وضع داكن
28-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 76 - الوقت ـ إدارة الوقت في الإسلام وكيفية الأستفادة منه واستثماره
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأستاذ علاء :

ترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، ويسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ؛ أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
أهلا بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء :

هذا تذكيرٌ بما سبق :

سيدي الكريم ، حطت بنا الرحال عند المقوم الأخير من مقومات التكليف لهذا الإنسان المكرم على الأرض ؛ ألا وهو الوقت ، وقد أمضينا في الوقت حلقات عدة ، ووصلنا إلى مسألة هامة ، هذه المسألة عندما فهمها أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فهماً حقيقياً انطلقت جيوش فَتْحهم تحمل الحب ، وتحمل الهدى والحضارة والعلم إلى أصقاع البشرية ، فوصلوا إلى فرنسا ، وإلى الصين ، وإلى الاتحاد السوفيتي ، وإلى الصحراء الإفريقية ، وعندما تراجع المسلمون عن فهم حقيقة هذا الأمر تراجع بهم اللواء ، وانكفؤوا على أنفسهم ، واستلم منهم هذا اللواء مَن فهِم هذه المسألة فهماً حقيقياً ، القضية تتلخص بإدارة الوقت ، وباستغلال الوقت استغلالاً حقيقياً لرفعة الأمة ، أو لنهضة الأمة ، أو للتقدم العلمي ، نعود إلى ما أسست عليه من الآية الكريمة :

﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾

( سورة العصر )

إذاً : الله عز وجل حلف وأقسم بالعصر أن الإنسان في خسر ، لأنه مجموعة أيام ، الوقت يستهلكه ، وهذا الاستهلاك وهذا الخسران لا يمكن أن يتحول إلى فوز إلا من خلال الإيمان والعمل الصالح ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فماذا عن هذا الوقت ؟ وكيف نديره إدارة تتسق والمفهوم الشرعي ؟
الدكتور راتب :

الوقتُ :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

1 – الوقت بين الحضارة الغربية والإسلام :

أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، الوقت في الحضارة المادية هو مال فقط ، وأما الوقت في الحضارة الإسلامية فهو عبادة راقية ممتدة ، أثرها يقطفه الإنسان إلى الأبد ، و الوقت في حضارة مادية محدودة الأفق لا يعني إلا المال .
هناك مقولة ذائعة في العالم الغربي : " الوقت هو المال " ، بينما عند المسلم المؤمن : " الوقت عبادة ممتدة " ، يمكن أن يكون وعاءً لعباداته ولأعماله ولبطولاته ، ويمكن بهذا الوعاء الذي تضمن هذه البطولات أن يكون سبباً لسعادته الأبدية ، هذه حقيقة أولى .
ولكن لا بد من التأكيد على مقولة قالها الإمام الجليل الحسن البصري قال : " أدركت أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره " .
ويروى أن الشيخ بدر الدين الحسني شيخ سورية مشى أمام مقهى فقال : يا سبحان الله ! لو أن الوقت يشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم .
الصحابة الكرام والمسلمون الأوائل في العصور المتألقة فهموا الوقت فهماً حضارياً ، وكأنه فهم معاصر ، لذلك العالم الغربي تفوق ، لأنه أحسن إدارة الوقت ، لكنه تفوق في الدنيا فقط لأنه أراد الدنيا ، أراد المال فقط ، فأدار الوقت إدارة علمية ، فحصل مالاً وفيراً ، لكن المؤمن مكلف أن يدير الوقت لحياته الدنيا ولحياته الأبدية ، لذلك يقول الحسن البصري : " أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه ودنانيره " .
وفي بعض الآثار أن المؤمن لا يندم يوم القيامة إلا على ساعة مضت لم يذكر الله فيها .

