وضع داكن
18-04-2024
Logo
الربا - الدرس : 15 - العرف وما تعارف عليه الناس.
  • الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
  • /
  • ٠2الربا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

تمهيد.

 أيها الأخوة الكرام؛ أعيد وأكرر مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان ومكان.
أن يسلم وأن يسعد.
 لا يسلم إلا باتباع منهج الله، ولا يسعد إلا بالقرب من الله، قال تعالى:

 

﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[ سورة الرعد الآية: 28]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾

[ سورة فصلت الآية: 30]

 تسلم باتباع المنهج، وتسعد بالقــرب من الله، وسيلة القرب من الله، العمل الصالح قال تعالى:

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾

[ سورة الكهف الآية: 110]

 هذه الجمل هي خلاصة خلاصة الخلاصة، السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان ومكان، تسلم باتباع المنهــج وتسعد بالقرب من الله، وأداة القرب العمل الصالح.

 

طلب العلم فريضة.

 وبعد، فمن أجل أن تعرف هذه الحقائق لابد من طلب العلم، طلب العلم هو الحاجة العليا عند الإنسان، يؤكد الإنسان إنسانيته بطلب العلــــم.
 في الدرس الماضي تحدثت عن بيع التقسيط، وفي الدرس قبل الماضي بينت مقدمةً لهذا الدرس، ووجدت من المناسب أن يكون محور هذا الدرس إجابة عن سؤال يسأله كل الناس.
 يا أخي الناس كلهم هكذا!
 الناس جميعاً هكذا يفعلون!
 وهل كل الناس على خطأ؟!
 يتوهم المسلم غير طالب العلم، يتوهم المسلم الذي لم يتحقق، الذي لم يتعلم، الذي لم يطلب العلم، يتوهم أن ما يفعله الناس هو الصحيح، وغاب عنه قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 116]

 لذلك الإجابة عن هذا السؤال الذي يلقيه كل إنسان.
 يا أخي الناس كلهم هكذا!
 هل كل الناس غلطوا؟!
 وأنتم وحدكم تعرفون؟!
 لا يجرؤ إنسان كائناً من كان أن يقول في الدين برأيه، ولا حتى الصحابة، الدين توقيفي من عند الله، النبي عليه الصلاة والسلام قال كما علمه الله سبحانه، قال تعالى:

﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 50]

 بكل قضيةٍ هناك رأي شخصي إلا بالدين، في كل قضية يوجد توجه، تصور، رأي، نزعة، هذا في أمور الدنيا، أما في الدين فهو وحي من السماء، حقاً الدين وحي من السماء، الدين توقيفي، الدين نقل، والعقل لفهم النقل، لا للتحكم بالنقل، لا لإلغاء النقل، لا فَلَيُّ عنق النص ليوافق مصالحنا فهذا ليس من الدين في شيء، لذلك محور هذا اللقاء وبالله التوفيق.

 

مفهوم العرف.

 هذا العرف الذي يحتج به معظم المسلمون، هكذا تعارف الناس، هكذا ألفنا، هكذا وجدنا أهل السوق، هكذا وجدنا آباءنا.
 العرف بالتعريف الدقيق: ما اعتاده الناس، هل اعتاد الناس أنك إذا ألقيت إنساناً في النار لا تحرقه النار، النار تحرق عادةً، أما عقلاً يمكن أن يبطل الله مفعولها، قال تعالى:

﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾

[ سورة الأنبياء الآية: 69]

 يجب أن نفرق بين ما هو مألوف وبين ما هو ممكن، فالعرف عادةً ما اعتاده الناس، وما ألفوه، وما تواضعــوا عليه في شؤون حياتهم حتى أنسوا به، واطمأنوا إليه، وأصبح الأمر معروفاً سواء كان عرفاً قولياً، أو عـرفاً عملياً، أو عرفاً عاماً، أو عرفاً خاصاً، أي ما استقر في النفس من جهة العقول وتلقته الطباع بالقبول، هذا العرف:
 ما تعارف الناس عليه، ما ألفه الناس، ما تواضع عليه الناس.
 هناك أعراف قولية، هناك أعراف عملية، هناك أعراف عامة، هناك أعراف خاصة.

 

الأعراف القولية.

 من الأعراف القولية أنك إذا قلت: أكلت لحماً.
 المقصود: لحماً غير السمك.
 فلو أن إنساناً حلف يمين طلاق على ألا يذوق لحماً وأكل سمكاً لا يحنث بيمينه، لأن كلمة اللحم عرفاً لحم ضأن، أما لغةً فالسمك لحم قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً﴾

[ سورة النحل الآية: 14]

 لغةً السمك لحم أما عرفاً فلا، إذا رجل سألك ماذا تغذيت؟ تقول لـه: سمكاً ولا تقول لحماً، ماذا أكلتم البارحة؟ لحماً، يعني لحم ضأن أو لحم بقر، العرف القولي أن كلمة لـحم تعارف الناس على أنها تعني لحم الضأن، وكلمة سمك لها معنى آخر، هذا يتعلـق بالبيوع بالطلاق، فالعرف يؤخــذ به في موضوع الأيمان، مثلاً كلمة: ولد، تعني ذكر أما في اللغة قال تعالى :

﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾

[ سورة البقرة الآية: 233]

 الولد في اللغة ذكر أو أنثى، أما في العرف الولد ذكر فقط، إذاً في موضوع الأيمان يؤخذ بالعرف، هذه أعراف قوليـة.

 

الأعراف العملية.

 يوجد عندنا أعراف عملية، إنسان يسير في الطريق والحر شديد، وبائع يبيــــع عرق سوس والكؤوس ملأى وموضوعة على الطاولة، يمسك بكأس يشربها ويضع ليرتين ويمشي، لا يقول له أتبيعني هذا الكأس بليرتين، يقول له: وأنا قد قبلت، ما وردت إطلاقاً، هذا بيع المعاطاة، يعني ألفنا الأشـياء الخسيسة، قضية كأس شـراب، كأس عصير، لا تحتاج لا إلى إيجـاب ولا إلى قبول، تشـرب هذه الكأس وتدفـع الثمن وأنت ساكت فهذا عرف عملي.

الأعراف العامة والخاصة.

 وبعد عندنا عرف عام، وعندنا عرف خاص.
 العرف العام يطبق في كل البلاد، والعرف الخاص في بعض البلاد.
 دعيـت إلى مؤتمـر في المغـرب، في المطار حذروني إياك أن تقول الله يعطيك العافية، لأن هذه معناها هناك: الله يدمرك، أعوذ بالله منعونا أن نقول هذه الكلمة.
 في بلدة في شمال إفريقيا، يعني إذا إنسان عالم كبير وباحث كبير وله باع طويل في التأليف اسمه نكاشة، هذه عندنا غير مقبولة، النكَّاشة الكبير، بينما عندنا غير واردة، هذا عرف خاص، يعني نكش مثل بحث، ولكن عندنا النكاشة للبابور، أما هناك عالم كبير.
 أممكن لخليفة أن يقف أمامه شاعر كبير ويمدحه ويقول له أنت جرثومة؟ والله يقطع رأسه، كلمة جرثومة يوم قيلت لخليفة كانت تعني أصل الشيء، قال له: أنت جرثومة الدين والإسلام والحسب، أبو تمام للمعتصم، كلمـة عصابة الآن أعوذ بالله، قال عليه الصـلاة والسلام: إن تهـلك أيتها العصابة فلن تعبد بعد اليوم، النبي سمّى أصحابه عصابة، عصبة خير، وفي اسم قديم لهيئة أكل حقوق الأمم عفواً لهيئة الأمم، هناك إنسان سماها هيئة أكل حقوق الأمم، كان اسمها عصبة الأمم.
 إذاً: عندنا عرف خاص، وعرف عام، وكل بلد له كلمات، وله تقاليد، وله أعراف، هذا الشيء لا غبار عليه ولا يقدم ولا يؤخر.

 

لكن يوجد نقطة دقيقة جداً ما الفرق بين العــرف والإجمـاع؟

 عندنا قرآن، وسنة، وإجماع، وقياس، الإجمـاع شيء والعرف شيء آخر، الإجماع العلماء الكبار، المجتهدون النخبة اتفقوا على شيء هذا اسمه إجماع أجمعت الأمة أي أجمع علماء الأمة، أحياناً تعقد مؤتمــرات فقهية يتخذ فيها قرار بالإجماع، ويوجد عندنا إجماع سكوتي، إنسان ألف كتاباً ونشره، ما أحد اعترض عليه، ولا أحد رد عليه، معنى هذا أنه صار عليه إجماع سكوتي، أما إذا ألف كتاباً، وألف قراءات معاصرة ورد عليه ألف إنسان وسفهوه بمعنى أن هذا الكلام فيه غلط، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ))

[أخرجه ابن ماجه]

 لذلك قال علماء العقيدة النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، وأمته معصومـة بمجموعها، فإذا كنت مع الجماعـة لا تغلط بل تسأل وتأخذ الجواب الصحيح، تلتقي مع أخيك تراه يغض بصـره، تلتقي مع أخيك تراه يتعفف عن شيء لا يرضي الله، تتعلم منه أشياء كثيرة، الإنسان إذا عاش وحده أو ترك الجماعة ينصّب نفسه مفتياً، يقول لك انظـر إلى هذه لا شيء عليها أقنعنـي بها، إلى درجة والله، هكذا قال، ولعله كاذب أو صـادق ما أدري قال لي: هل الله حرم الخمر، هات لي آية أن الخمر حرام، قلت له أعوذ بالله ما هذا الكلام، قلت له: فاجتنبوه أشد أنواع التحريم، قال تعالى:

﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾

[ سورة الحج الآية: 30]

 هل هناك من ذنب أكبر من أن تعبد صنماً؟ جاء التحريم.

﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾

 يعني أبقِ بينك وبينه هامشَ أمانٍ، هكذا.
 إذاً:
 الإجماع ما اجتمع عليه علماء الأمة.
 أما العرف ما تواضع عليه الناس جميعاً.
 هؤلاء يُسَمَّون حديثاً: الخط العريض في المجتمع يعني الدهماء، سوقة الناس، وهناك حالياً أعراف وتقاليد ما أنزل الله بهـا من سلطان يفعلها معظم الناس، الدليل: اذهب إلى قمـة قاسيون وألق نظــرة على الناس هناك ترَ ما تعارف عليه الناس، كيف يمضـون سهراتهم، القـضية سهلة جداً، أعراس الناس، الاختلاط يجب علــى العريس أن ينصمــد أمام عدد كبير من النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات وإلا فهو أعور، أعوذ بالله، هذا عرف، آلاف الأعراف ما أنزل الله بها من سلطان لا أصل لها.

 

السؤال الدقيق الذي يطالعنا الآن ما علاقة الإسلام بالأعراف والتقاليد؟

 كلام دقيق، الإسلام أقر من الأعراف ما كان صالحاً وتلاءم مع مقاصده ومبادئه ورفض من الأعراف ما ليس كذلك، أو أدخل علـى بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات، فهناك أعراف رفضها، كان في الجاهليــة عرف: أن يأتي الأب بابنته التي هي كالوردة فيلقيها في حفرة ويهيل عليها التراب، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾

[ سورة التكوير الآيات: 8-9]

 وكان من أعراف الجاهلية أن ترى امرأة لها عشرة أزواج، أجل، تعدد الرجال بالجاهلية كان موجوداً، وكان في عشرات الأنواع من الزواج الباطل هذا كان في الجاهلية، على كل الإسلام رفض بعض الأعراف وقبل بعضها وصحح بعضها الآخر، والأصل الإسلام، الأصل منهج الله، وعند المؤمنين الصادقيــن هناك عرف: يجب أول يومٍ من العيد أن يجتمــع الأولاد عند أمهم، هذا شيء طيب بارك الله بهم، هذا يتوافق مع مقاصد الشريعة في بر الوالدين، وهناك عشرات الأعراف التي أقرها الإسلام حلف الفضول كان في الجاهلية والـنبي باركه، قال: لو دعيت إلى حلف مثله للَّبيت، وبارك هذا الحلف، حلف لإقامة العدل ونصرة المظلوم.
 فالإسلام أقر بعض الأعراف وألغى بعضها وعدل بعضها الآخر، فالأصل هو الشرع فما وافق الشرع قبلناه وما حاد عنه قليلاً صححناه وما ناقضه رفضناه ولو كان عرفاً يسري في الأمة جميعها، هذا أهم ما في الدرس، والأصل هو الشرع، أهم ما في الدرس هذه الكلمات: ما وافق الشرع من الأعراف والتقاليد قبلناه على العين والرأس وما حاد عنه قليلاً صححناه وما ناقضة رفضناه ولو كان عرفاً يسري في الأمة جميعاً، هذا شأن المؤمن.
 حالياً عندنا بالنسبة للإنسـان ثوابـت غـطاها الإسـلام بالنصوص القطعية ومتغيرات إن لم يأتِ بها نص صريح فالمرجع في هذه المتغيرات العرف، إليكم شرح ذلك، قال تعالى:

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[ سورة البقرة الآية: 233]

 كم نعطــي هذه المرضعة؟ كم أجرها؟ ألف، عشرة آلاف، مائة ألف، خمسمائة ليرة، ليرة، من يحدد هذا المبلغ؟ العرف، هذه الآية القرآنية تركت تحديد الأجر إلى العرف، آية ثانية، قال تعالى:

﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾

[ سورة البقرة الآية: 241]

 ما قيمة هذه المتعــة للمطلقة؟ يحددها العرف. لذلك فالقرآن الكريم لو حدد تحديداً جامداً، وتحديداً صارماً لهلك الناس، لو قال القرآن الكريم خمس دراهم لهلك الناس، يعنــي لنا أخوان تزوجوا بالستينات، كان المتأخر ألفين والمتقدم ثلاثة، مبلغ جيد يساوي ثمن بيت، بالستينات كان البيت ثمنه إذا كان ملحقاً أو قبواً ستة آلاف ليرة، كعرف: فمهـر هذه المرأة يساوي ثمن بيت، يأتي إنسان متزوج بالستينات يقول لها سوف أعطيك ألفين هل لكِ عندي شيء؟ ماذا ألفين؟ لا يكفيها هذا المبلغ يومين فاختلف الأمر فالقرآن لعظمة هذا التشريع لم يحدد المبلغ بل تركه للعرف.
 رجل نام فرأى في المنام شيئاً مسعداً كان راتبه خمسة آلاف فرأى في المنام أن راتبه مليون، أصابه فرح في المنام يفوق حد الخيال، ثم في المنام طرق الباب فجاء عامل البريد معه فاتورة الهاتف بسبع مائة وخمسين ألفاً فما استفاد شيئاً.
 طبيب أسنان جاءه إنسان من الريف فصنع له بدلة، هذا الريفي عنده سمن وغنم، وكان قد أحضر معه صفيحة سمن كبيرة من النوع البلدي، قال له ماشي الحال، واعتبر هذا الطبيب هذه الصفيحة مقابل بدلة الأسنان، ثم شاءت الأقدار أن يمتد به العمر إلى ما بعد خمس وعشرين سنة، فهذه البدلــة تلفت وجاء إلى الطبيب نفسه فقال له اصنع لي بدلة جديدة فقال له ستة آلاف فخرج هذا الريفي من جلده، وقال له هل معقول؟ فقال له الطبيب أعطني صفيحة سمنة مرة ثانية وأنا أقبل، فالأعراف هكذا والأسعار اختلفت.
 القرآن الكريم ما حدد مبلغاً بل ترك الأشياء المتغيرة للأعراف، انظر عظمة التشريع، هناك أشياء دقيقة في التشريع قد لا ننتبه لها فالله عز وجل حرم الخمر وبين رسوله علة التحريم وهي الإسكار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ))

[ أخرجه مسلم ـ أبي داود ـ ابن ماجة ـ النسائي ـ أحمد ـ الدارمي]

 لأن الله يعلم أن سيكون بعد حين آلاف المشروبات كلها خمر، ولكن ليس اسمَها خمر، ابتكروا مائة اسم للخمر، لو أنه حرم الخمر من دون تعليل لكان فقط نوع واحد محرم وألف نوع مباح، فلما جاء بالعلة صار كل مسكر حرام، دخل فيه الهيروين، المخدرات، لأنها تؤدي مفعول الخمر بل وأكثر، لأنه سوف يكون مخدرات، أنواع من المشروبات، أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، فالعلة التي ذكرها الحديث حسمت الأمر.
 ذات مرة كنت في مؤتمر والأمور ماعت جداً، فقلت لهم إذا كان الأمر كذلك فهناك قيم روحية، وهناك مشروبات روحية فهل يكون الأمر سواءً؟ يعني حين تميع الأمور جداً فقد يكــون من الممكن ذات يوم مئات المشروبات كلها خمر فجاءت علة التحريم وهي الإسكار لتحسم الخلاف والتمادي، لهذا قال عليــه الصلاة والسلام:

(( كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ))

 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( ما أَسْكَرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرام))

[ أخرجه الترمذي وأبو داود]

 ما أسكر كثيره فملء الفم منه حرام، ما أسكر كثيره فالقطرة منه حرام، لكن الخنزير حُرم من دون تعليل، فلن يكون هناك خنازير أخرى في آخر الزمان، خنزير واحد لا يوجد غيره، طبعاً هناك إنسان مثل الخنزير هذا موضوع ثان، أما في الأصل خنزير واحد، ولا توجد حيوانات سوف تصبح خنازير، والخنزير واحد، فما جاء مع التحريم علة تبين تحريم لحم الخنزير.

 

العرف ما تعارف عليه الناس.

 عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا))

[ أخرجه مسلم ـ الترمذي ـ النسائي ـ أبي داود ـ أحمد ـ الدارمي]

 ما حدود التفرق؟؟؟
 يا ترى إذا خرج من المحل، أو طرح موضوع آخر، أو ركب سيارته، أو سلم عليه.
 فالنبي قال:

(( مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا))

 أما تحديد مفهوم التفرق ترك للعرف فكل عصر له ظروفه أحياناً يكون اتصال هاتفـي، انقطع الاتصال وصار إيجاب وقبول بالهاتف، أو أغلق السماعة، فما كان من ذكر للهـاتف، لأنه سيكون.
 الآن خيار مجلس، المهم هناك تفـرق، يا ترى التفرق بخروج الإنسان من المحل، وإما بطرح موضوع جديد، أو بدخول إنسان آخر، أو بطرح صفقة جديدة، أو بانقطاع الاتصال الهاتفي، هذا أيضاً ترك للعرف.
 عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ مِنْهَا يَعْنِي أَجْرًا وَمَا أَكَلَتِ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ))

[ أخرجه مسلم ـ الترمذي ـ الدارمي]

 الإحياء كيف يكون، ببناء سور، بحفر بئر، بزرع نبات، بإشادة بناء، من يحدد إحياء الأرض كيف يكـون؟ العرف، كل عصر له ترتيـب.
 الآن: لو أن إنساناً وضـع على قارعة الطريق حاجـة وإنسان أخذها ومشى هل تقطع يده كسارق، قال العلمــاء:
 لابد من أن تكون في حرز.
 كنت مرة في منطقة اصطياف، وإنسان وضع على الطـريق برميل ماء، وضعه والشيء الذي يفهم من ذلك أنه لا يريده، وضعه على قارعة الطريق، فجاء إنسان حمله ومشى، أقام عليه شكوى في المخفر وأحضروه، لدى الناس جهل كبير، لما أنت تضع شيئاً على قارعة الطريق وكأنك استغنيت عنه، فإذا إنسان حمله لا يعد سارقاً، ليس في حرز، ما هو الحرز؟ أيضاً مفهوم الحرز ترك للعرف.
 في زماننا: إنسان يشتري بيتاً بمائة مليون ودفع الثمن، كيف يتم قبض البيت؟ البيت لا يقبض باليد، قديماً قبل مائة عام يتم قبض البيت بإعطاء المفتاح وما كان هناك طابو، الآن فهل تقبل أن تشتـري بيتاً على المفتاح؟ قد يكون عنده خمسون مفتاحاً لهذا البيت، هذه الأيام لا تقبل إلا بالسجل العقـاري، هذا هو القبض، عندما يسمع قاضي السجل العقاري الإقرار والقبول وأنك قبضت الثمن ويقول قبضت الثمن يوافق القاضي على إجراءات البيع بعد عدة أيام يأخذ ورقة التمليك الحقيقية.
 ابن مسعود يقول: ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، هذا هو العرف، المسلمون وليس الفسقة منهم، وقال بعض العلماء: إن العادة مُحَكَّمَةٌ في أمور كثيرة.
 أحد طلاب العلم الضعفاء في اللغة قرأ إن العادة مَحْكَمَة، ما كان يفهم كيف يشرحها، العادة مُحَكَّمَةٌ في أمور كثيرة، المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
 اشتريت بيتاً وبعد أن اشتريته ودفعت الثمن جئت إلى البيت فوجدت أنه ليس للنوافذ منجور، كان هناك على النوافذ منجور فنزعت جميعها، نوافذ ألمنيوم غالية الثمن ففكها، يقول له: هل أنت قلت لي أنك تريـد نوافذ معه، ما هذا الكلام؟ عُرف البيت مع النوافذ، قد يختلفون على المكيف، لا. فالمكيف لا علاقة له بالبيت، يختلفون علـى الهاتف، أما علـى الأبواب فلا يختلفون، بيـت مع أبواب، بيت مع نوافذ، بـيت مـع أباجورات، فالمعروف عُرفـاً كالمشروط شرطاً.
 وقيل التعيين بالعرف كالتعيين بالنص، والممتنع عادةً كالممتنع حقيقةً، هذا كله عن علاقة الأعراف والتقاليد بهذا الفرع العظيم والعلماء قالوا:
 والعرف بالشرع له اعتبار لذا عليه الشرع قد يدار
 أيها الأخوة؛ رعاية الأعراف والتقاليد نوع من أنواع رعاية مصالح المسلمين لأن الشريعة كما تعلمون مصلحـة كلها، رحمـة كلها، حكمة كلها، وأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة، ومن العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى خلافها، فليست من الشريعة في شيء، ولو أدخلت عليها ألف تأويل وتأويل.
الآن من مصالح الشريعة المعتبرة أن يقر الإسلام مصلحة المسلمين فيما لا يتعارض مع الشرع، قال تعالى:

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية: 185]

 في زماننا هذا الناس اتفق الناس على أن المهر متقدم ومتأخر، هذا ليس من الشرع هذا من العرف، لكن المقدم مائة ألف ولا يملكها العريس يُكتب المقدم مائة ألف غير مقبوضة دين في ذمتي، لا يوجد مشكلة ما دام المسلمين وجدوا هذه مصلحة لهم وفيها تيسير للزواج وحفظ حقوق للزوجة، جمعنا بين حفظ الحقوق وبين تيسير الزواج فجعلنا بعض المهر مؤخراً يدفع على التراخي، يقول لك المعجل والمؤجل، هذا ليس من الشرع ولكن من العرف الذي قبله الشرع.
 عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ))

[ أخرجه الترمذي ـ النسائي ـ أبي داود ـ ابن ماجة ـ أحمد]

 هذا أصل في الشرع، الشرع يدور مع التيسير من دون أن يتناقض مع الأمر الإلهي.
 وبعد فهذا كلام دقيـق: العرف يعتبـر ويعتد به إن لم يخالف نصاً ثابتاً أو إجماعاً يقينياً، أو إن لم يكـن من ورائه ضرر خالص أو راجح، أما العرف المصادم للنصوص الذي يحل حراماً، أو يبطل واجباً، أو يقر بـدعةً في دين الله، أو يشيع فساداً، أو ضرراً في دنيا الناس فلا اعتبار له إطلاقاً ولا يجوز أن يراعى في تقنين أو فتوى أو قضاء.
 هذا أيضاً كلام دقيق هو صلب ما في الدرس، إذا وافق العرف الشرع على العين والرأس وإن صادم نصاً شرعياً نركله بقدمنا، والحقيقة المؤلمة ومع الأسف الشديد هناك عشرات الأعراف في بيوت المسلمين ليست من الشرع، الاختلاط منها، وإذا الشاب له انتماء لمسجد أراد أن يقيم أمر الله في بيته يقوم عليه الناس ولا يراعونه أبداً بل يقولون له: لا تُفرّقْ العائلة، هكذا ربينا، هكذا نشأنا.
 يقولون هذا عندنا غير جائزٍ فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ
 من أنت؟ أنت مشرّع، معك وحي؟ مجتهد، من أنت؟ إنسان عادي، هكذا ربينا، هكذا ربانا والدنا، قال تعالى:

﴿ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية: 170]

الأعراف التي تسبب فساد.

 يعني: أمثلة كثيرة، أكبر أعراف المجتمع الإسلامي التي تسبب فساداً كبيراً الاختلاط، حدثني أخ:
 أقرباؤه ذهبوا إلى الساحل مجموعات وكانوا في تكشف، وتفلت، قال لي: ثلاثة طلاقات بعد هذه النزهة، كل واحد تعلق بزوجة الثاني، صار نظر وامتلأت العيون من الحـرام وصار اسـتلطاف، ونفـور نحـوه من زوجته، الاختلاط أكبر الأعراف التي ينبغي أن نحاربها، لأنه مظنة وسبب لفساد كبير.
من الأعراف مثلاً، احتفالات المسلمين في أعراسهم، ودخول العريس على النساء المدعــوات، بيوتات مسلمـة يحضـرون في المساجـد يصلـون، ثم في الأعراس تتكشف نسائهم.
 أو أن معملاً يجب أن يصنع دعاية يحضر نساء كاسيات عاريات ويعرضهن لترويج بضاعة ولا ينتبه أنه مسلم.
 يقول لك المبيعات ارتفعت، ولكن أذهبتَ آخرتــك.
 أكلُ الربا أصبح من الأعراف يقول لك: هل من المعقول أن أجمد أموالي؟ لا تجمدها، جُمدت أنت معها.
 أزياء النساء اللواتي يخطرن بها في الأسواق، يقولون: هكذا الموضة، من الذي قال ذلك؟ يعني كأن الموضة آلهة أخرى، عند كثيرين خوف شديد من أن نخرج على المألـوف، المألوف منحـرف، لذلك العظماء هم يقودون البيئة ولا تقودهم البيئة، العظماء يغيرون في البيئة ولا يتأثرون بالبيئة، لا يتأثر بالبيئة إلا الرعاع.
 يا بني الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق فاحذر يا كميل أن تكون منهم.
 والله حدثني أخ يعمل في شركة طيران، فإحدى شركات الطيران في المغرب العربي لا أعرف يا ترى مغرب، أو جزائر، أو تونس، لا أعرف وكانت تُقِل رحلة حجاج، تعطلـت في تونس فأكثر الحجاج والحاجات سبحـوا في البحر لتمضية الوقت باختلاط.
 ما قولك فالسباحة عرف، نساء ورجال يسبحون في البحر وأنتم حجاج أيضاً!.
 لأن الحاج إذا حج بمال حرام ناداه منادٍ إذا قال لبيك اللهم لبيك يقال له: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، إذا كان في المال شبهة فكيف إذا كانت معصية قائمة، في الحج ترى نساء بعد طواف الإفاضة وقد ترى المرأة نصف عارية تقريباً، كيف كنتِ حاجة؟ الأمور هكذا.
 العرف يجب أن ُيَحّجم، يجب أن ننظر إلى أن هذا العرف إذا صادم نصاً يجب أن نركله بأقدامنا أما إذا توافق مع نص فلا مانع من الأحذية.
 الحقيقة: العرف مرجع في حالة دقيقة وهي: كل ما ورد به الشرع مطلقاً ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف.
 أيها الأخوة؛ أختم هذا الدرس بحديث شريف وقد يفهم فهماً بعيداً عن تصوركم، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ))

[ أخرجه أبي داود ـ أحمد ـ ابن ماجة ـ مالك]

 من أدق معاني هذا الحديث يعني إذا لم تستحِ من الله في هذا العمل فاصنع ما تشاء، لا تعبأ بالناس، تقول له زوجته ازنِ كل يوم بواحدة لكن لا تتزوج عليّ، الـعرف: أنه ممنـوع أن تتزوج امرأة ثانية، هذه كبيـرة، والزنا لا يوجد به مشكلة، حينما نخاف من العرف ونعصي الله فنحن في أدنى درجة وفي أبعد ما نكون عن الدين العرف مقبول إذا وافق النص الشرعي ومرفوض إذا صادم نصاً شرعياً، إذا لم تستحِ من الله فافعل ما تشاء.
 لو فرضنـا حالات نادرة، وأنا لا أشجع على ذلك لأن الإنسان بواحـدة لا يخلص لكن لو فرضنا أن إنساناً زوجته مريضة مرضاً شديداً ولا تصلح كزوجة أبداً، صار غير محصن هل نسمح له أن ينحرف أم يتزوج؟ لا. بل نسمح له أن يتزوج، امرأة لا تنجب يطلقها؟ لا، لا تطلقها. عاملها كزوجة محترمة إلى أعلى درجة، لكن إذا كنت بحاجة ماسة إلى ولد فهذا من حقك أن تتزوج، الله عز وجل سمح بالتعدد واشترط فيه العـدل، والإنسان لا يُقبل على هذا ويطبق العدل التام بالتعدد إلا إذا كان مضطراً بمرض أو مشكلة إلى آخره.
 حالياً هناك أعراف تصـادم نصوصاً شرعية، والناس يخضعـون للعرف ولا يخضعون للشرع، الدرس كما أنتظر هو جواب لسؤال الناس كلهم هكذا، فهل هم على خطأ؟ لا تقل الناس كلهم كذلك، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 116]

 عنُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ:

(( طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ فَقِيلَ مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ))

[ مسند الإمام أحمد]

 والإحساس بالغربة إحساس صحي وجيد، في زمن الفساد، قال تعالى:

﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾

[ سورة الكهف الآية: 16]

 الكـهف جامعـك، وبيتك، ادخل بيتـك وصلّ، واجلس مع أولادك واقـرأ القرآن، وكهفك أيضاً جامعك، قال تعالى:

﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾

[ سورة الكهف الآية: 16]

 فيا أيها الأخوة:
 الذي أتمنـاه أن يكون الشرع محكّماً في حياتنـا، العرف ما وافق الشرع وما خالفه لا يجوز اتباعه ولا العمل به.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور