وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة ق - تفسير الآية 16 رأس مالك قلبك السليم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السادسة عشرة من سورة ق، وهي قوله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾

[سورة ق]

 الإنسان حينما يعلم أنَّ الله يعْلَم استقامَ على أمْره، وإن استقامَ على أمرهِ سَعِدَ بِقُربِهِ في الدنيا والآخرة، يُمكن أن يُضْغط الدِّين كلَّه في هذه الآية، إذا علمتَ أن الله يعلم استقمتَ على أمره، و إن استقمت على أمره صار الطريق سالكا إليه، و اقتربتَ منه و سعدتَ في الدنيا و الآخرة.
يؤكِّد هذا المعنى قولُه تعالى:

 

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12)﴾

 

[سورة الطلاق]

 دقِّقوا في لام التعليل في قوله "لتعلموا " إذا علمتَ أن الله أحاط بكلِّ شيء علما و أن الله على كلِّ شيء قدير لا يمكن إلا أن تطيعه، و الذي لا يطيعه عنده خللٌ إما في يقينه أن الله يعلم أو في يقينه أن الله يقدر فإما أن يكون هناك خللٌ في اليقين أن الله يعلم أو أن الله يقدر أو لا يقدر أما إذا تيقّنتَ أن الله يعلم و يقدر، فعلمُه يطولك و قدرتُه تطولُك، و هو محيطٌ بك علما و أنت في قبضته لا يمكن أن تعصيه، يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾

 

[سورة ق]

خواطره و دوافعه الخفيَّة و أهدافه البعيدة، و صراعاته الداخلية و بواعثه النفسية، و خططه الضمنية التي يكتمها عن أقرب الناس إليه.
 أحيانا يسافر الإنسان إلى بلد أجنبي و يتزوَّج زواجا شرعيا، بوليٍّ و مهر و شاهدي عدل، و في نيته أنه حينما تنتهي دراستُه يطلِّقها، وليس في الكون كلِّه من يكشف هذه الحقيقة إلا الله، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾

[سورة ق]

 أنت مكشوف، ومن تزوّج امرأةً على صداقٍ، وفي نيَّتِهِ أن لا يؤدِّيَهُ لها لَفِيَ الله زانيًا، ومن أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدّى الله عنه، فمُشكلة المسلم أنَّه إن أيْقَنَ أنّ الله يعلم استقام، هذا هو مفتاح التشغيل، فالدِّين مفتاح تشغيله هي الاستقامة، والباقي على الله تعالى فأنت حينما تستقيم تُصلي، وإن صلَّيت اقتربْت من الله تعالى، ووفَّقك الله عز وجا، ورزقَكَ رزْقًا حلالاً، وحينما تكون طاهرًا، وعفيفًا ومُتّبعًا لِمَنهج الله تعالى انتهى كلّ شيء، فالدِّين أبْسَط مِن أن يُفلْسف، وأبْسَط بِكَثير وهناك من وضَع كتب عقيدة كلّ درس يحتاج إلى ساعة ! فكتاب الله تعالى واضح ومبين، والدِّين كالهواء يجب أن يسْتنشِقه كلّ إنسان بِبَساطة، ومن دون تعقيدات، ومن دون أن تقف في الدَّور، وهذا لكلّ الناس، قال تعالى:

 

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾

 

[سورة ق]

 فلا يوجد جِهة بالكون يمكن أن تراك إن اطَّلعْت على جارتك وهي بالشُّرفة فحينما تغضّ بصرك عنها فالله وحده هو الذي يعلم عفَّتَك، فالإنسان أحيانًا يفكِّر بأشياء كلّها معاصي، وشرور ويظنّ أنَّه أمام الناس جيّد، أما الله عز وجل يعرفُكَ من الداخل، فالناس يعرفونك من الخارج ؛ أنيق ومُعطّر ومركبتك جيّدة، وأقمْتَ وليمة بِأذواق عاليَة ؛ هذا كلّه في الخارج، أما الله تعالى يعرفك من الداخل كيف تُفكِّر مع شريكك ؟ وكيف تُفكِّر في ترِكَة إخوتك ؟ وتكتب المحلّ باسمك ! فمن يعلم ذلك ؟ الله عز وجل يعرفك من الداخل، والناس يعرفونك من الخارج، لذلك يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: عبدي طهَّرت منْظر الخلق سنين، أفلا طهَّرت منظري ساعة ! فإذا كان بيتك غير منظَّف فهذه مشكلة، وإن كان سيارتك غير نظيفة فهذه مشكلة لأنّك إن لم تنظّف يتَّهمك العامّة أنَّك قذِر ! وتطهِّر منظرك الخارجي فأنت بهذا تطهِّر منظر الخلق ! ما هو منظر الله عز وجل ؟

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ * ))

[ رواه مسلم ]

 قال تعالى:

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾

 

[سورة الشعراء]

 أكبر رأس مال تمْلكُه أن يكون قلبك سليمًا ؛ لا يوجد غشّ ولا ضغينة ولا حسد، ولا بغض، ولا استِعلاء.
أيهاالإخوة الكرام، إذا علمتَ أنّ الله يعلم فهذا هو مِفتاح التشغيل كلّه، وإن علمتَ أنَّ الله يعلم اسْتقمْت على أمره، فإن استقمتَ على أمره سَعِدتَ بِقُربِهِ في الدنيا والآخرة، قال تعالى:

 

﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾

 

[سورة ق]

 قال تعالى:

 

﴿ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

 

[سورة الأنفال]

 أقرب شيءٍ إليك قلبَك، أحيانًا تأتيك خواطر داخليَّة، والله تعالى بينك وبين قلبِك، وقال تعالى

﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ(83)﴾

[سورة الواقعة]

 ميّت بين يديه فالابن يده على رأس والده، والابن الثاني على قلبه والثالث على نبضه قال تعالى:

 

﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾

 

[سورة ق]

 كلّهم يحيطون به، وخائفون أن يلفظ النَّفَس الأخير، قال: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تشعرون ! فالله عز وجل معك، قال تعالى:

 

﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)﴾

 

[سورة الحديد]

معك بِعِلمه، أما مع المؤمن بِتَوفيقه، ونصرِهِ، وتأييده وحِفظه، فالمعيَّة نوعان: عامَّة، وخاصَّة، فالمعِيَّة العامة، أنَّه تعالى معنا بعِلمه، والمعيَّة الخاصة، قال تعالى:

﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123)﴾

[سورة التوبة]

 معهم بِتَأييده، ومعهم بِحِفظه، ومعهم بِتَوفيه ونصرِهِ، فهذه الآية تكفي:

 

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾

 

[سورة ق]

تحميل النص

إخفاء الصور