوجد إنسان وأنتم سْامعون كلكم إلا وهو بِمَصْلحته ومِهْنته، وممكن أن يُحْسن وممكن أن يُسيء ويمكن أن يغُشّ، ويمكن للصَّيْدلي أن يمْسح نِهاية الصلاحِيَّة ويبيع الدواء، ويأخذ ثمنه، أما الدواء فقد انتهى مَفْعوله، وممكن مُحامي أن يوهِم المُوَكِّل أنَّ الدَّعْوى رابِحَة، وهو يعْلم عِلْم يقين أنَّها ليْسَت كذلك ويمكن لطبيب أن يقْنع المريض بِعَمَلِيَّة جِراحِيَّة لا جدْوى منها، وكذا المُدَرِّس يرْفع مستوى لأسْئِلة من أجْل دُروس خاصَّة، فالإحْسان والإساءة أبواب مفْتوحة، قال تعالى:

 

﴿ بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾

 

[سورة القيامة]

 ممكن للكهربائي أن يصنع وصْلاتٍ غير جيِّدة ممكن أن تحرِقَ البيت وهذا من أجل أن يُوَفِّر ألف ليرة ! وممكن لأيِّ ميكانيكي أن يُسيء وكذا الفلاح يضع هُرمونات فيأتي الإنتاج كبير، ومنظره جميل وثمنه غالي، وهذه الهرمونات تهْريب ممنوع أن يأتي بها للبلاد، وكلُّ هذا من أجل أن يكون إنتاجه غالي، فالإحْسان الاسْتِقامة والصِّدق والأمانة وعدم الغِشّ، وأن تكون زوْجاً مُحْسِناً وأباً مُحْسِناً، وكُلُّ واحِدٍ منَّا يعرف أن يُحْسِن بالفِطْرة والدليل قوله تعالى وَنَفْسٍ

﴿ وَمَا سَوَّاهَا(7)﴾

[سورة الشمس]

 أنت معك مُفْتي صغير وفِطْرة عالِيَة، وكلّ واحِد يغْلط أو يوهِم الناس أو يكْذب يحُسُّ بالانْقِباض وما من واحِدٍ إلا ويعْلم نفْسهُ عِلْمَ اليقين، وماذا يفْعَل لذلك الجنَّة كما قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)﴾

 

(سورة المرسلات)

 بالمناسبة قال تعالى:

 

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(14)﴾

 

[سورة القصص]

 أنت أَحْسِن واصدُق ولا تغُشّ ولا تكْذِب وكُن صادِقاً فالله تعالى هو الرزاق ذكر لي أخٌ عندي قطعة لسَيارة ثمنها عشرين ألف، ولي ثمان سنوات وأنا أُرَحِّها من جَرْدٍ آخر، فجاء زبون، ولما طلبها كاد أن يخْتَلّ توازني طلب منِّي أن أُنزِلها وقال لي: هل هي أصْلِيَّة ؟ فقال له: لا ليْسَت أصْلِيَّة ! كُلُّ إنسان يظنّ أنّه يكْسب بالمَعْصِيَة فهو أحْمَق، بالمعْصِيَة لا كَسْب فيها تُجَمِّع النقود بالمئات حراماً، وتدفعهم بالملايين ! ذَكَر لي أخٌ أنَّ مَحَلَّه احْتَرق وقال لي لو خَبَّرني واحدٌ من الناس لأعْطَيْتُه سبعة ملايين ! وهذا في سنة الأربعة والسَّبعين، كُلُّ صَندوق فيه ثمان مئة ألف كُلّها صارَت فَحْماً ! ماذا قال لي بعدها ؟ ثلاثون سنة وأنا تاجر فَلَعَلَّ الله تعالى جَمَّعهم لي في هذه اللَّحْظَة، وذكر صديق لي فقال لي: بِعْتُ فلاناً من الناس سيارة وفيها عَيْب ضَخْم في المُحَرِّك ! ظَنَّ أنَّهُ ذكِيّ، بعدها ذهب لِطرْطوس واشْترى سيارة حديثة، بعد خمْسة أيام أُصيب بِحادِث سيارة ولم يبْق من سيارته شيء ‍‍! فجاءَني يرْجف فقلتُ له: ألم تقل لي: بِعْتها أحداً بِعَيْبِها !! الله تعالى كبير، مع الله لا يوجد ذكاء، فلا تغُشّ ولا تحْتال ولا تقل هذه لا أحد لها ولن أُعْطيها المتأخَّر.
 سَمِعْتُ قِصَّةً ؛ إمام جامِع الورْد قبل خمسين أو ستِّين سنة رأى بالمنام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وقال له: يا فلان بَشِّر رفيقك فلان أنَّه رفيقي في الجَنَّة، وكان جارُهُ سَمَّان، وهو إمام، فتألَّم من البِشارة ! دَقَّ على جارِه وقال له: لي معي بِشارة لك، ومُهِمَّة جداً، إلا أنَّني لن أقولها لك حتَّى تقول لي ما فَعَلْتَ مع ربِّك حتى جاءَتْكَ هذه البِشارة التي هي من رسول الله، حينها حكى ؛ فقال له: والله تَزَوَّجْتُ واحِدَةً صالِحة ومن عائِلَة مَسْتورة، وبعد خمْسة أشْهر وَلَدَتْ ! فلم أحبّ أن أفْضَحها، وسَتَرْتُها وكان بإمكاني أن أُطَلِّقها، فقلتُ: لَعَلَّها غلْطة لن تُعاد، فجاء بقابِلَة وولَّدها وحَمَل هذا الصغير إلى الجامع بعد صلاة الفجْر بعدما نوى الإمام الصلاة وبعد الصلاة سَمِعوا بكاء الطِّفْل فالْتَفَّ المُصَلون، فتساءل عن الخبر وكأنَّه لا يعرف شيئاً، فلما قالوا: طِفْلٌ يبكي، قام هو وقال: أنا ليس لي ولد لعلِّي أكْفُلُه فأخَذَهُ على أساس أنَّهُ لقيط ورَدَّهُ لأمِّه !! وقال لها: ربِّيه فهو هذا الشَّخْص كان قادِراً على أن يفْضح إلا أنَّه اتَّقى الله، فالإنسان دون عمل فقير، الغِنى والفقْر بعد العرْض على الله، وسيِّدنا موسى لما تولى إلى الظلّ قال تعالى عنه:

 

﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)﴾

 

[سورة القصص]

 فأنت فقير ولو كان معك ألف مليون إن لم يكن لك عمل، قال له يا بِشر: لا صَدَقَة ولا جِهاد فبِمَ تلقى الله عز وجل ؟
وأقول لكم الصراحة غير المخلوق هو الآن يأكل وينجب ويشْتغل، فإذا أنت حالك الأكل والشرب والإنجاب ونزْهات فأنت لا مَيِّزَة لك، أما إن كنت للخير ساعِياً وطلبْت العِلم أو أعَنْت عليه، وساهَمْت بِنَشْر الدِّين اُنظروا إلى الآية:

 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)﴾

 

(سورة المرسلات)

 هذه الباء هي باء السَّبب، ذكر أحد أصْدقائنا الأطِباء أنَّه جاءتْه امرأة فقيرة وأحسَّ هو بذلك وشعر منها بالخوف في الدَّفْع فلم يأخذ منها، فقال لي: ولله تعالى ما شَعَرْت بِسَعادة في العمل إلا في هذه الخِدْمة‍ ! فأنت بِإمكانك أن تكون تاجِراً مُحْسِناً، أو طبيباً مُحْسِناً أو مُدرِّساً مُحْسِناً.
وهناك إخوة في قلوبهم الرَّحْمة، فهو لا يسْتطيع أن يرى أخاه يتألَّم، وأحد الإخوة كان عمره تسعة وسِتون سنة، منتصِب القامة وحادّ البصر وسمعه جيِّد وفي كلا خَدَّيْه ورْدة سُئِل ما هذه الصِحَّة ؟ فقال: حَفِظْناها في الصِّغر فَحَفِظَها الله تعالى في الكِبَر، ومن عاشَ تَقِيًّا عاش قَوِيًّا، فأنت لا تدْري بِحَسَنة من يغنيك أو يرْحمك، فالأصل كما قال تعالى:

 

﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)﴾

 

(سورة المرسلات)

 كثير من إخواننا ذوي الشركات الضَّخْمة يتحمَّلون الذي يشْتغلون عندهم من أجل عائلته وأولاده ! ولا يوجد من لا يسْتطيع أن يخْدم الناس، أحد الإخوة ذهب لِمُدير الشركة وقال له والدتي لها تعويض ومُقْعدة والمبْلغ قدْر الوكالة فهل تتكَرَّم علينا على البيت، فقال: له في خِدْمتك فهذا الأخ لم يُصَدِّق من شِدَّة الفرح، فلما ذهَب معه، وقال له الأخ: هل أوصِلك ؟ قال له: لا أنا جئت لِوَجْه الله.
 فيا أيها الإخوة، نودّ من كم الإحسان، والاسْتقامة الطريق سالك، أما المَشْي على طريق الاسْتِقامة لا بدّ له من عملٍ صالح، والعمل الصالح يرْفعك.

تحميل النص

إخفاء الصور