وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة فاطر - تفسير الآية 10 الشعور بالأهمية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية العاشرة من سورة فاطر، وهي قوله تعالى:

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

[سورة فاطر]

 في الإنسان دَوَافِعَ فِطْرِيَّة ثلاث ؛ دافِعُ الطَّعام والشَّراب، ودافِعُ الجِنس ودافِع الأهَمِيَّة ؛ تأكيد الذَّات، فالدافِعُ الأوَّل للحِفاظ على الفَرْد والدافِع الثاني للحِفاظ على النَّوع، والدافِع الثالث للحِفاظ على الذِّكْر فالإنسان إذا أكل وشَبِعَ، وتزوَّجَ وكُفِيَ، فإنَّه يحْتاجُ حاجةً مُلِحَّة أن تكون له قيمة في المُجْتَمَع، وأن يكون إنسانًا ذا أهَمِيَّة ويُشار إليه بالبَنان، فهذه حاجة أوْدَعَها الله في الإنسان، وأيَّةُ حاجةٍ أوْدَعَها الله في الإنسان يُمْكِنُ أن تسْلُكَ طريقًا وقناةً نظيفةً شرَعَها الله عز وجل ويُمكنُ أن تسلُكَ قنَوات قَذِرَة نهى الله عنها، فلكَ أن تأكل ما لذَّ وطاب مِن كسْبٍ حلال ولا شيءَ عليك، أما إذا أكلتَ لقمةً من حرام جُرِحتْ عدالتُك، و لك أن تتزوج، أما إذا أردتَ أن تشبع هذه الرغبةَ خارجَ الزواج فهذا هو الزنا، و خارج الفطرة هذا هو اللواطُ، فأيَّةُ شهوة أودعها اللهُ في الإنسان رسم لها طريقا صحيحا و سنَّ لها سنَّة نظيفةً و صنع لها قناةً رائعةً.
 درسُنا اليوم، الدافع الثالث ؛ الشعور بالأهمِّية، فأحيانا الإنسانُ يُخيف الناسَ بظلمه، فحينما يبطش يريد أن يشعر الناسَ أنه ذو أهميةٍ و مَرهوبُ الجانب، هذا طريق خاطئٌ لإشباع هذا الهدف، أما حينما تُحسِن و حينما تعطي و تكون مثلاً أعلى و تكون في قلوب الناس و تعينهم على أمر حياتهم و تُخفِّف من آلامهم و تعلِّمهم وتنفق عليهم و تمسح دمعةَ الأسى عن وجوههم، و حينما تحُلُّ مشكلاتهم و توَفِّق بين خصوماتهم تشعر بأهميَّةٍ وترقى عند الله تعالى، الشعور الفطري و الشعور بالأهمية هذا يمكن أن يُلبَّى من طريق الإيمان، فالإنسانُ إذا فاته مجدُ النسب و مجد المال فمجدُ العلم بين يديه، و العلمُ هو كلُّ شيءٍ في الحياة حتى في مجتمع الكفر، لا يُتَّخذ قرارٌ إلا بعد استشارة العلماء فإذا فاتك مجد النسب أو مجد المال، فمجدُ العلم بين يديه تعلَّموا العلمَ فإن كنتم سوقة عِشتُم إن كنتم وسطا سُدْتُم و إن كنتم سادةً فُقْتُم، يتعلم الإنسانُ اختصاصا يأتيه منه دخلٌ يكفيه في حياته، فالعلم يرفع الإنسانَ العادي إلى منزلة الكفاية و يرفع الإنسانَ المتوسِّطَ إلى منزلة السيدة و يرفع الإنسانَ الشريف إلى مرتبة التفوُّقِ، فباب العلم مفتوحٌ، فهذه الحاجة النفسية التأكيد للذاتِ و الشعورُ بالأهمية، و هناك ناسٌ يحتلون وظائفَ يريدون أن يشعروا الناسَ بأهميتهم عن طريق تعقيد الأمور، فتقف أمامه ذليلا، عندك مشكلة و بإمكانه أن يحلَّها، فيعقَّدها لتعرف أهميتَه، فهذا يروي حاجةً في نفسه لكنْ بطريقةٍ خطأ، ولو سهَّل لك الأمرَ لاحترمْتَه أكثر.

 

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

 

[سورة فاطر]

 فإذا أردتَ العزةَ و السيادةَ و الكرامةَ و أن تكون متفَوِّقا، وأن تكون متألِّقا أو يُشار إليك بالبنان و يتحدَّث الناسُ عنك في المجالس، اعلم أن هذا الدافع لا يُحقٌّق إلا من طريق الإيمان، باستقامتك و طاعتك وخدمتك و أعمالك الصالحة تسمو عند الله الناس.
أيها الأخوة زوروا قبر النبيِّ عليه الصلاة و السلام، هل تصدِّق أن في الأرض كلِّها من آدمَ إلى يوم القيامة إنسانٌ أعزَّه اللهُ كمحمدٍ عليه الصلاة و السلام، أنت كلما خضعتَ لله رفعك اللهُ، و كلما تكبَّرتَ وضعك اللهُ، فالعلاقة عكسية، كلما خضعتَ لله رفعك اللهُ، و كلما تكبَّرتَ وضعك اللهُ، تجد إنسانا عاديا جدًّا لما طلب العلم واستقام على منهج الله صار يُشار إليه بالبنان، و قد سمعتُ قصَّةً قديمةً من خمسين سنة، جاء والى إلى الشام من طرف السلطان عبد الحميد جلس فغي المجالس و يقول: أنا خالع الملِكين، خلع مرةً ملكين مدحت باشا، فبلغ ذلك الشيخَ بدر الدين الحسني فقال له أنا سأخلعك أرسل برقية للسلطان فجاء خلعُه فورا، لأنه أطاع اللهَ تعالى اكتسب هيبةً فوق التصوُّرِ، من هاب اللهَ هابه كلُّ شيءٍ، الحسنُ البصري أطاع اللهَ عز وجل و أدَّى واجب العلماء و نصح الناسَ فأزعج الحَجَّاجَ فأمر بقتله، استدعاه ليقتله و السيَّاف جاهزٌ و قد مُدَّ النطْعُ، فلما دخل رأى السيَّافَ و النطع جاهز عرف القصةَ، فدعا اللهَ تعالى بكلام غير مسموع، و الحجَّج وهو لا يشعر وقف له واستقبله و رحّب به و قرَّبه إلى مجلسه و أجلسه على سريره وقال: يا أبا سعيد أنت سيِّد العلماء و استفتاه في قضيَّةٍ و عطَّره و أكرمه و شيَّعه إلى باب قصره الحاجب و السيَّفُ صُعِقا، فتبعاه و قالا له: يا أبا سعيد لقد جِيءَ بك لغير ما فُعِل بك، فماذا قلتَ ؟ قال: قلتُ: يا ملاذي عند كربتي و يا مؤنسي في وحشتي اِجعلْ نقمتَه عليَّ بردا و سلاما كما جعلتَ النارَ بردا و سلاما على إبراهيمَ، ماذا ألقى اللهُ في قلب الحجَّاجِ، لا أحد يعلم،ى كان يريد أن يقتله فرحَّب به ووضعه على سريره، قال تعالى

 

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

 

[سورة فاطر]

 فطريق العزَّة طاعة الله، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾

 

[سورة الحجرات]

 طريق السيادة طاعةُ اللهِ، قال تعالى: وعد الله..الأرض " الطريق الذي يرضيك أن تكون في طاعة الله، أنت تريد من الله الكرامة و هو يريد منك الاستقامةَ، قال تعالى :

﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾

[سورة هود]

 و قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

 

[سورة الزخرف]

 قال تعالى:

 

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

 

[سورة فاطر]

 السيادة و الشأن و المكانة و السمعة الطيِّبة و الذكر العطر و التألق و العلو الشرعي، فإذا طلبتَ العلم رفعك اللهُ و إذا خدمتً الناسَ أحبُّوك و إذا نصحتهم قدَّسوك، و إذا كنت وقَّفا عند كتاب الله التفُّوا حولك، و إذا كنتَ قدوةً لهم فَدَوْك بأرواحهم،

 

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

 

[سورة فاطر]

 من عند الله تأتي، من طاعته و من التقرُّب إليه و طلب العلم، و من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، إذا أردتَ العزةَ، و لا تصدِّقْ أحدا في الأرض لا يريد العزةَ إلا أن يكذب، فكلُّ إنسان يتمنى أن يكون له شأنٌ و مكانة، وهذا شيءٌ طبيعيٌّ، كما أنك تجوع كما أنك تشتهي أن تتزوَّج تشتهي أن تكون ذا شأن في المجتمع، و حتى أدنى حِرفي يقول لك: عملي متقَنٌ، و يفتخر بها، و أحيانا تتعطَّلُ سيارتُك فتقف أمام المُصَلِّح بكلِّ أدب، لأنك بهذا الموضوع جاهل فمارس عزَّتَه معك، هذا شيء فطريٌّ، لكن له قناةٌ نظيفةٌ وهي أن تسلك طريق الإيمان، و أن تطيع اللهَ و أن تكون مع الله فكن مع الله ترَ اللهَ معك و اترك الكلَّ و حاذر طمعَك
 يقول الظاهرُ بيبرس: ما استقرَّ مُلكي حتى مات العزُّ بن عبد السلام، لمكانه في المجتمع تفوق مكانة الظاهر بيبرس، و أحدج الخلفاء كان في الحرم المكي قال: أريد عالما أنتفع بعلمه، فاختاروا الإمامَ مالكًا من كبار علماء المدينة، و إمام دار الهجرة، طلبوه للخليفة فقال لهم: قولوا له يا هارون العلم يُؤتَى و لا يأتي، فقال: صدق، نحن نأتيه و قولوا له: إن أتانا لا يتخطَّى رقابَ الناسِ،قال: صدق، أتاه و أجلسوه على كرسيٍّ فقال الإمامُ مالك: من تواضع لله رفعه و من تكبَّر وضعه، فقال الخليفة: خذوا عني هذا الكرسي، هذه عزة ؛ خليفة المسلمين لا تغيب الشمسُ عن ملكه، كان يخاطب السحابةَ و يقول: اِذهبي أين شئْتِ فإن خراجَك يأتيني، و اضطر لأن يستجيب لهذا الإمام، و لو كان يريد العزةَ فلله العزة جميعا، فإله الصحابة إلهنا و إله الأقدمين إلهنا و إله الأنبياء إلهنا، و إله المؤمنين إلهنا، ما عليك إلا أن تعامله بصدق،

 

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

 

[سورة فاطر]

 الآية دقيقةٌ جدًّا، الكلام يصعد إلى الله و تبقى أنت في الأرض،أما إذا كان عملُك مؤيِّدا لكلامك صعدتَ أنت إلى الله، و لا ترقى إلى الله إلا إذا جاء عملُك موافقا لعملك

 

﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾

 

[سورة فاطر]

 فقد تقول كلاما أحلى من العسل لكنَّ واقعك مختلف عن هذا الكلام، أنت في الأرض و كلامك صعد إلى الله، أما إذا أردتَ أن تصعد أنت إلى الله و ترقى إليه و تقبل عليه يجب أن يكون عملُك موافقا و لقولك

 

﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾

 

[سورة فاطر]

 إليه..يرفعه" ثم قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

 

[سورة فاطر]

 قال تعالى

 

﴿:إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(36)﴾

 

[سورة الأنفال]

 آثِرْ آخرتك على دنياك تربحهما معاً، و آثر دنياك على آخرتك تخسرهما معاً

تحميل النص

إخفاء الصور