وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة ابراهيم - تفسير الآيات 32 - 34 بالشُّكْر يزيدُكَ الله من النِّعَم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، الآية الكريمة الثانية والثلاثون والثالثة والثلاثون والرابعة والثلاثون من سورة إبراهيم عليه السلام، وهي قوله تعالى:

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)﴾

[ سورة إبراهيم ]

 أوَّلاً: الله جل جلاله هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي خلقَنا، وهي النِّعْمة الأولى نِعْمة الإيجاد، قال تعالى:

 

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا(1)﴾

 

[ سورة الإنسان ]

 الشيء الثاني: أنَّه تعالى أنزل من السماء ماءً، فإذا أنت سَمِعْت بالأخبار أنَّ هناك منخفض جَوِيّ مُتَمَرْكِز فوق قبرص، يجب أن تفْهَمَ أنّ هذا المنخفض نِعْمَةٌ ساقَها، فالإنسان قد ينسى نِعْمَةَ الله عز وجل نتيجة المصطلحات الحديثة ؛ كل هذا كما قال تعالى:

 

﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 خِصِّيصًا لكم، أحيانًا يدْعو إنسان شَخْصًا غالٍ عليه إلى وليمة، يَدْعوهُ ويَدْعو بعْضًا من الناس المُقَرَّبين إليه ؛ هذا المَدْعو الأوَّل هو ضَيف الشَّرَف، وقد يُطْرَق الباب والناس يأكلون فيقول له: تفضَّل واجْلِس واحْضَر الزاد، فالوليمة لِوَاحِد، أما الحُضور فكثير، هذا هو المعنى المُستفاد من لكم قال تعالى:

 

﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 امْسك التفاحة ترى حجْمها وقِوامَها ورائحتها وطريقة إنباتها ومَوْسِم نضجها، وكل هذه الخصائص متناسبة مع الإنسان معنى ذلك أنَّ التفاحة خُصِّصَت لنا، ونظر مُكَوِّنات الحليب، البقرة ليْسَت عاقلة، وغُدَّتها الثَّدْيِيَّة كالقُبَّة وتجري فوق هذه الغدَّة أوْعِيَة دَمَوِيَّة يجول الدم فيها، وهذه الخليَّة لثَّدْيِيَّة إلى الآن لا أحد يعرف طبيعة عملها إلا أنَّها تأخذ من الدم الذي فوقها مُكَوِّنات الحليب وترشح نقطة حليب من تحت، هذا يجْتمع في ضرع البقرة، وهذا الحليب يحوي كالسيوم ومغنيزيوم وحديد ونُحاس وبروتينات ومواد دسمة ودَهنِيَّة ؛ مَن أعطى هذه النِّسَب، قال تعالى:

﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(5)﴾

[ سورة النحل ]

 ذكري لي أخ مرَّةً كلمة لا أنساها ؛ قال لي: لنا جار له بقرة أصابها مرض التَّوَحُّش، فقَتَلَتْ أوَّل رجل والثاني، وكادَت تقتل الثالث ؛ فما كان مِن صاحِبِها إلا أن أطلق عليها النار فقتَلَها ! لو أنَّ هذه الحيوانات التي نسْتفيد من حليبها كانت مُتَوَحِّشَة ماذا قال الله عز وجل:

﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ(72)﴾

[ سورة يس ]

 فلو كان الغنم كالضَّبع، فمَن أعطى هذه الطِّباع ؟ ونحن إذا أردنا أن نُعَبِّر عن إنسان لطيف وسَهل نقول عنه: مثل الغنَمَة ! وزْن البقرة طن ونصف، والجمل أربعة طن فقط ؛ تجد الطفل الصغير يقود الجمل، بينما العقرب الرجل الشجاع يفرّ منه، وكذا الأفعى، فَمَن ركَّب في هذين النَّوعين هذه الطِّباع ؟! إذًا كما قال تعالى

 

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُم﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 خطر في بالنا أنَّ المحاصيل الزِّراعِيَّة تنضج في يوم واحِد، بينما لا فواكه تنضج تباعًا على ثلاثة أشهر ؛ ألَيْسَت هذه حكمة ؟ أليس هذه برمجة من عند خالقٍ عظيم حكيم.
 قال تعالى:

 

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 لو لم يكن قانون أرخميدس، والأجسام لا تطفو على الماء، مَن أوْدَع في الماء قوَّة الدَّفع نحو الأعلى.
 قال تعالى :

 

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 أنت سَل بعض الدُّوَل التي تُحلِّي المياه المالِحَة، كل لتر ماء أثنى عشرة ريال، وأنت تأخذ الماء حلوًا عذْبا من الينابيع، مَن حلَّ هذه المياه ؟ ونِظام التَّبخُّر من الذي خلَقَهُ ؟ يكون معك ماء مالح تَغْليه على النار يتبخَّر، ثمَّ ضَعْهُ بِقَارورة باردي يتقطَّر، أين الملح ؟ بالأرض، فهذا نَهر الآمازون ثلاثمئة ألف متر مكعب بالثانية، ودمشق خمس ملايين وزيادة يسقيها نَبْع الفيجة ستَّة عشر متر مكعَّب بالثانية، هذا الحَوْض يبدأ من عين الفيجة وإلى حمص وإلى قريب من البادِيَة، فمَن سخَّر هذا ؟ قال تعالى:

 

﴿ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)﴾

 

 قال تعالى:

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

 لولا الشمس لدخَلَتْ الأرض في برودة مُميتَة.
 قوله تعالى:

﴿دَائِبَيْن﴾

 العلماء قالوا: مضى على تألُّق الشمس خمسة آلاف مليون سنة، وسوف تبقى خمسة آلاف مليون سنة أخرى.
 قال تعالى:

﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)﴾

[ سورة إبراهيم ]

 قال تعالى:

﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاء وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا(20)﴾

[ سورة الإسراء ]

 ولكن الآية فيها مركز ثِقَل، قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 ذكرْتُ مرَّةً وقلت لكم: لو أعْطَيت إنسانًا ليرة حديد وقلت له عُدَّها ! هي ليرة واحِدَة فَكَيْف يَعُدُّها ؟ نِعْمة البصر، ونعمة السمع والحركة والعقل وجهاز الهضم، فنِعْمة حَبْس البَول فقط هل تُقَدَّر بِثَمَن ؟ لولا هذه المثانة لكانت حياة الإنسان جحيمًا وجعل الله للمثانة عضلات، وهناك مَن يُصلب بِسَرَطان بالمُستقيم، فيلجئوا إلى فَتْح فتحة على جنبه، وكل كيس ثلاثمائة ليرة، شيء لا يُطاق ! أما المُستقيم و عضلاته، فهذه نِعَم كبيرة لا يعرفها إلا من فقَدَها، فمثلاً نِعْمة القناة الدَّمْعِيَّة لو أنَّها غُلقَت لكلَّفك الأمر إلى أن تحمل دائِمًا منديل وتمسح على عينيك وخدِّك، وهذه هي أدقّ قناة في الإنسان، وكذا صِّيوان الأذن ؛ لولاه لما عرفتَ جِهَة السيارة ! لذا نعمة واحِدَة لو أمْضَيْت الحياة في تِعداد فضائِلَها لما أحْصَيْتَها فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى، فإذا جاء موْلود وجاءَتْهُ مائتان هَدِيَّة وكان مَحْبوبًا، يا ترى هل إحصاء الهدايا هو السهل أم ردُّها ؟ لذلك قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 لذا أيها الأخوة مَن ضاقَت نفْسُه فأنت عندَكَ نِعْمة الهُدى، فهناك من يسرق ويزني ويعصي، ونعمة الصِّحة هذه كذلك ليْسَت قليلة، فَهُناك صُوَر من مشفى المجانين لا تُصَدَّق ؛ يموت كل يوم شَخْصِين ثلاثة، يخلعون ثيابهم ويُكَسِّرون الأثاث والمدفآت، وكذا نِعْمة الحَرَكَة ونِعمة السمع والبصر والتَّكلّم والنطق ؛ فهذه نِعَم لا يستطيع الإنسان إحْصاءَها قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 قد يظلم الإنسان أحيانًا نفسهُ بِكُفْرِهِ، فإذا الواحد ضاقت نفسُه عليه أن يُعَدِّد نِعَم الله عليه، يقول عليه الصلاة والسلام:

((أحِبُّوا الله لما يغدوكم به من نعمه..." ))

 نعمة الهدى والرشاد والإيجاد ؛ فهذه النِّعَم تُحَبِّب بالله، وإذا أحبَّ الله عبده ألْهَمَهُ شُكْرهُ، لذا اُشْكر ما عندك ولا تهتمّ بما ليسس عندك، فالكُفَّار تجدهُ غرقان بالنِّعَم، ومعه مال يعيش به خمسون سنة، فالإنسان عليه أن يشكر، والله تعالى قال:

 

﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 الحمد لله الذي أذاقني لذَّته وأبقى فيّ قوَّته.
 لذا درسنا اليوم حول النِّعَم وشكرها، وقال تعالى:

 

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 والإنسان بالشُّكْر يزيدُكَ الله من النِّعَم، وبِشَكل موجَز الشكر ثلاثة مراحِل ؛ أن تعلَم أنّ هذه النِّعْمة من الله تعالى كدَرَجة أولى، وأن يمتلأ قلبك امْتِنانًا، وهي درجة الحَمْد، والدرجة الثالثة خِدْمة العِباد، فَخِدْمة العباد شُكْر لربِّ العِباد.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور