وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الحشر - تفسير الآيتان 8 - 9 ، الأخوة بين الأنصار والمهاجرين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
 الآية الثامنة والتاسعة من سورة الحشر وهي قوله تعالى:

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾

أيها الأخوة الكرام:
 من خلال هاتين الآيتين يتبين ؛ أن هناك ما يسمى بالأنصار وهناك ما يسمى بالمهاجرين، إنسان اقتلع من جذوره، ترك بيته ترك ماله، ترك تجارته ترك معارفه، ترك أصدقائه، اقتلع من جذوره، وانتقل إلى بلد يبتغي وجه الله عز وجل، يفر بدينه.
أيها الأخوة:
 إذا كنت في بلدٍ، وحيل بينك وبين أن تعبد الله، حيل بينك وبين أن تمارس شعائر الله، ينبغي أن تهاجر، ويوم القيامة تحاسب.

﴿ ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا ﴾

( سورة النساء: 97 )

 يعني لا ينبغي إن يشغلك شيء عن عبادة الله، مهما كان هذا الشيء عظيماً، مهما كان هذا الشيء مقدساً، لا ينبغي إن يشغلك شيء عن عبادة الله بدليل أنك مكلف أن تدع أرضك التي ولدت فيها ومسقط رأسك، وأن تهجر كل ما تملك، وكل ما حصلته، من أشياء مادية أو معنوية، من أجل أن تعبد الله، لأن الله عز وجل قال:

 

﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني﴾

 

( سورة الذاريات: 56 )

 فهذا المهاجر الذي هجر ما نهى الله عنه، بشارة لكل مؤمن قال الله تعالى في الحديث القدسي: عبادة الله في الهرج ـ في الفتن كهجرة إليّ.
أنت مقيم في بلدك، لكن من بيتك إلى عملك، ومن عملك إلى مسجدك، كل أماكن اللهو، كل الموبقات، كل الصرعات الحديثة كل التفلت، أنت بعيد عنه.

 

﴿ فأووا إلى الكهف ﴾

 

( سورة الكهف: 16 )

 كهفك بيتك، وكهفك مسجدك، فإذا عبدت الله في زمن الفتنة في زمن الفتنة المضطربة، فأنت كمهاجر في سبيل الله، والحديث في البخاري.
عبادة في الهرج، كهجرة إليّ.

 

﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾

الأنصار.

 

 

﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾

 سيدنا سعد بن الربيع، أخاه النبي مع سيدنا عبد الرحمن بن عوف، قال له سعد يا أخي: هذان بستانان فأختر واحد منهما، وهذان دكانان فأختر واحدة منهما يعني عرض مغري، نزل عن نصف مال لأخيه، قال له سيدنا عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في مالك دلني على السوق، يعني ظهر مؤاثرة من الأنصار لا توصف وظهرت عفة من المهاجرين لا توصف، فبقدر ما كان الأنصار أسخياء بقدر ما كان المهاجرون أعفه، لم يسجل التاريخ، ولا السيرة أن صحابياً واحداً مهاجراً أخذ من أنصارياً شيئاً، مع أن الأنصار عرضوا نصف ممتلكاتهم على المهاجرين.

 

 

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾

وهذا مرض خطير.

 

 

﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾

 أنت مقيم بالشام، ببلدك، بيتك، وعملك، ومكتبك، وتجارتك لقيت طالب علم جاء من أقاصي الدنيا، من أقاصي الشمال، حيث بقي هؤلاء الناس سبعين عام في الجهل، أو من أفريقيا، أو من الصين إذا قدمت لهذا الطالب طالب العلم مساعدة، معونة، بيت يسكنه حاجة يستعملها، أثاثاً يستفد منه، أنت ماذا فعلت، فعلت كما فعل الأنصار مع المهاجرين، الشام مليئة بطلاب العلم، لذلك الإنسان المؤمن، يحب طالب العلم، لأنه سيعود إلى بلده داعية كبيرة، وكلما لقي من أهل البلد، محبة، ومودة، وخدمة، ورعاية، نطمئنه ونجعل يثق بالإسلام والمسلمين.

 

 

﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾

 يعني كانوا في المدينة وآمنوا ، يعني أقاموا فيها وكان إيمانهم كبيرا، من قبلهم.

 

 

﴿ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾

 الحقيقة في مقياس، ما الذي يسعدك أن تأخذ أم أن تعطي ؟ إذا كان يسعد الأخذ فأنت من أهل الدنيا، وإذا كان يسعدك العطاء فأنت من أهل الآخرة، والذي تعطيه هو الذي يبقى، والذي تأخذ قد لا تنتفع به لأن العلماء فرق بين الكسب والرزق، الرزق ما انتفعت به، الطعام الذي أكلته فقط، الثياب التي ترتديها فقط السرير الذي تنام عليه، هذا رزقك، أما كسبك حجمك المالي، أرصدتك ممتلكاتك المنقولة وغير المنقولة، هذا كسبك، كسبك محاسب عليه دون أن تنتفع به، محاسب عليه ولم تنتفع به، أما رزقك الذي اكتسبته حلالاً ليس لك منه إلا قسم ضئيل، هو الذي أنفقته في سبيل الله، الذي أكلته وأفنيته ليس لك والذي لبسته وأتلفته ليس لك، والذي تصدقت به هو الذي لك.
يا رسول الله: لم يبقى إلا كتفها، أثناء توزيع الشاة، قال بل بقيت كلها إلا كتفها، أمسك سيدنا عمر تفاحة، قال: أكلتها ذهبت أطعمتها بقيت.
 ليس لك إلا ما لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، أو تصدقت فأبقيت، قسم حجمك المالي إلى كسب، وإلى رزق، الكسب حجمك ما هو مسجل باسمك منقولاً أو غير منقول، والرزق الذي أكلته، ماذا تأكل ؟ لو كنت أغنى إنسان بالعالم ماذا تأكل ؟ حجم قليل، فالذي أكلته والذي لبسته لك ولم تنتفع به بعد الموت، أما الذي تصدقت به هو وحده لك وما أقله، هذا الذي تسعد به يوم القيامة لذلك الرجل يطعم اللقمة لفقيرٍ يراها يوم القيامة كجبل أحد، وما عرف لذة الإنفاق إلا من أنفق، حتى أن العرب في لغتهم يسمون الكريم جداً

 

(( الأريحي ))

 ترتاح نفسه للعطاء، سعادته في إعطائه لا في أخذه.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون من هؤلاء.

 

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾

 يعني سمعت بالأخبار أنه بعض المتطرفين بـ ألمانية يقتلون الأتراك لأنهم جاءوا إلى بلادهم، وزاحموهم على أرزاقهم، هذا شأن الكفر، الأنانية من صفات الإنسان قبل أن يعرف الله، الأنانية طبع أما السخاء تكليف، إذا كنت منقاداً إلى منهج الله تحب من هاجر إليك أما إذا كنت بعيداً عن الله عز وجل منساقاً لطبعك تكره من هاجر إليك.

 

 

﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾

 حينما يسخو بماله لا يشعر أنه محتاج إليه، محتاج إلى إنفاقه لا إلا ضمه.

 

 

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾

أخونا الكرام:
 الخصاصة الجوع، النقطة الدقيقة إن صح التعبير الحديث المؤمن له استراتيجية، له سياسة عليا، المؤمن يبني حياته على العطاء، وغير المؤمن يبني حياته على الأخذ.

 

 

﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

 

 

إخفاء الصور