وضع داكن
24-04-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 21 - من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أعلى شيء في الإسلام هو الجهاد وتعليم القرآن من أعظم أنواع الجهاد :

 أيها الأخوة الكرام: الإنسان مخلوق للجنة, وجيء به إلى الدنيا ليؤهل نفسه لدخول الجنة, ليدفع ثمنها في الدنيا؛ ثمنها الجهاد, والجهاد ذروة الإسلام, وهناك رواية: الجهاد ذروة سنام الإسلام.
 أعلى شيء في الإسلام هو الجهاد, والجهاد أنواع ثلاث؛ جهاد النفس والهوى, والجهاد الدعوي, والجهاد القتالي, وفي نص القرآن الكريم أعظم أنواع الجهاد الجهاد الدعوي؛ لأن الجهاد القتالي وسيلة إلى الجهاد الدعوي.
 فإذا أتيح لك أن تعلم, وأن ترسخ القيم, وأن تنشر المبادئ؛ فهذا الجهاد الدعوي بنص القرآن الكريم هو أعظم جهاد, لقول الله عز وجل:

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾

[سورة الفرقان الآية:52]

 جاهدهم به: أي بالقرآن؛ أي تعلُّم القرآن, وتعليمه من أعظم أنواع الجهاد؛ لأن الجهاد القتالي وسيلة لنشر الحق, فإذا أتيح لك أن تنشره, فهذا في أعلى مستوى, ولكن لن تستطيع أن تقول كلمة واحدة إذا كنت منهزماً أمام نفسك؛ لن تستطيع أن تقول كلمة واحدة أمام نفسك, فيأتي جهاد النفس والهوى كمرحلة أولى.

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:69]

 فحينما تجاهد نفسك, وهواك, حينما تحمل نفسك على طاعة الله, حينما تجبرها أن تلتزم الأمر والنهي, الآن أنت انتصرت على نفسك.

 

نظام الحياة الدنيا مبني على بذل الجهد ونظام الآخرة مبني على نيل الثمرة

 وكنت أدعو دائماً وأقول: "اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا".
 مستحيل إنسان مهزوم أمام نفسه, أمام شهواته, شهواته مسيطرة؛ هذا مستحيل أن يستطيع أن يقول كلمة, أو أن يرفع سلاحاً.
 في كتاب الترغيب والترهيب, ولاسيما الكتاب الذي أدرِّس منه: إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من أحاديث البخاري ومسلم، هناك باب عن الجهاد، أي يجب أن نقف عنده وقفة متأنية.
 الحقيقة أن الجهاد هو بذل الجهد؛ نظام الحياة الدنيا مبني على بذل الجهد, نظام الآخرة مبني على نيل الثمرة, بالآخرة:

 

﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ﴾

[سورة ق الآية:35]

﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾

[سورة الحاقة الآية:23]

 الفواكه في الآخرة:

﴿لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ﴾

[سورة الواقعة الآية:33]

﴿سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾

[سورة الغاشية الآية:13]

 أي كل شيء يطيب للنفس هناك؛ لا يوجد منغص إطلاقاً, لا يوجد مرض, لا يوجد تقدم في السن, لا يوجد عقوق أولاد, لا يوجد زوجة سيئة, لا يوجد عدو متربص, لا يوجد همّ, لا يوجد حزن, كل متاعب الدنيا منفية في الآخرة:

﴿فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾

[سورة التوبة الآية:21]

﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:133]

 و :

((أعددت لعبادي الصالحين؛ ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

ليس شرطاً أن يغزو الإنسان بنفسه إذا جهَّز غازياً أو خَلَّف غازياً في أهله فقد غزا

 لكن الذي لفت نظري في هذه الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا))

[أخرجه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني]

 والنبي:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾

[سورة النجم الآية:3]

﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾

[سورة النجم الآية:4]

 أحياناً أب فاته أن يكون عالماً؛ نشأ في بيئة متواضعة, وعمل في التجارة, أو في الصناعة, لكنه يستطيع أن ينشِّئ ابناً عالماً, إذا استطاع أن يربي ابناً تربية إسلامية صحيحة, أو يجعله داعية كبيراً, فكأنه صار هو الداعي.

((من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزَا، ومن خَلَّف غازياً في أهله بخير فقد غزا))

[أخرجه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني]

 أي ذهب الغازي إلى الجهاد, وهو اعتنى بأهل هذا الإنسان, وهذا النص دقيق جداً.
 مرة سمعت كلمة أعجبتني كثيراً: إذا لم تكن داعية تبنى داعياً؛ عندنا طلاب علم من كل حدب وصوب, كل إنسان يقدم خدمة حقيقية؛ يرعاهم, يسكنهم في بيت, ينفق عليهم, يتعلمون, ويعودون إلى بلادهم دعاة، خطباء, عاملين, فكل هذا الأجر في صحيفة من يرعاهم في بلدهم, كل هذا الأمر في صحيفة من أنفق عليهم, من أكرمهم, من أحاطهم بالرعاية.
 الحديث يعمل حالة للنفس عجيبة:

((من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزا))

[أخرجه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني]

 إذا أنفقت على طالب علم, وهذا الطالب تفوق؛ فكل عمله في صحيفتك, إذا ربيت شاباً ليكون خطيباً, ليكون داعية, كل جهدك في تربيته في صحيفتك, فليس شرطاً أن يغزو الإنسان بنفسه؛ إذا جهَّز غازياً فقد غزَا, إذا خَلَّف غازياً في أهله بخير فقد غزا.

 

المال قوام الحياة والذي يجنيه بطريق مشروع ثم ينفقه دعماً للحق فله أجره :

 وقد ورد:

 

((يؤجر صانع النَّبل, والملقِّن, والمنبِل))

[ورد في الأثر]

 أي هذا النبل الذي صنعه في سبيل نشر الحق مثلاً له أجر, والذي جهزه له أجر, والذي لقنه له أجر, لا أقصد أنا المعاني المباشرة, أقصد ما وراء النصوص، أي كل إنسان له علاقة بشكل أو بآخر بدعوة له أجرها, أحياناً يعمل دعوة بالمال.
 النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((لا حَسَدَ إلا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ علماً، ورجلٌ آتَاهُ اللَّهُ مالاً))

[أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود]

 المال مشروعيته في الإسلام, أتمنى أن يكون المسلم غنياً؛ أن يعمل في التجارة, والصناعة, حتى يحصّل أموالاً طائلة, حتى يوظفها في الحق, والمال قوام الحياة قطعاً؛ فالذي يجنيه بطريق مشروع, بطريق صحيح, ثم ينفقه دعماً للحق، فله أجره.
 أحياناً أهل الدنيا يقول لك: هذا المدرس شخص غني في لبنان, عشرون ألف طالب يأخذون الدكتوراه على حسابه, من أجل الدنيا؛ عنده مكاتب, هؤلاء الطلاب يُختارون, يذهب بهم إلى بلاد الغرب, يوزعون في الجامعات على حسابه الشخصي.
 فالإنسان حينما يجمع المال بإمكانه أن يصل بالمال إلى ذروة المجد عند الله عز وجل, والذي عنده علم بإمكانه أن يصل بعلمه إلى ذروة المجد, والذي عنده قوة وسلطان؛ إذا أنصف المظلوم, وعمل على نشر الحق, أيضاً بإمكانه أن يصل إلى ذروة المجد.
 فقضية الجهاد بالمعنى الواسع غير الضيق أي دعونا من الجهاد القتالي الغير متاح الآن, الجهاد الدعوي متاح بينما القتالي غير مباح.

 

على الإنسان أن يبذل جهداً لأن الجنة تحتاج إلى جهد :

 أكبر أو أقرب شيء لكل أب أولاده؛ إذا استطاع أن يعتني بهم, أن يتابع تعليمهم الديني, يتابع تعليمهم القرآني, يتابع تعليمهم النبوي, أن يحببهم بأهل البيت, بأهل بيت النبي, بأصحابه الكرام, أن ينشئهم على الصدق, هذا أكبر جهاد, اكفنا أولادك يا أخي:

((إني مباه بكم الأمم يوم القيامة))

[ أبو داود و النسائي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا]

 يأتي بأولاد فسقة, فجار, هكذا يريد أن يباهي بهم! يريد أن يباهي النبي بأشخاص من أعلى مستوى؛ الكم ليس له قيمة عند رسول الله, المقصود النوع.
 فلذلك لو وسعنا هذا الموضوع, الإنسان ينبغي أن يبذل جهداً, والجنة تحتاج إلى جهد:

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:142]

 أبداً:

﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾

[سورة آل عمران الآية:92]

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾

[سورة العنكبوت الآية:2]

 ليست القضية صلينا ركعتين, دفعنا ليرتين, القضية أخطر من هذا بكثير؛ أنت في الحياة الدنيا, تعد نفسك لحياة أبدية, والدليل: عندما يغادر الإنسان هذه الحياة الدنيا, لا يندم إلا على شيء واحد هو العمل الصالح, عند الموت:

﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾

[سورة المؤمنون الآية:99]

﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾

[سورة المؤمنون الآية:100]

آداب النبي صلى الله عليه و سلم :

 من آداب النبي صلى الله عليه وسلم:

((كان إذا استيقظ ـ أول ما يفتح عينيه ـ يقول: الحمد لله الذي ردّ إليّ روحي))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 والله المؤمن يعد حياته بالأيام؛ استيقظت: الحمد لله, سمح لي الله أن أعيش يوماً سعيداً, هذه فرصة لا تعوض, ينبغي أن يُستغل هذا اليوم إلى أعلى درجة بالعمل الصالح, بطلب العلم, بتعليم العلم, بالأمر بالمعروف, بالنهي عن المنكر, بخدمة الخلق, بمواساة الناس, بعيادة المرضى, بمعونة الفقراء، لذلك:

((لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً, ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً))

[ورد في الأثر]

 فاليوم الذي لا تزداد فيه علماً, ولا تزداد فيه قرباً؛ يوم ضائع, يوم خاسر.
 الآن بالمقياس البشري لو فتح شخص محلاً تجارياً, واستطاع أن يبيع في اليوم مئتي ألف, ربحه عشرون ألفاً, في اليوم الثاني باع ثلاثمئة؛ بالمقياس الديني إذا لم يزدد في هذا اليوم علماً, وقرباً من الله، هذا اليوم خسارة؛ لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَالْعَصْرِ﴾

[سورة العصر الآية:1]

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

[سورة العصر الآية:2]

 خسارته محققة؛ لأن مضي الزمن يستهلكه.

 

الخاسر من لا يعد العدة لليوم الآخر :

 هناك شخص تجده أمامك ملء السمع والبصر, بثانية انتهى, كيف انتهى!؟ شخص يكون مؤسس عمل فرضاً بدولة نفطية, يقول لك: المحل كلفني عشرين مليون ريال فرضاً, فإن أعطوه مغادرة بلا عودة, دُمر بيته, لا يستطيع أن يرجع, وكل واحد منا عنده مغادرة بلا عودة, لم يعد له مكتب تجاري, لم يعد له منصب معين, لم يعد له بيت اشتراه.
 أنا أكثر شيء يؤثر فيَّ أثناء التعزية أجد بيتاً فخماً, هذا الذي عمّره, الذي رتبه, الذي وضع الجبصين, الذي وضع الفرش الفاخر, أين هو؟ جالس في باب صغير, أين البلاط؟ أين الرخام؟ أين هذه الأشياء الرائعة؟
 فهذه النقلة المفاجئة إلى القبر إذا لم يعد لها الإنسان, والله يا أخوان! لا أرى في الحياة كلها إنساناً أعقل ممن عمل لهذه الساعة كل يوم, هذه ساعة المغادرة لا بد منها؛ قم أيقظ أباك فيقول لك: رضي الله عليك يا بني, الأكل جاهز؛ فإذا هو ميت!
 من حوالي سنة أحد أخواننا ينام لوحده في الغرفة, يصلي الصبح حاضراً كالعادة في الجامع, الساعة التاسعة الأكل جاهز, قام الابن ليوقظ أباه, فوجده ميتاً, لم يعرفوا متى مات؟ يا ترى صلى الصبح أم لم يصلِّ؟
 زوجة مسكت يد زوجها في الليل, فقامت مذعورة، لأن جسمه بارد؛ الموت قريب جداً, أقرب إلى أحدنا من كل شيء؛ تجده بينما هو ملء السمع والبصر, فإذا هو على الجدران خبر.

 

معرفة الله عز وجل أول مهمة من مهمات الإنسان في الحياة الدنيا:

 إذاً نحن في الحياة الدنيا المهمة الأولى أن نعرف الله، وأنا بصراحة أحب التسلسل, لا تتصور أحداً يلقي إليك أذنه إذا أنت مهزوم أمام نفسك, يجب أن تنتصر على نفسك, أهم شيء عندك الشهوات, ثم تدعو إلى الله عز وجل, لا تستطيع, لكن ألا تستطيع أن تربي ابنك لأن يكون داعية!؟
 الحمد لله! فتحت ثانويات شرعية بأعداد كبيرة جداً, فلما جعلت علامات الشرعية كعلامات الصف العاشر أغلقت الثانوية؛ لأن الناس آثروا أن يكون ابنهم في العام, لا يريدون علماً شرعياً، هذا خطأ, أين الخطأ؟ الخطأ منا, لا أحد يضحي أن يكون ابنه عالماً بالشريعة؛ ينصح الناس, يريده طبيباً, هناك شعب أغلقت لأنه لا يوجد طلاب، والناس تريد أن يكون الابن طبيباً, أو محامياً, أو مهندساً, لا تريد أن يكون عالم دين:

((من خلف غازياً في أهله فقد غزا))

[أخرجه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني]

 أنت تبنيت طالب علم, هناك أخوان كثر يقولون لك: أنا أريد أن أتبنى طالب علم, أريد أن أتبنى طالباً فقيراً, جاء من آخر الدنيا؛ من آسيا, من شمال روسيا, من إفريقيا, لا يملك شيئاً, فالإنسان إذا تبنى طالب علم كأنه صار داعية.
عظمة الدين إذا كنت أنت السبب كل أعمال المسبَّب في صحيفتك, من دون أن يُنقص من عمل هذا شيء, نحن متاح لنا خيرات لا يعلمها إلا الله, والناس يعيشون وقتهم؛ يأكل, ويشرب, وينام, الحياة الروتينية الرتيبة.
 تكلمت كلمة البارحة في جامع الأحمدية قلت: ـ وهذه الكلمة مزعجة، لكن الحقيقة المرة خير من ألف مرة من الوهم المريح, وأنا معكم ـ يمكن أن نستيقظ كل يوم مثل البارحة دائماً! لا, لا بد من يوم فيه مشكلة, فيه شعور معين, فيه ألم معين, فيه ضيق معين, هذه المشكلة تتفاقم, ثم تعلق نعوة الإنسان, أليس هذا الذي يحدث دائماً بالعالم كله؟ لم ينجّ نبي منها, لم ينجّ ملك, لم ينجّ غني؛ نأخذ الأقوى، الغني, والقوي, حتى الأنبياء, الآية الكريمة:

﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً﴾

[سورة آل عمران الآية:144]

 معنى هذا أن الدنيا دار ابتلاء, وانقطاع, فمن هو العاقل؟ هو الذي يُعد نفسه الإعداد الكافي لهذه اللحظة، لحظة نزول القبر, هذا لا يمنع أن تدرس, وأن تتاجر, وأن تؤسس معملاً, وأن تعمل تجارة, وأن تأخذ شهادات عليا, وأن تتزوج, أنت تمشي على منهج, لكن النهاية واضحة، هناك ساعة مغادرة.

 

الاستقامة على أمر الله عز وجل تحتاج إلى جهد كبير :

 أنا أردت من هذا الدرس ـ درس الجهاد ـ أن الإنسان يهيىء نفسه لبذل الجهد؛ مبدئياً الاستقامة تحتاج إلى جهد؛ فضبط اللسان ليس قضية سهلة, اللسان هذا:

((أو نؤاخذ بما نقول؟ ويحك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصاد ألسنتهم؟))

[أخرجه الترمذي عن معاذ بن جبل]

 اضبط لسانك, اضبط عينك, اضبط سمعك, اضبط يدك, اضبط رجلك, الآن: اضبط بيتك, اضبط زوجتك, وبناتك, وأولادك؛ هذا الجهاد جهاد النفس والهوى.
 الآن: اطلب العلم, وعلّم، النبي قال:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو]

 هناك شخص أعرفه لا يستطيع أن يقول كلمة, اشترى مئة شريط؛ أقرباؤه, أولاد خالته, أولاد عمته, وجيرانه, وزملاؤه, خذ اسمع الشريط, قال لي: بعد شهرين أو ثلاثة, جاء إلى المسجد سبعة؛ هذا عمل داعية, هذا ليس عنده إمكانية أن يتكلم, فوجد شيئاً يحل محل الكلام، وزع أشرطة على أقربائه ليدعوهم إلى المسجد.
 شخص سمع شريط العفو ـ خطبة ألقيتها مرة ـ لكن الخطبة كانت مؤثرة, فسمع هذا الشريط إلى أسرتين على وشك أن يأخذ بعض أفرادهما بالثأر من أسرة أخرى, في جريمة قتل, سمعوا الشريط؛ فانتهى هذا الأخذ بالثأر, فقام واشترى خمسمئة شريط, ووزعهم, القصة في حمص.
 إذاً يمكن أن تنشر الحق وأنت لا يوجد عندك إمكانية أن تتكلم ولا كلمة, الآن: الأمور كلها ميسرة.

