وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 05 - سورة الحجرات - تفسير الآية 10 الإصلاح بين المؤمنين واجب ديني.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية العاشرة من سورة الحجرات، وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾

[سورة الحجرات]

 أوَّلاً: إنما تُفيد لا قصْر، والحصْر، والمؤمنون إخوة ؛ هذا تركيب اسمي فكُلُّكم يعلم أنَّ التركيب في اللغة العربيّة فِعْليّ أو اسمي، جملة إسميّة من مبتدأ وخبر، وجملة فعلية من فعل وفاعل، وكلاهما يعني شيئًا واحِدًا وهو الإسناد حضر خالد، أسْنَدنا الحُضور إلى خالد، فأساس اللُّغة إسناد وحُكْم فنحن حَكَمْنا على خالد بالحضور، ولولا الإسناد والحُكم فاللُّغة لا معنى لها لأنّ الدابة إذا رأتْ أنَّ الشمس غابَت تعود إلى اصْطَبْلِها ! الحيوانات تعرف الأشياء من دون أسماء، واللغة أساسها لا إسناد والحُكم، وأن تحْكم على شيءٍ بِشَيء، فالحُكم نوعان، والنقطة الدقيقة أنّ التركيب الاسمي أكثر ثباتًا ودَيْمومةً، والتركيب الفعلي طارئ ومُوقَّت، مثلاً خالد كريم ؛ هذا تركيب اسمي، أما دخل خالد فالدُّخول طارئ، فربنا سبحانه وتعالى جعل أُخوَّة المؤمنين أخوَّة ثابتةً ومستمرّة، وقال: إنما المؤمنون إخوة تركيب اسمي يُفيد الثبات والدَّيمومة، والتركيب الفعلي يُفيد الانقطاع والتَّوقيت.
 أوَّلاً: إنما المؤمنون إخوة، هناك علاقات كثيرة، وأخوَّة النَّسَب من أرقى العلاقات، فربُّنا سبحانه وتعالى رفَعَ علاقات المؤمنين بعضهم بِبَعض إلى علاقة حميمة جدًّا، وهي علاقة النَّسَب، فلو قال:إنما المؤمنون إخوانٌ فالإخوان هم الأصدقاء، أما الإخوة فهم من أب وأم، والمعنى الجديد أنَّه ما لم تشْعر بانتمائِك لا إلى فئةٍ خاصَّة، ولا إلى مجموعة خاصَّة، ولا إلى جماعة، فما لم تشعر بانتمائِكَ إلى مجموع المؤمنين في شتَّى أقطارهم وأصقاعِهم، فالذي يشْهد لا إله إلا الله هو أخوك في الإسلام، والذي يتوجَّه نحو القبلة ؛ هذا أخوك في الإسلام، والذي يؤمن بما تؤمن، ويعتقد بما تعتقد، ويُصلِّي كما تُصَلِّي، ويصوم كما تصوم ؛ هذا أخوك في الإسلام.
 إلا أنّ أمراضًا كثيرة دخَلت على المسلمين، صار الانتماء لا إلى مجموع المؤمنين، بل إلى جماعة خاصَّة، أو إلى فئة خاصَّة، فهذا الانتماء إلى مجموعة صغيرة يُفَتِّت مجموع المسلمين، ويُفتِّتهم، ويجعلهم يفْشَلون، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)﴾

 

(سورة الأنفال)


 فإنَّما تفيد القصر، والإخوة هي أُخوَّة النسب، وهي أرقى علاقة بين اثنين من أب وأم، والشيء الثالث أنَّه ينبغي أن يكون الانتماء لا إلى حلقة أو طائفة أو جماعة أو فئة أو طريقة بل إلى مجموع المؤمنين، فالأصل أنَّهم إخوة، فإن ظَهَر بينهم نِزاعٌ أو شِقاق أو خصومة، أو حسَد، أو تجاوُز فَمُهِمَّة كلّ مؤمن الأولى أن يُصْلِحَ بين أخوته المؤمنين، لذا قال عليه الصلاة والسلام: ليس مِنَّا من فرَّق، ويقول عليه الصلاة والسلام:

 

((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ * ))

 

[رواه أحمد]

 فالخصومة بين مؤمنين قد تودي بهما، وأن يُطْردا من حيِّز الإيمان وهناك حوادث كثيرة جدًّا، فَخُصومة أخ مع أخٍ في المسْجد فأحداهما يدع المسجد لذا المؤمن الصادق يحْرص على حُسن العلاقة بين المؤمنين حرْصًا لا حدود له، لذا كلّ شيءٍ يُقوِّي العلاقة أمر به النبي عليه الصلاة والسلام فهو أمرك أن تعود المريض وتهنئ أخاك وأمرَكَ أن تُعينه، وتنادِيَهُ بأحبِّ الأسماء إليه، وأمرك أن تعوده إذا مرض وأن تُهنِّئهُ إذا أصابتْه حسنة وأن تُعزّيَه إذا أصابتْه مصيبة، أو تُقْرضَهُ وإذا دعاك أن تُلَبِّيَهُ، وإذا اسْتقرضَكَ أن تقرضَهُ، وأمركَ أن لا تسْخر منه وأن لا تغتابَهُ، وأن لا توقِعَ بينه وبين إخوانه، فكلّ شيءٍ يُمَتِّن العلاقة بين المؤمنين أمرَ به النبي كأن تلقاهُ بِوَجه باشّ، وأن تُسَلِّم عليه، وقد كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يسيرون في طريق فإذا فرَّقَت بينهم شَجرة، بعد الشَّجرة يقول لأخيه: السلام عليكم ! فالسلام فيه مودَّة، أُريد أن أقول لكم: أيّ شيءٍ يُمَتِّن العلاقة بينك وبين أخيك أمرَكَ الله به، كأن تعوده إذا مرض، وأن تُعينَهُ إذا استعان بك، وأن تقرضَهُ إذا اسْتقرضَك، وأن تُحْسِن إليه وأن لا تغتابه.
 أضرب لك بعض الأمثلة، صحابيّ تخلَّف عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحدهم: والله يا رسول الله لقد شَغلهُ بستانه عن الجهاد معك !! فقام صحابيّ آخر وقال: لا، والله يا رسول الله ما نعلم عليه إلا خيرًا، وقد تخلَّف عنك أُناسٌ ما نحن بِأشدَّ حُبًّا لك منهم ولو علموا أنَّك تلقى عَدُوًّا ما تخلَّفوا عنك ! المؤمن يُدافع عن إخوته، وهذا رجل أراد أن يوقِعَ بين سيّدنا الصِّديق وسيّدنا عمر، فالفاروق رضي الله عنه أراد أن يأخذ رأي عمر في قضِيَّة: فرفضَ عمر هذه القضِيَّة، فقال هذا الرجل صاحب القضِيَّة: الخليفة أنت أم هو ؟! فقال: هو إذا شاء !! وسيّدنا الصِّديق يوم السقيفة قال لسيّدنا عمر: مُدَّ يدَك لأُبايعَك ! فقال: أنا أيُّ أرْضٍ تُقِلُّني، وأيُّ سماء تُظِلُّني، إن كنتُ أميرًا على قومٍ أنت فيهم فقال أبو بكر: أنت أقْوى مِنِّي يا عمر ! فقال عمر: وأنت أفضل مِنِّي فقال له عمر: قوَّتي إلى فضْلك، ويقول سيّدنا عمر: كنتَ سيْف رسول الله المسلول، وجِلْواذه، وخادمه، وتُوُفّيَ وهو عنِّي راضٍ، والحمد لله على ذلك كثيرًا، ثمّ كنتُ سيْف أبي بكر المسلول، وجِلواذهُ وخادِمَه، وتُوفّي عنِّي وهو راضٍ، وأنا بذلك أسْعَد !! لذا إذا عزَّ أخوك فَهُنْ أنت ! فإذا تكلَّم أخوكَ مثلا فاسْمع وأنصِت، ولا تقل: أيتكلَّم وحده ؟!! إذا عزَّ أخوك فَهُنْ أنت ! لذا نحن تنقصنا روح التعاون، وإنقاص الذات، وينقصنا أن نُغلِّب مصلحة المسلمين على مصلحتنا الفردِيَّة، وينقصنا أن نحمِل هموم المسلمين، وينقصنا أن نكون في خدمة بعضنا بعضًا، وينقصنا أن لا نفرِّق بين اثنين، قال تعالى:

 

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)﴾

 

[سورة الأنفال]

أيها الإخوة، بالسَّلام، وبالاعتِذار، وبالابتسامة تُحلّ كلّ المشكلات فإن أخْطأتَ فَكُن جريئًا، وكُن بطلاً، وقل: أنا أخطأت ! فهذه كلمة تُذيبُ الصَّخر ! إذ هناك مَن لا يعترف بِخَطئِهِ أبدًا ويركبُ رأسَهُ.
 أيها الإخوة، خُصومة طويلة وعريضة قد تنتهي بِتَفجير مواقف، وتذوب هذه الخصومة بِكَلمة اعتِذار، وطِّن نفْسك أن تعتذِر، ولو كان طفلاً صغيرًا، وَطِّن نفْسَكَ أن تعتذِر لِزَوجتك، فأنت قد تخطئ، ما عليك إلا أن تطلب منها الاعتذار، مرَّة أخطأ معي شَخص، فجاء وطلب منّي الاعتذار، والله لم أستطِع أن أتكلَّك ولا كلمة ! فالاعتذار والابتسامة والعيادة والهديَّة، وأن تُلبِّي دَعوتهُ، يقول عليه الصلاة والسلام

(( لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ *))

[رواه البخاري]

 مكان بعيد لأجاب، إذًا الله تعالى يقول:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾

 

[سورة الحجرات]

 مهمَّتنا جميعًا أن نُقرِّب وِجهات النَّظر ولك أن تكذب في هذه المهمّة، فالنمام لا يدخل الجنَّة، ولو نقل كلامًا صحيحًا.
الملخَّص أمْتنُ علاقة بين اثنين على الإطلاق علاقة المؤمنين بعضهم بِبَعض والشيء الثاني، يجب أن تنتمي إلى مجموع المؤمنين، يؤيِّد ذلك قوله تعالى:

 

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(215)﴾

 

[سورة الشعراء]

 وفي آية أخرى :

 

﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ(88)﴾

 

[سورة الحجر]

 هذه عامَّة، ولو لم يتَّبِعك والشيء الثالث أنّ مهمَّتنا الأولى الإصلاح بين المؤمنين، وقدِّم وسائل يلتقي بها الناس هذا إذا أردت أن تؤثر مصالح المؤمنين على مصالحك الشَّخصيَّة وحملْت هموم المؤمنين، حينها نكون إخوة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور