وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 03 - سورة الفرقان - تفسير الآيات 45 - 47 ، معرفة الآمر قبل الأمر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، الآية السادسة و الأربعون من سورة الفرقان و هي قوله تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)﴾

(سورة الفرقان)

 أيها الأخوة، لماذا نجح النبيُّ أعظمَ نجاح في تربية أصحابه وبثِّ الإيمان في قلوبهم و حملهم على أن يكونوا أبطالا بينما الدعوات المعاصرة لم تنجح في ذلك المضمارِ ذلك النجاح الذي حقَّقه النبيُّ.
 الذي يبدو أن النبيَّ بدأ بتعريف الناس بربِّهم فلما عرفوه عرِّفهم شريعتَه، و النقطةُ الدقيقةُ أنه ينبغي أن تعرف الآمرَ قبل الأمر، لأنك إذا عرفتَ الآمر قبل الأمر تفانيتَ في طاعته و إذا عرفتَ الأمر و لم تعرف الآمرَ تفنَّنْتَ في التفلُّتِ من طاعته، لذلك ما معنى هذه الآيات الكثيرة التي أشار القرآنُ إليها ؟ قال تعالى:

 

﴿أَلَمْ تَرَ﴾

 

(سورة الفرقان)

 أي هل رأيتَ، و يعني أُنظُرْ، فأنت الآن أمام أمر إلهيٍّ الذي يفيد الحضَّ، قال تعالى:

 

﴿أَلَمْ تَرَ﴾

 

(سورة الفرقان)

 قال تعالى:

 

﴿ قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ(101)﴾

 

(سورة يونس)

 و قال تعالى:

 

﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾

 

(سورة آل عمران)

 قال تعالى:

 

﴿فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)﴾

 

(سورة عبس)

 و قال تعالى:

 

﴿فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)﴾

 

(سورة الطارق)

 و قال تعالى:

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)﴾

(سورة الغاشية)

 هذه الآياتُ الكثيرة التي وردتْ في كتاب الله أوامرُ يقتضي أن تُنَفَّذ

 

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾

 

(سورة الفرقان)

 متى يسكنُ الظلَّ ؟ إذا توقفت الأرضُ في دورتها حول الشمس، الأرض تدور حول الشمس و حول نفسها دورةً في كلَّ يوم، و حول الشمس دورةً في كلِّ عام، و من دورتها حول نفسها ينشأ الليل و النهارُ، ولو أنها توقَّفتْ عن الدورانِ لأصبح الوجه المقابلُ للشمس تزيد حرارته عن ثلاثمائة وخمسين درجة، و عندها تتوقفُ الحياةُ، أما الوجه الآخر فتصل حرارتُه إلى مائتين و سبعين تحت الصفر، فمن دورة الأرض حول الشمس ينشأ الليل والنهار، و لكنْ هذه الدورة على محور ليس موازيًا لدورانها حول الشمس، وإلا كانت الأرضُ واقفةً، وجه ثلاثمائة وخمسون فوق الصفر و وجه أخر مائتان و سبعون تحت الصفر، الحياة منتفيةٌ، إذاً هي في محورٍ ليس موازيا لمحور دورانها حول الشمس، و لو كان المحورُ عموديا لانعدمَت الفصولُ، أما هذا الميلُ فيجعل الشمس عموديةً في القسم الشمالي و في الدورة التالية يجعل الشمسَ عموديةً في القسم الجنوبي فتنشأ الفصولُ الأربعةُ، الليل والنهار ينشأ من دورانها في محور ليس موازيا لمستوى دورانها حول الشمس، و الفصول الأربعة تنشأ من ميلِ محورها، و الأرضُ في دورتها حول الشمس تقطع ثلاثين كيلومتر في الثانية الواحدة، هذه الحقائق بديهية نسير في درس الطاووسية الذي لا تزيد مدَّتُه عن ربع ساعة نسير سبعًا وعشرين ألف كيلومتر، هذه حركة الأرض حول الشمس، أما الشمس فملتهبةٌ ذوقها لمليون و ثلاثمائة ألف أرض، و طول بعض ألسنة اللهب مليون كيلومتر، و عند الخسوف تبدو الشمسُ قرصًا أسودَ و حولها ألسنةٌ من اللهب، درجة حرارتها في مركزها عشرون مليون درجة، بمعنى أن الأرضَ لو أقِيتْ فيها لتبخَّرتْ في ثانية واحدة،

 

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾

 

(سورة الفرقان)

 أنت مكلَّفٌ أن ترى، هذه الدماغُ أثمنُ جهاز أودعه الله فيك، ليس من أجل أن توقِع بين الناس العداوةَ و البغضاء و لا من أجل أن تأكلَ أموالَ الناس بالباطل، و لا من أجل أن يُوَظَّفَ الذكاءُ في اغتصاب أموال الناس و الاعتداء عليهم، هذا الدماغ الذي أودعه الله فيك من أجل أن تعرف اللهَ،

 

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾

 

(سورة الفرقان)

 فحينما يمتدُّ الظِّلُّ، معناه أن الأرض تدور حول نفسِها والشَّمس ثابتة، فَدَليل دوَران الأرض حول نفْسِها، أما لو أنَّها تَدور ونحسُّ أنَّها تدور فهذا شيءٌ غير مَعْقول، لكِنَّها ثابِتَة، تَجِدُ بناءً عُمرهُ ثلاثون سنة، لا يَحوي شَقًّا، فهل للإنسان أن يَخْتَرِعَ مرْكَبَةً تسير في الثانية الواحِدَة ثلاثين كيلو متر، ولا تَهْتزُّ إطلاقًا، فالطائرة تضْطرب والقِطار يضْطرب، وكذا السيارة، فهذا الثبات المطلق، قال تعالى:

 

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾

 

(سورة الفرقان)

 امْتِداد الظِّل يعني دَورة الأرض حول نفْسِها.
 والقمر يدور حول الأرض دَوْرةً مرةّ في الشَّهْر، ولكن هذه الدَّورة تتميَّز بأنَّهُ ينْزل منازِل؛ مِن هلال إلى بدْر إلى محاق، فالقمر جعلَهُ الله تعالى تَقْويمًا لنا في السَّماء، قال تعالى:

 

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(5)﴾

 

(سورة يونس)

 فنحن عندنا دورة الأرض حول الشَّمس، ودَورة القَمَر قال تعالى:

 

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾

 

(سورة الفرقان)

 لو سَكَنَ الظِلّ لتَوَقَّفَتْ الأرض عن الحركة، والشيء العَجيب أنَّهُ يوجد بالكَون أشياء ثابتة، وأخرى مُتَحَرِّكة، فالثابتة دَوَرانُ الكواكب والنُّجوم، وهذه تُعْطي طمأنينة، وثبات، فلا يوجد يوم خالي من الشَّمس، فالجبَلُ جبل، والسَّهل سهلاً والبحر بحرًا، والقمر قمر، فالمواد لها خصائص ثابتة، فثَبَاتُ حركة الأفلاك، وثباتُ خصائص الأشياء ؛ هذا مِن أجل أن يسْتقرَّ النِّظام في الأرض، ولكن تبدُّل الرِّزق، وتبدُّل هُطول الأمطار، وتبدُّل الطَّقس والرِّياح ؛ هذا مِن أجل التَّرْبِيَة، فربُّنا عز وجل ثبَّتَ أشياء لِيُريحَنا وحرَّك أشياء لِيُرَبِّينا، فالمُتَحَرِّكات أدواتُ ترْبيَةٍ، والثَّوابت أدواتُ طمأنينة.
 ثمَّ يقول تعالى:

 

﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45)﴾

 

(سورة الفرقان)

 لولا أنَّ هناك شمسٌ تُلقي ضَوْءها على الأرض لما اخْتَلَفَ الظِّلّ، ففي الظلام الدامس لا يوجد ظلّ، مِن أين يأتي الظِّل ؟ مِن مَنْبَعٍ ضَوئي، يقف أمامه جِـسم كتيلٌ ينشأ عنه ظِلّ، و لو كان الجسمُ شفَّافًا فلن يكون له ظلٌّ، فأشار الله عز وجل إلى نعمة الشمس وإلى نعمة حركة الأرض و إلى أن تبدُّل، فلو وُجود الشَّمس لما رأيتَ الظِّل في الأرض إطلاقًا قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46)﴾

 

(سورة الفرقان)

 أحيانًا تكون بِغُرْفَة ذي إضاءةٍ جيِّدة، أطفأنا الضَّوء فجْأةً فإذا بِنَا نشْعُر بالضِّيق، أو إذا كُنَّا نائِمين وأشعَلنا الضَّوء فجأةً، ويحدُث ما يُسَمَّى بالانْبِهار أما الله عز وجل مِن لُطْفِهِ الشَّمس تغيب، وتبقى الأرض مُنيرةً إلى ثلث ساعة، وبعد ثلث الساعة يدخل الليل شيئًا فشيئًا، وبعد ساعة وربع ظلامٌ دامِس، هذا اللُّطف من الله عز وجل، وهكذا الفجر، فَغِياب الشَّمس ثمَّ غِياب الشَّفق ثانيًا، ثمَّ مجيء الليل ثالثًا، ثمَّ مجيء الضَّوء أوَّلاً ثمَّ ظُهور قرص الشَّمس ثانيًا ثمَّ انْتِشار الضَّوء ثالثًا، قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46)﴾

 

(سورة الفرقان)

 تداخل الليل و النهار تداخلٌ لطيفٌ متدرِّجٌ،قال تعالى:

 

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)﴾

 

(سورة الفرقان)

 فالله عز وجل جعل للإنسانِ أعصابًا و له مستقبِلات، فالعين تستقبل و الأذن تستقبل و اللسان يستقبل و الأنف يستقبل و الجلد يستقبل، هذه الحواس الخمسُ تستقبل المؤثِّراتِ وتنتقل هذه الإشارات الكهربائية عبر الأعصاب، و العصبُ عبارة عن نواةٍ وهيولى و استطالة عصبية، و الخلية العصبية مثل الأخطبوط لها ذنبٌ طويلٌ جدًّا، هذا الذنَب الطويل يتصِّل بطرف خلية عصبية ثانية، فما هو النوم ؟ هو تباعدُ هذه الأعصاب عن بعضها، فإذا جاء المؤثِّرُ يرى المسافةَ واسعةً لا يقفز، هذا هو النوم، فالنائم لا يسمع الأصوات، أما إذا كان الصوتُ مخيفا تتجاوز الفراغ فيفيق النائم ؛ هذه آلِيَّة النوم، وجميع الأدْوِيَة المُهدِّئة تُباعِدُ بين الأعْصاب وجميع الأدْوِيَّة المنشِّطة تُقرِّبُ بين الأعصاب، فالإنسان إذا أخذ دواءً مُنَشِّطًا لا ينام لأن الأعصاب تكون مُتقارِبَة، قال تعالى:

 

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)﴾

 

(سورة الفرقان)

 فالإنسان ولو نام في النَّهار فلا يسْتريح وكذا الضَّجيج، وأنا أعرف أحدهم لا يستطيع النوم في الليل، لذا نِعمة النَّوم لا تَعدِلُها نِعْمة، ينام الإنسان فترتاح أعصابُه، و تنزل ضرباتُ القلب إلى خمسٍ و خمسين، فإذا أ جهد الإنسان نفسَه فهو معرَّضٌ لجلطةٍ في القلب، و إذا لبا تنام النوم الكافي يتعب قلبُك، و النبيُّ علَّمنا إذا نعس الواحدُ أن ينامَ، و إلا لا يستفيد من العبادة، قال تعالى:

 

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)﴾

 

(سورة الفرقان)

 ومهما جعلتَ من الإضاءة في الليل فليست كضوء الشمس، قال تعالى:

 

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)﴾

 

(سورة الفرقان)

تحميل النص

إخفاء الصور