 

كل إنسان يندم على ساعة مرت لم يذكر الله فيها أو على عمل صالح تركه :

 هناك موضوعات معالجة عميقة جداً, إن تأثرت بها أسمع الشريط للناس, والله عملت خطبة عن الدخان, يمكن أن توزع من الخطبة بضع مئات.
 شخص يعرف أخاً يدخن, ابن أخ يدخن, تعال اسمع؛ الدعوة تمشي.
 النبي قال:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو]

 فأنت تستطيع أن تُبلغ مئة آية, تستطيع أن تبلغ سورة بكاملها, الكهف كلها؛ عملت في الكهف خمس خطب دقيقة جداً, دروس بليغة.
 فالإنسان يتحرك؛ ابدأ بأولادك, ابدأ بأولاد أخيك, بجيرانك, بأصحابك, ليس فقط أن أتلقى, أسمع, كل عمري أسمع, ونهايتها, متى تتكلم؟ كل عمري أتلقى, متى ألقي؟ كل عمري سلبي, مثل القمع, متى أنا أصب في الآخرين؟ القضية مصيرية, والقضية خطيرة, والإنسان سوف يندم, لا يوجد إنسان إلا وسوف يندم, حتى المؤمن سوف يندم على ساعة مرت لم يذكر الله فيها, سوف يندم على عمل صالح أتيح له فتركه.

 

يمكن للإنسان أن تكون أكبر داعية إذا تبني داعية أو أنفق على داعية :

 محور الأحاديث كلها:

((من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزَا، ومن خَلَّف غازيا في أهله بخير فقد غزا))

[أخرجه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني]

 تستطيع أن تكون أكبر داعية, يمكن أن تتبنى طالب علم غريب, والشيء الذي لا يصدق البلدة مباركة, أي لها سمعة في العالم الإسلامي شرقاً: الهند, باكستان, شمالاً: روسيا, وكل دول روسيا الإسلامية, وإفريقيا, يـأتي الطلاب إلى الشام التي ترعى طلاب العلم رعاية حقيقية.
 والله هناك أخوان كثر برمضان الماضي ـ جزاهم الله خيراً ـ: جمعوا طلاب العلم كلهم؛ من إفريقيا, ومن آسيا, ومن تركيا, عملوا لهم عشاء, وهذا له معنى كبيراً؛ أنت ضيفنا, ليس شخصاً غريباً, أنت ضيفنا, ما دمت قد قدمت من هذه البلاد البعيدة لطلب العلم؛ هناك ترحيب, واستقبال حار, واهتمام.
 فأنت يمكن أن تكون أكبر داعية إذا تبنيت داعية, يمكن أن تكون أكبر داعية إذا أنفقت على داعية, يمكن أن تكون أكبر داعية إذا كنت مجاهداً, أو جاهدت نفسك, وهواك, يمكن أن تصل إلى أكبر جهاد إذا استطعت أن تتعلم القرآن, وأن تعلمه, فالأمور واضحة جداً, وما علينا إلا أن نتحرك, والموت ينتظرنا جميعاً.

 

العاقل من أدى الحقوق إلى أصحابها و قام بما عليه قبل أن يلقى الله عز وجل :

 حتى نكون دقيقين: بعد مئة سنة, لن تجد أحداً منا في هذا المكان؛ ولا إنسان, ولا بالشام, لكنهم موزعون في الجبل, أو في باب صغير, هذا الواقع, فلنجهز أنفسنا.
 كنت في العمرة, حدثني أخ عن شخص قال لي: عنده قطعة أرض شمال جدة, فلما توسعت جدة, و اقتربت من أرضه, ـ هو بدوي ـ جاء ليبيعها, قدم ثلاثة شركاء مخادعين, اشتروها بربع قيمتها, ضحكوا عليه, وعمروها بناية من اثني عشر طابقاً؛ مكتب عقاري, هم ثلاثة شركاء؛ الأول وقع من الأعلى فنزل ميتاً, الثاني دهس بالسيارة, الثالث انتبه, علم ماذا فعل شركاؤه؟ هو معهم, بحث عن البدوي أكثر من ستة أشهر حتى وجده, أعطاه الفرق, أعطاه ثلاثة أمثال حصته, فقال له البدوي: ترى لحقت حالك.
 ونحن علينا أن نجهز أنفسنا؛ إذا كان هناك خطأ سابق, أو حسابات مع الناس, أو حقوق لم نؤدها, فلنجهز أنفسنا.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور