وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة الشورى - تفسير الآيتان 22 - 23 قلب المؤمن ينطوي على ثلاثة ، التعظيم لله تعالى، والخوف من الله، والمحبَّة لله تعالى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، ربنا عز وجل يقول في سورة الشورى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)﴾

[ سورة الشورى ]

من حكمة ربِّنا في كتابه الكريم أنَّه دائِمًا يُزاوِج بين وصْف أهل الجنَّة ووصف أهل النار، وبين الوعيد والوعد وبين حالات النَّعيم وحالات الجحيم.
 الحقيقة أنَّ قلب المؤمن يجب أن ينطوي على ثلاثة مشاعر دائمًا: شُعور التعظيم لله تعالى، وشُعور الخوف من الله، وشُعور المحبَّة لله تعالى يُستنبط هذا من أثرٍ قدسي، يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربّه: قال يا رب أيُّ العباد أحب إليك حتى أُحبَّه بِحُبِّك ؟ قال: أحبّ العباد إليّ تقيّ القلب، ونقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، احبَّني، وأحبَّ من أحبَّني، وحبَّبني إلى خلقي ! فمِن لوازم محبَّتِك لله أن تُحبّ أنبياء الله وأن تحبّ رسله، وأن تحبّ أولياء، وأن تُحبّ المؤمنين، لذلك هذا الذي لا يحبّ المؤمنين هو دليل نفاقه، قال تعالى:

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ(50)﴾

[ سورة التوبة ]

 قال: يا رب، إنَّك تعلم أنِّي أُحبُّك، وأُحبُّ من يحِبُّك، فكيف أُحبِّبُك إلى خلقك ؟ قال: ذَكِّرهم بآلائي ونعمائي وبلائي ! الآلاء هي الآيات العظيمة وهذا من أجل أن يُعظِّموا الله تعالى، والآلاء من أجل أن يُحِبُّوني، والبلاء من أجل أن يخافوني، فالدعاة إلى الله إذا أكثروا من ذِكر البلايا والمصائب، والأمراض الوبيلة أخطئوا لأنَّهم ملئوا القلب خوفًا ولم يملئوه محبَّةً، وإذا بالغوا بِإظهار النِّعَم، وأغفلوا المصائب والنِّقم، لذا لا بدّ من أن تعبد الله تعالى رغبًا ورهبًا، ولا بدّ من أن ترْجُوَ رحمته، وتخشى عذابه، ولا بدّ نم أن يجتمع في قلبك حبٌّ وخوف، فالحبّ والخوف يتكاملان ويتوازنان، ولو ازْداد الحبّ على الخوف لقصّرْت في الطريق على الله، ولو ازْداد الخوف على الحب لقعَدْت عن المتابعة إلى الله فالحِكمة البالغة أن تجمع بين الحب والخوف، فربُّنا عز وجل من حكمته في كتابه الكريم أنَّه يجمع بين حالات أهل الجنَّة، وحالات أهل النار.
قال تعالى:

 

﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾

 

[ سورة الشورى ]

 الإنسان أحيانًا إذا أراد أن يتحرَّك إلى هدف يحتاج إلى مُشَجِّعات، وأنت كأب أو معلِّم إذا كان عندك إنسان يتحرَّك نحو الأحْسن يجب أن تُشَجِّعهُ وقد ورَدَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه ما مِن صحابيٍّ إلا وكان يظنّ أنَّه أقرب الناس إليه، فإذا كان يقول عن سيّدنا الصِّديق رضي الله عنه ما ساء ني قطّ، لقد أعطاني ماله وزوَّجني ابنته فاعْرِفوا له ذلك وما طلعت شمسٌ على رجل بعد نبيٍّ أفضل من أبي بكْر، ولو كان نبيّ بعدي لكان عمر رضي الله عنه، وكيف لا أستحي من عثمان والملائكة تستحي منه وما ضرّ عثمان بعدما فعله اليوم، أما علي رضي الله عنه فالحديث عنه كثير جدًّا، وسيدنا سعد كان يقول له: ارْمِ سعْدُ فداك أبي وأمي، وسيدنا معاذ قال له: والله إني لأحبّك، وسيّدنا عبيدة بن الجراح قال عنه: إنَّه أمين هذه الأمَّة، وخالد سيف من سيوف الله، فالنبي عليه الصلاة والسلام شجَّعَ أصْحابه، ومنهج الله تعالى في كتابه هو تشجيع المؤمنين على الطاعة، ويُعطيهِ دَفعة روحِيَّة، قال تعالى:

 

﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 الآن مِحْور الدرس، قوله تعالى:

 

﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 أحدُ أكبر علامات الدَّعوة الخالصة إلى الله تعالى أنّ الداعية الصادق لا يسأل أجْرًا لا مادِّي ولا معنوي، ولا مديح ولا ثناء، فهو يبتغي وجه الله عز وجل لكن هناك أداة استثناء في الآية وهو أدقّ ما في الآية، قال تعالى:

 

﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾

 

[ سورة الشورى ]

 إلا أن تعمل عملاً يعبِّر عن مودَّتِك لله يقرِّبك من الله فلو أنَّ أبًا غنيًّا وقويًّا ولا يحتاج ابنه أبدًا، ولكنَّ رحمة الأب تقتضي أنّه إن كان ابنه سعيدًا يسْعد به، يقول له: يا بنيّ، لا أُريد أن تكون شيئًا إلا أن تكون إنسانًا عظيمًا وأن تُوفَّق في حياتك، وأن تكون لامِعًا في الحياة أما أنا فلا أُريد منك شيئًا هذا هو موقف الأنبياء، دخل سيدنا عدي بن حاتم إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام ؛ قال: قذف إليّ وسادةً من أدم محْشوَّة ليفًا، فقلتُ: بل أنت، فقال: بل أنت ‍! قال: فجلسْتُ عليها، وجلس عليه الصلاة والسلام على الأرض !! هذا هو بيته صلى الله عليه وسلَّم وكان إذا أراد ان يُصلِّي الليل ابْتَعَدت السيّدة عائشة حتَّى يُصَلِّي !! قال تعالى:

 

﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 لا قريب ولا بعيد، ولا مادي ولا معنوي، ولا ثناء، ولا مديح، إلا أن تكون أنت مؤمنًا متألِّقًا مستقيمًا هذا يُسْعِد من يدعو إلى الله، فأعظم سعادة تدخل على قلب من يدعو إلى الله أن يرى من حوْله في المستوى المطلوب والراقي، فالداعية يثلج قلبه حينما يرى إخوانه في مستوى الإيمان الحقيقي، أما الذي يبحث عن مكسب مادِّي للدعوة إلى الله ؛ هذا مسكين، واختار الخسيس عن النفيس، وهذه هي الآية

 

﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 الآية لها تفاسير كثيرة، أوْجه تفسير فيها أن تتودَّد إلى الله تعالى بِعَمل صالحٍ كي تتقرَّب إليه، أي أنا لا أريد شيئًا فكلمَّا ارتقى الإنسان مكانه عند الله لا يطلب المكاسب الأرْضيَّة، ولكن يطلب ما عند الله من أجر وثواب فالإنسان في زماننا لا يستطيع أن يدخل عند الطبيب وليس معه خمس مائة ليرة، وهل لك أن تدخل عند محامي أو مهندي من دون أتعاب ؟ إلا بيت الله تعالى ؛ لا رسم اشتراك، ولا بطاقة، قال تعالى:

 

﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(17)﴾

 

[ سورة القمر ]

 ذكر لي أخ أنّ سيارته تعطلت فيها العجلة فبقي يوقف الناس حوالي ساعة ونصف فلم يقف له أحد، إلى أن وقف له شخْص، فقال: له تفضَّل الكريك، فهذا الأخ كبر عند قلبه هذا الإنسان، كيف أنَّه أتعب حاله ووقف وفي الأخير هذا الذي وقف طلب من هذا الأخ نقودًا !! فقال الأخ في قلبه: ليْته لم يطلب منِّي !! فالإنسان الذي يأخذ الأجر على دعوته هذا إنسان لا قيمة لِعَمَله، أكيد أنّ المحامي والمهندس لا بد أن يأخذوا ثمن خدمتهم ؛ هذا موضوع ثاني ولكن الأمور الدِّينيَّة لا بد أن تكون له تامَّة.
 هذه الآية كبيرة جدًّا تسعُ كلّ الناس، فهناك من لا يتحرّك إلا بِعُمولة، أما موقف الأنبياء والعلماء الصادقين هو: قل لا أسألكم عليه أجرًا ! لا تطلب شيئًا، أدِّ الذي عليك، واطْلب من الله الذي لك، هذا كلام ليس له علاقة بالأعمال الدنيويَّة، فهو حصْرًا في الأعمال الدِّينيَّة، وهناك آية أخرى تعضدها، وهي قوله تعالى ":

 

﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)﴾

 

[ سورة يس ]

 فحياة المؤمن مبْنِيَّة على العطاء، أما غير المؤمن فَيُسْعِدُهُ أن يأخذ، وإذا أردت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة اُنظر ما الذي يُسْعِدُك، فإن كان الذي يُسعدك العطاء فأنت من أهل الآخرة، وإن كان يُسعِدُك الأخذ فأنت من أهل الدنيا، قال تعالى:

 

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى()وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾

 

[ سورة الليل ]

 قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)﴾

 

[ سورة الشورى ]

تحميل النص

إخفاء الصور