وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة الحشر - تفسير الآية 21 ، خيركم من تعلم القرآن وعلمه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
الآية الواحد والعشرون من سورة الحشر وهي قوله تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

 الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى، خلق الكون، والكون بين أيدينا، كل ما في الكون يدل على أن له خالقاً، ومسيراً، ومربياً، كل ما في الكون ينطق بوجود الله، ووحدانية الله، وكمال الله.
كمال الخلق يدل على كمال التصرف، ومن كمال التصرف أن الله سبحانه وتعالى لن يدع عباده من دون منهج يسيرون عليه، من دون تعريف بهم، وبسبب مجيئهم إلى الدنيا، وبالغاية التي خلقوا من أجلها، لذلك قالوا:
الله جل جلاله خلق الكون ونوره بالرسالات، والقرآن الكريم كتاب إن قرأته ووقفت عند إعجازه، عرفت أنه كلام الله عز وجل فالكون يدل على الله، وإعجاز القرآن يدل على أنه كلام الله، والقرآن الكريم يدل على أن الذي جاء به هو رسول الله.
 الكون من خلاله تتعرف على الله، والقرآن من خلال إعجازه توقن أنه كلام الله، والنبي عليه الصلاة والسلام من خلال القرآن الذي جاء به وهو معجزته الكبرى والمستمرة، توقن أنه رسول الله، هذا هو دور العقل، بعد أن عرفت الله، وعرفت كتابه، وعرفت رسوله الآن يأتي دور النقل، تتلقى عن الله عز وجل من خلال هذا القرآن.
فضل كلام الله على كلام خلقه، كفضل الله على خلقه.
 يعني أنت حينما تدخل إلى مكتبة، ولتكن أضخم مكتبة بالعالم فيها كتب من كل الموضوعات، وأمسكت بيدك كتاب الله عز وجل يجب أن تعلم أن بين هذه الكتب كلها، وبين هذا الكتاب كما بين الله وخلقه، لذلك القرآن الكريم منهج المسلم.
كتاب فيه تعريف بهوية الإنسان، ومهمته.

 

﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ﴾

 

( سورة الأحزاب: 72 )

 فيه تعريف بمهمته.

 

﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني ﴾

 

( سورة الذاريات: 56 )

 فيه تعريف بالكون، ولماذا سخر الله عز وجل للإنسان.

 

﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ﴾

 

( سورة الجاثية: 13 )

 فيه تعريف بالدنيا وبالدار الآخرة.

 

﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾

 

( سورة الروم: 27 )

﴿ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾

( سورة طه: 15 )

يعني هذا القرآن يعطيك تصور صحيح عن الكون والحياة والإنسان، الأشياء موجودة، لكن البطولة في فهمها، وفي إدراك حجمها، وقيمتها، ومدلولاتها.
 فهذا الكتاب هو الذي يبن لك حقيقة الكون، وحقيقة الحياة الدنيا وحقيقة الإنسان، يبن لك ما ينبغي وما لا ينبغي، يبن لك الحلال والحرام، يبن لك الخير والشر، يبن لك الماضي السحيق والمستقبل البعيد، يبن لك ما تئول إليه الخلائق بعد القيامة، لذلك القرآن الكريم يعني كيف أنه معجزة مستمرة، كل المعجزات التي جاء بها الأنبياء هذه المعجزات كعود الثقاب تألقت مرة واحدة، وأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، إلا هذا الكتاب الذي بين أيدينا هذا الكتاب الذي بين أيدينا معجزة مستمرة، كلما تقدم العلم كشف جانب من إعجازه.
فبعد أن عرف العلم أن الذكر والأنثى يحدهما الحوين لا البويضة قال تعالى

﴿وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تمنى ﴾

( سورة النجم: 45 ـ 46 )

 بعد أن عرف العلم أن كل شيء يدور حول نواة من المجرة إلى الذرة قال تعالى:

 

﴿ وكل في فلك يسبحون ﴾

 

( سورة ياسين: 40 )

 بعد أن عرفت أن الأرض كروية قال تعالى:

 

﴿ وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾

 

( سورة الحج: 27 )

 لم يقل من كل فج بعيد، الأرض كرة، فكلما بعدت المسافة ظهر العمق.

 

﴿ وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾

 بعد أن أكتشف العلم أن أخفض نقطة في الأرض، غور فلسطين، وفي هذا الغور تمت المعركة بين الفرس والروم، قال تعالى:

 

 

﴿ غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين ﴾

 

( سورة الروم: 2 ـ 3 ـ 4 )

 بعد أن عرف للجبال خصائص كثيرة جداً، منها أنها تثبت طبقات الأرض لكل جبل جزر يزيد عن ثلثين ارتفاعه، هذا الجزر يثبت طبقات الأرض، لأنك إذا أردت أن تدور بيضة غير مسلوقة لا تدور، اختلاف الكثافة في مضمونها تضطرب حركتها، أما إذا سلقتها تدور، جرب بيضة غير مسلوقة لا تدور معك أما المسلوق تدور، فمن أجل هذه الطبقات المتباينة في الأرض يأتي الجبل كالوتد

 

﴿ والجبال أوتادا﴾

 

( سورة النبأ: 7 )

 والجبال من أجل ألا تميد الأرض بنا.

 

﴿ أن تميد بكم ﴾

 

( سورة النحل: 15 )

كأنها أماكن تثبت حركة الأرض على سرعتها العالية.
 يعني الجبال، والأنهار، والبحار، والسهول، والوديان والهضاب، والنبات، والحيوان، والإنسان، يعني في إشارات بكتاب الله عز وجل إشارات إلى أصول العلوم، وكلما تقدم العلم كشف جانب من هذه الأصول.
فلذلك: من أوتي القرآن فظن أن أحد أوتي خيراً منه فقد حقر ما عظمه الله النبي عليه الصلاة والسلام، جعل الخيرة المطلقة لمن تعلم القرآن وعلمه قال:
خيركم من تعلمه وعلمه، لأنه منهج الإنسان، لأنه المنهج القويم دقق في هذه الآية:

﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾

( سورة طه: 123 )

 لا يضل عقله ولا تشقى نفسه.

 

﴿ فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾

 

( سورة البقرة: 38 )

 أجمع الآيتين، الذي يتبع هدى الله عز وجل، لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت.
الله جل جلاله عد تعلم القرآن وتعليمه جهاداً أكبر وأعظم قال تعالى:

 

﴿ وجاهدهم به جهادا كبيرا ﴾

 

( سورة الفرقان: 52 )

الخيرة المطلقة، لمن تعلم القرآن وعلمه، والجهاد الأكبر لمن تعلم القرآن وعلم، إنه الصراط المستقيم، إنه حبل الله المتين، إنه نور الله ألقاه في الأرض ليكون هادياً إليه.
فيا أيها الأخوة الكرام:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾

 كما إنسان يعزف عن سماع القرآن، إذا فتح بالمذياع على القرآن، كما من مسافر يقض ساعات طويلة في الغناء، وبإمكانه إن يستمع إلى كتاب الله لذلك:
من هو الفقير ؟ من هو المحروم ؟ الذي حرم فهم هذا القرآن الكريم، الذي حرم تلاوته أناء الليل وأطراف النهار.
ورد في الأثر: أنه من تعلم القرآن، متعه الله بعقله حتى يموت، والسبب واضح جداً، العضو الذي لا يعمل يضمر، في العلم لو أن يدك ثبتها في الجبصين تذوب العضلات تذوب بعد ستة أشهر العضو الذي لا يعمل يضمر.
طيب هذا القرآن الكريم، إن قرأته، وحفظته، وتدبرته وتأملت آياته، وقفت عند الحلال والحرام، عند الأمر والنهي، عند مشاهد يوم القيامة، عند قصص الأمم السابقة، عند آيات الله في الكون، هذا ما هذا، نشاط فكري، الذي يقرأ القرآن في نشاط فكري دائم.
 إذاً: هذا الإنسان بحسب مفهومات العلم الحديث، لا يخرف لا يخرف أبداً لذلك الآن في بعض الجامعات في أوربا، الجامعة مستثناة من سن التقاعد ؛ لأن أستاذ الجامعة يعمل بعقله، إذاً لا يخرف في أستاذة بالجامعات في فرنسا بالتسعين، بالخمس والتسعين، ما دام يعمل بعقله قلما يخرف، الإنسان، فكل إنسان يتلو هذا القرآن يتدبر هذا القرآن، يقيم أمر الله من خلال القرآن، هذا الإنسان متعه الله بعقله حتى يموت، والقرآن غناً لا فقر بعده ولا غناً دونه، لا فقر بعده ولا غناً دونه.
والله جل جلاله قد يؤتي الملك لمن يحب ولمن لا يحب أتاه لمن يحب لسيدنا سليمان، وأتاه لمن لا يحب لقاروق، ويؤتي المال لمن يحب ولمن لا يحب، أتاه لسيدنا عبد الرحمن بن عوف، وسيدنا عثمان بن عفان، وأتاه لقارون، أما أن تفهم هذا القرآن حق الفهم وأن تقف عند حلاله وحرام، وأن ترزق تلاوته أناء الليل وأطراف النهار، وأن ترزق العمل به، وأن ترزق تعليمه.

 

﴿ ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ﴾

 

( سورة يوسف: 22 )

 فالحكم والعلم لمن يحب، فإذا كان عطائك من الله ، من العطاء الذي يحب، فقط، فهذه نعمة كبرى.

 

﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾

 الذي يقرأ القرآن ولا يتأثر به، ولا يقشعر جلده من خشية الله ولا تنهمر عينيه خشوعاً لله عز وجل، لا يتأثر به، لا يعظمه، هذا قلبه أشد قسوة من الصخر، لأنك لو تلوت هذا القرآن على جبلٍ لرايته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، فإذا قرأه الإنسان ولم يتأثر به كان قلبه أشد من الصخر الجلمود.
شيء آخر:
القرآن نفسه:

 

 

﴿ وهو عليهم عمى ﴾

 

( سورة فصلت: 44 )

﴿ ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ﴾

( سورة الإسراء: 82 )

 القرآن يحتاج إلى طهارة لذلك قال تعالى:

 

﴿لا يمسه إلا المطهرون ﴾

 

( سورة الواقعة: 79 )

والمطهرون من المشترك اللفظي، بمعنى:
المعنى الأول: يجب أن تكون طاهراً لكي تمس القرآن.
والمعنى الإشاري: إلا لم تكن طاهرة القلب، لا يمكن أن تقف على معاني كتاب الله إطلاقاً.
 لذلك قال: لم يقل لا يمسسه، الفعل المضعف إذا سبقه حرف جازم، يفك تضعيفه، لو أن اللام ناهية لكان قوله تعالى: لا يمسسه إلا المطهرون.
أما لا نافية، ربنا ينفي أن يستطيع الإنسان أن يقترب من المعاني السامية التي ينطوي عليها القرآن.
لذلك هو كتابنا، ومنهجنا، ودستورنا، وقانونا، وهو حبل الله المتين، هو الصراط المستقيم، هو النور المبين، هو الهادي إلى طريق الله عز وجل.

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

 

إخفاء الصور