وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 22 - سورة يوسف - تفسير الآيات 106 - 108 الشرك نوعان: جلي وخفي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، لازلنا في سورة يوسف عليه السلام وقد انتَهَينا منها قبل درْسَيْن، وبدأتْ التعقيبات القرآنية على هذه القصَّة، قال تعالى:

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾

[ سورة يوسف ]

 أيها الإخوة، الشرك نوعان: شرك جلي، وشِرك خفي، فالجلي أن تعبد صَنَمًا من دون الله، أما الشِّرْك الخفي أن تُعَلِّقَ أمَلاً على إنسان وأن تتوهَّم أنَّ هذا الإنسان بِإمكانِهِ أن ينفَعَكَ أو يضرَّك أو يُقَرِّبَك أو يُبْعِدَكَ، فإذا علَّقْتَ الأَمل على جهَةٍ غير الله عز وجل ولْيَكُن المال أو الجاه أو زوْجة أو ابنًا، فإذا اتَّكَأتْ على غير الله، ووثِقْتَ الآمال على غيره فقد وَقَعْتَ في الشِّرْك الخفي، ويقول عليه الصلاة والسلام:

((الشرك الخفي...دبيب النملة السمراء...".))

 وأدناه أن تُبغض على عدْل أو أن تُحِبَّ على جَوْرٍ، فلو كنتَ تُحِبُّ شَخْصًا ولم يكن مُسْتقيمًا وليس مُنْصِف، فأنت أشْرَكْتَ، وآخَرَ نصَحَكَ بِإخْلاص فَغَضِبْتَ فقد أشْرَكْتَ نفْسَكَ مع الله، فإذا أبَيْتَ أن تنْصاع إلى الحق فقد أشْرَكْتَ، وقد يكون ابن وزوْجة ولكن ليسوا مستقيمين ومُنحرفين، لذا أدنى أنواع الشِّرْك أن تُحِبَّ على جَوْر، وأن تُبغض على عدْل، والشِّرْك الخفي قلَّما ينجو منه أحد، ولكن عِلاجُهُ أنَّ الله يتولى تأديب من وقعَ في الشِّرْك الخفي، فأنا لا أقول أنَّ هذا الشرك يُخْرِجُكَ من الدِّين ‍! إنَّما ذاك الشرْك الجلي، هو الذي يُخْرجُك من الدِّين، وكذا إن اعْتَزَزْت بِنَفسك، كأن تقول: خبرتي بالشِّراء أعلى خِبْرة، يُعطيك الله تعالى صفْقة تخسر فيها الكثير، فإذا اعْتمَدْت على خبرتك أو مالِك أو جاهك أو شخص، ولكن إن اعتَمَدَ الله وفَّقه الله وكما قلتُ البارحة: صحابة رسول الله ومعهم رسول، وخاضوا بدْر وأحد والخندق، وباعوا أنفسهم، فأعلى مستوى في البشر بعد الأنبياء الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومع ذلك حينما قالوا: لن نُغْلَب من قِلَّة ! أدَّبَهُم الله عز وجل وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال تعالى:

 

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾

 

[ سورة التوبة ]

 طبْعًا أنا أُعيد هذا الموضوع لِفائِدَتِه وكل يوم أيها الإخوة لكم مائة درس مُتَعَلِّق بِبَدْر وحُنَيْن، فأنت إذا قلت فلان تخلى الله عنك، وإذا قلت الله تولاَّك، فإذا أرَدْتَ أن يتولاَّك الله فاعْتَرِف بِضَعْفِكَ وجَهْلِكَ وافْتِقارِك لله، ومن اتَّكل على نفْسِهِ أوْكَلَهُ الله إياها، فأنت دائِمًا بين حالَيْن حالة التَّوَلِّي مع العُبودِيَّة، وحالة التَّخَلِّي مع الشِّرْك الخفيّ، والشرك الخفي قلَّما ينْجو منه مؤمن، ولكنَّ الله يُؤَدِّبُهُ، وهناك مليون قِصَّة على هذا الموضوع، فإذا دعا المرء الله تعالى وقال: يا رب، تولاَّه وليَّنَ له قلبَهُ، وإذا قلتَ فلانًا تجد أنَّ ذاك يُعامِلك بمُنْتَهى الفضاضة، ودائِمًا يُلْهم الله من أشركْتَهُ معه أن يُخَيِّبَ ظنَّك، لذلك العُقَلاء هم الذين اعْتَمَدوا على الله، لهذا قال الله تعالى:

 

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 وقال تعالى:

 

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 ثم قال تعالى:

 

﴿أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 آيةٌ آمنة ومطمئنَّة فجأةً ترى نفسها تحْترق، وصاعقة تنزل إلى مستودعات النَّفْط، وكذا الزلازل فهذا الذي يعصي الله تعالى على مَن يعْتَمِد ؟ الإنسان في قبْضة الله عز وجل:

 

﴿أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)﴾

 

 اسْمعوا الآن:

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[ سورة يوسف ]

 كلّ مَن يدْعوك إلى الله تعالى على غير بصيرة فهو على غير سبيل رسول الله عليه الصلاة والسلام، والبصيرة الدليل والتَّعْليم والنَّص القرآني، فأنت لا تكون مُحْتَرَمًا إلا إذا تكَلَّمْتَ بالدليل فهذه حلال لقوله تعالى وهذه حرام لقوله تعالى، لذا:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 فكُلّ من يدعوا على بصيرة فهو على منهج رسول ا لله صلى الله عليه وسلَّم، والإنسان إذا قال: كلامي هو الشَّرْع، وما أقولُهُ هو الحقّ، وما أقول عنه باطلاً فهو باطل، فهذا إشراك نفْسَهُ مع لأنَّه دعا إلى الله بِمَصْلَحَتِهِ، يقول: هذا حرام ويكفي دون أن يأتي بالدليل فهذا مُشْرِك، والمُشَرِّع هو الله، إذًا أيَّةُ دَعْوَة وٍ إلى الله تعالى على غير بصيرة، فهي طريقة على غير ما أراده الله ورسوله ويكون هذا قد أشرك، والدليل:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 وما أنا من المشركين، حتى أدْعوكم برأيي الشَّخْصي، فالدَّعوة لا بدّ أن تكون وِفق الشَّرْع وبه منْضبطة فالصحابي الذي أمَّره رسول الله، ثمَّ أمرهم هذا الصحابي أن يقْتَحِموا نارًا فقالوا: كيف نقتحمُها وقد آمَنَّا بالله فِرارًا منها، فقال بعضهم: نُطيع الأمير واخْتَلَفوا، فعرضوا أمْرهم على النبي عليه الصلاة والسلام:

((والله لو اقْتَحَمْتُمونا لا زلتم فيها إلى يوم القيامة، إنَّما الطاعة في مَعْروف))

 فالعَقْل لا يُعَطَّل أبَدًا، اُدْعوا الله على بصيرة، فَكُل شيء تؤمن به لا بد له من الدليل، ورفْضُك الشيء لا بدّ له من دليل.
قال تعالى:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

 

[ سورة يوسف ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور