وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 8 - سورة يس - تفسير الآيات 77 - 79 خلق الإنسان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآيةُ السابعةُ السبعون والتي بعدها من سورة يس وهي قوله تعالى:

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)﴾

[سورة يس]

 أوَّلاً قوله: يَرَ ! فمَن مِنْكم رأى كيف خلقَهُ الله عز وجل ؟! يبْدأ الوعي والتَّمييز في سِنِّ الخامسة، هل مِنَّا من يستطيع أن يرى يوْمَ كان نُطْفةً كيف خَلَقَهُ الله عز وجل ؟ العلماء قالوا: إن لمْ تَرَ كيفَ خُلِقْتَ، ألا ترى كيف خُلِقَ ابنُك ؟ فكُلّ إنسانٍ تزوَّج، وهذا الماء المهين، الخمس مائة مليون حُوَين، والبُوَيْضَة تحتاج إلى حُوَين واحِد، والحُوَين لا يُرَى بالعَين، فَيَدْخُل إلى البُوَيْضَة ويُلَقِّحُها، وهذا الحُوَين عليه بالنَّواة خمسة آلاف مليون معلومة مُبَرْمَجَة ؛ شَكْلُ الإنسان وطولُه ولوْنُهُ ونوع شَعْرِه، ولون عَيْنَيْه، وشَكل رأسِه، ونوع عِظامِهِ، وبلازْمَا الدَّم، وقُزَحِيَّة العَيْن، ونَبْرَة الصَّوت، حلْوٌ أو غير هذا، فَكُلّ خصائِص الإنسان على نواة الحُوَين المَنَوي، الذي لا يُرَى بالعَين، والبُوَيْضَة فيها كذلك خمْسة آلاف مليون معْلومة مُبَرْمجة، وهذه المَعلومات تتفاعَل، وتتَّحِد، لذا قال عليه الصلاة والسلام:

((اغْتَرِبوا لا تضْوُوا...))

فلو أنَّ هناك عناصِر ضعيفة بالحُوَين أو البُوَيْضة بِسَبب القرابَة، فالضَّعْف يزْداد، أما إذا كانت هناك عناصِر مُتنافِرَة، فالحُوَيْن والبُوَيْضة، يُؤْخَذُ منهما العنْصر الأقْوى، فالإنسان كلَّما ابْتَعَد في زواجِهِ جاءَهُ النَّسْلُ قَوِيًّا، وقد ذَكَرْتُ لكم أنَّهُ عُقِدَ في دِمَشق قبل عشْرة أعوامٍ تقريبًا، أسبوع العِلم، وكان مِن أبْرَزِ مَوضوعاتِهِ تَحسين النَّسْل، وقد أُلْقِيَت مُحاضَرات مِن علماء كِبار مِن شَتَّى العالَم، وقام رئيس المَجْمَع العِلمي العربي رحمه الله، وألْقى كلمة مُخْتَصرة فقال: كلّ هذه المُحاضَرات مُلَخَّصُها قَوْل النبي عليه الصلاة والسلام: اغْتَرِبوا لا تَضْووا ! فهذه النُّوَيَّة التي في الحُوَين المَنَوي عليها خمسة آلاف مليون معلومة مُبَرْمَجَة، وكذا البُوَيْضة، فهذه المعلومات تتفاعَل، قال تعالى:

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2)﴾

[سورة الإنسان]

 هذه الأمْشاج هي اخْتِلاط المعلومات، فإذا كان بالمعلومات قُوَّة وضَعْف، فالمَخلوق يأخذ الصِّفة القَوِيَّة، أما إذا كان الضَّعف مِن الجِهَتَين فالضَّعف يزْداد فالنبي عليه الصلاة والسلام لا عن عِلْمٍ ذاتي، ولا عن ثقافَةٍ حصَّلها ولا عن حضارةٍ اسْتَوْعَبَها، بل عن وَحيٍ إلهي، وما ينطِق عن الهوى، قال تعالى:

 

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾

 

[سورة النجم]

 أعرفُ إنسانًا مُقيمًا في بلْدة قريبة من دمشْق جاءَهُ خمْسة أولاد عُته وبُلْهٌ، فلمَّا سأل عن السَّبَب، عرف الحقيقة، وهو أنَّه تزوَّجَ أُخْتَهُ مِن الرَّضاعة وهو لا يدْري !! لذلك الأوامر الإلهيَّة مِن نتائِجِها ما سبق ذِكرهُ، فلمَّا حرَّم الله الأخت مِن الرَّضاع، لأنَّ هناك عناصِر مشْتركة، فيأتي الولَد أبْله، وعِظامُهُ هشَّة !
 قال تعالى:

 

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)﴾

 

[سورة يس]

 أصبَحَ يتفلْسَف، ويقول لك: أنا لا أومِن إلا بِشَيءٍ أراهُ بِعَيني ! هو في الأصْل إعْجاز نُطفة من ماء مهين، ومن بُوَيضة، وانْقِسامات ؛ وتشكَّلت العِظام و كسى الله العِظام لحْمًا، وفي تِسعة أشْهر خرج الجنين ؛ هذه كُلُّها لم يرَها، وهذا الطِّفل يضْحك ويتثاءَب، ويُصيبُهُ السُّعال، ويأكل ويسْحب الهواء، ويخرج منه البراز، وقلبُهُ ينْبض ومائة وأربعين خَلِيَّة بِدِماغِهِ، وأربعة عشرة مليار خلِيَّة قِشْرِيَّة وتسعمائة ألف عصَب بصري بِعَيْنِهِ، وألف وخمسمائة كيلومتر طول أوْعِيَةِ دَمِهِ وطريق بالكليتين طوله مائة كيلومتر !! ويقْطَعُهُ الدَّم في اليوم خمسة مرَّات، والأسنان عالم قائِم بذاتِهِ، فهذه لها لبّ، ووِعاء وشِريان وعصَب ؛ كلّ هذا من الماء المهين، وأقسى عُنصر في الأرض بعد الألماس هو الأسنان ! وهذا السِنّ مُسْتَنِد إلى وِسادة فإذا الإنسان عصَّب وضَغط على أسنانه هناك حوالي ربْعِ ميلي يتجاوبون معه، ولولا عَظْم مُسْتَنِد لانْكسَرَت أسنان الإنسان، فهذه الوِسادة تمْتَص الصَّدمات، فَعِلْم الأسنان عِلْمٌ قائِم بِذاتِهِ.
 والشَّعْر عِلمٌ آخر، فلو أنَّ الله تعالى وضَعَ بالشَّعْر عصَب مُحَرِّك لاحْتَجتَ إلى عَمَلِيَّات جِراحِيَّة مُعَقَّدة مِن أن حلق الشَّعْر، وكذا الأظافر خالِيَة من الأعصاب الحِسِيَّة، فهذا مِن نِعمة اله عز وجل.
 أيها الإخوة، قال تعالى:

 

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)﴾

 

[سورة يس]

 ألَمْ ترَ ابْنَكَ ؟ وهل يوجَد من لا يعرف ابْنَهُ، خطَب وتزوَّج وبعد كم شَهرٍ حَمَلَت زوْجَتُهُ، فوَلَدَت وجاء طِفل، وكبُر، فابنُكَ الذي الآن تراه أطْوَل منك، كان نطفة ماء مهين ! فهذا عَظمُ عُنق الفَخِذ يتحمَّل مائتين وخمسين كيلو غرام، والثانية مائتان وخمسون، فالإنسان المتين له أن يتحمَّل وزْن خمسمائة كيلو !! فهذا كان ماءً مهين، فَبِفَضْل عَمَلِيَّة تَجري في العِلم اسْمُها التَّرسُّب، فَمِن أين جاءَت هذه الأسنان القاسِيَّة وهذا العَظم الثَّخين ؟ جاء مِن عَمَلِيَّة اسْمُها التَّرسُّب، يأتي هذا الحليب فيه مُركَّبات الكِلْس، وتأتي هذه الخلايا فَتُرَتِّب الكِلْس في العِظام، ويُصْبِحُ متينًا، فاللَّحام تَجِدُه يكسِر العَظم أحيانًا بِحَديد حادَّة وقَوِيَّة ولا يُكْسَر العَظْم ! فهذه كان أصْلُها ماء، قال تعالى:

 

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)﴾

 

[سورة يس]

 يتفلْسَف الإنسان، فهل يُمكن أن تؤمن أنَّ هذه العُلْبَة من المحارِم التي أمامك، جاءَت هكذا ! وسَبَهْللاً !! وهذا الإنسان الذي يَحَار العَقْل في تَطبيقه، فهل تؤْمِن أنَّ الإنسان مِن دون خالق ؟ فإذا هو خصيمٌ مُبين، يقول لك: أنا لسْتُ قانِعًا بِهذا الدِّين وهذا العَصر عَصْرُ التَّقَدُّم وعصْر العِلْم، وأحيانًا يقول لك: هذا الإنسان نَتيجة شُعورِهِ بالضَّعْف تديَّن ! فالدِّينُ دليل ضَعْف الإنسان !! وأحيانًا تُقامُ مُحاضَرات في الإلْحاد، والطَّعْن بالدِّين، ويُقالُ له الدُّكتور الفلاني !! والطِّفْل تجِدُ فيه طِباعًا رُكِّبَت فيه يذْهَل العَقل في فهْمِها، قال تعالى

 

﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)﴾

 

[سورة النجم]

 ثمَّ قال تعالى:

 

﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)﴾

 

[سورة يس]

 كلٌّ مِنَّا رأى القبْر، ونظر إلى بقِيَّةٍ مِن العِظام فيه، قال تعالى

 

﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)﴾

 

[سورة يس]

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)﴾

 

 

[سورة يس]

 هذه الآية إن شاء الله نرجئها إلى درْس الغد.

تحميل النص

إخفاء الصور