وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 20 - سورة التوبة - تفسير الآية 23 ، العلاقة بينك وبين الصديق الصدوق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


مخاطبة الله عز وجل المؤمنين بفروع الدين و عامة الناس بأصول الدين :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثالثة والعشرين وهي قوله تعالى:

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(23) ﴾

[ سورة التوبة  ]

 بادئ ذي بدء: الله -جلّ جلاله- يخاطب عامة خلقه بأصول الدين، يقول: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) ﴾

[ سورة البقرة ]

 لكنه يخاطب المؤمنين الذين آمنوا به، خالقاً، ورباً، ومسيراً، آمنوا بأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، آمنوا به وباليوم الآخر، هؤلاء الذين آمنوا لا يُخاطَبون بأصول الدين لأنهم آمنوا بها، بينما يخاطَبون بفروع الدين. 


على الإنسان أن يختار صديقه الذي يعينه و يأخذ بيده :


 فمن توجيهات القرآن الكريم للمؤمنين بموضوع خطير جداً، هذا الموضوع هو أنك شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، مع من تحب، ومع من تعاشر، ومع من تلتقي به، فلا بدّ بعد الإيمان بالله أن تصطفي إنساناً مع الناس ليكون صديقاً حميماً لك، أن تصطفيه مؤمناً، لأن المؤمن يعين أخاه المؤمن، المؤمن ينصح المؤمن، المؤمن ينبه المؤمن، المؤمن وفيّ للمؤمن، بينما غير المؤمن له موقف:

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) ﴾

[ سورة آل عمران ]

 لا ينصحك، ينصحك لدنياك لا لدينك، يغريك بالمعاصي والآثام، صحبته شبهة، لذلك لا تصدق مؤمناً التزم وله بطانة سيئة، مستحيل، لا يستطيع المؤمن أن يستقيم إلا مع بطانة صالحة، فلذلك كيف تختار مثلاً شيخك؟ ينبغي أن تختار إخوانك، أن تختارهم من المؤمنين، المؤمن ناصح، أمين، المؤمن صادق، المؤمن لا يقبل المعصية والإثم، فهذا يأخذ بيدك، لذلك قال بعض علماء القلوب: لا بدّ من أخ لك يرقى بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، الإنسان له شيئان له قول وله حال، له مقال وله مقام، فالمقال وفق الشرع، لا يوجد وصف لمعصية، ولا يوجد إغراء بمعصية، لا يتحدث حديثاً عن النساء بلا ضوابط، لا يدعو إلى مخالفة شرعية، كلامه منضبط بالكتاب والسنة، والمبادئ الأخلاقية، والقيم الراقية، فكلامه تنتفع به. 


على الإنسان أن يصاحب من يدله على الله مقاله وينهض به إلى الله حاله :


 لا تصاحب من لا يدلك على الله مقاله، وينهض بك إلى الله حاله، هذه الحالة تحتاج إلى شرح، أي المؤمن موصول بالله -عز وجل-، وإذا صادقت مؤمناً موصولاً جاءك لا من أقواله الآن من أحواله، فما دليل ذلك؟ دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

((  لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة ولزارتكم في بيوتكم ))

[  مسلم عن حنظلة  ]

 يعني المؤمن في بيت الله له حال غير المقال، أنت أتيت إلى بيت الله، أنت ضيف الله:

(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))

[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود ]

 أنت في بيت الله في درس علم، هناك معلومات، آيات، أحاديث، تحليلات، أدلة واقعية علمية، فقهية، دينية، أنت تأخذ علماً، وهناك شيء آخر تحس به وقد لا تنتبه إليه، حالك مع الله بالجامع حال آخر.

 لذلك الصحابة شكوا إلى النبي الكريم قالوا: يا رسول الله نكون معك ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى قال:

(( نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، أم أنتم يا أخي فساعةٌ وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة ))

[  مسلم عن حنظلة  ]

 إذاً هذا النص الصحيح يؤكد أن للمؤمن حالاً مع الله وهو في بيت الله، هذه بركة مجلس العلم، لذلك:

(( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتدارسون القرآن، إلا غشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وحفَّتْهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عندَه  ))

[ أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان ]

 المقابل:

((  وما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله عز وجل إلا قاموا عن جيفة حمار ))

[ أخرجه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة ]

