وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 8 - سورة الرحمن - تفسير الآية 78 ، ذو - ذي - الجلال -الإكرام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
الآية الأخيرة من سورة الرحمن وهي قوله تعالى:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)﴾

أولاً: قد يسأل سائل قوله تعالى:

﴿ كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾

( سورة الرحمن: 26 ـ 27 )

هنا، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام، لماذا الآية الأولى، ذو ! وهذه، ذي !.
 العلماء قالوا: هناك في الكون جوهراً وعرض، العرض صفة زائلة ليست في أصل الموصوف، أما الجوهر هو أصل الموصوف، فربنا عز وجل حينما قال: ويبقى وجه ربك، الوجه ذات الله عز وجل، إذاً:

﴿ ذو الجلال والإكرام، ويبقى وجه ربك ذو الجلال ﴾

 أما هنا، تبارك اسم ربك، الاسم ليس جوهراً عرضاً إذاً: ذي تعود على ربك.

 

﴿ كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ﴾

 المضاف إليه مجرور، والمضاف مرفوع، فجاءت ذو صفة للمضاف.
أما هنا

 

﴿ تبارك اسم ربك ذي ﴾

الاسم ليس جوهراً بل هو عرض، إذاً تأتي ذي تابعة لربك أما الوجه ذات الله عز وجل، إذاً تأتي ذو تابعة للوجه، هي واحدة.
 الشيء الثاني في خبراتنا نحن، قد تلتقي بإنسان تعجب به أشد الإعجاب لكنك لا تحبه، متفوق في اختصاصه، لئيم لكن فهمان، قد تجد طبيب بأعلى مستوى، معاملته في منتهى القسوة، فأنت تعجب به ولا تحبه، وقد تكون لك أم طيبه، صالحه لكنها غير متعلمة، وأنت معك دكتوراه، تحبها ولست معجبٌ بعلمها، إنسانة تحبها، تملئ قلبك محبة، لكنك لست معجبٌ بعلمها، إنها غير متعلمة، أنت متعلم، مثقف، وقد تجد إنسان في أعلى درجة العلم، لكن معاملته قاسية جداً، لا تحبه، أما أن تلتقي بإنسان بقدر ما هو عالم، بقدر ما هو كامل هذه في الأنبياء فقط، لو التقيت بنبيٍ، تأخذ بعلمه، ودقة فهمه، وفطانته، وسرعة إدراكه، ولفتاته الذكية، وتأخذ مرة ثانية بطيبة، وتواضعه، وحبه وتسامحه، وكماله، وفهمه، وإنصافه، إذا الإنسان أحيان، يعجب بصفة دون أن يعجب بأخرى.
ربنا عز وجل، يمكن ولله المثل الأعلى، يمكن، أن نقسم صفاته، أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، إلى زمرتين.
زمرة أساسها القوة: قوي، جبار، متكبر، علي عظيم، القاهر فوق عباده، فعالٌ لما يريد.
وزمرة ثانية: رحيمٌ، ودودٌ، لطيفٌ، مجيدٌ، عفوٌ، غفورٌ، كريمٌ.
فكل صفات الكمال، مجموعة بالإكرام، وكل صفات القوى مجموعة بالجلال،

﴿ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ﴾

 قويٌ كريم، عظيمٌ رحيم، عليٌ كريم.
فا هذا معنى قول الله عز وجل:

 

﴿ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ﴾

يعني أنت بقدر ما تحبه تعظمه، وبقدر ما تعظمه تحبه.
 أحياناً تسأل، من مدير هذه الدائرة ؟ من مدير هذه المستشفى ؟ من مدير هذه الثانوية ؟ من مدير هذه الجامعة ؟ يقال لك فلان، هو الآن بيده الأمر، يا ترى صالح، مستقيم، نظيف يده نظيفة، قراره سليم، عادل.
ربنا عز وجل مرة ثانية، ولله المثل الأعلى، قال:

 

 

﴿ له الملك وله الحمد ﴾

 

( سورة التغابن: 1 )

 الملك بيده، لكنه يحمد، أنت قد تجد هذه المدرسة، مديرها فلان بيده السلطة، لكنك لا تحمده، وقد تحمد في هذه الثانوية، موظفاً بسيطاً لكنه لا يملك شيئاً، أنت في حياتك الدنيا، قد تعجب بطيب إنسان، لكنه ضعيف، وقد تعجب بقوة قوي، لكنه غير كريم.
فاجمع الصفات الكاملة من قوة إلى كمال، من ملك إلى حمد، من جلال إلى إكرام، من فعال لما يريد إلى أرحم الراحمين، هذا الجمع، بين صفات القوة وصفات الكمال، هذه الصفات تبدو واضحة في هذه الآية.
لذلك هذا الذي لا يحب الله عز وجل، أجهل الجهلاء، الإنسان عقل يدرك وقلب يحب، وجعل الله العقل أميراً على القلب، جعل الله العقل أميراً على القلب، قال: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً.
 مرة ضربت مثل، يعني فيه طرافة المثل، إنسان وضعنا أمامه، أنا رأيت جوهرة في أستنبول، في المتحف، ثمنها مائة وخمسين مليون دولار، 150مليون دولار مو سوري، مو ليرة تركي، دولار، لو وضعنا أماك هذه الجوهرة كالبيضة تماماً، وإلى جانبها كأس ماء كريستال، حقه ألف ليرة، وإلى جانبها قطرميز أزرق كبير، حقه عشرين ليرة، وقلنا لك أختر من هذه الأشياء واحدة فاستكبرت القطرميز، هل أنت عاقل، أبداً، هو مثل مضحك، وفي الحقيقة الذي يختار الدنيا، يختار زينة الدنيا، يختار بيت فخم من الحرام طبعاً، يختار تجارة ببضائعه محرمة، يختار أن يأكل مال الناس بالباطل، هذا أختار أقل ما في الدنيا، وضيع الجوهرة، ضيع الآخرة، لذلك أشد الناس شعور بالألم عند الموت، الذي خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة،

 

﴿ الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ﴾

 

( سورة الزمر: 15 )

 هذا الذي خسر نفسه وخسر الآخرة هو الخاسر الأكبر، بس متى يعرف هذا، الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، حينما يكشف الغطاء،

 

﴿ فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ﴾

 

( سورة ق: 22 )

 يعني إذا إنسان بساعة غفلة، بساعة غيبوبة، إنسان وقعه على ورقة بيضة، وكتب فيها عقد بيع بيت حقه خمسين مليون، بخمسة آلاف، ثم صح، ثم أدرك أنه ضيع شيء ثمين، بثمن بخس، ألا يشعر أن الألم يعتصر قلبه ؟ هذا الذي يضيع الآخرة بعرض من الدنيا قليل.
فيا أيها الأخوة الكرام:

 

﴿ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ﴾

 أما تبارك الخير الكثير، في حديث لرسول الله عليه الصلاة والسلام: استقيموا ولن تحصوا، استقيموا ولن تحصوا الخيرات، خيرات مادية، خيرات معنوية، خيرات نفسية، خيرات اجتماعية، خيرات علمية، خيرات مالية، فاستقيموا ولن تحصوا.
لأن ربنا عز وجل: تبارك اسم ربك، الخير كله من الله، والشر ليس إليك يا رب، الخير كله منك، والشر ليس إليك، هذه عقيدة المسلم، ختمت بها هذه السورة الكريمة، سورة الرحمن في قوله تعالى:

 

 

﴿ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ﴾

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

 

تحميل النص

إخفاء الصور