وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة سبأ - تفسير الآيات 47 - 54 المؤمن بنى حياتَه على العطاء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة و الأربعون من سورة سبأ وهي قوله تعالى:

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾

[ سورة سبأ ]

 الإنسان أحيانا - كما يقول بعضهم - يكون ضحيّةَ داعيةِ منحرِف يقول لك: أنا ضحيَّتُه فما ذنبي ؟ لماذا لا تقرأ القرآن الكريم ؟ فقد أشار كتاب الله جل جلاله إلى صفاتِ الدعاة الصادقين، فقال تعالى:

 

﴿قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)﴾

 

[ سورة يس ]

 وما دام هناك مكاسب و منافع ومكانة و سيطرةٌ و مغنم فالدعوةُ مشبوهةٌ، أما إذا لم تكن هناك أيُّ علاقة بالدنيا قال تعالى:

 

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾

 

[ سورة سبأ ]

 و لو أن النبيّ عليه الصلاة و السلام أراد الأجرَ لشكَّ الناسُ في دعوته إلى تعالى:

 

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾

 

[ سورة سبأ ]

 فإن استقمتم فاستقامتكم لكم، و إن أحسنتم فهو لكم

 

﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾

 

[ سورة سبأ ]

 تصوَّروا إنسانا أعطى درسًا لطالب، و الدرس تعويضُه خمسمائة ليرة قال لك أحدهم وهو يملك كلَّ شيء: أعطِهِ و لا تأخذْ منه شيئا و أنا أعطيك على كلِّ درس مليون ليرة، فلما يعرف المؤمن ما عند الله من العطاء لاستصغر أن ينال على عمله أجرا، فلذلك المؤمن بنى حياتَه على العطاء، و أنه يرجو رحمة الله تعالى، قال تعالى:

 

﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32)﴾

 

(سورة الزخرف)

 و لو جمع الإنسانُ في السنة مائة مليون

﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32)﴾

[ سورة الزخرف ]

 هذه أولُ علامةٍ، قال تعالى:

 

﴿تَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)﴾

 

[ سورة يس ]

 الآية الثانية قال تعالى:

 

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(108)﴾

 

[سورة يوسف ]

 فالدعوة إلى الله على بصيرة مع الحجة و البرهان و الدليل و المنطق و العقل و الفطرة و النقل، هذا هو الحق، دعوة الله لا تخشى البحث ودعوةُ الله تُلقَى تحت ضوء الشمس، ودعوة الله لا تخشى التدقيق ومهما دقَّقتَ فإنها من عند الله تعالى، وهذا معنى قول الله تعالى

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(108)﴾

(سورة يوسف)

 هناك علامةٌ ثالثة، قال تعالى:

 

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)﴾

 

(سورة آل عمران)

 من يشهد لك على عدالة الله تعالى فهو من أولي العلم، ومن شهد لك بعكس ذلك فهو جاهل، و مثال ذلك أن يقول لك: يمكن أن تفنيَ حياتَك في طاعته و يمكن ان يضعك في النار، أين قوله تعالى:

 

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

 

(سورة الزلزلة)

 هذه دعوة لا تحبِّب الناسَ بالله تعالى و لا ترقى إلى الدعوة الصحيحة، قال يا ربي أيُّ عبادك أحبُّ إليك حتى أحبَّه بحبِّك ؟ ال أحبُّ العباد إليَّ تقيٌّ القلب نقيُّ اليدين لا يمشي إلى أحد بسوءٍ، أحبَّني و أحبَّ من أحبَّني و حبَّبَني إلى خلقي، يا داود ذكِّر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوسَ جُبِلتْ على حبِّ من أحسنَ إليها و بغضِ من أساء إليها، فلو لقيْتَ صورةً غيرَ صحيحة عن الله تعالى تُظهِر أنه يظلم العبادَ، إنما هما قبضتان، فقبضةٌ إلى جنَّتي و لا أبالي و قبضةٌ إلى النار و لا أبالي، هذا الحديث يحتاج إلى تفسير طويلٍ، و قال، عليه الصلاة و السلام: لو لم تذنبوا.."  فالإنسانُ مكلَّفٌ أن يحبِّب الناس بربهم عن طريق الفهم الصحيح و النطق الصحيح، لا أن ينقل نصوصا لا يفقه معناها فيُنفِّ الناسَ عن الله تعالى، و ما غضب النبيُّ غضبا أشدَّ من غضبه على أحد أصحابه حينما صلى و أطال، فقال له: إنما أنت منفر..." قال فكيف أحبِّبهم ؟ قال ذكِّرْهم بآلائي و نعمائي وبلائي، فآلاؤه تدعو إلى تعظيمه و نعماؤه تدعو إلى محبَّته و بلاؤه يدعو إلى الخوف منه.
 العلامةُ الأولى،

 

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾

 

[ سورة سبأ ]

 و العلامة الثانية

 

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(108)﴾

 

(سورة يوسف)

 و العلامة الثالثة

 

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)﴾

 

(سورة آل عمران)

 و العلامة الرابعة، قال تعالى:

 

﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124)﴾

 

(سورة البقرة)

 متى جعله الله للناس إماما ؟ بعد أن امتحِن و نجح في الامتحان، قال تعالى:

 

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ(24)﴾

 

(سورة السجدة)

 و قال تعالى:

 

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(39)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 و لو أن هذا الداعي خاف غيرَ الله و سكت عن الحق إرضاءً للقوي و تكلَّم بالباطل إرضاءً له فماذا بقيَ من دعوته ؟ فكأن الله تعالى أشار في القرآن إشاراتٍ لطيفة إلى من ينبغي أن تأخذ عنه، قال تعالى:

 

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)﴾

 

(سورة لقمان)

 و قال تعالى:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

(سورة الكهف)

 فالآية، قال تعالى:

 

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾

 

[ سورة سبأ ]

 فإذا طلب النبيُّ منا شيئا فهو لنا، كالصلاة و الحج و الصوم، و ضبط اللسان و الإقبال على الله فهو لنا، و ما طلب شيئا لذاتِه، و خرج من الدنيا كأن لم يكن شيئا، وكلُّكم يعلم أن النبيّ عليه الصلاة و السلام خيَّره سيِّدُنا جبريل: أتحبُّ أن تكون نبيًّا ملِكًا أم نبيًّا عبدًا ؟ قال: بل نبيًّا عبدًا،أجوع يوما فأذكره و أشبع يوما فأشكره، قال تعالى:

 

﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)﴾

 

[ سورة سبأ ]

 أيها الإخوة الكرام، تطبيقًا لهذه الآية، إذا ليس للإنسان عملٌ خالصٌ لوجه الله تعالى لا يرجو منه سُمعةً و لا مكانةً و لا رزقا و لا مالا و لا مديحا إنما يبتغيه لوجه الله تعالى، هذا الذي ينفعه يوم القيامة لأن الإنسانَ لما يُوضَع في قبره، يقول اللهُ عز وجل:

(( عبدي رجعوا و تركوك و في التراب دفنوك و لو بقُوا معك ما نفعوك، و لم يبقَ لك إلا أنا، و أنا الحيُّ الذي لا يموت ))

 فمهما كانت الجنازةُ عظيمةً رجعوا و تركوك، و في التراب دفنوك و لو بقُوا معك ما نفعوك و لم يبقَ لك إلا أنا، و أنا الحيُّ الذي لا يموت
ثم قال تعالى

﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)﴾

[ سورة سبأ ]

 هذه الآية فيها معنى دقيقًا، أن الخيرَ من الله تعالى، والجنَّة محض ُ فضل من الله و الهداية محضُ فضل من الله و الاستقامة محضُ فضل من الله، و لكنَّ الشرَّ يتأتَّى من أنفسنا و من بعدنا عن منهج الله تعالى، قال تعالى:

 

﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ(50)﴾

 

[ سورة سبأ ]

 ثم يقول الله تعالى في آخر هذه السورة:

 

﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾

 

[ سورة سبأ ]

 فالإنسانُ مركَّبٌ من جميع الشهواتِ و يأتي الموتُ فيحول بينه و بين كلِّ الشهواتِ

 

﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾

 

[ سورة سبأ ]

 ولو عدَّد الإنسانُ مباهجَه في الدنيا، بيتًا و مركبةً و وليمة و سفرًا و زوجة و مكانةً كل هذه الشهواتِ التي إذا تعلَّق الإنسانُ بها سوف يُحالُ بينه و بينها عند الموتِ

 

﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾

 

[ سورة سبأ ]

 فمن هو العاقل ؟ العاقل هو الذي يُعِدُّ لهذه اللحظة
أيها الإخوة الأكارم الإنسانُ يُولد و حوله يضحكون وهو يبكي وحده أما إذا مات فكلُّ من حوله يبكي، و بقيَ هو، فإن كان بطلاً يضحك وحده، دقَّقْ ‍!! كلُّ إنسانٍ إذا جاءته منِيَّتُه كلُّ من حوله سيبكي، و بطولتُه تتبدَّى في أن يضحك وحده إذا بكى الناسُ حوله، لأن الله تعالى قال:

 

﴿ قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26)بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ(27)﴾

 

(سورة يس)

 و مَنْ هو العاقل ؟ الذي لا يندم، و أيُّ ندمٍ يدلُّ على نقص في العقل و العقل كلُّ العقل في الإعداد لمفارقة الدنيا، لذلك قال عليه الصلاة و السلام: إن أكيسكم أكثركم للموت ذكرا و أحزمكم أشدكم استعدادا له ألا و إن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و التزود لسكنى القبور و التأهب ليوم النشور و الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأمانيَّ " هذا هو العاجز، يقول: نحن عبيد إحسان و لسنا عبيدَ امتحان، و يقول: لا تسعنا إلا رحمتُه، هذه أمانيُّ، و الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأمانيَّ

تحميل النص

إخفاء الصور