وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة الشعراء - تفسير الآيات 83 - 89 ، الكبر والخيانة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الثالثة والثمانون التي تمَّ شرحها في الدَّرس الماضي، وقد وَقَفْنا وقْفةً طويلة عند الحُكْم، وكيف أنَّ الله سبحانه وتعالى إذا أحَبَّ عبْدًا منَحَهُ حُكْمًا، والحُكم العِلْم مع الحِكْمة، والحِكْمة الاسْتِفادة من العِلْم، والعِلم من دون تَطبيق لا جَدْوى منه:

وعالمٌ بِعِلْمِهِ لم يعْمَلَــن  مُعَذَّبٌ من قبل عُبَّاد الوَثَن
***

 والعِلْم بلا عَمَل كالشَّجَر بِلا ثَمَر، وتَعلَّموا ما شِئْتم فو الله لن تُؤجروا حتَّى تعملوا بِما علِمْتُم.
 قوله تعالى:

 

﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) ﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 هذا مِن تَواضُعِ الأنبياء، فَهُوَ يَدْعو ربَّهُ أن يكون مُلْحَقًا بالصالحين كما الإمام الشافعي:

 

أُحِبُّ الصالحين ولسْتُ منهم  لعلِّي أن أنال بِهم شفاعـــة
وأكْرهُ مَن بِضاعَتُهُ المعاصي  ولو كنا سواءً في البِضاعَــة
***

 لا يَدخل الجنَّة مَن كان في قلبِهِ مِثْقال ذرَّة مِن كِبْر ؛ لأنَّ الكِبْرَ يتناقَض مع العُبودِيَّة لله عز وجل، فالعُبودِيَّة لله تعالى قد تَشوبُها أخْطاء كثيرة إلا أنَّ ذَرَّةَ كِبْرٍ تتناقَضُ مع العُبودِيَّة، كما أنَّ اللَّبَن يُمكنُ أن يُضاف إليه خمْسة أمثال حجْمِهِ ماءً، أما نقْطة نفْط واحِدَة تُفْسِدُ هذا اللَّبَن،
 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ))

 

[رواه البخاري]

 فالمُتَكَبِّر مَحْجوبٌ عن الله عز وجل، لو لم تُذْنِبوا لَخِفْتُ عليكم ما هو أكبر، قال عليه الصلاة والسلام: العُجْب العُجْب. لكن هناك نقطة وهي ؛ كيف يُوَفِّقُ الإنسان بين خِدْمَتِهِ للخَلْق وبين قِيادَتِهِ لهم ؟! للخَليفة عمر بن الخطَّاب قَوْلٌ رائِعٌ في هذا الموضوع، وفي التَّوْفيق بين الوَظيفَتَيْن فقد قال: أُحِبُّ أميرًا إن كان أميرًا بدى وكأنَّهُ واحِدٌ منهم، وإن لم يَكُن أميرًا بدى وكأنَّهُ أمير، إذًا غيرَتُهُ على المَصْلَحَة العامَّة تَجْعَلُهُ يُؤَمِّرُ نفْسَهُ، فهُوَ إن لم يكن أميرًا أخَذَ دَوْر الأمير ! وهذا الخليفة العظيم قال: لسْتُ خيْرًا من أحَدِكم، ولكِنَّني أثْقَلُكُم حِمْلاً، فالإمارة لها وَجاهَة ومَسْؤولِيَّة، وسيِّدُنا عمر يُريد أميراً إن كان حقيقةً بين أصْحابِهِ بدى وكأنَّهُ واحِدٌ منهم، ولم يعبأ بِالمَظْهر ولا الوَجاهَة، وإن لم يَكُن أميرًا بدى وكأنَّهُ أمير، وأخذَ مُهِمَّاتِها ووظائِفَها، وما صُنِعَت له.
 قال تعالى:

 

﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 النبي عليه الصلاة والسلام وصَف المؤمن أنَّه يخطئ ويرْتكِبُ بعض الذُّنوب ولكن لا يَكْذِب، لأنّ الإنسان إذا كذَب فليس هو بِمُؤْمِن، وورَدَ حديث وهو مِن أدَقِّ الأحاديث، والآن عِلْم الطِّباع مِن علم النَّفس يُؤَكِّدُ هذه الحقائِق تَجِدُ أَخَويْن تَوْأمَيْن ومِن بُوَيْضَة واحِدَة ؛ هذا له طَبع وهذا له طَبْع، يقول عليه الصلاة والسلام:
 عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ))

 

[ رواه أحمد ]

 فقد تَجِد مؤمنا مُنْفَتِحا، وآخر مُنْغَلِقا، وقد تجد مؤمنا مرِحا، وآخر عَبوسا، وقد تَجِد مؤمنا اجْتِماعيا، وآخر انْعِزاليا، وذاك أنيق والآخر أقلّ أناقَة، قد تجِدُ مؤمنًا يعتني بِطَعامِهِ عِنايَةً فائِقَة، والآخر لا يعتني هذه كُلُّها طِباع، هذا سريع الغضب وذاك بطيء الغضب وهادىء المزاج وآخر عصبي المزاج، وآخر بينهما، آلاف الطِّباع.
 أصل الخِيانة والكَذِب تتناقض مع الإيمان، لذلك حينما يكْذب الإنسان يسْقط مِن عَين الله، ويسقط مِن عَين الناس، فالإنسان يَحْتَمِل من صديقِهِ آلاف الأخْطاء إلا أن يكْذِب عليه ! يقول عليه الصلاة والسلام:
 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ ))

 

[ رواه أبو داود ]

 أصحاب الحِرَف، ومنهم المُحامون والأطِبَّاء، والمهندسِّون، وكذا المدرسون، يقول لك الطبيب: تحْتاج إلى عَمَلِيَّة فَوْرِيَّة وهو ليس كذلك والمريض مُسْتَسْلِم وواثِق ويُصَدِّقُه، فإذا فَعَل الطبيب هذه الفِعْلة كي يأخذ الثَّمَن فهذه خِيانَة، والمُحامي يعْلم عِلْم اليقين أنَّ هذه الدَّعْوَة خاسِرَة يقول للمُوَكِّل: سوف ترْبَحُها، وهو يعلم أنَّها خاسِرَة، وهذه النتيجة قد يعلمها بعد ثماني سنَوَات، ويكون قد أخَذَ منه الكثير ؛ هذه خِيانَة، وكذا كُل المِهَن، وهذه أساسُها الثِّقة، فالنبي يقول:

 

(( كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ ))

 

[ رواه أبو داود ]

 والله أيها الإخوة، الإنسان إذا كذَب على الناس، ولو يُسَمِّيه الناس مِلْح الرجال، هذا البيْع المَبني على الكذب، يقول عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي سُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ الَّتِي يَقْتَطِعُ بِهَا الرَّجُلُ مَالَ الْمُسْلِمِ تَعْقِمُ الرَّحِمَ ))

 

(رواه أحمد )

 يحْلف بالله أنَّ رأس مالها أكثَر ! ونحن عندنا قاعِدَة: اليَمين على نِيَّة المُسْتَحْلف لا على نِيَّة الحالِف ؛ لذلك كما قال تعالى:

﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)﴾

[ سورة الشعراء ]

 أشْرَف ثَوْب تَرْتديه أن تكون صادِقًا، كُنْ فقيرًا وضعيفًا ولكن لا تَكْذِب لأنَّك إن كذَبْت تسقُط من عَين الله، ووالله أيها الإخوة، لأَنْ يسْقُطَ الإنسان مِن طائرة على ارْتِفاع أربعين ألف قدم أهْوَنُ مِن أن يسْقُطَ مِن عَيْن الله، لأنَّهُ إذا بَقِيَ عند الله مُكَرَّم فالله تعالى يُعَدِّل كُلّ شيء، لذا صِفَةُ المؤمن أنَّهُ صادِق، لما سأل النَّجاشي سيِّدَنا جَعْفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، قال له أربع صِفات مرْكَزِيَّة قال له: حتَّى بعث الله فينا رجلا نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسَبَه.
 قال تعالى:

 

﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 والله أيها الإخوَة، لو لم يَكُن في كتاب الله إلا هذه الآية لَكَفَتْنا، أربعة آلاف مليون يموت ويترك كلّ شيء، بيْتُهُ يُوَزَّع، وثِيابُهُ كذلك، أشياؤُهُ الثَّمينة يأخًُذها أولادهُ، ولكن ما الذي ينْفَعُكَ ؟ إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ! قلبٌ ليس فيه غِشّ ولا حسَد ولا كِبْر ولا شِرْك ولا كُفْر، رأسُ مالِكَ الذي يُسْعِدُكَ إلى أبد الآبدين هو قلبُكَ السليم، وهذا كلام ربِّ العالمين لذلك قال سيِّدنا عمر: تعاهَد قلْبَكَ، قال تعالى :

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 القلبُ السليم ثَمَن الجنَّة، وهو يحْتاج الاتِّصالٍ بالخالق، والاتِّصال يَحتاج إلى طاعة، والطاعة تحْتاج إلى معْرِفَة، تعْرِفُهُ فَتُطيعُهُ فَتَتَّصِلُ به، فيَسْلَمُ قلبُه، ويكون هذا الأخير ثَمَن الجنَّة، فأنت تعرفُهُ من كَوْنِهِ وآياِتِه الكَوْنِيَّة، ومن آياتِهِ التَّكْوينِيَّة ؛ أفعالهُ، ومن آياتِهِ القرآنِيَّة فالمؤمن قلبهُ سليم، والذي في قلبهِ على لِسانِهِ، وسريرتهُ كَعَلانِيَّتِه وخَلْوتهُ كَجَلْوَتِهِ، وسفرُهُ كَحضرِه، وفي بيتِهِ كما في عملِهِ، لا يوجد عنده مُعْلن وغير مُعْلَن، ومظْهر ومخْبَر ؛ قلبهُ سليم، قال تعالى:

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 لذلك الله ربُّ النوايا كما يقول العوام، هنيئًا لِمَن كان قلبُهُ سليم، هو المَحْفوظ وهو الذي يُدافِعُ عنه الله، وهو الذي يُعْليه، أما صاحِب القلب الخبيث في أسفل السافلين، ومُلَخَّص الدرس أنَّ الخمسة آلاف مليون إنسان الآن على وجه المعمورة هم رجلان ؛ مَوْصول، وقلبهُ سليم ومُنْضبِط ومُحْسِن وسعيد، وآخر مَقْطوع وذو قلب غير سليم، ومُتَفَلِّت وشَقيّ، ولن تجِدَ إنسانًا آخر، وهذا في الدنيا والآخرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
 عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ:

 

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ ))

 

[ رواه الترمذي]

 لماذا الصُّعوبات في الحياة ؟ هانَ أمْرُ الله علينا، فَهُنَّا على الله ! المؤمن غالي على الله تعالى، أما لما يسْتهين يخرج من ظل الله، فَيُعامَل مثل مُعامَلة الباقين أما إن أردْت أن تُعامَل مُعامَلة خاصَّة، يجب أن تكون تحت طاعة الله، قال عليه الصلاة والسلام:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))

 

[ رواه البخاري ]

تحميل النص

إخفاء الصور