وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة يس - تفسير الآيات 13 - 24 قصة أصحاب القرية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الرابعة عشرة والتي بعدها من سورة يس وهي قوله تعالى:

﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾

[ سورة يس ]

 تطَيَّرنا أيْ تشاءَمْنا، والتَّطَيُّر عادَةٌ جاهِلِيَّة، فالإنسان كان إذا طار الطائِر عن يمينِهِ تفاءَلَ، وإن طار عن شِمالِهِ طائِر تشاءَم، فالتَّطَيُّر إذا أُطْلِقَ انْصَرَف إلى التَّشاؤُم، فهو إن طار عن يمينِهِ تفاءَلَ، وإن طار عن شِمالِهِ تشاءَم، أما إذا أُطْلِقَ نقول فلان تطيَّر.
 قبل أن نُتابِعَ الآيات، التَّطَيُّر لا أصْل له إطلاقًا، ولا وُجود له فلا يومٌ مِن أيَّام الأُسبوع فيه تَشاؤُم، ولا رقم فيه تشاؤُم، ولا فلان قَدَمُهُ قَدَمُ سوء، ولا امْرأة تزوَّجْناها فدَخَل الشرّ علينا ‍! هذا كلُّهُ كلامُ إبْليس مِن أجل أن يفَرِّق بين الرَّجُل وزوْجَتِهِ، وبين الأخ وأخيه، وبين الشَّريك وشريكِه.
 فالتَّطَيُّر أن يطير الطائِر عن اليمين فتتفاءَل، وأن يطير مِن الشِّمال فتتشاءَم، فهذا لا أصْل له في الدِّين، والنبي صلى الله عليه وسلّم وهو سيِّد الخَلق، وحبيب الحَّق، تُوُفِّيَ ابْنُهُ إبراهيم فَكَسفت الشَّمس، فظنَّ الصَّحابة الكِرام أنَّ الشَّمس كُسِفَت مِن أجل مَوْتِ إبراهيم، فلمَّا بلَغَ النبي صلى الله عليه وسلَّم، وقفَ فيهم خطيبًا وقال: إنَّ الشَّمس والقمر آيتان لا ينبغي أن تنْكَسِفا لِواحِدٍ من خلْقِهِ، فالأبراج والتَّشاؤم، ووقعَت لك مُشكلة يوم الثالث عشر، أو وجَدْت بالدُّرج كلمة في تشاؤُم، فهذا كلُّه خَلط بِخَلْط بِخَلْط، ولا أساس له بالصِّحة، قال تعالى:

 

﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)﴾

 

[ سورة يس ]

 الشَّق الثاني: قالوا طائِرُكم معكم، فالتَّشاؤُم مِنَك، والتَّفاؤُل منك فأنت إذا فَعَلْتَ مَعْصِيَةً تشاءم والحق معك ! وإن فَعَلْتَ طاعةً فتفاءَل فالخير لا يأتيك من الخارِج، ولكن مِن الدَّاخِل، والشرّ لا يأتيك من الخارج ولكن من الداخل، ولا يخافنَّ العبد إلا ذَنْبه ولا يرْجُوَنَّ إلا ربَّهُ وهناك أُناسٌ مُخيفون، وأمراض وبيلة، وحشرات وفيروسات وأشخاص شرِّيرون، هؤلاء لا تَخَفْهم، ولكن خَفْ ذَنْبَكَ، لأنّ هذا الذَّنْب يُسَلِّطُ عليك كلّ هؤلاء، فلا تخَف هؤلاء ولكن ذَنْبَكَ ! فَذَنْبُكَ هو الذي يسْتَقْدِمُهم، وهو الذي يُقَوِّيهم، فإذا الإنسان ارْتَكَب المعاصي كان عليه أن يتشاءَم وإلا كان أبْلهًا، ويجب أن ينتظِر العِقاب، وإذا كان مالُهُ حرام يجب أن ينتَظِر تَدْمير مالِهِ، إلا أنْ يتوبً طبْعًا، وإذا علاقاتُهُ الاجْتِماعِيَّة ساقِطَة عليه أن ينتَظِر الشَّقاء الزَّوْجي إلا أن يتوب وإن أهْمَلَ أولادَهُ فَيَجِبُ أن ينتَظِر عُقوقَهم، وإن أفْلَتَ زوْجَتَهُ فيجب أن ينْتَظِر خِيانتها، فطائِرُكم معكم، والشَّر مِن داخِل الإنسان، فإذا الدَّخل حرام عليك أن تتوقَّع احْتِراق المَحَلّ، وتتصادَر الأموال وتَبُور التِّجارة، وتُفَلِّس، وإذا كان عَمَلُكَ طيِّب كان عليك أن تتفاءَل وقل لن يُصيبَنا إلا ما كتبَ الله لنا، فالله وعَدَك بالحياة الطَّيِّبَة فخَيْرُكَ مِنْكَ فلا يوجَد رقْم خارِجي، وحتَّى الشَّيطان، قال تعالى

 

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 ومن أتى كاهِنًا فقد كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ على مُحَمَّد ومن أتى ساحِرًا فصَدَّقه لم تُقبل صلاته أربعين صباحًا، فطائِرُنا مِنَّا، فإذا أدَّيتَ زكاة مالِكَ، وكنت مُستقيمًا فلا تَخَف، فهذا سيِّدنا أبو الدَّرداء كان له مَحَلّ تِجاري في المدينة، فقيل له: يا أبا الدَّرْداء احْتَرَقَ مَحَلُّك، فقال: ما كان الله لِيَفْعَلَ !! اِذْهَبوا فلمَّا تأكَّدوا فإذا ليس بِمَحَلِّه وما تَلِفَ مال في برِّ ولا بحْر إلا بِحَبْسِ الزَّكاة، وتبرُّ والِدَيْك فسَوْف يكون أولادُكَ أبْرارًا لك، واخْتَرْتَ زوْجَةً لِدينِها فلن ترى منها سوءً فالخير مِنك، والشَّر منك، فَسَيِّدُنا هود عليه السلام ماذا قال ؟ قال تعالى:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي(55)﴾

[ سورة هود ]

 أنت أمام خمسين وَحْش مُخيف، ولكن كلّ وَحْش مربوط بِزِمام مُحْكَم بِيَدِ إنسان عادِل وقوِيّ وحليم، فأنت لا علاقة لك بالوُحوش، ولكن بِمَن بيَدِهِ أزِمَّة الوُحوش فإن رَضِيَ عنك أبْعَدَها عنك، وإن غَضِب عليك قرَّبَها مِنك، فهذه الآية دقيقة:

 

﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(19)﴾

 

[ سورة يس ]

 لذلك لا يخافنَّ العبد إلا ذَنْبه ولا يرْجُوَنَّ إلا ربَّهُ ؛ هناك حوادِث مُرَوِّعة، وحشرات مُخيفة، وأناس ظالمون، وخِيانة زَوْجِيَّة، فأنت لا تَخَف مِن شيءٍ، وإنَّما عليك بالخَوف مِن ذَنْبِكَ فَهُوَ الذي يَجْلبُ لك كلّ هذا، وإذا كنتَ مُسْتقيمًا وِفقَ مَنْهَج الله وأنت راضٍ لله، فلا تتشاءَم، و أرجو من الله كل خير، لأنّ الله تعالى يقول:

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾

 

[ سورة النحل ]

 قال تعالى

 

﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)﴾

 

[ سورة يس ]

 الإنسان بِطَبيعَتِهِ لا يتحرَّك إلا لِفائِدَة، وهناك أشْخاص مادِّيِّين، ولا يتكلَّم إلا بالدَّراهِم فأنت إن وَجَدْتَ إنسانًا لا يريدُ لا المديح ولا الأخضَر - أي الدولار - ولا أحْمر - الذَّهَب - ولا أبْيَض - الفِضَّة - وإنَّما يريد وَجْه الله عز وجل فهذا على حقّ، قال تعالى: اتَّبِعوا من لا يسألكم أجْرًا وهم مهتدون.
 ثمَّ قال تعالى:

 

﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلَا يُنْقِذُونِ(23)﴾

 

[ سورة يس ]

 سيِّدُنا الحسَن البصري وهو من كبار التابعين كان عند والي البصْرة لِيَزيد ابن معاوِيَة، وزير معاويَة أرْسَل له كتابًا بالبريد تسلَّمَهُ وفي حضْرَتِهِ الحسَن البصري ففتَحَ الكتاب، فإذا في الأمر فيه ظُلم، فوقَعَ في حَيْرة، إن نفَّذ أمْر يزيد رضِيَ عنه وسَخِط عنه الله، وإن نفَّذ أمْر الله رضي عنه تعالى وأسْخَطَ عنه يزيد وربَّما عزَلَهُ، فعرَض أمرهُ على الحسَن البصري فقال: ماذا أفْعل يا إمام ؟! فقال له الإمام الحسَن: إنَّ الله يمْنَعُكَ مِن يزيد ولكِنَّ يزيد لا يمْنَعُكَ مِن الله ! فهذه الكلمة نحن في أمسِّ الحاجة إليها، فالله إذا أراد شيئًا لو أنَّ أهل الأرض جميعًا أرادوا أن يمْنَعوه لما اسْتطاعوا ! وإذا كان الله معك فَمَن عليك، وإذا كان عليك فَمَن معَكَ، فالإنسان أحيانًا يكون له ولاء كبير جدًّا لشَخصٍ قَوِي، ويَفديه روحه، ويأتيه مرض فما يفعل معه هذا القويُّ يدخله أفخم مستشفى و في الأخير يموت، هل استطاع أن ينقذه من هذا المرض ؟ لكنَّ الله يقدر لأنه هو الأقوى، فهل يمكن إن كنتَ في الجَيْش أن يُعطيك أحدهم ذو مرتبةٍ عالِيَة أمرًا ولا تُنَفِّذُه ؟‍! فالله أقْوى الأقْوِياء، وهذا هو معنى الكلام.
 قال تعالى:

 

﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

 

[ سورة يس ]

 إذا الإنسان نَسِيَ الله وأطاع مَن دونه فهو في ضلال مُبين، فهناك ضلال بعيد، فمثلاً لو أنَّ الإنسان كان بالسيارة وأراد أن يذهب لِمَكَّة واللَّوحة تُؤشِّر إلى أنّ المكان جدَّة فهذا أضلَّ الطريق ضلالاً مُبينًا رغم اللَّوحة الكبيرة أما الذي دخل خطأً بالطريق وهو لا يعلم، ومشى فيه عدَّة كيلومترات ثمَّ علِمَ أنَّه أخطأ فهذا ضلال بعيد، فهناك إذًا ضلال بعيد وآخر مبين فالإنسان يُطيعُ مَخلوقًا ضعيفًا ولئيمًا، ويعْصي خالقًا عظيمًا بصيرًا.

تحميل النص

إخفاء الصور