وضع داكن
25-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 20 - الجود
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

من آمن بالآخرة ينفق من ماله ومن لم يؤمن لا ينفق:

الخلق اليوم الجود .
أيها الأخوة, الخلق اليوم الجود، والجود بالتعريف الدقيق إعطاء ما ينبغي لا لعوض، ولا لغرض، والجواد هو الذي يعطي بلا مسألة صيانة للآخذ من ذل السؤال، والجود هو صفة ذاتية للجواد، لا يستحق بالاستحقاق، ولا بالسؤال، يعني أعلى درجة من العطاء أن تعطي من دون سؤال، ومن دون عوض، ومن دون هدف .
الله جواد من دون سؤال، ومن دون عوض، ومن دون هدف .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

((دَارَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوْرَةً قَالَ: أَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ -هذا بيت سيد الخلق، هذا بيت حبيب الحق، هذا بيت زعيم الأمة، هذا بيت قائد الأمة، ما عنده شيء- قَالَ: فَأَنَا صَائِمٌ, قَالَتْ: ثُمَّ دَارَ عَلَيَّ الثَّانِيَةَ وَقَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ فَعَجِبْتُ مِنْهُ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, دَخَلْتَ عَلَيَّ وَأَنْتَ صَائِمٌ ثُمَّ أَكَلْتَ حَيْسًا, قَالَ: نَعَمْ يَا عَائِشَةُ, إِنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا بَقِيَ فَأَمْسَكَهُ))

هذا بيت سيد الخلق، هذا بيت حبيب الحق، هذا بيت زعيم الأمة، هذا بيت قائد الأمة ما عنده شيء ، الآن إذا تأخر الطعام تقود الدنيا ، ولا تقعد في البيت إذا تأخر ، أما ليس عندي شيء فإني صائم .

((ثُمَّ دَارَ عَلَيَّ الثَّانِيَةَ وَقَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ – أي تمر وسمن- فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ فَعَجِبْتُ مِنْهُ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, دَخَلْتَ عَلَيَّ وَأَنْتَ صَائِمٌ ثُمَّ أَكَلْتَ حَيْسًا, قَالَ: نَعَمْ يَا عَائِشَةُ, إِنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا بَقِيَ فَأَمْسَكَهُ))

الصائم نفلاً أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أمسك .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ, وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ, وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ, وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ, فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ, فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا, وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ, وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ, عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ, وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا, قَالَ: وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ, قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ))

والعجيب -أيها الأخوة- أن صفة الشجاعة في الأعم الأغلب تقترن بصفة الكرم، فالبخيل جبان، والكريم شجاع، فكان عليه الصلاة والسلام جواداً، وكان شجاعاً، فلما سمعت صوتاً انطلق، وسبق الناس جميعاً، فلما ذهبوا ليتفقدوا الصوت رأوه راجعاً، أما حينما ضربت أمريكا في الحادي عشر من أيلول الذي على رأس هذا المجتمع ولى هارباً .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ, وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ, وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ, فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والنسائي في سننه]

بصراحة المؤمن بنى حياته على العطاء، لأنه أيقن أنه مخلوق للجنة، وأن ثمن الجنة يدفع في الدنيا عطاءً، قضية عقدية، بالتعبير المعاصر إيديولوجية، فأنت إن آمنت بالآخرة قطعاً تنعكس مقاييسك، إن لم تؤمن بالآخرة رأيتَ نفسك ذكياً، وموفقاً، وناجحاً، وفائزاً إذا أخذت، إن آمنت بالآخرة رأيت الذكاء والتفوق والنجاح والفلاح في أن تعطي، لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والطغاة أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم، والأقوياء ملكوا الرقاب بقوتهم، إذاً قضية عقدية، أنت حينما تؤمن بالآخرة السلوك الأمثل والأقوى أن تعطي، قال تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ﴾

-واتقى أن يعصي الله، لماذا؟ لأنه صدق بالحسنى، أي بالجنة، والذي بخل لماذا بخل، ولماذا استغنى عن طاعة الله؟ لأنه كذب بالحسنى، فالقضية عقدية، إذا آمن الواحد، هناك شخص محترم جداً في حياته إذا طمع بعطائه الكبير يقدم له كل شيء واحد, وإن لم يطمع بعطائه لم يقدم له شيئاً واحد, القضية ملخصة في هاتين الآيتين-:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل الآية: 5-6]

أعطى واتقى أن يعصي الله لأنه صدق بالحسنى, وبخل واستغنى عن طاعة الله لأنه كذب بالحسنى, فكل إنسان يؤمن بالآخرة يرى أمتع شيء في حياته العطاء، العطاء مطلق:

﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 3]

ينفق من وقته واحد من ماله واحد من خبرته واحد من علمه واحد من جاهه واحد من أي شيء منحه الله إياه واحد, والحديث القدسي الصحيح الذين تعرفونه:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:

((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا, يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ, يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ, يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ, يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ, يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي, يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا, يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا, يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ, يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

الله عز وجل عطاؤه كن فيكون .

 

طرفة:

للطرفة: كل إنسان على وجه الأرض لو أراد الله أن يعطيه سؤله، كل إنسان عنده طائرة خاصة، ويخت، وبيت، وقصر ضمن مساحة ألف متر مربع، وأعلى مركبة، لكنه خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ونحن في الدنيا من أجل أن ندفع ثمن هذه الجنة لذلك يضيق علينا .
أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي، وتضيقي، وتكدري على أوليائي حتى يحبوا لقائي .
أخطر شيء أن نركن إلى الدنيا، وأن نطمئن لها، وأن ننسى الآخرة التي خلقنا من أجلها، لكن أدق فيما هذا الحديث:

((فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ))

الإنسان عبد الإحسان فأعتقه بإحسانك:

النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا، حتى قال بعضهم مادحاً له:
لولا التشهد كانت لاؤه نعم .
عنده بالتشهد أشهد أن لا إله إلا الله، لولا هذه (لا) لكانت لاؤه نعم، هذا مقام النبوة، مقام المؤمن مقام عطاء لا مقام أخذ، إذا دلك على محل تجاري لم يقل لك: ما يطلع لنا شيء ، ما يمكن أن يقدم لك خدمة من دون مقابل، المؤمن يقدم لك روحه ماله علمه بلا مقابل.
عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

((مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ, قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ, فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ))

أيها الأخوة، لا أعجب إلا من إنسان أتاه الله مالاً وفيراً، ويستطيع بهذا المال أن يصل إلى أعلى درجات الآخرة، ويسابق العلماء، لأن المال شقيق الروح، وهو من هذا المال لا ينتفع إلا بالذي يأكله، ويلبسه، ويتنعم به، وما سوى ذلك مالا يسمى عند علماء القلوب كسباً لا تنتفع به، لكنك محاسب عليه، كم تستطيع أن تدخل الفرحة إلى بيت؟ كم تستطيع أن تزوج شاباً؟ أن تطعم جائعاً؟ أن تعالج مريضاً؟ هذا المال شقيق الروح، لذلك المال أحد أكبر وسائل الناجعة للجنة.
سيدنا أبو ذر قال: حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي.
ما وجدت كلمةً جامعة مانعة للمال كهذه الكلمة، أصون به عرضي، يطعم أولاده، يكسوهم، يطعم أهل بيته، يعطيهم حاجاتهم الأساسية، فيلتصقون به، ويحبونه، الأب المحسن محبوب .
بالمناسبة: أيها الأخوة, كل أب ينبغي أن يحترم هكذا، لكن ما كل أب لا يحب إلا إذا كان كاملاً، إلا إذا كان محسناً، أنت بالإحسان تملك القلوب .
عجبت لمن لا يشتري الناس بإحسانه، أنت قد تشتري إنساناً بمالك، قد تشتري عبداً بمالك قديماً، الآن العبودية للشعوب، وليست للأفراد، قد تشتري عبداً بمالك، لكن تستطيع أن تشتري الأحرار بإحسانك .
يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها .
هناك إنسان كان سفيهاً جداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: من يقص لسانه؟ فهِمَ أحدهم النص ظاهرا، فهِم أن يحضر مقصًا، ويقص له لسانه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قصد مَن يقص لسانه بالإحسان إليه، أنت حينما تحسن الإحسان يسكت، بل يرضى، بل يثني .
مواطن عادي قال: إن رجالك قد دخلوا أرضي في عهد معاوية، فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأن والسلام، ليس من المعقول من مواطن عادي يواجه أمير المؤمنين بهذه القسوة وهذا الجفاء، سيدنا معاوية أعطى هذا الكتاب لابنه يزيد، ماذا تفعل؟ يدرّبه، قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه، قال: غير هذا أفضل، جاء بكاتبه، فقال له: اكتب، أما بعد؛ قد وقفت على كتاب ولدي حواري رسول الله، هو ابن الزبير، وقد ساءني ما ساءه، والدنيا كلها هينة جنب رضاه، لقد بذلت له الأرض، ومن فيها، يأتي الجواب : أما بعد؛ فيا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك، ولا أعدمك الرأي الذي أحلك من قومك هذا المحل، جاء لابنه يزيد، تفضل، ماذا كنت تنوي أن تفعل، أن ترسل له جيشاً يحضرون رأسه ، قال: يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب .
أنت بالمال يمكن أن تفعل شيئاً لا يصدق، أنا لا أعتب على فقير، أعتب على غني، بدل أن يقيم لابنه عرساً في فندق كبير بثمانية ملايين يمكن أن يكون في قلوب ثمانين ألف إنسان إذا أحسن إليهم، ولا يعرف طعم الإنفاق إلا المنفق، لذلك الله عز وجل أجبر الفقير المدقع برمضان أن يؤدي زكاة صيامه، الذي عنده وجبة طعام واحدة، عنده بيضتان عليه أن يؤدي زكاة الفطر ليذوق طعم الإنفاق مرةً في العام .
الله عز وجل كريم، وكلما اشتققت من كماله اسماً ترتاح، إذا أعطيت، إذا حللت مشاكل الناس، إذا أطعمتهم طعامًا طيبًا، إذا كسوتهم كسوة جيدة، إذا حللت مشكلاتهم، لذلك الخير بيدي والشر بيدي، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، والويل لمن قدرت على يده الشر.

لا تكن مثل فلان دخل النار بلقمة أولاده:

إن أردت أن تعلم ما إن كنت من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة فالقضية سهلة جداً، انظر ما الذي يفرحك، أن تعطي أم أن تأخذ، أهل الدنيا يفرحون بالأخذ، وأهل الآخرة يفرحون بالعطاء، لذلك من أدق تعريفات الغني أنه الغني بالعمل الصالح، ومن أدق تعريفات الفقير أنه الفقير بالعمل الصالح، والدليل لما سيدنا موسى سقى للفتاتين:

﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾

[سورة القصص الآية:24]

قد تجد إنساناً بمقياس الغنى معه مليار مليار، هو فقير بأعماله الصالحة، قد تجد إنساناً معه مليار مليار، لكن هو فقير، ليس له عمل صالح، هذا المال كله تخسره بثانية واحدة، توقف القلب المئة مليار للورثة، سألوا شابًا بعد أن مات أبوه بيومين: إلى أين أنت ذاهب؟ قال : ذاهب لأسكر على روح أبي، لأنه ترك له أموالاً طائلة، ومات، تخلصنا منه .
فالإنسان إذا لم يعرف ربه يعمل ليلاً نهاراً لجمع الأموال من حرام ومن حلال، ثم يعطيها لأولاده الجهلاء لقمةً سائغة، ويموت من بيت ثمنه ثمانون مليونًا إلى مقبرة باب الصغير، والمال للأولاد، أندم إنسان على وجه الأرض عالم دخل الناس بعلمه الجنة، ودخل بعلمه النار، لذلك قرأت دعاءً ترك في نفسي أثراً بالغاً، هذا الدعاء: " اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني، اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك .
قميص أبيض غال جداً، وقلم لطيف، ومسبحة تركواز، وعطر مسك، ويقضي الليلة فيما لا يرضي الله عز وجل .
اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني، اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرةً لأحد من خلقك .

من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَيْنَمَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ, فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ, اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ, فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ, فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ, فَانْتَهَى إِلَى الْحَرَّةِ, فَإِذَا هُوَ فِي أَذْنَابِ شِرَاجٍ, وَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ, قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ, فَتَبِعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ بِالِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ, فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ, يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا, قَالَ: أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثَهُ وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ))

جاءني أخ من بلد إسلامي هو تاجر ألبسة، دخل إلى أضخم محل في جدة، عرض عليه ألبسة، قال: أريد الماركة الفلانية، تصنع في الشام، غير هذه الماركة لا أريدها، قال : لم؟ قال: والله عندي أصناف غربية تفوق هذا الصنف بمئات المرات أجمل بكثير، وأمتن بكثير، وأرخص بكثير، والناس جميعاً هنا يطلبون هذه الماركة، شيء عجيب، ثم علمت سابقاً أن هذا المعمل كان وليس الآن يعطي ثلث دخله للفقراء، يعطي هذا الثلث للفقراء، لذلك راجت بضاعته رواجاً، هذا اسمه تسويق إسلامي، أما التسويق الأمريكاني التابع لإدارة الأعمال يجب أن تعرض امرأة عارية مع السلعة حتى تباع، يجب أن تسحق العمال، وأن تضع إعلانات كثيرة ،ينفق ملايين مملينة على العمل، وتسحق موظفينك، أما التسويق الإسلامي فأنت حينما تعطي الفقراء والمساكين يلقي الله في قلب هؤلاء الناس حب هذه البضاعة، هذا يحتاج إلى إيمان، التسويق الإسلامي يحتاج إلى إيمان، أما إذا كان الإنسان غير مؤمن لا يرى من طريقة للربح إلا الدعاية بالملايين، يقول لك: الدقيقة بمئتين وخمسين ألفًا في ساعات الذروة، أي راقصة ترقص مع اسم الإعلان بمئتين وخمسين ألفًا للدقيقة، هذه ماذا يفعل بها؟ يزوجون عدة أشخاص .
التسويق غير الإسلامي أساسه الإعلان والمرأة، التسويق الإسلامي أساسه الإحسان، يلقي الله في قلب الناس محبة هذه البضاعة، طبعاً أنا لا أحارب الإعلان، ولكن يوجد إعلان منضبط، الإعلان ممكن أن يكون إعلاناً مغطى شرعياً ومنضبطًا، أما أن أثير غرائز الناس حتى يشتروا هذه السلعة فهذا إعلان مبني على المعصية، ومن ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، فسمع صوتاً في السحاب يقول: اسق حديقة فلان، فلان ماذا يعمل ؟ يعطي ثلث أرباحه أو إنتاج هذه المزرعة للفقراء، وثلث له، وثلث يرده في الحديقة.

 

بالبر يستعبد الحر وبالتقوى تملك غنى النفس من الأدران:

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ:

((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا, فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا, قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ, فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ, قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا))

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[سورة المطففين الآية: 26]

عَن سَعِيدِ بْن الْمُسَيَّبِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ:

((وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَانِي, وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

بالبر يستعبد الحر، بالبر ينقلب العدو صديقاً، الدراهم لها مفعول كبير في العلاقات الاجتماعية، والدراهم قوام الحياة، قال الحسن البصري: " بذل المجهود في بذل الموجود منتهى الجود .
المؤمن كريم في كل حالاته، لا يحب أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه، ثم يبكي ، ويقول: هو مع ذلك غني القلب، ولا يملك من الدنيا شيئاً، قد تجد إنساناً لا يملك شيئاً، وهو أغنى الأغنياء، غني بالله، الله عز وجل يحفظه، ويؤيده، و يغنيه، وقد تجد إنساناً معه ملايين مملينة، أخ كريم من المحسنين التقى بإنسان هنا في الشام بمكتبه التجاري، أقسم لي بالله أنه يملك أربعة آلاف مليون ليرة، قال لي: شكا لي همه وضيقه بأهله وأولاده، والبلد، والتجارة، والأسواق باردة، قال لي: كدت أبرك، وهو يملك أربعة آلاف مليون .
قال: ذهب إلى محل تجاري جاءته امرأة محجبة تطلب منه مساعدة، قالت له: أنت من أين؟ قالت له: من داريا، قال له: أنا في المساء عندي اجتماع مع الجمعية الخيرية أعطنا عنوانك, فبعد أن انتهى الاجتماع قال: هناك امرأة هذا عنوانها، لو تمدونها بمساعدة شهرية، قالوا: الآن اذهب معنا، قال: دخلت بيتاً لا يمكن أن يسكنه أحد، هو تحت درج، القسم العالي غرفة، والقسم المتدني حمام ومطبخ، وله فسحة صغيرة، البيت نظيف جداً، والأولاد مرتبون ، والزوج مريض مضطجع على السرير، فالوضع مؤلم جداً، لكن شعرت بسعادة عجيبة، هذا البيت مستحيل أن يسكن فيه، فيه نور، فقال: أعطوها ألفين في الشهر، هي طلبت ألفاً، قالت: لا، أريد ألف، يكفينا راتب زوجي، يكفي لإطعامنا، نحتاج ألفًا أجرة هذا البيت، رفضت أن تأخذ ألفين، الذي عنده أربعة آلاف مليون من كثرة ما شكا له لعلك تتمنى أن تساعده، وهذه المرأة الفقيرة التي تسكن في هذا البيت رفضت أن تأخذ الألفين، قالت: ألف يكفينا، إن الغنى غنى النفس، قد تجد إنساناً أكبر رأسماله معرفته بالله، واستقامته على أمره، ومحبته للناس، هذا بعين الله:

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

[سورة الطور الآية: 48]

الغنى غنى النفس، وقد تجد إنساناً غنياً أحرص على الدرهم من الفقير .
فيا أيها الأخوة, نحن في رمضان، وكان عليه الصلاة والسلام جواداً، وكان أجود ما يكون في رمضان.

دعاء الختام:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله و صحبه و سلم .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور