وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة يوسف - تفسير الآيات 36 - 41 العلم نهايته التوحيد والعمل نهايته الطاعة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، لازِلْنا أيُّها الأخوة في قِصَّة يوسف عليه السلام، قال تعالى:

﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾

[سورة يوسف]

 لماذا فعَلَ هذا النبي التَّصرف هذا ؟! الإنسان إذا أراد أن يَدْعُوَ إلى الله عز وجل عليه أن يعْتَمِدَ على حاجات الناس الأساسِيَّة، فالإنسان يحْتاج إلى الأَمْن وإلى الرِّزْق الوفير وإلى زَوْجَة صالحة وإلى أولاد أبرار هذه حاجات أساسيَّة، فإذا رَبَطْتَ هذه الحاجات بِمَعْرِفَة الله وطاعة الله اسْتَفَدْتَ من فِطْرة الإنسان الحريصة على ما يُصْلِحُها، وتَخْشى على ما يُفْسِدُها، فهذان الرجلان الفَتَيان رَأَوَا منامًا، فَسَيِّدُنا يوسف ما أراد أن يُفَسِّر لهم هذه الرؤيا فَحَسْب، بل أراد أن يسْتَغِلَّ الْتِفاتهما إليه وسُؤالهما له، وحاجتهما له لِيُعْطِيَهُما فِكْرَةً عن التَّوحيد، فاطْمَئِنُّوا سوف أُفَسِّر لكم هذه الرؤيا، قال تعالى:

 

﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)﴾

 

[سورة يوسف]

 يا ترى أنت لو كان عندك مَحَلّ تِجاري، ومُوَظَّف فقير فإذا أرَدْتَ أن ترفع أُجْرته وأن تُعينَهُ وأن تُكافِئهُ، أليس لك أن تربط إعانتَك له بِطَاعة الله واسْتِقامته ؟ فلِمَ لا يَعْنيك دينهُ وصلاتُهُ واسْتِقامَتُه ؟ المُهِمّ أن يُقَدِّم لك خِدْمة جيِّدة، أما الدِّين لا تعْبأ به ! فلا ينبغي أن تسْتفيد من الخلق دون أن تَهْدِيَهُم إلى طاعَتِه تعالى، فأنت إن جَعَلَك الله أبًا لِهذا الولد فَمَصْروفُهُ عليك، فارْبِط بين الإكرام والجزاء بِطاعة الله وحفظ القرآن الكريم، فَهُناك آباء يُقَدِّموا لأولادهم كلّ شيء ولا يَعْنيهم أمْرُ صلاتِهم وطاعتهم لله تعالى، وآخر مؤمن يرْبط المكافأة والمال والهَدِيَّة بطاعة الله تعالى، وصلاته، وغضِّ البصر وحفظ القرآن فالله إن جعَلَك أبًا فَهُرَ قد ربَطَ أولادك وزَوْجتَك معك وإن جعلكَ صاحب مَتْجَر فأنت لك مجْموعة مُوَظَّفين ؛ هؤلاء الذين أناطهم الله بك وجعل حوائِجَهم عندك، لا ينبغي أن تُهْمِلَ دينهم بل أن تسْتَغِلَّ حاجتهم إليك في تَوْجيههم إلى الله عز وجل، لذلك صاحِبُ المعْمَل مسؤول عن دينِ عُمَّالِهِ، ففي أحد المصانِع التي زُرْتُها بنى صاحبه فيه مسْجِدًا يُؤَذَّن للصلاة فَيُوقَفُ العمل، والكُلّ يأتي لِصَلاة الظُّهْر، فهذا دلَّهم على الله تعالى، وكذا الأمر إذا كنت مُدير مَعْمَل أو مَشْفى، اِسْتَفد من هؤلاء لِتَوْجيههم إلى الله عز وجل، فَسَيِّدُنا يوسف سُئِل، ولكن قال: لا ‍! قال تعالى:

 

﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)﴾

 

[سورة يوسف]

 قال تعالى:

 

﴿ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)﴾

 

[سورة يوسف]

 لَفَتَهُم إلى الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالدار الآخرة، ثمَّ قال:

 

﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)﴾

 

[سورة يوسف]

 لمَّا الإنسان يُصبِح يخاف من زيد وعُبَيد، ويرْجو فلان تَمزَّق بِهذا وتَبَعْثَر وتَشَتَّت، أما لو اتَّجهَ الإنسان إلى الله تعالى وَحْدَهُ وأرضاهُ تعالى وَحْدَهُ، وخافهُ تعالى وَحْدَهُ، واعْتَقَد أنَّهُ لا رافِعَ ولا خافض إلا هو تعالى، ولا مُعْطِيَ إلا الله، وأنَّ كلّ أمْرِهِ بيَدِ الله لذا اِعْمَل لِوَجْهٍ واحِدٍ يَكْفيك كُلَّ الوُجوه ! لماذا اسْتَغَلَّ حاجة هذين الرَّجُلَيْن إلى تَفْسير رُؤْياهما؟ لأنَّهُ أراد أن يُوَجِّههما إلى الله عز وجل، وهذا القرآن الذي يُتْلى إلى يوم القِيامة القَصْدُ منه أنْ نتعلَّم من أساليبه فأنت أب ومُعَلِّم وصاحِب مَتْجر أو معْمَل أو شركة أو من يلوذ بك أو أنتَ قيِّم على أيْتام أو لك أولاد أخ أيتام ؛ اِرْبِط بين المُكافأة والدِّين فإذا رَبَطْتَ هذا بِذاك تكون قد اسْتَفَدْتَ من هذا الحاجة في تَوْجيه الناس إلى الله عز وجل.
 قال تعالى:

 

﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)﴾

 

[سورة يوسف]

 إلهٌ عظيم بِيَدِهِ كُلّ شيء أم أن تَخاف مِن زَيْد أو عُبَيْد، وتَرْجو فلان وتُنافِق لِفُلان وأن تَخْشى فُلان ؛ لن تنام الليل من القلق، والله تعالى قال:

﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(88)﴾

[سورة القصص]

 أحَدُ أكبر عذابات الإنسان الشِّرْك بالله وقال تعالى:

 

﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)﴾

 

[سورة يوسف]

 تَسْمَع مناصب وأسماء ووظائف هي أسْماء سَمَّيْتُموها أنتم وآباؤُكم ما أنزَلَ الله بها مِن سُلْطان، ويقولون لك: أكبر قُوَّة ضارِبَة نَوَوِيَّة !! هذه أسْماء، قال تعالى:

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(24)﴾

[سورة يونس]

 لا تَقُل الدَّولة الفُلانِيَّة معها نَوَوي !! لا، كل شيء بِيَدِ الله، قال تعالى:

﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا(26)﴾

[سورة الكهف]

 وقال تعالى:

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ(84)﴾

[سورة الزخرف]

 وقال تعالى:

 

﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)﴾

 

[سورة يوسف]

 بماذا وَجَّهَهُم هذا النبي الكريم ؟ وماذا اخْتار من الدِّين ؟ اخْتار التَّوحيد فالإنسان إذا وحَّد ارْتاحَتْ نفْسُه، ويرْفَع رأسُه، ولا يخاف ولا يُنافِق ولا يسْتَخْزي ولا يَقْنَع، ولا يقْلق، ولا يَحْزَن، ولا يُضَحِّي بِدِينِه مِن أجل دُنياه، لذا سيِّدُنا يوسف لمَّا أراد أن يسْتغِلّ حاجة هذين الشابَّيْن اخْتار لهما التَّوْحيد، ولذا ما تعلَّمَتِ العبيد أفْضَل من التَّوْحيد، وهو نِهايَةُ العِلْم، والتَّقْوَى نِهايَةُ العَمَل.
 هناك شيْئَين كبيرين: العَلْم والعَمَل، فالعِلْمُ نِهايَتُهُ التَّوحيد، والعمل نِهايَتُهُ طاعة الله عز وجل، وأعلى أنواع الأعمال أن تُطيعَ الله تعالى وأعلى أنواع العلم أن تُوَحِّدَ، والدليل أنَّ الله تعالى جعَلَ فَحْوى دَعوة الأنبياء التَّوحيد والعِبادة، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي(25)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 فإذا وَحَّدْتَ الله تعالى، وعَبَدْتَهُ فقد حقَّقْت المُراد مِن الدِّين، فأنت بالكَوْنُ تُوَحِّدُهُ، وبالشَّرْعِ تَعْبُدُهُ، فَكِّر بالكَوْن تُوَحِّد، واطْلب العِلْم الشَّرْعي تَعْبُدُهُ، وربُّنا عز وجل أسْماؤُهُ كثيرة إلا أنَّهَا كُلُّها في ثلاث كلمات: الله موجود، وواحِد وكامل.
 مُلَخَّصُ درْسِنا اليوم ؛ كُلُّ واحِدٍ جعَلَهُ الله قَيِّمًا على أشْخاص أب أو أم أو صاحب معْمل أو مَتْجَر، رئيس دائرة أو مُدير فما دام هؤلاء تحت يَدِك ومُكافآتُهم منك، اِسْتَغِلّ هذه الحاجة وادْعُهُم إلى الله تعالى، قال تعالى:

 

﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)﴾

 

[سورة يوسف]

 لا تَكُن مع الأكْثَرِيَّة ولكن كُن مع الأقَلِيَّة، فالأكْثَرِيَّة لا تَعْلم وكلَّها فاسِقَة، وهي لا تُؤمِن ولكنَّها تَظُنُّ ظنًّا، قال تعالى:

﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(36)﴾

[سورة يونس]

 وقال تعالى:

 

﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)﴾

 

[سورة يوسف]

 فالمَجْموع الآن كُلُّهم غافِل وساهٍ وفاسِق ومُنْحَرِف في كُلّ شؤونِه ولكن كُنْ مع الأقَلِيَّة الواعِيَة والمُسْتنيرة والمُلْتَزِمَة، ولا تَكُن مع الخط العريض الساهي اللاهي، هؤلاء الفتيات اللاتي يمْشينَ بالطريق ألَيْس آباؤُهنّ مؤمنين ؟‍‍! أين آباؤهم وإخوانهم ؟! المؤمن التَّقاليد والمواد تحت قَدَمِه، ولا يعْنيهِ منها شيئًا، إنَّما يَعْنيه الشَّرْع.
 وفي الدَّرْس القادِم نشْرح تَفْسير الرؤيا، قال تعالى:

 

﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ(41)﴾

 

[سورة يوسف]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور