وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة يوسف - تفسير الآيات 34 - 36 الفرق بين الحلم والرؤيا.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً
 وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، لازِلْنا مع قِصَّة سيِّدُنا يوسُف عليه الصلاة والسلام قال تعالى:

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)﴾

[سورة يوسف]

 أوَّلاً هناك الرؤْيا، وهناك الحُلُم، فالحُلُم اضْطِرابات هَضْمِيَّة، لو أنَّ الإنسان تناوَلَ طعامًا ثقيلاً قبل أن ينام يرى أشْياء غير مَنْطِقِيَّة، وغير مُترابِطَة، ومُتَداخِلَة، ومُضْطَرِبَة، ومُشَوِّشَة، ولا معنى لها ؛ هذا اسْمُهُ أضْغاث أحْلام.
 لكِنَّ الرؤيا، والرؤيا الصادِقَة جُزْء مِن ستٍّ وأربعين جزْءً من النُّبُوَّة فالإنسان أحْيانًا يرى رؤْيا واضِحَة ذات مَعْنى، وذات دلالة ؛ مُبَشِّرَة أو مُحَذِّرَة، فهذه رؤْيا صادِقَة ؛ إنَّها جُزْء مِن ستٍّ وأربعين جزْءً من النُّبُوَّة.
 فالله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يُعْلِمَ أنبياءَهُ شيئًا يُرْسِلُ إليهم سيِّدنا جبْريل عن طريق الوَحْي، أما إذا أراد أن يُعْلِمَ المؤمن عن شيءٍ وأراد أن يُحَذِّرَهُ، وأن يُنْذِرَهُ، وأن يُخَوِّفَهُ، وأن يلْفِتَ نَظَرَهُ، وإعلامٌ واتِّصالٌ مٌباشِر من الله إلى المؤمن ؛ عن طريق ماذا ؟! لا يوجد جبريل، ولا وَحْي، فهذا يكون عن طريق الرؤيا الصالحة، ويراها الرَّجُل الصالِحُ، أو تُرى لهُ.
 الآن، الرؤيا الواضِحَة من الله عز وجل، إن كُنْتَ مُسْتقيمًا، ورأيْتَ رؤْيا مُبَشِّرَة فهذه مِن الرحمن، وإن لم تكُن كذلك لا سَمَحَ الله ورأيْتَ رؤْيا مُخيفة فَهِيَ من الرحمن، فالله جلَّ جلاله يُبَشِّر أو يُنْذِر، أما أن يكون الإنسان غارق بالمعاصي، وتارك للصلاة، ومات على هذه الحال، ثمَّ يقولون لك: رأيناه في المنام لابِسًا رداءً أبْيَضًا، ووَجْهُهُ كالقمر !! هذه مِن الشَّيْطان تَضْليلاً وتَمْويهًا، فالرؤيَة المُبَشِّرَة لإنسانٍ مُنْحرِفٍ هذه من الشَّيْطان، والرؤيَة المُخيفة لإنسان مؤمن هي من الشيطان، عندنا أربع حالات: إنسان مؤمن رأى رؤيا مُبَشِّرة من الرحمن، وآخر مُقَصِّر رأى رؤيا مُخيفة تَحْذيرًا هي من الرحمن لكنَّ غير المستقيم والمنحرف رأى رؤيا مُبَشِّرة فهذه من الشيطان تَضْليلاً.
 أيها الأخوة، لي صديق له خالة له علاقة وثيقة بها، ويُحِبُّها كثيرًا فَتُوُفِّيَتْ، أقْسَم لي بالله خِلال ثماني سَنوات وهو يراها بِرُؤْيا مُخيفة وَجْهُهَا أسْوَد، وألْسِنَةُ اللَّهب قريبة منها، بعد ثماني سَنَوات رآها في المنام بِحالٍ جيِّدَة وقالتْ له: الحمد لله يا بنيّ ! كُلُّ هذا العذاب الذي أصابني مِن كأس الحليب !! فقد كان لِهذه المرأة ابن زَوْج، لها ولَدٌ منه وله ولدٌ من غيرها، وكان الولَدَان في بيْتٍ واحِد، فكانت تملأُ كأس الحليب لابنها وتملأ الكأس الآخر نصف حليب والنصف الآخر ماء لابن زوْجِها، فأحْيانًا الرؤيا الصادِقة ذات دلالة كبيرة جدًا.
 فالرؤيا يراها الرجل الصالح، وتُرى له، ويراها لنفسه ولِغَيره ويراها غيرهُ له أو لنفسه، فالرؤيا الصادقة ذات الدلالة الواضِحة، وذات إشارة عميقة إلى معنى مُعَيَّن هي الرؤيا الصادقة.
 لي صديق له طفل في مُقْتَبَل العمر، سَنَتَيْن، وأُصيب هذا الولد بِمَرَضٍ مُزْمِن جعل البيت في حزنٍ دائِمٍ، فرأى رجُلاً صالحًا في المنام يرتدي عمامة خضْراء وقال له: يا فلان تَصَدَّق لابنك، فقال لي هذا الشخص في اليوم التالي: ذَبَحَ خروفًا ووزَّعَهُ، فأقْسَمَ لي أنَّهُ بعد سبْعة أيَّام شُفِيَ الطِّفل، فالله تعالى قد يُوَجِّهُكَ تَزْجيهًا في المنام.
 وعندي صديق ثاني مُقيم بالكُوَيْت مذ سنَوات طويلة، ومُجَمِّع ثروَة كبيرة وضَعَها بِشَرِكة اسْتِثْمارِيَّة، فجاء إلى الشام لِنُزْهة شَهْر، وله قريب طبيب أطْفال، فَجَلسوا جلْسَةً فقال الطبيب عمَلُكَ فيه شُبْهَة بهذه الشَّرِكَة، وبقِيَ يتناقَش معه للساعة الثانية عشر، وبعد الساعة الثانية عشر أقَرَّ أنّ عملهُ فيه شُبْهة، وقال: إن شاء الله سأسْحب مالي، يقول هذا الشَّخْص: فاتَّصل بالهاتف إلى الكويت صباحًا ومساءً فلم يتمكَّن لِرداءة الخطوط، وحاوَل فلم يسْتطع، حينها قال: لمَّا أرْجِع إلى الكويت أضَعُ مالي بِجِهَةٍ شَرْعِيَّة، وبعد شَهْر رجع إلى الكويت فاسْتقْبَلَهُ أخوه وقال له: أما سَمعْتَ يا أخي ما حدَث ؟ فقال: وما الذي حدث ؟ فقال الأخ: فلَّسَتْ الشَّرِكَة !! فَبَرِكَ هذا الشَّخْص من شِدَّة الحادثة، وقال لأخيه: والله لقد رأيْتُكَ بالمنام وأنت تقول لي: بِعْني الأسْهم برأس مالها، ثلاث مرَّات، وفي الثالثة بِعْتُكَها ! لقد رأى في المنام هذا مِن جرَّاء أنَّهُ أراد التوبة النَّصوح، فالله لما رآه يُحاوِل الاتِّصال تاب عنه، وهذه هي الرؤيا الصالحة يراها أو تُرى له.
 وأحد العلماء بطرابلس الشام، فقير ومُستقيم، ويَسْكُن بِبَيْت أُجْرة وتمكَّن صاحب البيت يُخْليه، فأحد أغنياء طرابلس رأى النبي عليه الصلاة والسلام بالمنام يقول له: يا فلان، اِشْتري لِفُلان بيْتًا ! فالله أحْيانًا يتدخَّل بِرُؤيا واضِحة كالشَّمْس، أما أن ترى أضْغاث أحلام فهي من الشيطان.
 قال تعالى:

 

﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)﴾

 

[سورة يوسف]

 يُرْوى أنَّ الإمام ابن سيرين وهو كبار العلماء في التفسير، فالإمام مالك دار الهِجْرة رأى في المنام ملك الموت، فقال له الإمام مالك: كم بقِيَ لي مِن حياتي يا ملك الموت ؟ فأشار له بِخَمْسة !! يا تُرى خمْسة أسابيع أم خمْسة أيام أم خمْسة أشْهر أم خمْس ساعات أم...فاضْطرب ثاني يوم، وحكى له ما رأى، فقال الإمام ابن سيرين: يقول لك ملك الموت ؛ هذا من خمْسة أسئلة التي لا يعْلمُها إلا الله ! فإذا الإنسان رأى رؤيا صالِحَة وقصَّها على إخْوانه فلا مانع، إنَّما هي بِشارة، وغن رأى شرًّا بصق عن يساره واسْتعاذ من الشيطان الرجيم.
 والإنسان إذا رأى رُؤيا مُخيفة، وكان مُتَلَبِّسًا بِحَرام، فالجواب ؛ إن تاب تعطَّلَتْ الرؤيا، وإذا لم يتُب قُضِيَ الأمر الذي فيه تَسْتفْتِيان، فالرؤيا تَحْذير من الله فإن تاب العبد توقَّفَتْ، وإن لم يتُب وقَعَتْ.
 قال تعالى:

 

﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)﴾

 

[سورة يوسف]

 مرَّةً ثانِيَة لو قال لك رؤيا تأخذ العَقل، فهل أنت مُكَلَّف أن تُصَدِّقهُ ؟ فالرؤيا لا تُصرف إلا لِصاحِبِها، كالشِّيك تمامًا لا يُصْرف إلا لِصاحِبِه فالرؤيا طريقة من طرق إعْلام العَبْد، ودينُنَا ل يُبنى لا على المنامات ولا على الخرافات ولا على الكرامات، دينُنَا دينُ عِلْم، أما أن تتَّخِذ حكاية المنامات كالجرائد فهذا ليس شِعار المؤمن، فلو أنَّ الإنسان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وأمَرَهُ بِمُخالفة الشرع ؛ قال العلماء: يثبت الشرع وتُرَدُّ الرؤيا ؛ نحن عندنا كتاب وسنَّة، فأنت ليس عليك تَصْديق الرؤيا البتَّة، وديننا دين حقائق وبراهين وعلم، ومادام ورد موضوع الرؤيا فهذا هو موضوع الرؤيا ؛ إعلام من الله تعالى مُباشر فإذا كان مُخيفاً فَهُوَ تَحْذير، وإذا كان مُريحًا فَهُوَ تَبْشير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور