وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 13 - سورة يوسف - تفسير الآيات 50 - 54 المؤمن عزيز.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، لازِلنا في قِصَّة يوسف عليه السلام، قال تعالى:

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)﴾

[سورة يوسف]

 إنسانُ سجين، ومودَعٌ في غياهب السُّجون يدْعوهُ المَلِكُ إلى قَصْرِهِ ! هل في الأرض إنسانٌ واحد يتردَّد في الخُروج من السِّجْن ؟ قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)﴾

 

[سورة يوسف]

 أوَّل استِنباط أنَّ المؤمن عزيز، وأغْلى شيءٍ يَمْلِكُهُ كرامَتُهُ وسُمْعَتُهُ وسيِّد المسيح يقول في قَوْلٍ مَشْهور: ليس بالخُبْز يحْيى الإنسان ! كُل واحِدٍ مِنَّا يعيش بِكَرامَتِهِ وسُمْعَتِهِ ومكانتِهِ الاجْتِماعِيَّة، فلو خُدِشَت هذه المكانة والسُّمْعة لم يُصْبِح للمال قيمة !
هذا الإنسان الراقي الذي يَحْمِل مبادئ، والذي له قِيَم ورِسالة، أما مِن دون رسالة ومبادئ وقِيَم فالمال كُلُّ شيء، يعني ألْف جبان ولا رحِمَهُ الله !! كان العرب يقولون في الجاهِلِيَّة: المَنِيَّة ولا الدَّنِيَّة.
 فهذا النبي الكريم علَّمنا أنَّ الإنسان يعيش بِكَرامَتِهِ وبِسُمْعَتِهِ ونظافَتِهِ ونزاهَتِهِ، فماذا ينبغي أن يقول هذا النبي لما اسْتُدْعِيَ ؟ اُنْظروا للحِكْمَة لو قال للمَلِك: أنا بريء ! فَكُلّ سجين يدَّعي البراءة، لو قال له: القِصَّة كيْت وكَيْت وكَيْت، وطعَنَ بِزَوْجَتِهِ، فهو عليه السلام ما تحدَّث عن زوْجَتِهِ إطْلاقًا، ولا عن براءتِهِ، إلا أنَّ ألْقى في قلب الملِك سؤالاً كبيرًا ؛ قال له:

 

﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)﴾

 

[سورة يوسف]

 ابْتعدَ عن ذِكْر القِصَّة التَّفْصيلِيَّة، وعن براءَتِهِ، وعن الطَّعْن في زَوْجَتِهِ، فلو ذَكَرها تَفْصيلاً أو أباح ما حصَل لما أفْلَح، ماذا فَعَل هذا النبي الكريم ؟ ألْقى تساؤُلاً في نفس المَلِك، وهناك قِصَّة ؛ هل تعْرِفُها ؟ قِصَّةُ النِّسْوَة اللاتي قطَّعْنَ أيْدِيَهُنّ ؛ هل تعْرِفُها ؟ أنا لا أخْرُج حتَّى تعرِفَها، فجعل هذا النبي الكريم المَلِك يتحرَّى الحقائق بِنَفْسِهِ ! فدائِمًا إذا قدَّمْتَ للناس حقيقةً من عندك دون برهان يرفضونها، أما إذا كنتَ ذَكِيًّا وجعلْتَ هذا الإنسان يكْتشِف لِنَفْسِه الحقيقة، فأرْوَع شيء في الدَّعْوَة أن تَجْعَلَ المَدْعو يكْشِفُ الحقائق ويضعُ يده عليها لِوَحْدِهِ، وهذه الطريقة ذَكِيَّة جدًا في الدَّعوة إلى الله تعالى ؛ تَجْعل المُسْتَمِع شريك وتَحْتَرِمُ ذكاءَهُ وعقْلَهُ وإمْكانِيَّاتِه، فإذا وصَل لِوَحْدِهِ تمسَّك بها والقاعِدة مَعْروفَة ؛ مَن أخذَ البلاد بِغَير حرْب يهون عليهِ تَسْليم البلاد، فالذي يُرَبِّي ثَرْوَة مِن كدِّه وعرق جبينِه حِسابُهُ دقيق في إنْفاقِها، أما الذي يأخُذها إرْثًا من والِدِه فهذا يُبَدِّدُها لأتْفَه الأسباب، فهذا الموقف رحْماني وتعليمي، فأنت أيها الإنسان تعيش بِكَرامتك ومبادئِك أكثر مِمَّا تعيش بِجِلْدِك وكرامَتِكَ والطَّعام والشَّراب والمال.
 قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ(50)﴾

 

[سورة يوسف]

 بالمناسبة ربنا عز وجل قال:

﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4)﴾

[ سورة التحريم ]

 فَكَم هو كَيْدُ النِّساء ؟ هؤلاء كلُّهم في مُقابل النِّساء، وربنا عز وجل قال:

 

﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا(76)﴾

 

[ سورة النساء ]

 وقال تعالى:

 

﴿قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)﴾

 

[سورة يوسف]

 والنِّساء حبائب الشيطان، فالخَلْوَة والحديث والمُجامَلَة ؛ هذا كُلُّهُ يذْهب بِدينِ الإنسان لذا أنت كَرَجُل لك نقطة ضَعْف واحِدة: المرأة، فحينما يغضّ بصره عن النِّساء، ويرفض الاخْتِلاط، ولا يخْلو بامرأة يحْفظك الشَّرْع وتكون في حِصْن الله، أما إذا خَرَقْتَ هذا الحِصْن بِأن اخْتَلَطْت وأطْلقْتَ البصر تخرج حينها من رحمة الله وحِصْنِه.
 تجد إنسان له ثمانية أولاد وزوْجة، وتراه يتكلَّم مع امرأة ويَخلو بها وهي دون زوْجَتِهِ ؛ كل هذا من الاخْتِلاط والحديث.
 قال تعالى:

 

﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)﴾

 

[سورة يوسف]

 فالمَلِك لما سأل قالوا كما قال تعالى:

 

﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾

 

[سورة يوسف]

 البطولة لا أن تشْهَدَ لِنَفْسِك بالبراءة والنَّزاهة، البطولة أن يأتي المَدْح مِن خصْمِك، ومن الطرف الآخر فالعدوّ هو الذي شَهِد، وحينها قالت امْرأة العزيز كما قال تعالى:

 

﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)﴾

 

[سورة يوسف]

 فالله هو الحق، فإذا كُنْتَ مَظلومًا فلا تَخَف، فالله اسْمُهُ الحق، ومِن لوازِم اسمِه أنَّهُ يُظْهِرُ الحق، إلا أنَّه تعالى قد يسْمَح للباطِل بِجَوْلَة إلا أنَّه في النِّهايَة لا يَحِقّ إلا الحق، ولا يصِحُّ إلا الصَّحيح، فهنيئًا لِمَن كان على الحق ولو اتَّهَمهُ الناس.
 لماذا اتَّهَمْتيه ؟ وأوْدَعْتِهِ في السِّجْن ؟ قال تعالى:

 

﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)﴾

 

[سورة يوسف]

 لِيَعْلَم أي زَوْجي.
 أيها الأخوة، هناك قانون وهو منذ خلق الله الأرض وإلى نِهاية العالم قال تعالى:

 

﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)﴾

 

[سورة يوسف]

 فهذه الآية لا علاقة لها بهذا الموضوع فقد، بل هي قاعِدة، الخيانة مَفْضوحَة، فقد تكفَّل الله أن يكْشِفَ كلَّ خائِنٍ، وقد يكون الإنسان ذَكِيًّا إلا أنَّ الله يكْشِف خِيانتَهُ بأتْفَه أسلوب، وهذا بِكُل الشُّعوب والمناطق وعلى كل المعمورة، لذا مهما احْتَلْتَ وحَبَكْت الأمور يكْشِفُك الله.
 فلا تَخن الله ورسوله، ولا شريكك، ولا المريض ولا الزَّبون، وهناك آلاف القصص تُبرْهِن افْتِضاح الخائِن بِسَقْطة لِسان، فالذي يظنّ أنَّه يخون ولا يُفْتَضَح فَهُوَ أحْمَق.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور