وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة الزخرف - تفسير الآية 67 الخُلَّة أعلى درجة في العلاقة بين شَخصين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة والستون من سورة الزخرف، وهي قوله تعالى:

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)﴾

[ سورة الزخرف ]

 الخُلَّة أعلى درجة في العلاقة بين شَخصين ؛ هناك الحبّ، وهناك المودَّة وهناك الخُلَّة، فإذا قلنا فلان خليل لِفُلان أيْ أنَّ أعلى علاقة بين اثنين تُغطِّيها الخُلّة، قال عليه الصلاة والسلام: المرء على دين خليله..." فالمرأة على دين خليلها، والنبي عليه الصلاة والسلام خليل الله، ونبيُّنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الله، فالأخِلاّء جَمع خليل، فكُلّ الأخلاَّء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوّ إلا المتقين لأنَّ أيَّة علاقة بين شَخْصين بُنِيَت على مصْلحة، أو على منْفعة، أو هدف مشْترك ؛ فهذه العلاقة يوم القيامة سوف تنقلب إلى عداوة فأحيانًا شَخصان يسرقان معًا ويكْسبان معًا ويتوزَّعان معًا، وينشأُ بينهما وُدٌّ من هذه المكاسب المشتركة، فإذا وقعا في قبضة العدالة انقلَبَتْ هذه العداوة والخُلَّة إلى عداوة، فأيَّة علاقة بين اثنين إن لم تكن وفق منْهج الله تعالى، وفي سبيل الله تعالى ؛ هذه العلاقة سوف تنقلب إلى عداوة، وهل مِن علاقة أقرب أو أمْتن من علاقة الزَّوج من زوجته، قال تعالى:

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(14)﴾

 

(سورة التغابن )

 فحينما تحملهُ زوْجته على الكسب الحرام سوف تنقلب هذه المودَّة والمحبَّة عداوةً يوم القيامة، وحينما تنشأ مودَّة بالغة بين الأب وابنته من دون أن تكون وفق منهج الله، وأطلق لها العنان، وسمح لها أن تخرج كما تشاء وأن تلتقي مع من تشاء، هذه يوم القيامة تقول: يا رب لا أدخل النار حتَّى أُدخل أبي قبلي ! فعلاقة الأم بابنها يقول عليه الصلاة والسلام بعد أن سألته السيدة عائشة: يا رسول الله أيعرف بعضنا بعضًا يوم القيامة ؟ فقال: نعم إلا في أربعة مواطن..." فقد تقع عين الأم على ابنها، تقول له: يا بني، قد جعلتُ لك صدري سِقاءً، وحجري وِطاءً، وبطني وعاءً، فهل من حسنة يعود عليّ خيرها اليوم ؟يقول: ليتني أستطيع ذلك يا أُمَّاه إنِّي أشكو مِمَّا أنتِ منه تشكين !! قال تعالى:

 

﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)﴾

 

[ سورة المؤمنون ]

 فالإنسان في الدنيا له جماعة وله من ينصرُه ولو على باطل، وله مَن يدْعَمُهُ، وله من يُدافِعُ عنه، ولكنّ الناس يأتون يوم القيامة فرادى، قال تعالى:

 

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94)﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 الله جلّ جلاله يقول في هذا الموضوع بالذات:

 

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ(24)﴾

 

[ سورة ص ]

  لذلك لا يوجد واحد منَّا إلا وله مئات العلاقات أو آلاف العلاقات، هذه العلاقات إن كان أساسها الحق، وإن كانت وِفق منْهج الله، وابتِغاء مرضاة الله فهذه علاقة تدوم، وتبقى العلاقة والمودَّة حتَّى بعد الموت قال تعالى:

 

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 ولا يكملُ إيمان عبدٍ حتّى يُحِبَّ لله تعالى ويُبغض لله، ويحب لله، ويُعطي لله، ويمْنع لله تعالى، فإن كنت كذلك فقد اسْتَكملْتَ الإيمان، لذا دَقِّق في أيِّ علاقة بينك وبين الآخرين ؛ هل أساسها إرضاء الله، وهل تزور فلان في سبيل الله أم هناك مصالح ؟ وهل هذه المصالح مشروعة أو غير مشروعة ؟ وهل هي وفق منهج الله أم لا ؟.
أيها الإخوة الكرام، الله جلّ جلاله يقول:

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾

 

[ سورة الحديد ]

 أيْ أطيعوه، واتَّقوا أن تُغْضِبوه، واتَّقوا سَخَطه، واتَّقوا أن تَعصوه وتتِمَّة الآية وكونوا مع الصادقين، فكأنّ الله تعالى يقول: إن أردتم أن تُطيعوني فكونوا مع الصادقين ؛ اِجْعل البيئة التي حولك بيئةً مؤمنةً، ولا تُصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَكَ إلا تقيّ، قال تعالى:

 

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 أذكر قبل عامٍ تقريبًا أخٌ كريم قال لي بالحرف الواحد: نستمع إلى الدرس فنتأثَّر به تأثّرًا شديدًا، فإذا ذهَبنا إلى البيت عُدنا إلى ما كنَّا ! وقتها أجَبتُهُ إجابةً سريعة مختصرة، وقلتُ له: غَيِّرْ الطَّقْم !! فهؤلاء الذين تسْهر معهم وهؤلاء الذين تعيش معهم، وهؤلاء الذين تتعامل معهم إن لم يكونوا مؤمنين على شاكلتك جرُّوك إليهم، ونقلوك من حال إلى آخر، ومن تألّق إلى كمود، ومن إقبال إلى إدبار، ومن عطاء إلى منع، فيجب أن تُدَقِّق مع من تجلس، ومع من تسهر، ومع من تتعامل، ومع من تُسافر، وتمْحضُه وُدّك، فقَضِيَّة البيئة إن صحَّ التَّعبير أو العلاقات الاجتماعيَّة لها تأثير بالغ في سيْرِكَ إلى الله، إذا كنت مع المؤمنين فهذا نصَحك، وهذا أعانَك وهذا قدَّم لك الحقيقة، وهذا لم يُجامِلَك في معْصِيَة وهذا صبَّرك، وهذا دعَّمَك وهذا رفعك، لذلك الجماعة رحمة، والفرقة عذاب، قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بالجماعة....القاصية " وقد ورد في الحديث أنْ وجَبَت محبَّتي للمُتحابِّين فيّ، وللمتجالسين فيّ، وللمُتباذلين فيّ، وللمتزاورين فيّ والمتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم عليها النبيون يوم القيامة..." قُلْ لي مَن تُصاحِب أقُلْ لك مَن أنت.
 درسُ اليوم في العلاقات الاجتماعيّة، أو البيئة الاجتماعيَّة، وأنت مع من ؟ فإن كنتَ مع المؤمنين كان حالُك راقيًا جدًّا، وإن كنتَ مع أهل الدنيا كان حالك دونه، وكما قال سيّدنا عمر: من دخل على الأغنياء -غير المؤمنين طبعًا - خرج من عندهم وهو على الله تعالى ساخِط، والنبي عليه الصلاة والسلام في بعض توجيهاته يقول: لا تُصاحِب مَن لا يرى مِن الفَضْل مِثلما ترى له ! فأنت كمُؤمن مكانتك بِإيمانك، وإخلاصك، فلو جلسْت مع واحِدٍ من أهل الدنيا بِضاعته غير بِضاعتك، ومكتسباته غير مكتسباتك، ومجاله غير مجالك، فهو يُقيِّمُكَ بِدخْلك فقط، وأتن تُقيِّمُهُ بِعِلمِه واستقامته فلا هو يُعْجِبُك، ولا أنت تُعْجِبُهُ، فاللِّقاء بينكما لقاءٌ مُستحيل، لذلك لا بدّ من أن تكون مع الصادقين، قال تعالى

 

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 لا تُصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقيّ، قال تعالى:

 

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 فلا أحد ينفعُ أحد، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:

 

﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19)﴾

 

[ سورة الزمر ]

 فلو أنّك استطعت أن تنتزِع من فم النبي عليه الصلاة والسلام فتوى لِصالِحِك، ولم تكن صادقًا لن تنْجو من عذاب الله !! قال عليه الصلاة والسلام: لعل أحدكم ألحن بحجّته من أخيه..." لذا لن تكون مؤمنًا حتَّى تبني كلّ علاقاتك وفق منْهج الله، تُحب لله، وتبْغض لله تعالى، وتعطي لله، وتمْنع لله، وتصل لله، وتقْطع لله، فإذا كنتَ كذلك كان هذا الذي تُعامله في الدنيا خليلاً لك في الدنيا والآخرة فالخلّة في مجال التقوى أبدِيَّة لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(47)﴾

 

[ سورة الحجر ]

 فأنت في الجنّة مع الصِّديقين والشهداء والنبيين، والصالحين، فنحن ما أُتيح لنا بِنَبيّ، وأن تلتقي بِنَبيّ شيءٌ لا يُصَدَّق، فهذا سيّدنا ربيعة يخدم النبي فيصْرفهُ عند العشاء، فيبقى على عتبة بيته حتى الفجر من شِدَّة تعلُّقه به، وسروره به، فالنبي أخذ من الله حظًا كبيرًا، قال عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا..." فأنت في مجلس العلم لك حالٌ آخر، وإن جلسْت مع مؤمن كان لك حالاً آخر، فيجب أن تختار أصدقاءك وقرناءَك، وجُلساءك بعِنايةٍ بالغة، وكُن مع المؤمنين، فقد تجلس مع مؤمن سنوات ولا تسمع نمه إلى الخير، وحتى في المزاح، وقد تجلس مع غير المؤمن فلا تسمع إلا الشر، والمزاح المنحطّ، فأنت ممكن أن تُقيم علاقة مع غير المؤمنين في تجارة ؛ هذا لا يؤثِّر في إيمانك، أما المنهيّ هو العلاقات الحميمة، والسَّهرات، والنزهة فهذا يؤثِّر فيك، بدليل لو خلطت كأس ماءٍ صاف مع ماء عكر فالذي يتأثّر هو الماء الصافي، أما الماء العكر فقد يصفو قليلا!!

 

تحميل النص

إخفاء الصور