وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 8 - سورة فاطر - تفسير الآية 41 الآيات الكونية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الواحِدَة والأربعون من سورة فاطر وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(41)﴾

[ سورة فاطر ]

 زوال الشَّمس عن كَبِدِ السَّماء أي انْحِرافها، ووقْتُ الظُّهر يتوافقُ مع زوال الشَّمس، فإذا زالت الشَّمس عن كَبِد السَّماء دَخَلَ وقْتُ الظُّهر ومعنى زالَتْ أي انْحَرَفَتْ، والكون الذي يَعُدُّه بعض علماء الفلَك مليون مليون مَجَرَّة، وفي مُعظم الكجرَّات حوالي مليون مليون كَوْكَب ونَجْم، هذا الكَون كلُّه مُتَحَرِّك، وكلّ هذه الحَرَكة مُغْلَقَة، قال تعالى

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11)﴾

[ سورة الطارق ]

 أي كلّ كوْكَبٍ يدور حول كَوْكبٍ آخر حتَّى يرْجِعُ إلى مكان انْطِلاقِهِ وأنَّ هذا التَّوازن في الكَون هو مِن أعْظَمَ أنواع التَّوازُن ؛ تَوازُن حَرَكي، وهو مُتحَرِّك متوازي، ولولا حركة الكواكب لأصْبَحَ الكون كلُّه كتْلةً واحِدَة ؛ لأنَّ قانون الجاذِبِيَّة يقْضي بأنَّ الكُتلة الأكبر تَجْذِبُ الكتلة الأصْغَر، فإذا تَوَقَّف الكون عن الحركة انْجَذَب إلى بعْضِهِ بعْضًا، وشَكَّل كتْلةً واحِدَة، أما في أثناء الحركة ينشأ عنها قِوى النَّبْذ وهي التي تكافئ قِوى الجَذْب، ومن هنا يأتي التَّوازُن، ولْنَأْخُذ أرْضَنا، فالأرض تدور حَوْل الشَّمس، ومِن دَوَرانِها تنشأ قُوَّة نابِذَة و لارتباطها بالشمس تنشأ قوَّةً جاذبة، و لا شك أن قوَّة الجذب أكبر من قوَّة النبذ لذلك تبقى الأرضُ على مسارها، و لو تصوَّرنا أن الأرض خرجت عن مسارها و سبحت في الفضاء الخارجي، أي زالتْ عن مسارها و تفلَّتتْ من جاذبية الشمس و انطلقت في الفضاء الخارجي سوف تفتقر إلى أشعة الشمس و سوف تبرد إلى أن تصل إلى الصفر المطلق، و الصفر المطلق مائتان و سبعون درجة تحت الصفر وعندها تزول المودَّة، فإذا زالت عن مسارها تلاشتْ، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾

 

[ سورة فاطر ]

 بعض العلماء قالوا: لو أردنا أن نعيد الشمس إلى الأرض لاحتجنا إلى مليون مليون كبلٍ فولاذي، و قطر كلِّ حبل خمسة أمتار، و هذا الحبل الفولاذي الذي قطره خمسة أمتار يتحمَّل قوى شدٍّ تكافئ مليوني طنٍّ، فنحن بحاجة إلى مليون مليون حبل، و كلُّ حبل يتحمَّل قوى شدٍّ تكافئ مليوني طنٍّ، يعني أن الأرض مرتبطة بالشمس بقوَّة جاذبيةٍ تساوي مليونين ضرب مليون، هذه قوَّة جذب الشمس إلى الأرض وجذب الشمس إلى الأرض منم أجل أن يحرف الأرضَ عن مسارها المستقيم إلى مسارها الإهليلجي ثلاثة ميلي في الثانية، و منها يتشكَّل مسارٌ مغلقٌ حول الشمس، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾

 

[ سورة فاطر ]

 فإذا قطارٌ خرج عن سكَّته هل تستطيع أن ترجعه، قال تعالى

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾

 

[ سورة فاطر ]

 أيها الأخوة، الشيء الذي يلفت النظرَ أن الأرضَ مادَّةٌ، و المادة غيرُ عاقلة، و المسارُ إهليلجي ؛ أي بيضوي ؛ الدائرة لها قطران ؛ قطر أصغري و قطر أعظمي، فالأرضُ إذا وصلت إلى قطرها الأصغري تزيد من سرعتها لأن المسافة قصرتْ و هناك احتمال للشمس أن تجذبها فتحترق، و إذا أُلقيتْ الأرضُ في الشمس تبخَّرتْ في ثانية واحدة، لأن الشمس حرارة سطحها ستة آلاف درجة، أما حرارة أعماقها عشرون مليون درجة، و الحديد ينصهر بألف وخمسمائة درجة، و الأرضُ وهي في مسارها حول الشمس إذا وصلتْ إلى القطر الأصغر لئلا تجذبها الشمسُ فتنتهي تزيد من سرعتها، فإذا زادت من سرعتها نشأ عن هذه الزيادة قوَّةٌ نابذة جديدة تكافئ القوَّةَ الجاذبةَ الجديدةَ الناتجة عن قرب الأرض من الشمس، فإذا وصلتْ إلى القطر الأعظم و بقيت سرعتُها عاليةً فهناك احتمال التفلُّتِ و أن تزول عن مسارها حول الشمس، و هناك تبطِئُ من سرعتها، فالأرضُ تزيد من سرعتها في القطر الأصغر و تبطئُ من سرعتها في القطر الأعظم، فمن الذي أبطأها و سرَّعها ؟ و من الذي ربطها بالأرض ؟ و هذه القوَّةُ الهائلة تجذبها إلى الشمس، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾

 

[ سورة فاطر ]

 هؤلاء الذين يُعبَدون من دون الله، هل يستطيعوا أن يعيدوا الأرضَ إلى مسارها ؟ و لو أن الأرضَ خرجت عن مسارها ما الذي يحصل ؟ أيها الإخوة الكرام، القضيةُ تحتاج إلى دقَّةٍ، و لو جئنا بكتلتين مغناطيسيتين وَوَضَعْنَاهُما على سطح سقيل، و جئنا بكرةٍ ثقيلة صغيرة أكبر ُ عالِم في الفيزياء لا يستطيع أن يضع هذه الكرةَ في المكان المتوسِط الدقيق بحيث تكافئ قوى الجذب هنا و هنا، و لو أُزيح واحد ميكرون تنظم إلى الكرة الأولى، أما إذا استطعنا أن نحافظ على كرة صغيرة بين كتلتين مغناطيسيتين فهذا شيءٌ معجِز، و لو أن الكتلتين متفاوتتان في الحجم كان الأمرُ أصعبَ، و لو أن هناك ثلاث كتل مغناطيسية متفاوتة الحجم كان أصعب بكثير، و كان عليك أن تضع كتلة في الفضاء بحيث تستقِرُّ بين هذه الكتل، هذا شيء فوق طاقة البشر، و لو أن هذه الكتل متحرِّكةٌ و الكتلةُ التي نريد أن نجعلها تستقر متحرِّكةً أيضا في فضاء، هذا شيء فوق طاقة العقل البشري، هذا هو الكونُ، و الكون مليون مليون مجرَّة، و كلُّ مجرَّة مليون مليون نجم، و كلُّ نجم له حجم وله كثافة و له مسافة و له بعدٌ و كله متحرِّكٌ، وهذا التحرُّكُ يؤدِّي إلى نظام دقيق، بحيث أن أدقَّ ساعةٍ في العالَم تضبَطُ على النجم، ومعنى ذلك أن حركة النجوم أدقُّ من أدقِ ساعة في الأرضِ، ألا ترى إلى التقويم الهاشمي فيه مثلا، أن الشمسَ تطلع يوم 25 أيلول على الساعة الخامسة و دقيقتين، لأن الحركة على مستوى معشار الثانية، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾

 

[ سورة فاطر ]

 هذا الإله العظيم يُعصَى و يُزهَد فيه و لا يُخطَب وُدُّه، و نسير بِخلاف منهجه، و لا نبتغي رضاه و نبتغي رضا البشر، قال تعالى في الحديث القدسي: إني و الإنس..قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾

 

[ سورة فاطر ]

 لذلك أيها الإخوة، قبل سنة تقريبا أُرسِلت مركبةٌ إلى المشتري وعليها مرصادٌ عملاق، و عدسة المرصاد قطرها تسعة أمتار، يستغرق تبريدها عشرُ سنوات، التقط قبل سنة مجرَّةً ـ أُذيعت هذه الأخبار في إذاعة الأخبار العالمية ـ التقط مجرَّةً تبعد عنا ثلاثمائة ألف مليون سنة ضوئية، و أربع سنوات ضوئية نحتاج إلى سيرها بمركبة أرضية خمسين مليون سنة، قال تعالى:

 

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ(15)﴾

 

[ سورة التكوير ]

 هذه الآية من إعجاز القرآن الكريم العلمي، قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)﴾

 

[ سورة فاطر ]

تعصي الإله و أنت تظهر حبَّه  ذاك لعمري في المقال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعتَـه  إن المحبَّ لمن يحبُّ يطيـع

 الله تعالى أعطانا هذا الفكرَ و العقل كي نتعرَّف بهما على الله، فإذا عطَّلنا عقولنا أو استخدمنا عقولنا لغير ما خُلِق له فقد خسرنا خسارةً كبيرةً

تحميل النص

إخفاء الصور