وضع داكن
19-04-2024
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 35 - ألوان إعجاز القرآن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

من وجوه إعجاز القرآن الكريم:

 وصلنا في الدرس الماضي إلى أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم، وهناك فرقاً كبيراً بين معجزات الأنبياء السابقين التي هي من النوع المادي الذي ينقضي بانقضائه, وبين معجزة النبي عليه الصلاة والسلام التي هي باقية إلى نهاية الساعة أو باقية إلى الأبد، وهي كلام الله عز وجل الذي أنزله عليه, وقلنا إن للقرآن الكريم وجوهاً عديدة للإعجاز نكتفي اليوم بوجه واحد من وجوه إعجازه، هذا الوجه هو أنه:

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾

(سورة فُصلّت الآية: 42)

 فأية حقيقة علمية عرضها القرآن، وأي دستور أو قانون أو نظام وضحّه القرآن، وأي مبدأ أو أي تشريع أو أي حكم نطقه، وأي خبر تاريخي أخبر به في الماضي أو مما سيقع في المستقبل, كل هذا ثابت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ومع أن العلوم العصرية تقدمت تقدماً كبيراً كالعلوم الوضعية والمادية، لم نجد في كل هذه العلوم شيئاً ينقض ما في القرآن الكريم من حقائق.

متى ينشأ التعارض بين القرآن والعلم:

 متى ينشأ التناقض؟ ينشأ التناقض بين حقيقة علمية وبين خرافة، أو بين حقيقة دينية وبين نظرية علمية لم تتحقق بعد، قد نجد تناقضاً بين الدين وبين النظريات العلمية التي لم تثبت صحتها، ونجد تناقضاً بين خرافة لا أصل لها في الدين وبين حقيقة علمية، أما أن نجد خلافاً أو تناقضاً بين حقيقة علمية وحقيقة جاء بها القرآن فهذا مستحيل, قال الله:

﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ﴾

( سورة فصلت الآية: 42)

 في العصر الذي أنزل فيه القرآن لم يظهر ما ينقضه, ولا في العصور اللاحقة بعد ألف عام أو ألوف الأعوام, قال تعالى مشيراً إلى هذا الوجه من وجوه الإعجاز في سورة فصلت:

﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾

( سورة فصلت الآية: 42)

 وقال تعالى:

 

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾

 

(سورة الحِجر الآية: 9)

 فالقرآن الكريم لم يأته الباطل بحالٍ من الأحوال, ولا من وجه من الوجوه, وكذلك لن يأتيه الباطل، " لم" لنفي الماضي، و " لن " لنفي المستقبل لتأبيد النفي كما يقول النحاة، وكذلك لن يأتيه الباطل من أي وجه من الوجوه مهما توالت الدهور واتسعت تجارب الحياة وزادت مكتشفات العلوم.

تسابق القرآن  بحقائقه العلمية قبل اكتشاف أهل العلم هذه الحقائق:

 لا يأتيه الباطل في آية حقيقية علمية عرضت, والآن اكتشفوا أن الشمس تسير أي تجري، وربنا عزّ وجل قال:

﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾

(سورة يس الآية: 38)

 فالقرآن الكريم أثبت ذلك، وهناك الكثير من الحقائق الفلكية، والحقائق النباتية والحيوانية متعلقة بالإنسان، وفي خلق الإنسان، في خلق الأرض في الجبال, فإن كل هذه الحقائق لم يأت مع تطور العصر ومع تطور العلم ما ينقضها إطلاقاً، قبل أسابيع قلت لكم: اكتشف علماء النحل أن النحل لا يمكن أن ينتقل لجني الرحيق قبل أن يستقر في خلية، وربنا عزّ وجل قال:

﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

( سورة النحل الآية: 69)

 بعد أن تتخذي من الجبال بيوتاً كلي من كل الثمرات، و" ثم " للترتيب على التراخي، ولا يأتيه الباطل في أي مبدأ أو تشريع أوضحه، وتجارب الحياة تثبت باستمرار كمال مبادئ الإسلام وتعاليمه.

من عجائب إعجاز القرآن الكريم تشريعه الثابت الذي يصلح لسعادة الإنسان ومصالحه:

 يوجد صحفي من دولة أجنبية كتب مقالة فقال: من أشد وحشية نحن أم المسلمون، لأن الكفار يتهموننا أن قطع يد السارق نوع من أنواع التوحش، فذكر هذا الصحفي أن ستة عشر مليون سرقة تتم في عام واحد, و أربعون في المئة من هذه السرقات تتحول إلى جريمة قتل، بل إن الإحصاء الدقيق في كل 30 ثانية ترتكب جريمة سرقة أو قتل أو اغتصاب, هذا الصحفي زار بلداً إسلامياً تقطع فيه يد السارق، رأى أشياء تكاد لا يصدقها العقل، أن هناك شاحنات مكشوفة تحمل ملايين من العملات تنتقل من محافظة إلى محافظة لدفع رواتب الموظفين من دون حراسة إطلاقاً, فربنا عزّ وجل سنَّ هذا التشريع، فقد سأل شاعر الإمام الشافعي قال له:

يد بخمس مئين عسجد وديت   ما بالها قطعت في ربع دينار

  شيء عجيب! لو أن يداً قطعت بحادث سيارة ديتها في الإسلام خمسمئة دينار ذهبي، فأجابه الإمام الشافعي رضي الله عنه قال:

 

عّز الأمانة أغلاها, وأرخصها   ذلّ الخيانة, فافهم حكمة الباري

  لما كانت أمينة كانت ثمينة, فلما خانت هانت, هذا تشريع إلهي، لو سألتني أن ألخص لك الفساد البشري بكلمات، أقول لك: الفساد البشري يلخص بعدوانين: عدوان على المال, وعدوان على العرض، هذا كل الفساد البشري، العدوان على المال جزاؤه قطع يد السارق, قال الله:

 

 

﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

( سورة المائدة الآية: 38)

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

(سورة النور الآية: 2)

  فالإسلام وضع حداً قاسياً للعدوان على الأموال والعدوان على الأعراض, ولذلك فتشريعاته ثابتة, هناك دولة لا تؤمن بوجود الله إطلاقاً تصدر قبل سنة تقريباً تشريعاً بمعاقبة من يشرب الخمر, لماذا؟ لأنه قيل في الإحصاء: خُمس الشعب مدمن خمر, وهذا الخُمس مُستهلك غير منتج، لذلك حرّمت قبل عام الخمرة في بلاد شاسعة تمتد بين قارتين تحت طائلة أقصى العقوبات، بينما في الإسلام الخمر محّرم من الأساس، وتحريم الإسلام للخمر من نوع راقٍ جداً، لا في أثناء الدوام ولا خارج أوقات الدوام، ولا في المحافل الخاصة ولا في المحافل العامة, فالخمر حرام وانتهى الأمر، أما يجوز لو منع الخمر بقرار أو بقانون يشرب ليلاً، ويشرب سراً، ويشرب تهريباً، فربنا عزّ وجل قال:

﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ ﴾

( سورة فصلت الآية:42)

  في أي مبدأ أو تشريع أوضحه، وتجارب الحياة تثبت باستمرار كمال مبادئ الإسلام وتعاليمه وقوانينه وأنظمته وسلامتها وصلاحيتها لسعادة الناس جميعاً قال تعالى:

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾

(سورة الإسراء الآية: 9-10)

 

ظهور واقعية الخبر التي وعد القرآن به في المستقبل:

  لا يأتيه الباطل في أي خبر أخبر به عما سيحدث في مستقبل أيام الدهر, قال تعالى:

﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ﴾

(سورة الفتح الآية: 27)

  وقد تحقق ما أخبر الله به في هذه الآية, فدخل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين، إنها آية وردت ثم تحققت.
وقوله تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

(سورة النور الآية: 55)

  وقد وفى الله للمؤمنين هذا الوعد، فحكم المسلمون مشارق الأرض ومغاربها, ورفرفت رايتهم في أطراف الأرض، ووصلوا إلى مشارف باريس, وإلى أطراف جنيف من الغرب ومن الشرق، وإلى أطراف الصين, واحتلوا القسطنطينية التي كانت معقلاً للروم.
وقوله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾

(سورة الصف الآية: 9)

  وقد تحقق ظهور الإسلام على سائر الأديان بالحكم والسلطان, حينما طبق المسلمون إسلامهم بالحجة والبرهان في كل عصر.
وقوله تعالى:

﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾

(سورة الصف الآية: 13)

  وقد تحقق ذلك فتم نصر الله للمؤمنين من أصحاب رسول الله, فتم لهم الفتح القريب وهو فتح مكة.
  وقوله تعالى:

﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

(سورة الروم الآية: 1-6)

  وقد تحقق ذلك فانتصر الروم على فارس بعد ذلك في بضع سنين كما أخبر الله عزّ وجل في القرآن الكريم, كل هذه الآيات التي تتحدث عن المستقبل تحققت, قال الله:

﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ﴾

( سورة فصلت الآية: 42)

  لا من حيث الآيات العلمية، ولا من حيث التشريعات, ولا من حيث الأخبار الماضية, ولا من حيث الأخبار المستقبلية، هذا كله وقع، والآن فرعون المحنّط الذي أُخذ إلى فرنسا لترميمه, هذا الفرعون هو الذي يثبت العلماء أن طريقة موته كانت غرقاً, قال الله:

﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾

(سورة يونس الآية: 92)

  كل شيء أخبر عنه في التاريخ صحيح.

من دلائل إعجاز القرآن حفظه من أي ضياع أو تحريف أو تبديل قد يطرأ عليه:

  لا يأتيه الباطل بأن تتعرض نصوصه للضياع أو التحريف أو التبديل بالزيادة فيها أو النقص منها، وقد تم فضل الله فصدق وعده, فعّم القرآن وانتشر بأحكم طريقة علمية يمكن أن تتوصل إليها الإمكانات الإنسانية، وحفظه الله كما أنزله طوال هذه القرون دون أن يستطيع أعداؤه أن ينقصوا منه شيئاً أو أن يزيدوا فيه حرفاً, يروى أن الإنكليز مرة طبعوا خمسين ألف نسخة مصحف في أيام العثمانيين ووزعوها وحذفوا كلمة " غير " في الآية الكريمة:

﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾

(سورة آل عمران الآية: 85)

  فجمعت النسخ هذه وأحرقت، فالله عزّ وجل سخر أناساً تحريريين محققين مدققين يضبطون النصوص، والآن لا يوجد تبديل فتحة أو ضمة أو كسرة أو حرف جر، فترى كل مصحف والحمد لله قام بتصحيحه وضبطه وفق رواية حفص عن عاصم عن فلان الفلاني والقارئ الفلاني, سخر الله عزّ وجل لهذا الكتاب الكريم علماء يضبطون النصوص، ويعرفون القراءات، ويعرفون أماكن الوقوف, و السجدات، و الأحكام، ضبطوه ضبطاً دقيقاً، فربنا عزّ وجل تولى حفظه وسخر هؤلاء المتشددين.
  يقول الإنسان: كلمة الرحمن يلزمها ألف, والصحيح يلزمها ألف لكن لم يجرؤ أحد على تبديل كتابة المصحف حتى لا يكون هذا التبديل مسوغاً لتبديل آخر، لذلك هنالك إملاء قرآني خاص, فالسموات لا يلزمها ألف, وإله لا يلزمها ألف، والرحمن لا يلزمها ألف، وهناك تاء مبسوطة، وتاء مربوطة، فهناك حكمة بالغة من كون هذه التاء هنا، فالرحمة جاءت في أماكن مبسوطة وأماكن مربوطة، وهناك أحرف مثلاً: حروف مدغمة، حروف مفكوكة، وهناك واو بمعنى ألف، فهذه كلها علم قائم بذاته فلا يجرؤ إنسان على إضافة حرف ولا سكون ولا فاصلة ولا نقطة أبداً, فهذا النص وردنا بالتواتر الجمع عن الجمع، قطعي الثبوت قطعي الدلالة، هذا حفظ الله عزّ وجل أن سخر له أناساً حريصين.

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾

(سورة النساء الآية: 82)

  اقرأ كتاباً ترى فيه تناقضاً أحياناً، فالإنسان ليس عنده إمكانية للنجاة من الخطأ، و أي كتاب مهما كان مؤلفه على مستوى رفيع يقع أحياناً بتناقض، ويتكلم بفكرة ثم ينفيها من غير أن يشعر في الفصل الرابع, أو يبالغ في فكرة ثم يظهر حجمها أقل من ذلك، وأحياناً يكون فيه اضطراب، قال الله:

﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾

( سورة النساء الآية: 82)

  في قوله تعالى:

 

﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ﴾

 

(سورة الإسراء الآية: 31)

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾

(سورة الأنعام الآية: 151)

  فهناك فقر واقع، وهناك فقر متوقع، فالفقر الواقع نرزقكم أيها الفقراء وإياهم، والفقر المتوقع نرزقهم وإياكم، فهناك دقة بالغة يستحيل على إنسان أن يدركه, و سوف نأخذ وجهاً آخر من دروس إعجازه في درس قادم إن شاء الله تعالى.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور