وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة الشورى - تفسير الآية 47 الرجاء والعمل الصالح.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة والأربعون من سورة الشورى، وهي قوله تعالى:

﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)﴾

[ سورة الشورى ]

 القضِيَّة في الدِّين هي قضِيَّة اسْتِجابة، وليسَت قضِيَّة إيمان، فإذا آمنْتَ بأنَّ الله موجود، أنت ماذا فعلْت ؟ هو موجود، إذا آمنْتَ بأنَّ الشَّمس ساطِعة ماذا فعلْت ؟ هي أصلاً ساطعة، هذا اسمُهُ تَحصيل حاصِل، إذا أنكرْتَ سَقَطت من أعْيُن الناس، أما إذا أقْررْتَ فما فعلْت شيئًا، فالإنسان حينما يكون جلدُهُ بِحاجة ماسَّة إلى الشَّمس، وآمنَ بأنَّ الشَّمس ساطعة عليه أن يتحرَّك نحوها، فالمُعَوَّلُ عليه في الدِّين أن تسْتجيب لله تعالى، أما إذا آمنتَ به، ولم تسْتَجِب، ما فعلْتَ شيئًا، بل إنَّ هذا الإيمان سيكون حسْرةً يوم القيامة، بل إنَّ هذا الإيمان سيُضاعف العذاب يوم القيامة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)﴾

 

[ سورة النساء ]

ربُّنا سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾

[ سورة الكهف ]

 كأنَّ الله عز وجل بِهذه الآية يُلخِّص القرآن كلَّه، فأنت ما موقفُكَ من هذه العقيدة قال تعالى:

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

 

[ سورة الزلزلة ]

 الدِّين كلّه أن ترجو لقاء الله عن طريق العمل الصالح، فثَمَن لقاء الله تعالى العمل الصالح، وهذا هو الدِّين كلُّه، فالإنسان إذا كانت ثقافتهُ الإسلاميّة جيِّدة، وتطِّلعاته وخلفيَّاته وعاطفته جيِّدة، ولكن لا يوجد عنده عمل ولا حركة، ولا موقف قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله..." الله جلّ جلاله يعدّ الحياة الحقيقيَّة ؛ حياة الجسد، وحياة القلب، وحياة العقل، فحياة العقل بالعلم وحياة القلب بالذِّكْر،و حياة الجسد بالطَّعام والشَّراب، قال تعالى:

 

﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 وقال تعالى:

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)﴾

 

[ سورة التوبة ]

 لأنّ الله سبحانه وتعالى ربُّنا فلو أنَّ العبد الذي يُربِّيه الله تعالى أخذَ موقفًا غير صحيح، لا يدعُهُ وشأنه بل يربِّيه، قال تعالى:

 

﴿ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(39)﴾

 

(سورة التوبة)

 إن اتَّخَذت القرار الصحيح واتَّجَهت إلى الله، فهذا شيء جيِّد، وإن لم تفعل تعذَّب عذابًا شديدًا، فإذا أصْرَرْت استبدل قومًا غيرنا، فالله ربنا، ما دُمتَ تتحرَّك حركةً صحيحة فهو يحْفظك، ويُؤيِّدُك، أما إن أردْت أن تفْعَل شيئًا آخر لا يدعك وشأنك لأنَّه لو تركك وشأنَكَ لعاتبْتَهُ يوم القيامة !! قال تعالى

 

﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى(134)﴾

 

[ سورة طه ]

 فلو أنَّ الابن بِساعة طَيْش، وحُمق اتَّخَذ قرارًا بِتَرك المدرسة، فقال له أبوه: كما تشاء ! هذا الابن حينما يكْبر يقول له: لو ضربتني، ولولا عنَّفتني، لقد ضيَّعتُ مستقبلي، وأنت السّبب! فالنُّقطة أنَّ الإنسان إن لم يسْتَجب يُعذَّب، قال تعالى:

 

﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

 

(سورة التوبة)

 موطِنُ الشاهد أنَّ الدِّين ليس أن تؤْمِن فاليمان ليس هدفًا بِذاتِهِ ولكن هو وسيلة، فأنت تؤمن من أجل أن تستجيب لله، ومن أجل أن تطيعه، وتصل إليه، لذا الآية الكريمة:

 

﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 لا تُحاسب نفسَك وتقول: أنا مسلِم، وأنا مؤمن، ونحن نشأنا في بيئةٍ إسلامِيَّة، حاسِب نفْسَكَ، هل دخْلك فيه شُبْهة ؟ وعلى إنفاقك وعلاقاتك وعلى علاقاتك الاجتماعيَّة، وعلى دخلك، وإنفاقك، وزوجتك، وبناتك وعلى أولادك، هنا تُحاسبُ نفْسَكَ.
النقطة الثانية في هذه الآية أنَّ خيارك مع الإيمان هو خيار وقت، فإن لم تستجب، قال تعالى

﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22)﴾

[ سورة ق ]

 حينما أدركه الغرق، قال تعالى عنه:

 

﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ(90)﴾

 

[ سورة يونس ]

 ما من إنسان على وجه الأرض إلا وسيُؤْمِن بالحقيقة التي جاء بها الأنبياء فإن آمن بها وهو حيّ يُرْزَق انتَفَع بها، وإن آمن بها وهو على فراش الموت زادَتهُ حسْرةً ! قال تعالى

 

﴿ يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾

 

[ سورة الفجر ]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25) ﴾

 

[ سورة الحاقة ]

 أيها الإخوة، النقطة الأولى والثانية، فالأولى المُعَوَّل عليه في الدِّين أن تسْتجيب لله تعالى، وفي شؤونك كلّها، والنقطة الثانية إن لم تسْتَجب وتنتفع باستجابتك الآن ؛ سوف تستَجِب وتزداد حسرةً يوم القيامة، فليس الموضوع تؤمن أو لا تؤمن، ولكن القضِيَّة متى تؤمن ؟ تؤمن أو لا تؤمن مقولة مرْفوضة لأنَّنا كلُّنا سنُؤمن، فهذا الذي قال: أنا ربكم الأعلى وآمن ! ما من إنسان على وجه الأرض إلا وسيُؤْمِن، ولكن بعد فوات الأوان، فالمقولة متى ستُؤْمِن ؟ قال تعالى

﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)﴾

[ سورة الشورى ]

 من حياتنا الواقعِيَّة ؛ إنسان ارتكب جريمة قتل فسيقَ إلى السِّجن، ثمّ إلى المحاكمة والأدلَّة متوافرة عليه، وحكم عليه القاضي بالإعدام، وصدِّقت القضِيَّة، وصدَّق الحكم رئيس الجمهوريًّة فصدَّق الحكم، سيق إلى الشَّنق فوقَف على حبل المشْنقة ؛ هذا اليوم لا مردَّ له، فله أن يبكي أو يضْحك فلا بدّ له من أن يُشْنق، فإياك أن تصل مع الله إلى طريق مَسْدود ؛ كسب مال الحرام وأصرّ عليه فبطشه الله، أما إن تبْت و أنبْت فقد فزْت فالمُعوَّل عليه الاستجابة لله تعالى قبل فوات الأوان، فالإنسان إذا وصل مع الله إلى طريق مسدود هذه أكبر مصيبة، وهي أن يموت كافرًا، وعاصيًا وفي هذا اليوم كما قال تعالى

 

﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 الإنسان قد يكون ببَلدِه مُعَذَّب فيلْجأ لِبَلدٍ ثاني، هذا البلد يستقبلهُ، هذا يحصل في الدنيا ولكن عند الله لا ملجأ منه إلا إليه، فلا تنجو من غضبه إلا بطاعته، ولا من سخطه إلا بِمَرضاتِه.
فالذي يقطع إشارة المرور، ثمّ ينكر ويقول كنتُ مسافِرًا، فإذا به تعطى له صورة سيارته ! حينها يسْكت !! رادار، فالله يوم القيامة يعرض على الإنسان أعماله صورة وصوت ! فهذا اليوم ليس له ملجأ ولا نكير، ولا تستطيع أن تنكر، ولا أن تهرب.
 قال تعالى: فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا...فرح بها " لِضَعف إيمان الإنسان، وضَعف تَفكيره، وضيق أُفقِهِ يفرحُ بالدنيا، أما النبي عليه الصلاة والسلام قال: فمن عرفها لم يفرح لِرخاء، ولم يحْزن لِشَقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لِعَطاء الآخرة سببًا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عِوَضًا، فيأخذ لِيُعطي، ويبتلي ليجزي، قال تعالى: وإن تصبهم...كفور ".
ملخَّص هذه الآية ؛ المُعَوَّل عليه الاستجابة لله تعالى، والشيء الثاني خيارك مع الإيمان خيار وقت، والشيء الثالث أنَّ يوم الميعاد ليس لك أن تنكر، ولا أن تهرب، وكلَّما زاد عقلك زادت طاعتك.

تحميل النص

إخفاء الصور