وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 16 - سورة يوسف - تفسير الآيات 58 - 65 التعامل لا يكون إلا مع الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة المؤمنون، هم لم يعرفوه ولكنه هو عرفهم، وهذا تفسيرها سهل، أحيانًا يكون مُدَرِّس درَّسَ ثلاثين سنة، وعلَّم الصِّغار، وفَهُوَ شَكْله ثبت بعد الخامسة والعشرين، ولكنهم هم كانوا صِغارًا، فحينما يرى بعدها طالِبًا له لا يعرفُهُ، أما الطالب يعرفُهُ، فسيِّدُنا يوسف كان صغيرًا حينما وضَعوه بالبئر، ويعرفهم تمامًا، وكانت أشْكال أخوته ثابتة، وهو كان صغيرًا، وهم ظنُّوا أنَّه مات، وأنهم حينما وضَعوه بالبئر لقي حتفه وانتهى الأمر.
 دخلوا على عزيز مصر الآن، لذلك الآية:

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾

[ سورة يوسف ]

 ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومشيئة الله تعالى هي النافذة وهو القاهر، والمُهَيْمِن، وهو الذي إذا قال: كُن فيكون، وزُل فَيَزول فكل إنسان يتعامل مع غير الله فهو مسكين، فهذا يتعامل مع الأصفار فهذا لا يتعامل مع قوَّة وإنَّما شبح وظِلّ ووَهْم، فالله عز وجل يقول:

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

(سورة الفتح)

 وقال تعالى:

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾

[ سورة الأنفال ]

 فالتعامل مع لا سِوى الله تعالى تعامل مع اللا شيء، وتعامل مع خيال ووهْم وشبَح، وتعامل مع كذب ودَجَل، قال تعالى:

﴿مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2)﴾

[ سورة فاطر ]

 قال تعالى:

 

﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 علَّق إعطاء حصَّتِهم لهم من الميراث في العام القادم على أن يأتوا بِأخيهم مِن أبيهم.
 قال تعالى:

 

﴿قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 أي لا نظنّ أنَّه أبانا سيَسْمحُ لنا بأن نأخذ أخًا لنا ! لأنَّهم علموا ما فعلوه، قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 فَحَسب السِّجِلات الأخ غائب، فإذا لم يأت لم يأخذ حِصَّتَهُ، فهو قال لهم: لن تأخذوا حِصَّتَهُ إلا إذا جاء، فهو جعل حِصَّتَهُ في رِحالهم.
 قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 مُنِعَ منهم كَيْلُ أخيهم قال تعالى:

 

﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 هناك مثَل يقول: مَن جَرَّبَ المُجَرَّب كان عَقْلُهُ مُخَرَّب، قال تعالى :

 

﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 ورَدَ بالأَثَر القُدسي أنَّ الله تعالى يقول لِبَعض عِبادِهِ الأتْقِياء يوم القيامة:

((عبدي أعطيتك مالاً، فماذا صَنَعْتَ فيه ؟ فيقول هذا العبد - ولا كذب هناك -: لم أُنْفِق منه شيئًا مَخافَةَ الفَقْر على أولادي، فيقول الله عز وجل: ألم تعْلَم بِأنِّي أنا الرزاق ذو القوَّة المتين ؟ إنّ الذي خشيتهُ على أولادك من بعدك قد أنْزَلْتُهُ بهم، ويقول لِعَبْدٍ آخر: قد أعْطَيْتُك مالاً، فماذا صَنَعْتَ فيه ؟ فيقول: يا رب، قد أنْفَقْتُهُ على كُلِّ محتاجٍ ومسْكين، لِثِقَتي أنَّك خيرٌ حافظًا وأنت أرْحَمُ الراحمين، فيقول الله عز وجل: أنا الحافظ لأوْلادِكَ مِن بعْدِك ))

 فالرَّجُل الصالِح، ولو مات فإنَّك هو الذي تكفَّل بِهم، وهو الذي يُكْرمهم، ويُعلي شأْنَهم، فأنت كُنْ صالِحًا مع الله تعالى فقط، أما الذي يقول لك: أنا إن لم أَغُشّ لا أستطيع أنْ أُطْعِمَ أوْلادي ‍! فهذا شِرْك، يكْذِب ويَغُشّ كي يُطْعِمَ أوْلاده.
 إذا ترك الإنسان ثرْوَة حرام لأولاده يقول: يا أهلي، يا ولدي لا تلْعَبَنَّ بكم الدنيا كما لعِبَتْ بي، جَمَعْتُ المال مِمَّا حلَّ وحَرُم، وأنْفَقْتُهُ في حِلِّه وفي غير حِلِّهِ، فالهَناء لكم والتَّبِعَةُ علينا.
 وورَدَ في الأثر:

(( أنّ أنْدَمَ الناس يوم القيامة رجُلٌ دَخَلَ ورَثَتُهُ بِمالِهِ الجنَّة ودخل هو بِمَالِهِ النار ))

 المال نفسُهُ ؛ جُمِعَ بالحرام فدخل النار، ووَرِثَهُ أهْلُهُ بالحلال فأنْفَقوه بالحلال فدخلوا الجنَّة، لذلك دِرْهَمٌ تُنْفِقُهُ في حياتِك خير لك من ألف درهم يُنْفَقُ بعد مماتِك.
 بِعُمْرٍ قصير شَهِدْتُ أكثر من مائة وَصِيَّة لم تُنَفَّذ، أحدهم يَضَع وصِيَّة بمائة ألف للفقراء، فيقول الأولاد: إنَّ أبانا لم يكن بِعَقْلِهِ !! لا تكن تحت رحمة أحد، قدِّم مالك وارْتاح، فالورَثَة قد لا يُنَفِّذوا الوصِيَّة، فالآن إذا لم تكن هناك وَصِيَّة عند كاتب العَدْل، ومُصَدَّقة وشُهود فلا تُنَفَّذ.
 قال تعالى:

﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ(65)﴾

[ سورة يوسف ]

 اسْتَغْربوا أنَّ البِضاعة التي مُنِعوا منها وَجَدوها في رِحالهِم، فقالوا: إن ذَهَبْنا بأخينا نأخذ حِصَّة ثانِيَة أخرى، وفي درس قادِمٍ نُتابِعُ القصَّة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور