وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 9 - سورة الحج - تفسير الآيات 77 - 78 الفلاح هو النجاح والفوز والتفوق والشعور بالسبق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، الآيات الأخيرة بدءا من الآية السادسة والسبعين وحتى نهاية سورة الحج وهي قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾

[سورة الحج]

 ما هو الفلاح ؟ هو النجاح و الفوز و التفوق و الشعور بالسبق، ففي حياتنا الدنيا لو أن الإنسان يعتني بصحته، و أجرى تحليلا لدمه، فوجد أن كل شيء في جسمه نظامي ؛ نسبة السكر طبيعية و الكولسترول وكل شيء جيد ؛ عمل تخطيطا فكل شيء جيد، و نبضات القلب صحيح فحينما يشعر أن صحته جيِّدة يشغر بالتفوق والفلاح، و إذا اشترى بيتا بثلاثين ألف ثم أصبح سعره ثلاثين مليونا يفرح، و إذا عنده مزرعة يقيم فيها وقت طيبا، وتجارته رابحة هذا هو الفلاح في الدنيا، فربنا عز وجل يقول إذا أردتم الفلاح الحقيقي ؛ هذه الدنيا تنتهي عند الموت، فالموت يلغي غنى الغني و يلغي فقر الفقير، يلغي قوة القوي و ضعف الضعيف يلغي وسامة الوسيم و دمامة الدميم، فأين الفلاح إذا ؟ قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾

 

[سورة الحج]

 العلماء قالوا "اركعوا واسجدوا " أي صلوا لأن الركوع و السجود أبرز أركان الصلاة، فعبَّر عن الكل بالجزء، لأن أبرز ما في الصلاة أن تركع لله خاضعا و تسجد له مستعينا، أنت في الركوع خاضع لأمر الله و في السجود تستمد منه العون كي تطبقه، قال تعالى:

 

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5)﴾

 

[سورة الفاتحة]

 نعبد في الركوع و نستعين في السجود، فربنا سبحانه تعالى عبَّر عن الصلاة التي هي عماد الدين و التي من أقامها أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين ولا خير في دين لا صلاة فيه و ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، والصلاة معراج المؤمن، و لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل و الصلاة طهور و الصلاة نور، و الصلاة ميزان، فمن وفَّى استوفى، قال تعالى:

 

﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31)﴾

 

[سورة مريم]

 بل إن الدين كله اتصال بالخالق و إحسان إلى المخلوق، حركة نحو السماء و حركة نحو الأرض، قال تعالى:

 

﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31)﴾

 

[سورة مريم]

 أي يا عبادي إنكم تحبون التفوق و الفلاح والنجاح و الفوز، فالإنسان إن شعر أنه متفوق في دراسته أو في عمله أو في تربية أولاده، هذا هو الشعور بالتفوق وينتهي بالموت، فمهما كنت متفوقا فإنه ينتهي مع الموت والذي يجمعه الإنسان في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة.
 قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾

 

[سورة الحج]

 هذه عبادة، وكل أمر في القرآن و في السنة الصحيحة يقتضي الوجوب و أنت أمام منهج واسع جدا، و من السخافة و الغباء و المحدودية في الإنسان أن يتوهم الدين صلاة و صوما و حجا وزكاة فقط، الدين أكثر ما يظهر في الأسواق وفي البيع و الشراء و في إتقان العمل و في صدق الحديث وفي الأمانة و الوفاء بالعهد، الدين معاملة، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾

 

[سورة الحج]

 أنت مكلف أن تطيع الله في كل شيء في علاقتك الحميمة مع زوجتك وفي علاقتك بمن حولك، قال تعالى:

 

﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُم﴾

 

[سورة الحج]

 في كل ما أمر، فلا تبع ما ليس عندك، لا تبع شيئا حتى تحوزه إلى رحلك، فأكثر بيوع التجار فيها شبهات لجهلهم بأمور الفقه، قال تعالى:

 

﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُم﴾

 

[سورة الحج]

 هذا الأمر و الفرض و الإلزام، قال تعالى:

 

﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾

 

[سورة الحج]

 التطوع، إنفاق المال، الدعوة إلى الله، عيادة المريض، تشييع الجنازة الإحسان للفقراء، قال تعالى:

 

﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾

 

[سورة الحج]

 و الخير ليس له حدود، قال تعالى :

 

﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾

 

[سورة الحج]

 فالفلاح الحقيقي هل تعرفون متى ؟ عندما يأتي ملك الموت و تشعر بأنك من معظم الناس تفوقتَ في معرفة الله و الإعداد لهذه الحياة الأبدية، هذا التفوق، و أحيانا الإنسان يتوهَّم التفوق في زينة الحياة الدنيا في مزرعته و بستانه و بيته و سيارته، هذا التفوق الموهوم الذي يدل على بعد و جهل بالله عز وجل، أما التفوق الحقيقي قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾

 

[سورة الحج]

 أحيانا تجد طالبين في الجامعة، أحدهما يقضي كل وقته في النزهات و اللعب و العزومات، و الثاني يجتهد في الدراسة، لكن متى الخزي للأول ؟ عند الفحص، فالتفوق في الدراسة يقتضي السهر للدراسة، فربنا عز وجل يلفت نظرنا أنه إذا أردتم التفوق فهذا هو طريق التفوق، ثم قال تعالى:

 

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾

 

[سورة الحج]

 النملة تصعد وتنزل، فأحد الأشخاص الأميين رأى نملة صعدت إلى هدفها أربعين مرة، و كان عمره أربعين عاما، علَّمتْه هذه النملة المجاهدة فتعلم القراءة و الكتابة و قرأ القرآن و حفظه و ما مات إلا وهو شيخ الأزهر، قال تعالى:

 

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِه﴾

 

[سورة الحج]

 بالغ في الطاعة و أنفق من مالك و اجلس على ركبتيك في طلب العلم، و تعرَّف إلى ربك و إلى سنة نبيك، وجاهد نفسك و هواك، فطاعة الهوى هوان.

 

وا خجلتي من عتاب ربي  إذا قال لي أسرفتَ يا فلان
إلى متى أنت في المعاصي  تسير مُخَرى لك عن العنان
عندي لك الصلح وهو بِري  و عندك السيف و السنان
ترضى بأن تنقضي الليالي  وما انقضتْ حربُك العوان
فاستحِ من كتاب كريــم  يحصي به العقل و اللسان
واستحِ من شيبة تراهــا  في النار مسجونة تُهــان
***

يا عبدي كبرتْ سنُّك وانحنى ظهرك و ضعف بصرك و شاب شعرك فاستحِ مني فأنا أستحي منك

 

 

إلى متى أنت باللذات مشغول  و أنت عن كل ما قدَّمتَ مسؤول
***

و قال الشاعر:

 

 

تعصي الإله و أنت تظهر حبه  ذاك لعَمري في المقال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعتـه  إن المحِبَّ لمن يحبُّ مطيع
***

 قال تعالى:

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) ﴾

 

[سورة الحج]

 امرأة أُصيبتْ بورم خبيث في دماغها، ولكنَّ الله جل جلاله أكرمها بالشفاء، ماذا تفعل؟ كيف تقربتْ إلى الله ؟ إنها تُجيد الطبخ، فصارت تطبخ طبخات عالية المستوى و تبيعها إلى الأسر الغنية و تأخذ ربحها و تعطيه للفقراء و المساكين، و تعالج به بعض المرضى، و أكثر من اثني عشر عملية قل بتمَّت على نفقة هذه المرأة الفقيرة التي لا تملك إلا إتقانها للطبخ، لأبواب الخير مفتوحة، قال تعالى:

 

﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾

 

[سورة الحج]

 لا تستطيع أنت أن تعمل درسا أسبوعيا لأولادك و أهلك ؟ آية و حديث و سيرة و فقه، فلما تعيش بقلوب الآخرين فأنت أسعدهم، وإذا أردتَ أن تسعد فأسعد الآخرين، ألا تستطيع أن تزور فقيرا ؟ حينما تلبي دعوة الأقوياء و دعوة الأغنياء فهذه التلبية من الدنيا، أما حينما تلبي دعوة الفقراء و المؤمنين هذه التلبية من الآخرة، أليس لك قريب تزوره، أفلا تستطيع أن تتفقد الأسر الفقيرة، تطعمهم بوجبة شهرية، قال تعالى:

 

﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾

 

[سورة الحج]

 ثم قال تعالى:

 

﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾

 

[سورة الحج]

 هو اختاركم لهذه الرسالة العالية ثم قال تعالى:

 

﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾

 

[سورة الحج]

 فالدين يسر، "قال تعالى:

 

﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾

 

[سورة الحج]

 أنتم أيها العرب جعلكم الله أمة وسطا بينه و بين خلقه، هذه الرسالة حمَّلكم الله إياها، فلا تتمُّ الدعوة بكلمة، فلا بد من طول زمن و صبر .

 

﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ﴾

 

[سورة الحج]

 أيها الأخوة: هذه الآيات الأخيرة من هذه السورة تلخِّص السورة بأكملها فإن أردتم التفوق هذا هو الطريق، أما جمع المال فلا يجعلك متفوقا وكل شيء تجمعه في حياتك الدنيا تخسره في ثانية واحدة، فالفلاح في طاعة الله وفي عبادته و في أداء الصلوات وفي فعل الخير و في مجاهدة النفس و الهوى وفي الدعوة إلى الله، قال تعالى:

 

﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ﴾

 

[سورة الحج]

تحميل النص

إخفاء الصور