وضع داكن
24-04-2024
Logo
الخطب الإذاعية - الخطبة : 76 - مجزرة بيت حانون - تعقيب على هذه المجزرة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الخطبة الأولى:
 الحمد لله رب العالمين، يا رب أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وشرع الإسلام وجعل له منهجاً، وأعز أركانه على من غالبه، فجعله أمناً لمن تعلق به، وسلماً لمن دخله، وبرهاناً لمن تكلم به، وشاهداً لمن خاصم عنه، ونوراً لمن استضاء به، وفهماً لمن عقل، ولباً لمن تدبر، وآيةً لمن توسم، وتبصرةً لمن عزم، وعبرةً لمن اتعظ، ونجاةً لمن صدَّق، وثقةً لمن توكل، وراحةً لمن فوض، وجنَّةً لمن صبر.
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك.
 وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة، ومحا الظلمة.
 اللهم صل، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، الهداة المهديين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، نجوم الهدى، ومصابيح الرشاد.
 عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.
 وحينما تُسْلَب أرضُ شعبٍ، وتُنهَب ثرواتُه، و تُنتهَك حرماتُه، وتُدَنَّس مقدساته، وتُداسُ كرامتُه، و تُقهَر إرادتُه، وتفسد عقائده، وتفرغ قِيَمُه، ويُزوَّر تاريخُه، ويُحمَل على الفساد والإفساد، وتُمَارَس عليه كل ألوانُ التجهيل، والتجويع، والتعذيب، على يد أعدائه، أعداء الله، أعداء الحقِّ، أعداء الخير، أعداءِ الحياة، عندئذٍ لا بد لهذا الشعب أن يتحرّك، ليسترِدَّ حقَّه في الحياة الحرة الكريمة.
 ولا يعقل ولا يقبل أن يسمى هذا إرهاباً !
 إننا نواجه أعداء، ماتت في ضمائرهم، وضمائر الذين انتخبوهم، كل القيم الإنسانية، والأعراف الدولية، وداسوا على حقوق الإنسان بحوافرهم، إنهم يصفون المالِكَ للأرض، الطريدَ المشرَّدَ إرهابياً، لا حقَّ له، والمتمسكَ بدينه القويم أصولياً، ويجعلون اللصَّ الغالبَ على المقدسات، ربَّ بيتٍ محترماً، يملكون الأرضَ لا بالإحياء الشرعيّ، ولكن بالإماتة الجماعية، والقهر النفسي، قال تعالى:

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا، وَازَّيَّنَتْ، وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا، أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[سورة يونس: 24]

 وحينما ينحطّ الإنسان، يتحول عن عبادته لربه إلى عبادته لشهواته، وتعتمد علاقتَه بالآخرين على القوة لا على الرحمة، وعلى العنف لا على التفاهم، وينصرف الإنسان عن العناية بالنفس إلى العناية بالجسد، وعن الاهتمام بالمبدأ إلى الاهتمام بالمصلحة، ويتحول المجتمع كله إلى غابة، يحسّ كل واحد فيها، أن من حقه افتراس الآخرين، كما أنه من الممكن أن يكون فريسة وضحية، لأي واحد منهم !. هذا هو مجتمع الغاب، أو النظام العالمي الجديد، أو حيونة العولمة .
 إن الذين نكَّن لهم عظيم الاحترام، ليسوا أولئك الذين يملكون كثيراً من المال، أو الدهاء، أوالمكر، أو القوة العسكرية الخارقة، وإنما نكن عظيم الاحترام، لأولئك الذين انتصروا على التحديات، داخل نفوسهم، وأولئك الذين يملكون فضيلة الانتظار، والتضحية بالعاجل في سبيل الآجل، والإيثار مع مسيس الحاجة إلى ما يؤثرونه...
 إن نتائج الظلم لا يمكن ضبط حساباتها، ولا تقدير ردود أفعالها، وذلك أن ردود فعل المقهورين، والمظلومين كشظايا القنابل، تطيش في كل اتجاه، وتصيب من غير تصويب.
 إن ردود أفعال المظلومين، والموتورين، لا يمكن التحكم في مداها ولا اتجاهها، وإنها تطيش متجاوزة حدود المشروع والمعقول، مخترقة شرائع الأديان، وقوانين الأوطان، وتكفر أول ما تكفر بهذه القوانين، التي لم توفر لها الحماية أولاً ؛ فلذا لن تقبلها حامية لأعدائها، فإن العلاج الأول، والحقيقي، هو نزع فتيل الظلم، الذي يشحن النفوس بالكراهية والمقت، ويعمي البصائر والأبصار عن تدبر عواقب الأمور، والنظر في مشروعيتها أو نتائجها.
قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر  وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
 هذا منطق الغرب ...
 من الإعداد لعدونا الذي ابتلينا به أن نتعرف إلى أفكاره وتصوراته وأهدافه القريبة والبعيدة، فمن هذا المنطلق أن رئيس وزراء العدو السابق ـ أمد الله في عمره ـ قال لصحفي في عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين: إنه لن يكون أفضل من الذي قتل نصف مليون ياباني بقنبلتين جميلتين، قال: ربما سيكرهني العالم، وسيخشاني بدلا من أن أشتكي إليه، وربما يخاف من ضرباتي الجنونية بدلا من أن يعجب بروحي الجميلة، وليرتجف مني، وليعامل بلدي كبلد مجانين، وليقل: إننا متوحشون، وإننا نمثل خطر الموت لجميع الجيران، وإننا جميعنا غير أسوياء، ونستطيع أن نغرس أزمة فظيعة إذا قتل طفل واحد منا، وأن نفجر بسبب ذلك آبار البترول في جميع الشرق الأوسط"!
هذا التصريح في عام ألف وتسعمئة وإثنين وثمانين .
 لقد نزع قادة العدو عن الفلسطينيين إنسانيتهم، حللوا سفك دمائهم، أنكروا حقهم في الحياة، أي سلام هذا الذي يمكن أن يُبنى مع دولة مارقة، منطقها القوة وأدواتها الإرهاب، وهدفها إبادة شعب، بل تجاهلوا حقه أن يعيش في وطن بكرامة ولقمة عيش ؟ لقد قدم العرب كل ما يمكن أن يقدموه لرفع شبح الحرب عن منطقتهم. تنازل الفلسطينيون عن بيوتهم وكرومهم وبياراتهم ومقابر أجدادهم. قبلوا أن يعيشوا في جزء من أرضهم، كي تستقر إسرائيل في أرض اغتصبتها بالقوة وبتواطؤ العالم، وكان رد إسرائيل بأنها رفضت السلام. استعمرت المزيد من الأرض. تقوقعت في عقدة الخوف والنقص التي ما تزال عماد ثقافتها وتركت العنان لآلة حربها لتقتل وتجرح وتدمر، سرقت إسرائيل الأمل بإمكانية إقامة سلام بينها وبين الفلسطينيين، أفقدت طروحات السلام مصداقيتها، كرست الحرب والعنف مصيراً دائماً للمنطقة، بات السلام سراباً، صار العنف خياراً وحيداً، لكن لن يعيش هذا العالم في سلام ما دام فتيل الظلم لم ينزع، ولا يسألن أحد لماذا يتجذر التطرف، ويتقهقر الاعتدال، وإذا تجرأ أحد وسأل، فلينظر إلى القتل اليومي للفلسطينيين، وليستمع إلى صرخات أمهاتهم ليأتيه الجواب قاطعاً مُدوياً.
 وقد قال مندوب لصحيفة، وهي واحدة من أشهر ثلاث صحف في بلد يدعم أعداءنا: لا توجد قيم ولا أخلاق، وإنما هي القوة، والقوة وحدها، ومنذ خمسة آلاف سنة، والقوي يفرض ما يريد، وكلما أمعن في القوة كسب أكثر، فنحن حينما استأصلنا الهنود الحمر، والإنكليز حين استأصلوا سكان استراليا الأصليين نجحنا في حسم المعركة.
 بينما البِيْض في جنوب أفريقيا لأنهم كانوا أرحم، ولم يستأصلوهم بالكلية انقلبوا عليهم، وانتصروا في النهاية !.
 أرأيتم إلى الفكر التي ينطلق منه أعداؤنا ومن يدعمهم ؟
إذن إنها حرب إبادة
 أية أمة تعلن أن خيارها الوحيد هو السلام... هذا مصيرها .
 مجتمعات المسلمين مستهدفة، وأنه يراد لهذه المجتمعات أن تغوص في أوحال الرذيلة والفساد، والدمار، والفقر، وأن تتخلى عن دينها، كيف لا ونحن نقرأ قول الله تعالى: " وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ "، ويكفي أحدنا دلالة على ذلك أن يخرج إلى شارع من شوارع المسلمين، أو إلى سوق من أسواقهم، ليرى نتائج هذا الغزو الثقافي، ونتاج هذا التدمير الذي يراد لهذه الأمة .
 فهذه الأمة التي يمكر بها أعداؤها مكراً تزول منه الجبال، يخططون لإفقارها، ولإضلالها، ولإفسادها، ولإذلالها، ولإبادتها .
 لقد استيقظ الفلسطينيون على وقع مجزرة دامية ارتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية في بيت حانون راح ضحيتها عشرات الشهداء غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأفادت مصادر وتقارير متطابقة أن ثلاثة عشر شهيدا سقطوا، كانوا من أسرة واحدة .
 وقد قتلت آلة الحرب الإسرائيلية حتى الآن أكثر من خمسة آلاف فلسطيني في أقل من ست سنوات ؟
 دان العرب الجريمة التي ارتكبتها آلة القتل الإسرائيلية في بيت حانون أمس، كعادتهم، واستنكروا، وشجبوا. وحملوا إسرائيل تبعات هذه الجرائم، وشددوا على وجوب عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية، وصرحوا بأن عمل إسرائيل غير مقبول، وغير مبرر. وتحدثوا عن لا إنسانية هذه الجريمة، مواقف كلامية لا معنى لها ولا أثر، وأما المجتمع الدولي فلم يملك إلا أن يتوقف عند المجزرة، لكن لا إدانة لإسرائيل، لأنها تدافع عن نفسها ضد هجمات النساء والأطفال، مجرد مواقف خجلة ترفض العنف بالمطلق، تصريحات تساوي الضحية بالجلاد، تذكير بضرورة العودة إلى مسيرة السلام، تقاعس عن تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية، استهتار بحجم الجريمة، هذا شيء يدعو إلى التقزز، ويدعو إلى الغضب، وهو تبرير لإرهاب إسرائيلي يُقوّي منطق الرد العسكري سبيلاً وحيداً للثأر من القاتل مهما يكن الثمن. دعوة المجرم إلى عدم الإفراط في استعمال القوة، دعوة الضحية إلى ضبط النفس .
 هذا منطق الغرب....
 عقود خلت والنداء يتردد ولا من مجيب سوى الصدى: أين أنتم يا عرب ؟، أين أنتم يا مسلمون .
 ربما وامعتصماه انطلقت ملء أفواه البنات اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
 إلى أصحاب الزنود السمر، والعضلات المفتولة، والأوسمة الممتدة، أليس عاراً وشناراً، وفضيحة، وذبحاً للرجولة ؛ أن تندفع نساء فلسطين متحديات بأجسادهن البضة، وبأقدامهن الحافية، ترسانة العدو الحربيّة، ويسقط منهن شهيدات، وجريحات، وينقذن الأبطال المحاصرين في المسجد، بطرق وأساليب مبتكرة، أفشلت خطّة قوّات العدو في قتل وأسر أكثر من ستين شاباً محاصراً، بينما أنتم تنتظرون الإذن لكم للسماح لكم بتظاهرات ومسيرات واعتصامات مريحة استعراضية غير مثمرة، هي في حقيقة الأمر رفع عتب، وحفظ لماء الوجه ؟!

 

يا عابدَ الحرمينِ لَوْ أَبْصرتنا  لعلمتَ أَنَّكَ بالعبــادة تلعبُ
مَنْ كان يَخْضُب خَدَّه بدموعه  فنحورنا بدمائنــا تتخضب

 الأندلس فلسطين العرب الأولى، دهمها الخطب، وفعل بها الفرنجة ما يفعله الصهاينة اليوم بالشعب الفلسطيني، فقال أحد شعرائها يستصرخ المسلمين في المشرق، وكأن التاريخ يعيد نفسه .

 

 

يا راكبين عتاق الخيل ضامــرة  كأنها في مجال السبق عقـبان
وحاملين سيوف الهند مرفهـــة  كأنها في ظلام النقع نيــران
و راتعين وراء البحر في دعــةٍ  لهم بأوطانهم عز و سلطــان
أعندكم نبأ من أهــل أنــدلس  فقد سرى بحديث القوم ركبـان
كم يستغيث صناديد الرجال وهم  قتلى و أسرى فما يهتز إنسـان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهــم  عليهم في ثياب الذل ألـــوان
يا رب أمٍ وطفلٍ حيل بينهمـــا  كما تفرق أرواح و أبــــدان
وطفلة مثــل حسن الشمـس إذ  طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهــةً  والعين باكية والقلب حيـــران
لمثل هذا يبكي القلب من كمــدٍ  إن كان في القلب إسلام وإيمـان

 إن الأعداء يواجهون شعباً فلسطينياًَ استعصى على الاحتواء والترويض، إن شاء الله تعالى، عرف هويته، وحدد وجهته، وصمد لقضيته، بعد هذه المحن التي أصابته، ولذا فإن دماء الشهداء ليست إلا وقوداً يخزن في شرايين الأجيال .
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمـــون وخـــزرج
 قال أحد مجرمي الحرب من قادة الصهاينة: أنا أحارب فأنا موجود، فردَّ عليه أحد قادة المقاومة: وأنا أقاوم فأنا موجود، قياساً على قول ديكارت: ( أنا أفكر فأنا موجود ).
ثم إنني أخاطب أولئك الذين ؛ لم يحملوا هموم أمتهم، التي تحيق بها المحن والشدائد، أخاطبهم أينما كانوا في العالمين العربي والإسلامي، وفي أي مستوى وجدوا في قواعد المجتمع أو في قممه، الذين لم يتألموا لآلامها، ولم يحزنوا لأحزانها، وتوهموا أن الذي يجري حولهم لا يعنيهم، وهم غارقون في حفلات تقام في ردهات الفنادق، وفي أبهاء المطاعم، وفي حدائق المزارع، وسباقات فارغة، وفي برامج ساقطة، مستوردة من عالم، تتناقض قيمه ومبادئه، مع قيمنا ومبادئنا، تبثها بعض الفضائيات، والتي تبذل فيها الأموال الطائلة، والأوقات الثمينة، إلى هؤلاء الشاردين أقول متمنياً أن ينتبهوا من غفلتهم، وأن يعودوا إلى رشدهم، أقول لهم:

 

 

أخي في الله أخبرني متى تغضبْ ؟
إذا انتهكت محارمنا
إذا نُسفت معالمنا، ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا، إذا ديست كرامتنا
إذا قامت قيامتنا، ولم تغضبْ
فــأخبرني متى تغضــبْ ؟
إذا نُهبت مواردنا، إذا نكبت معاهدنا
إذا هُدمت منازلنا، إذا قطعت طرائقنا
وظلت قدسنا تُغصبْ
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ ؟
عدوي أو عدوك يهتك الأعراض
يعبث في دمي لعباً
إذا لله.. للحـــرمات.. للإسلام لم تغضبْ
فأخبـــرني متى تغضبْ ؟!
رأيتَ هناك أهوالا
رأيتَ الدم شلالاً
رجالاً شيعوا للموت أطفالاً
رأيتَ القهر ألواناً وأشكالاً
ولم تغضبْ
فأخبـــرني متى تغــضبْ ؟
فصارحني بلا خجلٍ.. لأية أمة تُنسبْ ؟!
فلست لنا، ولا منا، ولست لعالم الإنسان منسوبا
ألم يحزنك ما تلقاه أمتنا من الهول
ألم يخجلك ما تجنيه من مستنقع الحل
وما تلقاه في دوامة الإرهاب والقتل ِ
ألم يغضبك هذا الواقع المعجون بالذلِ
وتغضب عند نقص الملح في الأكلِ!!
ألم يهززك منظر طفلة ملأت
مواضعَ جسمها الحفرُ
ولا أبكاك ذاك الطفل في هلعٍ
بظهر أبيه يستترُ
فما رحموا استغاثته
ولا اكترثوا ولا شعروا
فخـــرّ لوجهه ميْتـــاً
متى التوحيد في جنبَيْك ينتصرُ؟
أتبقى دائماً من أجل لقمة عيشكَ
المغموسِ بالإذلال تعتذرُ؟
متى من هذه الأحداث تعتبرُ؟
 أخي المسلم: هل رأيت القبورَ ؟ بل هل رأيت ظلمتها ؟ وهل رأيت وحشتها ؟ وهل رأيت شِدّتها ؟ هل رأيتَ ضِيقَها ؟ هل رأيت هوامَها وديدَانها ؟ أما علمت أن مصيرَنا إليها ؟ أما رأيت أصحابك وأحبابُك وأرحامُك نُقِلوا مِنَ القُصور إلى القبور.. ومِن ضِياء المُهود إلى ظلمة اللُّحود.. ومِن ملاعبة الأهلِ والولدان إلى مقاساة الهوام والديدان.. ومِن التَّنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الثرى والتراب.. ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة.. ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل ؟ فأخذهم الموتُ على غرة، وسَكَنوا القبورَ بعدَ حياةِ التَّرفِ واللَّذة، وتساوَوْا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة، فاللهَ نسأل أنْ يجعلَ قبورَنا روضةً مِنْ رياضِ الجنة..

 

أتيــتُ القبورَ فساءلتُــــهَا  أينَ المُعَـظَّم والمُحْتَــقَرْ؟!
و أين المــــذِلُّ بسلــطانه  وأين القويُّ على ما قـدرْ؟!
تفانَوْا جميعاً فما مـــــخبر  وماتوا جميعاً ومات الخبرْ!!
أفيا سائلـي عـن أناس مَضَـوا  أما لك فيما مضى مُعْتَبَـرْ؟!
تروح وتغـدو بناتُ الـــثَرى  فتمحو محاسنَ تلك الصورْ!!

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين

 

***

الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .
 قال عبد الرحمن بن عبد الله رحمه الله: دَخَلْتُ المسجدَ، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون إليه، فأتيتُهم، فجلست إليه، فقال: ' كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرِ، فنزلنا منزلاً، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

(( إنه لم يَكُنْ نَبيّ قبلي، إلا كان حقا عليه أن يدلّ أُمته على خير ما يعلمه لهم، ويُنذِرَهم شَرَّ ما يعلمه لهم، وإن أُمَّتكم هذه جُعِلَ عَافيتُها في أولها، وسيصيبُ آخرَها بلاء وأُمور تُنْكِرُونها، وتجيءُ فتنة يرقق بعضُها بعضا، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي، ثم تكشفُ، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُزَحْزَحَ عن النار، ويُدْخل الجنة، فلتأته مَنِيَّتُهُ وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحبُّ أن يؤتَى إليه ))

 هذا هو الخلاص: إيمان بالله وباليوم الآخر واستقامة أمره وعمل صالح .
 هذا الذي وقع، والذي يدمى له القلب، أما لماذا وقع الذي وقع... من منظور قرآني توحيدي، فهذا ما سأعالجه في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور