وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الحشر - تفسير الآيات 18-20 ، طاعة الله ثمنها الجنة،آيات 18-20
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
الآية الثامنة عشرة من سورة الحشر وهي قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)﴾

 ذكرت من قبل أن العاقل يتميز بأنه يعيش المستقبل، والأقل عقلاً يعيش الحاضر، ومن سمات الغبي أنه يعيش الماضي، يفتخر بآبائه وأجداده، ويجتر أحياناً بعض المواقف التي فعلها في الماضي و حاضره لا يتناسب مع ماضيه.
الله جل جلاله في هذه الآية، يدفعنا إلى أن نعيش المستقبل الإنسان يعيش في بيت، لكن هذا البيت موقت، لا بد من أن ينتقل إلى قبر ضيق، مظلم ليس فيه شيء، إلا عمله.
يا قيس إن لك قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ألا وهو عملك.
لذلك كان بعض الصالحين يجلس في القبر كل خميس، ويتلو قوله تعالى:

﴿ رب ارجعوني، لعلي أعمل صالحا فيما تركت ﴾

( سورة المؤمنون: 99 ـ 100 )

فيخاطب نفسه قائلاً:
يا نفس قد أرجعناك قومي اعملي صالحاً.
مشكلة الناس أنهم يعيشون لحظتهم، يأكل، يشرب، ينام يتاجر، أما هذه اللحظة الحرجة، لحظة مغادرة الدنيا.
 أتبع جنازة يفتح النعش، يحمل الميت، يدخل في القبر، قبل يومين كان على فراش وثير، وفي غرفة مكيفة، وحوله زوجته وأولاده، وبناته، وأصهاره، وله مكتبه، وتجارته، وعمله، الآن وضع تحت التراب، ووضع الحجر، وأهيل التراب على الحجر وانتهى هذا الإنسان، واصبح خبراً، واصبح حديثاً بين الناس، انتهت شهواته، وانتهت طموحاته، وانتهت آماله، يقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾

 يعني إذا سالك الله عز وجل يوم القيامة، سخرت لك ما في السماوات والأرض، أعطيتك العقل، منحتك الفطرة، جاءتك الأنبياء أنزلت عليهم الكتب، جعلت لك مالاً ممدودا، وبنين شهودا، ماذا فعلت من أجلي، ماذا فعلت في هذا العمر المديد ؟ ماذا فعلت في شبابك ؟ لمن أعطيت شبابك ؟ كيف استهلكت عمرك ؟ كيف فعلت بمالك ؟ مما كسبته ؟ وفيما أنفقته ؟

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾

 قدمت عمل صالح ؟ قدمت ولد صالح يدعو لك من بعدك ؟ قدمت علم ينتفع به ؟ ساهمت بمشروع خيري ؟ هل دللت على الله ؟ دعوت إلى الله ؟ هل أخذت بيد أهلك وأولادك ؟

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾

 ماذا قدمت لله عز وجل ؟
أحياناً:
 أقول الإنسان يسلم إذا أطاعه، ويسعد إذا تقرب منه، التقرب له ثمن، قال تعالى:

 

﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ﴾

( سورة الكهف: 110 )

 كلام واضح كالشمس، إن أردت أن تتقرب إلى الله ليس هناك من وسيلة إلا العمل الصالح.

 

﴿ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ﴾

 أنت بطاعتك تسلم، وبذلك تسعد، إن أردت السلامة فأطع الله ورسوله، وإن أردت السعادة فتقرب إلى الله بالعمل الصالح.

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾

 ماذا قدمت ؟ أنت حينما تأتي يوم القيامة ماذا تقول لله عز وجل ؟ يا عبدي ماذا فعلت من أجلي ؟ يارب لقد صليت، لقد زهدت في الدنيا، يقول الله له: أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت به الراحة لقلبك، وأما صلاتك وعبادتك فقد اعتززت بي، ولكن ماذا فعلت من أجلي ؟.
يعني أب يعطي ابنه، كرمه، علمه، زوجه، هيئ له عمل طيب، هذا الابن ماذا فعل من أجل أبيه ؟ ماذا قدم ؟
لذلك أحد الصحابة، كان قائد جيش بالترتيب الثلاث، فأول قائد أستشهد والثاني أستشهد، والثالث رأى الموت قريب جداً فخاطب نفسه وقال:

 

 

يا نفُس إلا تُقْتَلي تموتـي هذا  حِمَام الموتِ قد صَلِيتِ
إن تَفعلي فعلهما رضيتِ  وإن توليـــت فقد شــــــقيت

وقاتل حتى قتل.
 يذكر النبي عليه الصلاة والسلام: أن أخاكم زيد أخذ الراية وقاتل حتى قتل، وإني لأرى مقامه في الجنة، ثم أخذها أخوك جعفر فقاتل بها حتى قتل، وإني لأرى مقامه في الجنة، ثم سكت النبي عليه الصلاة والسلام، فقال أصحابه ما فعل عبد الله، قال: ثم أخذها عبد الله فقاتل بها حتى قتل، وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه هبط درجة، لأنه تردد ثلاثين ثانية ببذل روحه.
  إذاً: ماذا فعلت من أجلي ؟ ماذا قدمت ؟ هذا سؤال محرج وسؤال خطير ليسأل كل واحد منكم نفسه، ما العمل الذي أعرض الله يوم القيامة ؟ أو ما العمل الذي يصلح للعرض على الله يوم القيامة ؟ ماذا فعلت ؟ ماذا فعلت لأولادك لزوجتك، لبناتك، بتجارتك بعملك أين ذهبت ؟ أين سافرت ؟ مع من جلست ؟ في السهرات ماذا تكلمت ؟ في اللقاءات، في الندوات، ماذا فعلت ؟ ولكن ماذا فعلت من أجلي ؟ قال يا ربي وماذا أفعل من أجلك ؟! قال هل واليت فيا ولياً ؟ هل عاديت فيا عدواً ؟ لك ولاء وبراء، واليت أهل الحق ؟ أعنتهم على دعوتهم ؟ كنت في خدمتهم؟ أما عاديتهم ؟ هل واليت أهل الباطل ؟.

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ﴾

 قد يدعي إنسان أن عمله صالح، هذا كلام لطيف، بس هذه نظرته للعمل لكن:

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)﴾

 الله عز وجل يعلم العمل، حجمه، دوافعه، بواعثه، أهدافه مقدار التضحية، النوايا الطيبة أو الخبيثة، العمل بكل تفاصيله، وبكل تقويماته، هو في علم الله عز وجل.

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)﴾

شو معنى إن الله عليم بما تعملون، وخبير بما تعملون ؟.
 إنسان تصدق على فقير، رأيته بعينك يتصدق على هذا الفقير جيد، أنت علمت أنه تصدق، أما الخبير قد يكون هذا المال حراماً وقد يدفع هذا المال أمام صديق له، ليتزع ثقته بالتجارة، من يعلم ذلك ؟ الله وحده، العليم غير الخبير، الخبير يعني معرفة مطلقة.

 

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)﴾

 حينما نسي الله نسيانه لله أنساه نفسه، لأنك إن عرفت نفسك عرفت ربك، وإن عرفت ربك عرفت نفسك، أما إذا نسي الإنسان ربه نسيانه لله ينسيه نفسه، ينسيه قدرها، ينسيه قيمتها، ينسيه مهمتها ينسيه علة وجودها، ينسيه أن يعطيه حقها، إذا نسيت الله نسيت نفسك وإن نسيت نفسك نسيت الله عز وجل، شيئان مترابطان.

 

 

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)﴾

 لماذا نسي الله ؟ لأنه فسق، لماذا نسي نفسه ؟ نسي نفسه لأنه نسي الله، ولماذا نسي الله ؟ لأنه فسق.

 

 

﴿أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)﴾

 الفسق حجابٌ بينك وبين الله.

 

 

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾

 بالدنيا واحد غني، واحد فقير، هما لا يستويان، لكن أحياناً الفقير يأكل صحن، وصحته طيبة، يستمتع بهذا الصحن المتواضع الخشن، أضعاف ما يستمتع الغني، في بالحياة الدنيا قواسم مشتركة بين الأغنياء والفقراء، أيام تهب نسمات لطيفة، أيام جو لطيف أحياناً أكلة يحبها الفقير يأكلها بشغف ونهم، يتزوج والزواج واحد بين الأغنياء والفقراء، في ألف قاسم مشترك بين الأغنياء والفقراء، بين الأقوياء والضعفاء، أما بالآخرة هؤلاء في نار يدوم عذابها، وهؤلاء في جنة لا ينتهي أمدها.

 

 

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

 بشهادة الله عز وجل هم وحدهم الفائزون، أصحاب الجنة فائزون، إذا قال الله عز وجل أصحابه الجنة فائزون، لا يعني أن غير أصحاب الجنة غير فائزين أما حينما يقول: أصحاب الجنة هم الفائزون، يعني وحدهم، خالق الكون يقول لك إذا وصلت إلى الجنة فأنت الفائز، والجنة ثمنها طاعة الله عز وجل، والقرب منه، إذاً.

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

 ملخص هذا الدرس، يجب أن تعيش المستقبل، واحد ساكن ببيت، يا ترى أنا إذا مت وين بغسلوني، بالغرفة الفلانية، أما بالمطبخ، أما بالحمام، وين بندفن ماذا يفعل أولادي من بعدي ؟ أسئلة مزعجة، لكنها واقعية، هيئ نفسك للقاء الله عز وجل، فكر بالموت قال عليه الصلاة والسلام: أكثروا ذكرا هذه اللذات، مفرق الأحباب مشتت الجماعات.

 

 

عش ما شئت فإنك ميت  وأحبب ما شئت فإنك مفارق
واعمل ما شئت فإنك مجزي به

 

﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

أيها الأخوة:
 أن تعيش المستقبل فأنت العاقل، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

 

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

إخفاء الصور