 جلسة، حديث عن النساء، وعن أشكال النساء، وعن الأسعار، وحديث في أي موضوع، لا يوجد خبر سار، تنتهي الجلسة و أنت لا تستطيع أن تقف على قدميك، لذلك بذكر الصالحين تتنزل الرحمات، جرّب اجلس في مجلس، حدّث إخوانك عن مؤمن مستقيم، بطل، ينطوي على مبادئ، له مواقف رائعة، له أعمال طيبة، تجد الحاضرين انتعشوا، شعروا بقيمة الإنسان، شعروا بحلاوة الإيمان، تمنوا أن يكونوا كهؤلاء، بعد قليل حدثهم عن إنسان لئيم، مؤذٍ، تجد أن المجلس قد تعكر، لذلك بذكر الصالحين تتنزل الرحمات، بالمقابل -هذا المقابل سماه علماء الأصول المعنى المخالف- وبذكر اللؤماء تتعكر المجالس، حاول في كل لقاء مع إخوانك أن تتحدث عن مؤمن، عن صحابي، عن تابعي، عن عالم، عن إنسان معاصر لك مستقيم، هذا الحديث عن مؤمن يعاصرك يعطيك دفعاً قوياً إلى الله -عز وجل-. 


البشر عند الله فريقان لا ثالث لهما :


 لذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ ماذا يُستنبَط؟ هناك موضوع واحد في حياة المؤمن هو الحاسم في تقييم من حوله، موضوع الإيمان، لذلك هناك تقسيمات لبني البشر لا تعد ولا تحصى، يقول لك: العرق الآري، العرق السامي، العرق الأنغلو سكسوني، البيض، الملونين، الصفر، دول الشمال المتقدمة الصناعية، دول الجنوب المتخلفة، الدول المستَعمرة، المستعمِرة، النامية، المتطورة، تقسيمات لا تنتهي، والله نحن أمام آلاف التقسيمات، ما قولكم أن هؤلاء البشر هم عند الله فريقان، لا ثالث لهما، فريقٌ عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، وفريقٌ غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، ولن تجد صنفاً ثالثاً، الدليل: 

﴿  وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)  ﴾

[ سورة الليل ]

 يعني صدق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء: 

﴿  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(6) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(7) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(8)﴾

[ سورة الليل ]

 كذب بالجنة، صدق الدنيا، فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، الرد الإلهي: 

﴿  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(9)  ﴾

[ سورة الليل ]

 ولن تجد صنفاً ثالثاً، مؤمن وكافر. 


العلاقة بين المؤمنين أمتن و أدوم علاقة على وجه الأرض :


 إذاً: بحياة المؤمن هناك علاقاته مع من حوله، هناك علاقات عمل هذه مشروعة، أنت مدرس بثانوية، ليكن المدير من يكون، تؤدي واجبك، وتحترمه فقط، عامل بمعمل، موظف بدائرة، علاقات العمل وفق منهج الله لا شيء عليها، أما الحديث عن العلاقات الحميمة، أي الزواج علاقة حميمة، الشراكة علاقة حميمة، أن تذهب مع إنسان في نزهة طويلة علاقة حميمة، العلاقات الحميمة ينبغي أن تكون مع المؤمنين، لذلك ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 مجتمع المؤمنين مجتمع راق جداً، مجتمع المؤمنين مجتمع الصدق، مجتمع الأمانة، مجتمع الوفاء، مجتمع الإخلاص، مجتمع النصيحة، التناصح، مجتمع التعاون، لذلك: المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم، رب أخ لك لم تلده أمك، بل إنني أقول: ما من علاقة بين اثنين على وجه الأرض أمتنُ وأدومُ من علاقة بين مؤمنَين. 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾

[ سورة الحجرات  ]

 كيف أخوك من النسب؟ من أمك وأبيك؟ ينبغي أن تكون علاقتك بأخيك في الله كعلاقتك بأخيك النسبي. 


قضية الإيمان هي القضية الوحيدة الحاسمة في علاقة الإنسان مع من حوله :


 فلذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هناك معنى ضمني، صاحبوا المؤمنين، كونوا معهم ﴿لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ معنى أولياء؛ فلانٌ ولي لفلان، أي يحبه، ينصحه، يدله على الخير، يدافع عنه، يصله، يكرمه، كل هذه المعاني تتضمن معنى الولي ﴿لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾

 لذلك قضية الإيمان هي القضية الوحيدة الحاسمة في علاقتك مع من حولك، طبعاً الكلام الدقيق لك أن تكون في معمل، في مدرسة، في وظيفة، في دائرة، علاقات العمل مشروعة ولا شيء فيها، الحديث عن العلاقات الحميمة، علاقة زواج، شراكة، نزهة مشتركة، لقاء حميم، سهرات طويلة، هذه العلاقات الحميمة ينبغي أن تكون مع المؤمنين حصراً (لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ)

 وهناك قرابة، قرابة شديدة أب، قرابة شديدة أخ، إن كان هذا الأبُ أو الأخُ منحرفاً فاسقاً ينبغي أن تبتعد عنه، دون أن تؤذيه، دقق الآن: 

﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾

[ سورة لقمان ]

 أي الأب والأم: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ الأمر الإلهي: ﴿فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ .

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء﴾ ليس المقصود أن تكون معادياً لهم، بل أن تعاملهما بالحسنى، لكن يعطيك توجيهاً معيناً فيه معصية، ممنوع أن تنفذ أمراً بمعصية، لأنه:

(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ))

[ أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري ]

 لأنه: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ فأنت مكلف أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، لكن مع عدم الطاعة في معصية، لكن لو أمرك أبوك بطاعة أصبحت طاعته من طاعة الله. واضح؟ 


لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ يعني مَالَ للكفر، مالَ لعدم الإيمان بالله، مالَ لعدم الإيمان بالآخرة، مالَ للمعاصي والآثام، ماله من حرام، سهراته مختلطة، علاقاته ليست منضبطة، هذا الأب يُحترَم كأب، الأب بديننا له مكانة، لكن لا يُطاع، بلا عنف، بلا غِلظة، اعذرني يا والدي أنا أطبق منهجاً لا أستطيع أن أغيره، أي أنا لا أدعوكم إلى موقف فيه مشادة، فيه عنف، فيه فظاظة، فيه غلظة، أبداً: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ هذا الموقف الرائع، موقف فيه معروف، فيه أدب، فيه احترام، لكن لا يوجد فيه طاعة لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) إذاً هنا نهي واضح ﴿لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ أولياء، يقول لك: تعلم موسيقى فرضاً، هناك حرفة دخلها كبير لكن لا ترضي الله -عز وجل-، هناك أشياء كثيرة يمكن أن تسبب للمسلم حرجاً مع الله -عز وجل- هذه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) .

 أيها الإخوة، هناك نهي إلهي، من هو المؤمن؟ الذي يأتمر بما أمر الله، وينتهي عما نهى الله عنه، نهاك أن تطيع مخلوقاً في معصية الخالق، ولاسيما لو كان أبوك، لو كان هذا الذي نهاك الله عنه أباك ينبغي ألا تطعه في معصية.

 لكن مرة ثانية وثالثة أقول هذا الكلام لأنني أعلم أن هناك شباباً عندهم غلظة في علاقتهم بأوليائهم، والدليل هذه الآية:

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾


المؤمن يحب بعقله ويكره بعقله فإن تحرك مع أحاسيسه هبط مستواه :


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا﴾ هناك ملمح دقيق بكلمة استحبَ، الحب مرتبط بالفطرة والعقل، كل شيء يقبله العقل تحبه، وكل شيء تقبله الفطرة تحبه، لكن أحياناً تنشأ محبة غير صحيحة، محبة نفسية غير عقلية، أنا مضطر أن أبين أن الحب قد يكون عقلياً، وقد يكون نفسياً، لو أن طبيب القلب منعك من أن تأكل الملح، والطعام بلا ملح ليس له مذاق طيب، أنت تحب الطعام بلا ملح لا بأحاسيسك، تحبه بعقلك، لأن عقلك يقول لك: لو تجنبت الملح لنجوت من هذا المرض، هناك أشياء محببة ترفضها، تحب رفضها بعقلك، نسمي هذه الكراهية كراهية عقلية فقط، لكنك تحبها، وقس على ذلك كل شيء، المؤمن يحب ويكره بعقله لا بأحاسيسه، أي امرأة حسناء تبرز كل مفاتنها بالطريق، لو ملأت عينيك من محاسنها شيء طبيعي بالإنسان أن الله -عز وجل- أودع فيه حب المرأة، أما حينما يبغض إطلاق البصر إليها هذا البغض شعوري أم عقلي؟ عقلي، المؤمن يحب بعقله، ويكره بعقله.

 مبلغ فلكي، محبوب المبلغ لكنه من حرام، تبغضه، ترفضه، أي أنت وازن نفسك، حينما تتحرك مع الأحاسيس هبط المستوى، حينما تتحرك مع العقل ارتقى المستوى، لذلك ورد في بعض الأقوال لسيدنا علي:

 "أن ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان". 


البطل هو الإنسان الذي ينتصر بمبادئه على حاجاته :


 أنت في الأساس عندك قبضة من تراب الأرض، ونفحة من روح الله، عندك جزء علوي وجزء سفلي، وأحياناً يكون هناك صراع بين الدوافع الأرضية والدوافع السماوية، بين المبادئ واللذائذ، بين الحاجات والقيم، هذا الصراع لا ينجو منه إنسان، والدليل:

﴿  وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)﴾

[ سورة النازعات ]

 شيء طبيعي جداً أن هناك تناقضاً بين الحاجات وبين القيم، أنت بحاجة إلى بيت وهناك طريق للمال غير مشروع ترفضه مع أنك بحاجة لهذا المبلغ، عملت موازنة فوجدت أن طاعة الله أولى، فأنا أقول لك: لا يوجد مؤمن على وجه الأرض إلا ويعيش صراعاً بين ما يحتاج وبين مبادئه، من هو البطل؟ الذي ينتصر بمبادئه على حاجاته، لكن هناك تطمين إلهي:

(( إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه. ))

[ مسند الإمام أحمد ]

 والله أقول لكم: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، تترك شيئاً لله خوفاً منه، خوفاً من غضبه، خوفاً من معصيته، ولا توفق إلا إلى ما هو خيرٌ منه؟ أبداً (إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه) .


النهي عن مصاحبة غير المؤمنين :


 لذلك الآية الكريمة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ يعني أحبّ ألا يصلي، الإيمان أن تصلي، أحب أن يطلق بصره في محاسن النساء، الإيمان أن تغض البصر، أحب ألا يؤدي الزكاة، أن يستمتع بهذا المال، فكلما يستحب الإنسان المعصية على الطاعة، الكفر على الإيمان، العمل الصالح يدعه يعمل عملاً سيئاً، هذا الإنسان ابتعد عن الدين، وقد لا يكون كافراً بالكفر الكبير، هناك كفر يخرجك من الملة أصلاً، وهناك كفر دون كفر، فإذا الإنسان لم يؤدِّ زكاة ماله كَفر كُفراً جزئياً، كفر بهذه الفرضية، إذا ما غض بصره كفر بهذه الفرضية: 

﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) ﴾

[ سورة النور  ]

 إذاً: المؤمن يستقيم، غير المؤمن يتفلت ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ معنى ولي: ترجع إليه، تستشيره، تأخذ بنصيحته، تلجأ إليه، تريد أن تكون مثله، تأتمر بأمره، هذا الولي، فهذا الذي ابتعد عن الله ينبغي أن تبتعد عنه، والدليل: 

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾

[ سورة الكهف  ]

 معنى أغفلنا أي وجدناه غافلاً، معنى أغفل في اللغة لا تعني أن الله خلق الغفلة فيه تعني أن الله وجده غافلاً ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ فأنت منهي عن أن تصاحب من لم يكن مؤمناً ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ في الفقه عندنا عبارة مشهورة، اسمها من باب أولى، إذا أنت منهي عن أن تتخذ أباك وأخاك وليَّين إن أحبا الكفر على الإيمان، فما قولك بغير أبيك وأخيك؟ من باب أولى، الأب الذي أنجبك، الأخ الذي ولد معك، ينبغي ألا تتخذه ولياً إذا أحب الكفر على الإيمان، فكيف موقفك من غير الأب والابن، من غير الأب والأخ، من باب أولى طبعاً. 


الإيمان هو الذي يحدد علاقة الإنسان بمن حوله :


 ملخص هذا اللقاء الطيب أن الإيمان هو الذي يحدد علاقتك بمن حولك، لكن لو أن الله نهاك عن أن تتخذ إنساناً كافراً ولياً، لا يعني أن تعاديه، لا يعني أن تسبه، لا يعني أن تشتمه إطلاقاً، ابتعد عنه، إذا كان هناك علاقة عمل أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، أنا لا أنهى عن علاقات العمل، الحياة تقوم على عمل، والعمل في أطياف بالمجتمع، فأنت علاقتك الحميمة يجب أن تكون مع المؤمنين، الحميمة أي زواج، شراكة، نزهة طويلة، العلاقات الحميمة ينبغي أن تكون مع المؤمنين، لأن المؤمن ناصح، المؤمن صادق، المؤمن أمين، المؤمن واعي، المؤمن لا يسمح لك أن تقترف معصية وهو معك، حارس أمين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لأنفسهم، ظلم نفسه، ضيع الآخرة، غرق في الدنيا ونسي الآخرة، يعني خسارة كبيرة جداً، والدليل:

﴿  قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(15)﴾

[ سورة الزمر ]

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور