وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة الشورى - تفسير الآية 30 المصائب أنواع.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الكريمة الثلاثون من سورة الشورى، وهي قوله تعالى:

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

[سورة الشورى]

 مع أنَّ هذه الآية واضِحة الدلالة أو قطْعيَّة الدلالة، ومع أنَّ هذه الآية في كتاب الله، ولكن كثيرًا من المؤمنين ضِعاف الإيمان، لا يستطيعوا أن يفْهموا المصيبة كما أراد الله تعالى أن نفْهمها.
الله جلّ جلاله غنِيّ عن تعذيبنا، لأنَّه يقول:

 

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147) ﴾

 

[سورة النساء]

 ولأنّ الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة جدًّا، يبيِّن عدالته المطلقة قال تعالى:

 

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

 

[سورة الزلزلة]

 ولأنَّه يقول في كتابه:

 

﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(17)﴾

 

[سورة غافر]

ولأنَّه تعالى يقول:

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(40)﴾

[سورة العنكبوت]

 ولأنَّ الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي يقول:

 

﴿عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(36)﴾

 

[سورة التوبة]

 فالإنسان حينما يتَّهِم نفْسه عندما تلِمُّ به المصيبة ؛ هذا الاتِّهام صحيح طبْعًا لا شكَّ أنَّ المصائب تنقسم إلى خمسة أقسام: قسمان منها تُصيبُ العُصاة، وثلاثة أقسام منها تُصيب المؤمنين.
أما المصائب التي تُصيب العصاة، إنَّها مُصيبة قصْمٍ، أم مصيبة ردْعٍ إنسان خارج المنهَج يأكل مالاً حرامًا، ويعتدي على أعراض الناس ويوقِع بينهم العداوة والبغضاء، ويخون ويكذب، ولا يستقيم على أمر الله هذا العاصي إما أن يقْصِمَهُ الله، قال تعالى:

 

﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36)﴾

 

[سورة هود]

 إما أن يقْصِمَهُ الله تعالى، وإما أن يرْدَعَهُ، فالذي خارج منهج الله عز وجل، ولا يعْبأ بِكَلام الله، ولا يأتَمِر بما أمر، ولا ينتهي عمَّا عنه نهى وزَجَر، هذا تُصيبُهُ مصيبة القصْم أو الرَّدْع، أما هؤلاء المؤمنون، قال تعالى:

 

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ(155)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 أما المؤمنون يُصابون بالمصائب، وهم مستقيمون، فالقرآن الكريم يُخاطب كلّ الناس بهذه الآية:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

 

[سورة الشورى]

 ويُخاطب المؤمنين بِآيةٍ أخرى هي قوله تعالى:

 

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ(155)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 فالإنسان إذا كانت حركتُهُ إلى الله تعالى ضَعيفة، وهِمَّتُهُ بطيئة، وليْسَت عاليَة، ومُتكاسِل في السَّعي إلى الله عز وجل، تأتيه مُصيبة الدَّفْع، كأنّ الله سبحانه وتعالى يسوقهُ إلى بابه، ويدفَعُهُ إلى الجري السريع، ويحْمِلُ على أن يفْعَلَ النوافل، وعلى أن يُحْكِمَ الاتِّصال، ويُخْلِصَ النّيَّة، يا أبا ذرّ جدِّد السَّفينة فإنَّ البحر عميق، وأخْلص النيَّة فإنَّ الناقد بصير، وخَفِّف الأثقال فإنَّ في الطريق عقبة كؤود لا يَجتازوها إلا المُخِفُّون، وأثقِل الزاد فإنَّ السَّفَر بعيد، فهذه المصيبة هي مُصيبة الدَّفْع، فإذا كان الإنسان مستقيمًا وجاءَتهُ مصيبة، كلَّما أساء الظنّ بربِّه كان أفْضَل، ولكنَّه لو كان مستقيمًا فِعلاً، ويطلب رضاء الله فِعْلاً وجاءَتهُ مصيبة ؛ هذه مُصيبة المؤمنين، وهي مصيبة الدَّعاء إلى الله.
 وقد تكون المصيبة مُصيبة الرَّفْع، فلو أنّ سيارة تستطيع حمْل خمسة أطنان وهي تحمل طُنًّا واحِدًا، والأجْر غالي جدًّا، فإذا حمَّلناها أربعة من أجل أن تقْبض أكبر مبلغ، نقول: هذه مصيبة رفْع الدَّرجات، أما مصيبة الأنبياء فهي مُصيبة كَشْف، فحينما ذَهَب صلى الله عليه وسلَّم إلى الطائف وقابلَهُ أهلها بالتَّكذيب والسُّخْريَّة، بل والضَّرب، وألْجِأ إلى حائِطٍ أو بستان
 قال: إن لم يكن بِكَ غضب عليّ فلا أُبالي، ولك العُتبى حتّى ترضى، ولكنّ عافِيَتَك أوْسَعُ لي، وجاءَهُ جبريل، وقال له: يا محمد، لو شِئْتَ لأطْبقتُ عليهم الأخشبين ‍! فقبل أن يتمكّن نقول: صبَر، وكان مَقهورًا أما حينما مكَّنَهُ الله أن يجعلهم بين جبلَين، وأن يسْحقهم، وعالِيَها سافلها فقال: لا، اللَّهمّ اهْدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون !! فهو لم يتخلَّى عنهم، ودعا لهم بالهِداية، واعتذَر عنهم، ثمَّ تفاءَلَ في المستقبل، فقال:لعلّ الله يُخرج من أصلابهم من يوحِّدك !! هذا الموقف سُجِّل للنبي عليه الصلاة والسلام، لذا قال ك سَلوا لي الوسيلة فإنَّها مقامٌ لا ينبغي إلا لواحِدٍ من خلقه، وأرجو أن أكون أنا، وبهذا الموقف الرائِع ارْتقى النبي إلى سِدرة المنتهى، متى ردَّ الله عليه هذا الدُّعاء ؟ كان الردّ الإلهي في الإسراء والمِعراج ؛ أعلَمَهُ الله أنَّه سيِّدُ الخلق أجمعين، وأنَّه سيّد الأنبياء والمرسلين، وأنّه سيّد ولد آدم وأنَّه حبيبه.
 أيها الإخوة الكرام، نقيس على قياسًا صغيرًا، ما من عملٍ تعملهُ خالصًا لله، وتبتغي به رِضوان الله، ولو كان هناك متاعب، وتشْويش، ومُعارضَة، الله عز وجل له ردّ، ولو تأخَّر، فإذا علِمَ الله منك صبْرًا وإخلاصًا وثباتًا، وتضْحِيَةً بِمَصالِحِك، يأتيكَ بعد حين ردّ فوق الوصْف ويرفَعُكَ الله تعالى، قال تعالى:

 

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1)وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ(2)الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ(3)وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6)فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ(7)وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ(8)﴾

 

[ سورة الشرح ]

 وهذا لكلّ مؤمن، والمضايق التي مرَّ بها النبي عليه الصلاة والسلام والصُّعوبات التي عاناها، هذه ثَمَن مقامِهِ الرَّفيع، وثمن المقام المحمود قال تعالى

 

﴿ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(78)﴾

 

[ سورة الإسراء ]

 وإذا أردتَ أيها المؤمن أن يرفَعَ الله ذِكْرك، ويرفعك إليه، يجب أن تلتزِمَ أمره ونهْيَهُ، لو طِرتَ في الهواء، ومشَيت على وجه الماء لسْتَ وليًّا ولكنَّ الوليّ كلّ الوليّ الذي تَجِدهُ عند الحلال والحرام، قال تعالى

 

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)﴾

 

[ سورة يونس ]

 هذه هي الولاية فيا أيها الإخوة، النوع الثاني قضيَّة الدَّفع، والمصيبة الأولى للمؤمنين، والمصيبة الثانية رفْع، وأما للأنبياء فهي كَشف، فأصبَحَ عندنا قَصم، وردْع ودَفع، ورفع وكشف، أما الآية التي تسَعُ الناس جميعًا:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

 

[سورة الشورى]

ورد في الجامع الصغير: ما من عثرة، ولا اختلاج عرق ولا خدْش عود إلا بما كسبت أيديكم وما يعفو الله أكثر.
 تُرْوى قِصَّة طريفة أنّ سوحة جاءت سيِّدنا سليمان، قالت له يا نبيّ الله سَل ربَّك: هو مَهول أم عَجول ؟! فلمَّا سال الله عز وجل، وقال: يا ربّ ماذا أُجيبها ؟! قل لها: إنَّني مهول ! أي لا أُعاقب سريعًا، فرأتْ أُناسًا يشْرون لحْمًا فخطفَت قِطعة اللَّحم وطارَت بها، وغاب عنها أنّ جمرة علِقت باللَّحم، فلمَّا وضَعت اللَّحم في العشّ احْترَقَ العُشّ ! واحترَقَ أبناؤُها وأصابتها مُصيبة كبيرة، فعادَت إلى سيّدنا سليمان، ألم تقل إنَّ الله مهول؟ فجاء الجواب: أنّ هذا الذي ألمَّ بك هو حِساب قديم !!! ما من عثرة، ولا اختلاج عرق ولا خدْش عود إلا بما كسبت أيديكم وما يعفو الله أكثر.
 وهناك نقطة دقيقة، وهي أنّ أخوك إن أصابته مصيبة الأكمل أن تقول: إنَّها رفعُ درجات، وتَطهير، لأنَّني أعلم أنّ أخي صادِق، أحْسبهُ صادِقًا وأحْسبُهُ مستقيمًا، وأحْسبُهُ ورعًا، وأرجو أن تكون مصيبته رفْعًا لِدَرجاته عند الله، أما إذا أصابتني مصيبة فلا ينبغي أن أقول: هذه رفع لي للدرجات، ولكن قل: لعلّ هذه تَطهير من ذنوبٍ صَدَرتْ مِنِّي، وسيِّدنا عمر رضي الله عنه كان إذا أصابتْهُ مصيبة قال: الحمد لله ثلاثًا، الحمد لله إذْ لم تكن في ديني، والحمد لله إذْ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذْ أُلْهِمتُ الصبر عليها.
 هناك مصائب لا تُعدُّ ولا تُحْصى، ومصائب بالنَّفس والأهل، والأهل والأولاد، وبالعلاقات الاجتماعيَّة، ومصائب بالصّحة ؛ هذه المصائب أنا أُشَبِّهها كالمِكْبح في السيارة ؛ فلماذا صُنِعَت السيارة ؟ صُنِعت من أجل أن تسير، طيِّب ما علاقة المِكْبح ؟ إذْ هو مُخالف لِهَدَفها، فهو يوقِفُها ‍! معنى ذلك أنّ المِكْبح ضَمانٌ لِسَلامتها، وأنت مَخلوق لِيَرحمك الله، ولِتَسْعد بالله تعالى، وتأتي المصائب ضَمانات لِسَلامة هذه السَّعادة، فالإنسان إذا انْحرف وبغى ترْدَعُهُ المصائب، ويعود إلى ما كان عليه، فكل إنسان إذا كان منْصِفًا، وخالصًا، وصادِقًا يكْشف الله حكمة المصيبة، قال تعالى

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(11)﴾

(سورة التغابن )

 لأنَّ الله تعالى مُربِّي، فإذا ساق للإنسان مصيبة ولم يبَيِّن له حِكمتها فلا فائدة من هذه المصيبة، كيف يُبيِّن له سببها ؟ يُلقي في روعِهِ أنَّ هذه من أجل تلك، أو أن يجعل العقاب مُشابه للذَّنب، أو يُسَخِّر من يقول له ذلك ! فهذه كلُّها دلالات على فهم هذه المصيبة، أما أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة ولا يتَّعظ بها الإنسان، ومن لم تُحْدِث المصيبة في نفسِهِ موعظةً فمُصيبتُهُ في نفسِهِ أكبر، فإذا ساق الله للإنسان مصيبة، وفسَّرها تفسيرًا سَخيفًا، هو أنّ الدنيا هكذا يوم لك ويوم عليك، وهذه الحياة إدبار وإقبال، ومدّ وجزر فهذا تفكير شِرْكي، وبعيد عن روح التوحيد، أما القرآن فيقول:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

 

[سورة الشورى]

 والإنسان إذا راجَعَ نفسهُ هداه الله تعالى إلى العلّة، وتصوّر مؤمنًا جاءتْهُ مصيبة، يقول له: يا رب، أنت الحكيم والعليم والقدير، لما جاءَت هذه المصيبة ؟ أريد أن أعرف السبب حتَّى لا أعود ! هذا هو موقف المؤمن أما غير المؤمن فكالناقة عقلها أهلها ثمَّ أطلقوها، فلا تدري لا لِمَ عقلتْ، ولا لما أطْلقتْ !!

تحميل النص

إخفاء الصور