وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة النمل - تفسير الآيات 87 - 92 معجزة القرآن الكريم في آياته الكونية .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

تمهيد :

 أيها الإخوة الكرام ؛ القرآن الكريم كلام الله ، وفيه بيانٌ لِكُلّ شيء ، وتفصيل لِكُلّ شيء ، إلا أنَّ في القرآن الكريم ظاهرة تلفت النَّظر وهو أنَّ الله سبحانه وتعالى ذكرَ في كتابِهِ الكريم أُصول الحقائق .
 فالأرض كُرَة تَدور حوْل الشَّمس وحول نفْسِها ، وهي في حركةٍ دائِمَة ، ولكنّ الوقت الذي نزل فيه القرآن كانت العُلوم في بدايتها ، فالأرض عند العرب مُنْبسِطَة وجامِدَة والجبال راسخة ، فربُّنا سبحانه وتعالى اخْتار هذا العصْر لأنَّهُ عصر مِثالي لِنُزول الوَحي ، واختار هذا المكان لأنَّه بعيد عن تلاحق الحضارات ، واختار البيئة العرَبِيَّة لِصفائِها ووُضوحِها ولكن هناك مُشْكِلة وهي لو أنّ الحقائق جاءَتْ مُفصَّلةً كما هي عليه لأوْقَعَ العرب في عهْد النبي في اضْطراب وشكّ ، ولو أنَّ الله عز وجل أغْفل الحقائق الكَوْنِيَّة لوَقَعْنا في اضْطِراب ،

معجزة القرآن الكريم في آياته الكونية .

 لذلك بعض علماء التَّفسير لفَتَ نظَرَهُ هذه الآية ، قوله تعالى :

﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 87 ]

 فقد يتوهَّم القارئ أنَّ هذه الآية الثانِيَة مُتَعَلِّقة بِيَوْم القيامة ، فقوله الله تعالى :

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]

 إنَّها آيةٌ كَوْنِيَّةٌ واقِعَة ! وراهِنَة ، فَمَرَّ السَّحاب في سرْعَتها ومرَّ السَّحاب في هُدوئِها ، ومرَّ السَّحاب في كتلتها ، قال تعالى :

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]

 لذلك النبي عليه الصلاة والسلام ما بيَّنَ وما فصَّل الآيات الكَوْنِيَّة ، وترَكَ كُلَّ آيةٍ لِوَقْتِها وزمانِها ، فلو أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام بيَّنها وفصَّلها لَشَكَّ أصْحابُهُ في هذا الكلام ، ولو أنَّهُ بيَّن فَحْوى هذه الآيات بِشَكْل حقيقيّ كما عرَفْناها نحن الآن ، لأرْبَكَ أصْحابه ، ولو أنَّهُ فسَّرَ تفْسيرًا بطيئًا يتناسب مع عُقول العصْر الذي نزل فيه القرآن لشَكَكْنا نحن ، فالآيات الكَوْنِيَّة أحجَمَ عنها النبي عليه الصلاة والسلام عن تفْسيرها ، وترَكَ كُلّ آيَةٍ لِوَقْتِها ، فهذا سيِّدُنا علي رضي الله عنه يقول : في القرآن آيات لمَّا تُفسَّر بعد ، فالعِلْم كُلَّما تقدَّم كشَف عن جانب في إعْجاز هذا القرآن ، والحقيقة أيها الإخوة ، أنتم أمامكم كتاب هو مُعْجِزَة عَقْلِيَّة إلى يوم القيامة ، فالذي قرأ هذه في عَهْد قد يتبادَر في ذِهْنِهِ أنَّهُ يوم القيامة ، قال تعالى :

﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآيات : 87-88 ]

 لكنَّ هذه الآية الآن واقِعَة فَجِبال الهمالايا والألب ؛ هذه تَمُرّ مرَّ السَّحاب ، قال تعالى :

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]

 وقد ذَكَرْتُ لكم قبل أسْبوعَين أو أكثر أنَّه في الوقت الذي نُصَلّيِ فيه الظهر عشر دقائق مثلاً، تَقْطَعُ فيه الأرض إحْدى عشر ألف وثمان مائة كيلومتر ‍! لأنَّ الأرض تقْطع في الثانِيَة الواحِدَة ثلاثين كيلومتر ، ففي الوقت الذي نسْتغْرِقُهُ لأداء صلاة الظهر فقط تقطع الأرض إحْدى عشر ألف وثمان مائة كيلومتر .
 قال تعالى :

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 88 ]

 أما مرَّ السَّحاب ، فإذا كانت هناك مدينة كَبَيْروت مثلاً إلى جانب المطار ، الضَّجيج لا يُحْتَمَل فالطائرة لها صَوت يُساوي مائة وخمسٌ وعِشرون بِسِبِل ، وهذه هي وِحْدة قِياس الضَّجيج ، فالإنسان إذا سَكَن بيْتًا جانب المطار ربَّما يُصاب بِضَعْف السَّمع ، والأصوات العالِيَة دائِمًا تُخَرِّص الأذُن وتُضْعِفُها ، فطائرة من أحدث ما توصِّل إليه تحْمل خمسمائة راكب إذا طارَت تُحْدِث ضجيجًا فوق المدن ، فكيف بهذه الأرض وهذه الجبال التي تمرُّ مرَّ السَّحاب دون صَوت ؟! انْعِدام الصَّوت دليل إتْقان الصَّنْعة فالمُكَيِّف الذي دون صوت غالي على المُكَيِّف الذي فيه صوت والمركبة التي فيها صوت خفيف معناها أنَّ فيها تَقْنِيَّة عالِيَة جدًا فالجبال والأرض تمرّ مرَّ بِسُرْعَتها وهُدوئِها فالأرض تدور ثلثين كيلومتر في الثانِيَّة ومع ذلك لا صَوتَ لها .

 

الحسنة والسيئة .

 ثمَّ يقول الله عز وجل ، ودَقِّقوا في هذه الآية :

﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 90 ]

 مُلَخَّصُ المُلَخَّص أنَّك في الدنيا :
 إما أن تأتي يوم القيامة بالحسنات ؛ في تَرْبِيَة أولادك ، وأعمالك الصالحة مِن إنفاق المال والجُهْد والعلم ، وفي الإخلاص والاسْتِقامة .
 وإما أن تأتي بِسَيِّئَةٍ تكون سبب هلاك الإنسان يوم القيامة .
 فالإنسان عليه أن يتفحَّص عمله وبِدِقَّة بالغة ، لأنّ الحسنة بِعَشْر أمثالها ويزيد ، والسيِّئَة بِمِثْلها وتُسَبِّب هلاك صاحبِها .

 

لماذا خلقنا الله ؟

 ثمَّ يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]

 قد يقول قائلٌ : لماذا خَلَقَنا الله عز وجل ؟
 هذا القرآن أجاب الله عنه فالإنسان أحيانًا يريدُ أن لا يفْهَم ، ويريد أن لا يعرف ، حتَّى لا يكون بِوَهْمِهِ مَسْؤولاً !! الإنسان جاء إلى الدنيا وكتاب الله الذي بين أيْدينا يُبَيِّن أنَّهُ جاءَهُ لِيَعْبُدَهُ ، قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 56 ]

العبودية لله تعالى .

 فالله تعالى :

﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]

 هذه اللام ؛ له كُلَّ شيءٍ هي لامُ الملكيَّة ، الكَون كُلُّه ملك الله ، وهو ملْك خلْق وتصَرُّف وملكُ مصير اُنْظُر إلى الإنسان أحْيانًا يَمْتَلِكُ بيْتًا ولا ينْتفع به ؛ مُؤَجَّر ، وهناك مَن ينتفِع ولا يَمْلك ، وهناك مَن ينتفِع ويَمْلِك لكِنَّ مصير هذه البيت ليس له فالله له الملْكِيَّة التامَّة ، وربُّنا عز وجل يقول :

﴿ وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]

 ملك الخلق قال تعالى:

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 62 ]

 وله ملْكِيًّة المصير ، قال تعالى :

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة مريم الآية : 40 ]

 فلماذا أُمِرْتَ أيُّها النبي ويا أيها المؤمن أن تعبُد الله ؟ لأنَّ الله له كلّ شيء ، خلقَ وسَيْطَر وهَيْمَن وتصرَّف والمصير إليه ، لذلك يجب أن تعبُدَهُ ، فالعبادة تقْتضي أن تعْبُدَ الله الخالق، والذي بيَدِهِ الأمْر ، وأن تعْبُدَ الذي بيَدِهِ المصير، خلق وعبد وتصرَّف ، فالعبادة الحقَّة لا تكون إلا لله تعالى ، لأنَّ الخالق والمتَصَرِّف .
 العبادة غايَةُ الطاعة ، وغاية الخُضوع والحبّ والإخلاص ، ولكنَّ هذه المشاعر لا يمكن أن تكون إلا بِمَعْرِفَة الله ، فالمعْرفة سبب والانْصِياع لله ثَمَن ، والهدف رحْمة الله في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :

﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[ سورة الزخرف الآية : 32 ]

 خلقنا تعالى لِيَرْحَمَنا ، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى خلقنا لِيُعَذِّبنا ، وجاء بنا إلى الدنيا لما عالَجَنا كما عالَجَ بَقِيَّة الناس ، قال تعالى :

﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾

[ سورة الزخرف الآية : 33 ]

 لذا دليل مُعالَجَة الله لِكُلّ الناس ، الناس جميعًا خُلِقوا لِيُرْحَموا .
 ثمَّ يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]

 الاسم الجامِع لِكُلّ الأدْيان السَّماوِيَّة هو الإسلام ، ولا يوجد نبيّ على الإطلاق إلا وهو مُسلم ، والإسلام بِمَفْهومِهِ الواسِع هو الاسْتِسلام لأمْر الله ، فَكُلّ دين سَماوي اتِّباعُهُ هو الإسلام ، وهو بِالمَفْهوم الضيِّق الرِّسالة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام ، أما المعنى الواسِع ؛ كُلّ طاعَةٍ لِمَنْهج الله هو من الإسلام ، فالآية جاءت هنا

﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 91 ]

 مِمَّن اسْتَسْلم لله تعالى ، وأطاعَهُ .
 ثمّ قال تعالى :

﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 92 ]

 فالإنسان مِن دافِعِ حُبِّه نفْسَه ، ومِن دافِعِ حبِّ وُجودِه ، ولاسْتِمْرار وُجودِه يجب أن يكون مُطَبِّقًا لله عز وجل ، لأنَّ الخير كُلَّه يعود عليه ، قال تعالى :

﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 93 ]

 ما مِن مؤمن على الإطلاق ، يخطبُ وُدَّ الله بِطاعةٍ وقِيام ليل وتِلاوَة قرآن واسْتِغفار وذِكْرٍ إلا وَيُريهِ الله من آياتِه ، ولا تظن أنّ من يمْشي مع الله بِقَناعاتٍ ليس إلا ، بل الأمر أبْلَغ من ذلك ، وكلّ من تقربَ إلى الله تقرَّب إليه الله ، وذلك بالتَّوفيق والتَّأييد والنّصْر وانْشِراح الصَّدْر والثِّقة بالله عز وجل ، فهذه هي التي تدْفع الإنسان إلى المزيد من طاعة الله عز وجل ، فلذلك قال تعالى :

﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 92 ]

 سَيُريكُمْ آياتِهِ ، وأنا أقول لكم هذا الكلام وأنا أعرف ما أقول : لا يوجد واحِد من الحاضِرين ، وأنا معكم إذا أخْلصَ لله ، وآثَرَ مرضاة الله ، فلا بدّ مِن أن يُرِيَهُ الله مِن آياتِهِ، والآيات خَرْقٌ للعادات ، قد يكون الواحِد بِمُشْكِلَة كبيرة فَتَنْزاحُ عنه دون سبب وتنْصرف عنه وهو مُطْمَئِنّ ، ويكون له ضَعْف نفْسي فَيُقَوِّي الله له نفْسه ، وله أعداء يقْمعهم الله ، آياته شيء غير مألوف ، لذا أيُّ إنسان يستقيم على أمْر الله ، ويُطيعُهُ مُخْلِصًا فلا بدّ مِن أنْ يُرِيَهُ مِن آياتِهِ فمَن طلبَ العفاف يسَّر الله له الزواج ، ومَن طلب الرِّزق الحلال فالله يُيَسِّر حرامًا ، لذا ما مِن واحِدٍ إلا وأرى الله له آياتِهِ ؛ حِفْظًا وتَوْفيقًا وتأييدًا ونَصْرًا فالله إن تقرَّبْت إليه شبْرًا تقرَّب إليك ذِراعًا ، وإن تقرَّبْتَ إليه ذِراعًا تقرَّب إليك باعًا ، وإن أتَيْتَهُ مَشْيًا أتاك هَرْولةً ، لذا ما عليك إلا أنْ تتحرَّك وعلى أوَّل حركة تجد تغيُّر في المعاملة ، قال تعالى :

﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾

[ سورة النمل الآية : 92 ]

تحميل النص

إخفاء الصور