2 – الوقتِ أثمنُ من المال :

أستاذ علاء ، هناك في نقطة دقيقة جداً ، إذا رأيت إنسانا يمسك خمسمئة ألف ليرة يحرقها أمامك ، لو رأى هذا الإنسان مليون إنسان مشاهد فإنهم يحكمون عليه بالسفه ، وباختلال العقل ، وبالجنون ، المال قوام الحياة ، وشيء ثمين ، وتحل به المشكلات ، فيأتي إنسان بملء اختياره ويحرق هذا المبلغ الفلكي الكبير ، هذا تقديم .
في أعمق أعماق الإنسان الوقتُ أثمن من المال والدليل : لو أن مرضاً عضالاً ـ لا سمح الله ـ أصاب إنساناً ، والعملية التي يرجى أن تنجح تكلفه ثمن بيته الذي لا يملك غيره ، أنا متأكد وموقن أنه لا يتردد ثانية واحدة في بيع البيت ، وإجراء عملية توهمه أنه قد يعيش بضع سنوات بعد المرض ، إذاً مركَّب في أعماق كل إنسان أن الوقت أثمن من المال ، الدليل أنه يضحي بالمال كله من أجل سنوات معدودة يتوهم أنه سيعيشها بعد إصابته بهذا المرض .
إذا حكمنا على الذي يحرق خمسمئة ألف بأنه مجنون وأحمق وغبي وسفيه ، والأحكام القضائية تحجر عليه تصرفاته ، فكيف نحكم على من يتلف وقته الذي هو أثمن من المال بكلام فارغ ، بموضوعات سخيفة ، بأشياء منحطة ، بشيء لا يقدم ولا يؤخر ، لذلك ما من شيء أهون على الناس من أوقاتهم ، يستهلكون الوقت استهلاكاً ساذجاً ، استهلاكاً سخيفاً ، استهلاكاً تافهاً ، فحينما أيقنَّا أن الوقت أثمن من المال ، وأن الإنسان لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته وإجراء عملية جراحية توهمه أنه سيعيش بعض السنوات بعد إصابته بالمرض ، فإذا أتلف المال أمامنا حكمنا عليه بالسفه والجنون ، وحجرنا على تصرفاته ، فهذا الذي يمضي وقته بلا فائدة ، وبلا جدوى ، وبلا هدف نبيل ، وبأشياء سخيفة وتافهة ، وأشياء لا تقدم ولا تؤخر ، بل بأشياء توقع بين الناس ، وبأشياء تفسد حياتهم ، فهذا لا يعرف قيمة الوقت ، وسوف يندم على ضياعه ندماً لا حدود له ، هذه حقيقة ثانية .

3 – معنى إدارة الوقت :

الحقيقة الثالثة : الإنسان كما قلنا في لقاءات سابقة هو بضعة أيام ، بالتعريف الجامع المانع الدقيق الحاسم أنه وقت ، ومضي الوقت يستهلكه ، إذاً : ما معنى إدارة الوقت ؟
أنت أمام مكتبة فيها كتب من الأرض إلى السقف ، في كل الجدران ، ومعك امتحان مصيري ، وفي هذه المكتبة كتاب واحد هو الكتاب المقرر لهذا الامتحان ، وتعلق على نجاحك بالامتحان نيلك الشهادة ، والتعيين بمنصب رفيع ، والزواج ، وشراء بيت ، كل آمالك في الدنيا متوقفة على النجاح بهذا الاختصاص ، والمكتبة فيها كتب من الأرض إلى السقف ، لكن كتاباً واحد هو المقرر ، ألا يقتضي أن آخذ هذا الكتاب بالذات لأحقق الهدف ؟
إدارة الوقت تعني أن يكون الهدف واضحاً ، لماذا أنت في الدنيا ؟ ما علة وجودك ؟ أن يكون الهدف واضحاً ، وأن تختار من الوسائل ما يحقق هذا الهدف ، تماماً كما لو أن إنسانا وُعد بمنصب رفيع جداً ، لو نال دكتوراه ، فذهب إلى فرنسا مثلاً ، باريس مدينة عملاقة صاخبة ، فيها متنزهات ، فيها مسارح ، فيها نوادٍ ليلية ، فيها شوارع هابطة ، فيها الحدائق ، فيها الجامعات ، فيها دور السينما ، علة وجوده في هذا البلد شيء واحد ؛ أن ينال الدكتوراه ، فذلك يبحث عن وسائل لتحقيق هذا الهدف ، ما هي الوسائل ؟ يستأجر بيتاً إلى جانب الجامعة توفيراً للوقت والجهد والمال ، يصادق طالباً يتقن اللغة الفرنسية ، يشتري مجلة متعلقة باختصاصه ، يأكل طعاماً يعينه على الدراسة ، فإذا كان الهدف واضحا عندئذ يختار الإنسان لهذا الهدف الوسائل الفعالة .
هذا ملخص إدارة الوقت ؛ أن أعرف هدفي ، لماذا أنا في الدنيا ؟ ما علة وجودي ؟ أين كنت ؟ ولماذا ؟ وماذا بعد الموت ؟ فإذا عرف الإنسان علة وجوده وغاية وجوده تنبع الوسائل أمامه طواعية ، ويختار منها ما يحقق الهدف .

4 – حركةُ الحياة وفق الهدف سبيلُ السعادةِ :

متى يسعد الإنسان ؟ يسعد إذا جاءت حركته في الحياة وفق الهدف الذي رسمه لنفسه :
التاجر لو أنه فتح محلا تجاريا ، وجمد أموالا طائلة ، وليس في السوق حركة ، ولا بيع ، ولا شراء ، يشعر بألم لا يحتمل ، مع أنه مرتاح على كرسي وثير ، وأمامه الصحف والمجلات ، وأصدقاء ، ومشروبات ، قهوة ، وشاي ، وهو لا يحتمل هذا الوضع ، فإذا كان هناك بيع شديد ، ونسي نفسه ، بلا طعام ، وهو يقف طوال النهار ، لكنه في قمة السعادة ، لأن البيع يتناسب مع علة وجود هذا المتجر ، وعدم البيع يتناقض مع علة افتتاح هذه المؤسسة ، فحينما تتحرك نحو هدفك تشعر براحة لا تعقل .
هناك مثل كنت ضربته سابقاً : لو أن طالباً على مشارف امتحان مصيري ، يبنى على نجاحه في هذا الامتحان تعينه في وظيفة مهمة مرموقة ، ويبنى على تعيينه زواجه ، لو أن أصدقاءَه أخذوه إلى مكان جميل قبل الامتحان بيومين ، واستمتع بأجمل المناظر ، وأطعموه أطيب الطعام ، لماذا يشعر بانقباض شديد ؟ لأن هذه الحركة لا علاقة لها بهدفه القريب ؟ فلو قبع في غرفة قميئة باردة رطبة ، وقرأ الكتاب المقرر ، واستوعبه لشعر براحة ما بعدها راحة .
إذاً : سعادة الإنسان أساسها أن تأتي حركة الإنسان وفق الهدف الذي حدده أو رسمه .
الأستاذ علاء :
من هنا جاءت القيمة ، حدثتنا سيدي في حلقات سابقة بأن الوقت ، وأن استثماره يثمِّن ، أو يعطي للعمل القيمة ، ويقولون في علم الموسيقى المجردة : الموسيقى صوت وزمن ، هذا الصوت يجب أن يضبطك بزمن ، ولو كان خارج الزمن فهو ليس بصوت ترتاح له الأذن ، هو النشاز ، إذاً : الذي يضبط جماله ، والذي يضبط حلاوته هو الزمن ، أنه أدِّي هذا الصوت خلال زمن محدد له الإيقاع ، ومن هنا إذا استطعنا أن ننطلق من هذه القاعدة إلى مسألة العمل المرتبط بالوقت ، واستثمار الوقت ، هل نستطيع أن نغير الوقت ؟ هل نستطيع أن نجعل من الوقت حاجة بين الأيدي لنسيّر هذا الوقت كيف نشاء ؟
الدكتور راتب :
مستحيل
الأستاذ علاء :
كيف لنا أن نغير ما يؤول به الوقت ، أو الناتج عن عمل هذا الوقت ؟
الدكتور راتب :

5 – الوقت لا يُغيَّر ولا يوَسَّع ولا يُسترجَع :

قبل كل شيء من تعريفات إدارة الوقت : فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي ، الوقت من ذهب ، بل هو أغلى من الذهب ، بل هو لا يقدر بثمن ، بل هو أنت أيها الإنسان ، هذه المقولة الدقيقة جداً في موضوع إدارة الوقت .
الحقيقة كما تفضلت قبل قليل أنا لا أستطيع أن أضغط الوقت ، ولا أن أوسع الوقت ، ولا أن ألغي الوقت ، ولا أن أعيد الوقت ، ولا أن أسترجع الوقت ، ولا أن أعدل الوقت ، الوقت لا يعبأ بأحد ، يمشي بتؤدة ، وبنظام رتيب ، لا يتبدل ، ولا يتغير ، ولا يعدَّل ، ولا يعطَّل ، ولا يوسَّع ، ولا يختصر ، ولا يختزل ، لكن إدارة الوقت تعني أن أستثمره ، فكل هذه الذي نفيتها لا يمكن أن تقع ، الوقت الكهرباء تماماً ، لا تخزن ، فالوقت كذلك لا يخزن ، ولا يختزل .
الأستاذ علاء :
بالمدخرة أحياناً يصيِّرون التيار المتناوب إلى تيار متصل لاستخدامه في أوقات .
الدكتور راتب :

6 – التعريف الفرعي لإدارة الوقت

التعريف الفرعي لإدارة الوقت يعني استثماره ، أو التقليل من الوقت الضائع هدراً ، نحن أحياناً نصنع مصباحا كهربائيا ، يقولون : إن فيه هدرَ ثمانين بالمئة من الحرارة ، الضوء عشرون بالمئة ، في بعض الكائنات المضيئة في البحر الطاقة التي تستهلك بالإضاءة مئة بالمئة ، فلا هدر ولا واحد بالمئة ، الإنسان لا بد له من وقت يهدر ، لكن أحد تعريفات إدارة الوقت أن تقلِّل هذا الوقت الذي سوف يهدر .أنا أقول كلمة : كلما تخلَّفت الأمة ، وتخلف المجتمع كثر الوقت المهدور ، وكلما ارتقت الأمة قلَّ الوقت المهدور ، الوقت وعاء العمل ، الوقت حضارة . 

7 – إدارة الوقت مفهوم حضاريٌ :

إن إدارة الوقت مفهوم حضاري ، وأنا أقول دائماً : ما لم ندخل في ديننا المفهومات التي لها أصل في الدين كإدارة الوقت ، وإدارة الأعمال ، وفريق العمل ، والانتماء للمجموع ، والعمل ضمن المتاح ، وترشيد الاستهلاك ، هذه مفاهيم حضارية ، وهي مفاهيم إسلامية قطعاً ، فما لم نطور مفهوماتنا الدينية حتى تستوعب هذه المفهومات الحضارية التي لها أصل في إسلامنا فلن نتقدم ، فلذلك أنا أقول هذه الحقيقة المُرّة : لا يمكن أن يعبأ الغربُ بمنهجنا وبديننا إن لم نحل مشكلاتنا " ، عندنا مشكلات في العنوسة ، البطالة ، الأمية

ما لم تحل مشكلات المجتمع الإسلامي فلن ينظر إلى هذا المجتمع بتقدير ، فلذلك الإسلام هو الحياة ، الإسلام منهج رباني لحل مشكلات البشر ، لذلك الدين توقيفي من عند الله ، لا يضاف عليه ، ولا يحذف منه ، لأنه من عند الله :

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) ﴾

( سورة المائدة )

وأما إذا قلنا : التجديد في الدين فيعني أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه ، أما الدنيا فينبغي أن نبتدع فيها ، أن نطورها ، أن نطور مساكننا ، وأعمالنا ، أن نستخرج ثرواتنا ، أن نصلح طرقاتنا ، أن نصنِّع خاماتنا ، أن نطوِّر أعمالنا ، والمسلمون مع الأسف الشديد قلّدوا في دنياهم ، وابتدعوا في دينهم ، والأَولى أن تعكس الآية ، أن نقلد في الدين لأنه توقيفي ، وأن نبتدع في الدنيا ، أن نحل مشكلاتنا ، لأن الإسلام هو الحياة .
الأستاذ علاء :
سيدي ، كما تفضلت ، يمكن أن نكون فاعلين في الوقت الذي لا نستطيع أن نمطه ، ولا أن نختزله ، وإنما نستطيع أن نكون فاعلين فيه من خلال استثماره استثماراً رشيداً ، ومن هنا يأتي الإدارة الرشيدة ، بمفهوم الكفاية الاقتصادي عند الاقتصاديين ، ومن يدير المؤسسات ، نقول : الكفاية الاقتصادية ، والإدارة الرشيدة هي التي تحقق الكفاية ، ومن خلال الكفاية أهمّ نقطة هي استغلال الوقت المتاح لتطبيق ولإنفاذ الخطة الاستثمارية كالوقت المحدد ، ولكن ما معنى الخطة ؟
الدكتور راتب :
لو تساهلنا بالوقت لألغيَت الخطة .
الأستاذ علاء :
نقول الخطة الخمسية أو العشرية ، ونحن في الاقتصاد نتبنى الخطط الخمسية ، ومن أهم القضايا أن ندير هذا الوقت إدارة سليمة ، وأن نستثمره لإنتاج سليم ، هذا على الصعيد المادي ، ومن القضايا التي تفضلت بها الإدارة الرشيدة التي تحقق الكفاية هي التي يضيق هامش الهدر فيها إلى أقلّ المستويات ، نعود إلى هذه القضية ، هل الوقت هو أهمّ مورد في الأعمال المقدمة ؟
الدكتور راتب :

8 – العبرة العملُ المناسب في الوقت المناسب :

لكن قبل هذا السؤال إذا سمحت هناك ملمح دقيق :

(( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ))

[ ابن ماجه عن ابن عمر ]

العبرة أن يكون العطاء في الوقت المناسب ، وحينما نقيم دعوى ، وننتظر عشر سنوات يكونُ العدل قد فَقَد رونقه ، في قضايا إحقاق الحق يجب أن يكون الحكمُ في وقت معقول قريب من المشكلة ، أما إذا امتد الوقت إلى سنوات طويلة فالحكم الإيجابي أو السلبي لا معنى له ، كل شيء له وقت ، ممكن أن تكون إدارة الوقت هي إدارة النفس ، إدارة العبادات ، إدارة الأعمال ، إدارة الدنيا بأكملها ، هذه حقيقة دقيقة جداً ، كلمة إدارة الوقت قد لا يفهم منها إدارة كل شيء ، أما هو الوقت فوعاء كل شيء ، وعاء عبادتك ، وعاء معرفتك بالله ، وعاء طلبك العلم ، وعاء عملك الصالح ، وعاء مهنتك وحرفتك ، وعاء علاقتك بأهلك ، فإذا قلنا : فلان يحسن إدارة الوقت ، يعني أنه يحسن إدارة نفسه ، وإدارة دينه وعبادته ، وأهله وأولاده ، وعمله ، ودنياه وأخراه .
كما تفضلت قبل قليل ، إذا لم يمكن أن نستثمر الوقت كله فلا أقلّ من أن نستثمر أكبر قدر ممكن .
الأستاذ علاء :
كما تبين أن الوقت هو أهم موارد الأعمال أو مرتكزات الأعمال .
الدكتور راتب :

9 – الوقت أهمُّ ركنٍ من أركان إدارة الأعمال :

لإدارة الأعمال أركان بأي عمل مشروع صناعي ، زراعي ، علمي ، أي مشروع يقوم به إنسان ، هناك أربعة أركان لهذا المشروع :
المواد ، كل بناء وصنع سيارات لابد له من مواد أولية ، والمعلومات وخبرات متراكمة ، والأفراد ، ثم الوقت ، وقد يبدو الوقت جاء في الآخر ، أما هو في الحقيقة فأهمّ من كل شيء في هذه الأركان .الأستاذ علاء :
سيدي الشركة تكتب مدة التنفيذ .

الدكتور راتب :
أحيانا من دون تاريخ البدء ، فقد ألغي الوقت .
الأستاذ علاء :
مدة التنفيذ سنتان ، لكن متى يبدءون ؟ كمن قال لآخر : آتيك ، قال له : متى ؟ قال : بين الصلاتين .
الدكتور راتب :

10 – لا للوقت المفتوح في الأعمال والمشاريع :

مرة النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ أحد مَن حوله على أن يرجع إلى الله ، قال له : غداً إن شاء الله ، قال له : ويحك ، أليس الدهر كله غداً .
هذا الوقت المفتوح غير وارد إطلاقاً ، كل شيء له وقت محدد ، فقد يدخل إنسان جامعة ، فيبقى فيها اثني عشرة سنة ، لم تعد له قيمة ، لأن الأصل أن تأخذ الشهادة في أربع سنوات .الأستاذ علاء :
سيدي ، عندما يكون الوقت من أهم موارد الأعمال ، لكن هو من أخطر وأهم العناصر في إنجاح العمل .
الدكتور راتب :

11 – تسجيل الأعمال والمشاريع في المذكرات من تمام إدارة الوقت :

وفي الوقت نفسه هو أكثرها هدراً ، الحقيقة أنك لا تعرف الإنسان ناجحا إلا من ضبط وقته .
مثلاً : أكثر الناس عنده قائمة إنجازات على التراخي في الذاكرة ، وهناك إنسان يكتب كلما خرج من بيته قائمة أعمال ، فيمكن لعمل يبقى سبعة أشهر ولم ينجز ، وإنجازه يحتاج ربع ساعة ، لأنه ما كتبه في مفكراته ، أحد وسائل إدارة الوقت التسجيل ، فهناك تقويم ، وجدول أعمال لكل يوم لتراجع نفسك .
عندي عشر مهمات مثلا ، في هذا اليوم أنجزت سبعة منها ، وبقيت ثلاثة ، أجّلها لليوم الثاني ، فما هناك تأمل ، وخطة ، بالتعبير المعاصر ( أجندة ) ، ما دام هناك تقويم عندك ، وتذكير ، وكتابة ، فهذه من وسائل إدارة الوقت ، والحقيقة أنه يمكن أن ينجز الإنسان مهمات ضئيلة جداً في وقت ممتد ، وبإدارة الوقت ، وتنظيم الأعمال وبتقييمها .
الآن في أكثر الهواتف مهامٌّ تعطيه درجة أولى وثانية وثالثة ، فكلما خطر في بالك عمل تكتبه في إدارة المهام في الهواتف الخلوية ، وتعطيه رقما ، تفتحه أنت ، عندك عشر مهمات ، وقد يحل الإنسان المشاكل في الطريق عن طريق الهاتف ، أما أن تبقى الأمور تتراخى بلا ضبط ، بلا إدارة ، بلا تسجيل ، بلا كتابة فهذا تضييع للوقت .
مثل بسيط أنا أضربه للإخوة المشاهدين : لو أن الإنسان تنقصه حاجة من حاجاته الشخصية ويذكرها متى يحتاج إليها فلا إشكال ، لكن أحياناً يمضى شهران ولا يشتريها ، لأنه لم يسجِّل ذلك في مذكراته ، وبصراحة الذين حولي إن لم يكتبوا لا أعتمد عليه أبداً .
الأستاذ علاء :
كنت أود أن أتابع مسألة ؛ هي عندما يواجه أحدنا المجتمع الغربي ، وينتقل من مجتمعه إلى المجتمع الغربي ، هناك نقلة كما بين الحر والبرد ، أو من البرد إلى الحر ، سوف أقف عند هذا المجال لكن الوقت ذهب وأدركنا .
الدكتور راتب :
تعليق واحد : هل تصدق أستاذ علاء أن بعض الدول المتقدمة يعمل بها المواطن ثماني ساعات بالتمام والكمال ، وبعض الدول المتخلفة يعمل فيها العامل سبعًا وعشرين دقيقة .
الأستاذ علاء :

خاتمة وتوديع :

هذا الموضوع في الحلقة القادمة إن شاء الله ، لا يسعني في نهاية هذه الحلقة إلا أن أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة على كل ما قدم وشرح ، وإن شاء الله نتمم موضوعنا في حلقات قادمة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور