وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة الحج - تفسير الآية 27 السبق العلمي في القرآن الكريم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، فالآية السابعة و العشرون من سورة الحج وهي قوله تعالى:

﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾

[سورة الحج]

 أي يأتون راجلين أو ممتطين ركابهم.
 قد يقول الإنسان لِمَ لم يقل الله عز وجل " فج بعيد" ؟ نحن نظن أن الآية تشير إلى بعد المكان، فلمْ يقل الله عز وجل "فج بعيد " العلماء يقولون: إن الأرض كرة و أنت إذا ابتعدت عن إحدى نقاط الأرض ينشأ بعدٌ ثالث هو العمق، فكلما ازداد العمق ازداد البعد، و العمق يشير إلى أن الأرض كرة، قد تكون مكة هنا و دلهي هنا، فالطريق من هنا، وهذا العمق هو إشارة علمية سمَّاها العلماء " السبق العلمي " هناك في القرآن الكريم إشارات علمية دقيقة جدا، مثلا، المعركة التي جرت بين الفرس و الروم والتي تحدث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى:

 

﴿غُلِبَتْ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ﴾

 

[سورة الروم]

 و المعركة جرت في غور فلسطين ولم يكن أحد يعرف قبل ذلك أن غور فلسطين أعمق نقطة في الأرض و في اليابسة، و أعمق نقطة في البحر في المحيط الهادي في خليج مريانا عمقها اثنا عشر ألف متر، بينما أعمق نقطة في البر هي غور فلسطين، ولم يكن وقتها أشعة ليزر تقاس بها الأعماق و الارتفاعات و الأبعاد، الآن بأشعة الليزر يقيسون المسافة بين الأرض و القمر على مستوى المليمتر، قال تعالى:

﴿غُلِبَتْ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ﴾

(سورة الروم)

 أي في أخفض نقطة في الأرض، هذا سبق علمي لم يكن يعلم أحد من قبل أن الجنين ذكرا كان أو أنثى هو من النطفة لا من البويضة، قال تعالى:

 

﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾

 

[سورة النجم]

 لم يكن يعلم أحد في عهد رسول الله أنَّ كل كوكب في الكون يتحرك، قال تعالى:

 

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11)﴾

 

[سورة الطارق]

 الصفة الأساسية الثابتة في السماء أن كل كوكب فيها يدور حول كوكب آخر في مسار مغلَق، لذلك كل كوكب سيرجع إلى مكان انطلاقه، قال تعالى:

 

﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ(12) ﴾

 

[سورة الطارق]

 الأرض تنصدع عن النبات و السماء من خصائصها أن كل كوكب فيها ينطلق و يعود إلى مكان انطلاقه، هذه الإشارات العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم، قال تعالى:

 

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا(25)﴾

 

[سورة المرسلات]

 الجاذبية، فكل شيء على الأرض لو تركته يسقط، ولماذا يسقط؟ بفعل الجاذبية، أما لو خرج رواد الفضاء من الأرض إلى القمر ووصلوا بين الكوكبين إلى منطقة انعدام الجاذبية التي الأشياء فيها لا وزن لها، بإمكان الإنسان أن يسبح في جو المركبة في الوسط و بإمكانه إذا خرج من المركبة أن يبقى معلقا في الفضاء، منطقة انعدام الوزن، الله جل جلاله أشار بقوله:

 

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا(25)أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا(26)﴾

 

[سورة المرسلات]

 فكل شيء في الأرض ينجذب إلى مركزها هذه هي الجاذبية، و التجاذب الحركي عبَّر عنه الله عز وجل بقوله:

 

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ(7)إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ(8)يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ(9)﴾

 

[سورة الذاريات]

 حبَّذا لو جُمعت هذه الإشارات العلمية التي سماها بعض العلماء " السبق العلمي " والتي تؤكد أن هذا الكلام هو كلام الله، قال تعالى:

 

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾

 

[سورة النحل]

 إلى هذا الحد هذا الكلام يمكن أن يقوله محمد عليه الصلاة و السلام، الخيل موجودة و البغال و الحمير لتركبوها و زينة، أما إذا ركب الإنسان سيارة فخمة أين هي في القرآن ؟ قال تعالى:

﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8)﴾

[سورة النحل]

 كلام خالق الكون، هذا سبق علمي، الله تعالى قال:

 

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80)﴾

 

[سورة يس]

 و الذي يحيِّر العقول أن الشجر الأخضر يحترق، لا يحترق، أنا كنت أتمنى أن تكون الآية " الذي جعل لكم من الشجر اليابس لكن قال تعالى:

﴿مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَر﴾

 قال العلماء هذه آية البترول لأن كلمة " أخضر" تشير إلى مادة اليخضور التي في الورقة، و الورقة هي أعظم معمل حتى الآن في الكون، قرأتُ كلمة عن الورقة الخضراء: إن أعظم معمل صنعه الإنسان لا يرقى إلى مستوى الورقة الخضراء، تأخذ ثمانية عشر معدنا مذابا في الماء من التربة و يصعد هذا الماء المذاب فيه المعادن بأوعية في الشجرة مدعَّمة بحلزون ليفي، حتى إذا نمت عرضا لا تضيق لمعة هذا الحلزون، فمن سمح للمعادن أن تذوب في الماء عن طريق الأملاح ؟ الله جل جلاله، يصعد هذا الماء إلى الورقة و الورقة تأخذ من أشعة الشمس الطاقة "البوتون" و الورقة دائما في اتجاه الشمس، ومن طباعها أنها في اتجاه الشمس و تأخذ البوتون و تأخذ الآزوت من الهواء و تأخذ النصغ الصاعد وتصنع منه مادة اسمها "النصغ النازل " و المادة الواحدة تشكل الأوراق الجديدة و الأغصان الجديدة و ينمو بها الجذع وتنمو بها الجذور و تنمو بها الأزهار وتنمو بها الصماغ، هل هناك في الأرض سائل ينحقن ويصير حديدا ؟ أو خشبا ؟ هذا مستحيل، هذه الورقة الخضراء لولاها لما كان النبات، ونظرية البترول أن هناك عصور هطلت فيها أمطار غزيرة نبتت نباتات عملاقة دُفنت تحت الأرض فكانت البترول، قال تعالى:

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80)﴾

[سورة يس]

 توقدون من البترول.
 القرآن الكريم زاخر بالإشارات الكونية، الآن يقول علماء الذرة: إن كل ذرة فيها نُوَية و فيها كهارب تدور حول هذه النوية بحركة دائمة، قال تعالى:

 

﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)﴾

 

[سورة يس]

 "كل" تفيد الإطلاق و الإبهام، أي شيء خلقه الله في الكون يسبح في فلك، بدءا من الذرة وانتهاء بالمجرة، فإذا قرأ الإنسان القرآن و تدبر آياته ولاسيما آياته الكونية إن لم يشعر بكل قطرة من دمه أن هذا القرآن كلام الله فأنا مسؤول عن هذا الكلام، الذي يقرأ القرآن يشعر أن كل حرف من هذا القرآن هو كلام الله عز وجل
 أيها الأخوة الكرام، الآيات التي تشير إلى السبق العلمي، هناك إعجاز تاريخي و هناك إعجاز إخباري وهناك إعجاز غيبي ؛ غيب الماضي و غيب الحاضر و غيب المستقبل، و هناك إعجاز بلاغي، مثل ذلك قوله تعالى:

 

﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40)﴾

 

[سورة التوبة]

 الواو حرف عطف، لِمَ لم يقل الله " و كلمة الله " بنصب كلمة عطفا على" كلمة الذين كفروا" ؟ لو كانت بنصب "كلمة " لفُهم أن كلمة الله صارت عليا بعدما كانت سفلى، و هذه عقيدة فاسدة، قال تعالى:

 

﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40)﴾

 

[سورة التوبة]

 الواو استأنافية وكلام جديد، قال تعالى:

 

﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40)﴾

 

[سورة التوبة]

 لذلك في القرآن إعجازي، و إعجاز شرعي و إعجاز تربوي و إعجاز علمي و إعجاز تاريخي و إعجاز إخباري عن غيب الماضي و الحاضر و المستقبل و إذا سألتَ ما الدليل على أن هذا الكلام كلام الله ؟ الجواب إعجازه،و هناك دليل آخر مهم جدا، وهو أن الله يشهد لك أنه كلامه أنت بتفكيرك و تدبرك تعلم أنه كلامه من إعجازه لكن الله وحده يشهد لك أنه كلامه، الله تعالى قال:

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾

 

[سورة النحل]

 يتوب الشاب إلى الله و يستقيم، ماله حلال و إنفاقه حلال، ضبط جوارحه وبيته و إنفاقه، فيرى بعد ذلك أن كل حياته صلحت، نفسيته و معنوياته و علاقاته الداخلية مع زوجته و أولاده و جيرانه، ورفع الله ذكره، هذه الحياة الطيبة التي بدت له و التي لم تكن من قبل شهادة الله لهذا العبد على أن الذي قال:

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾

 

[سورة النحل]

 هو خالق الكون وهو الذي أنزل هذا القرآن، ويأتي إنسان آخر يتفلَّت منكر للآخرة و يأخذ المال الذي يريد و ينفق كما يريد فيعيش حياة ضنكا كلها شقاء وهموم وأمراض وقلق و على خوف، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾

 

[سورة طه]

 وهذه شهادة الله لهذا العبد، و الذي أنزل هذا القرآن هو الذي صنع هذه الحياة الضنك، هذا دليل آخر، لذلك قال تعالى:

 

﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ(39)﴾

 

[سورة يونس]

 قال علماء التفسير: التأويل وقوع الوعد والوعيد، قال تعالى:

 

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276) ﴾

 

[سورة البقرة]

 يقول أحدهم: أنا معي أموال طائلة من ربا وأين هذه الآية ؟‍‍‍‍!بعد حين يتلف ماله كله، و يصادر ماله كله، و هذه الزلازل و الفيضانات و الإفلاس كلها يمحق الله بها الربا و يربي الصدقات، فأنت عندك طريقان للإيمان بكلام الله ؛ إما طريق التدبر وعندئذ تشعر أن كل كلمة من هذا الكتاب كلام الله، أو طريق أن تنظر إلى أفعال الله و إلى مطابقتها معى كلامه، هذا هو الذي يشعرنا أن القرآن كلامه، وبالمناسبة إذا كان نُشر في الجريدة اليوم مثلا خبر السماح باستيراد خمس سيارات بدون قيد أو شرط، ستنزل كل سيارة إلى خمسمائة ألف، أليس عيبا أن يصدق الإنسانُ إنسانا مثله في تصريح بسيط و تتغير الأسعار كلها ؟! و خالق الكون في ستمائة صفحة يبين لنا فيها الوعد و الوعيد والحلال و الحرام والخير و الشر ولا يصدقه أحد ؟!! الله تعالى قال::

 

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276) ﴾

 

[سورة البقرة]

 فلا بد من إيمان لذلك.
 قال تعالى:

 

﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾

 

(سورة الحج)

تحميل النص

إخفاء الصور