وضع داكن
25-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 26 - الصمت
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

لسانك حصانك إن صنته صانك:

أيها الأخوة الكرام, من أخص صفات المؤمن: الصمت وحفظ اللسان، ولعل الكلام أوسع نشاط يقوم به الإنسان، والإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- عدد من آفات اللسان ما يزيد .....
عَنْ مُعَاذٍ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

والسيدة عائشة -رضي الله عنها- حينما خاطبها النبي -عليها الصلاة والسلام-, بعد أن قالت لأختها صفية: قصيرة.
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

((حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا, قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ, وَقَالَتْ بِيَدِهَا: هَكَذَا, كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً, فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ))

أريد من هذه المقدمة أن يعتقد المؤمن اعتقاداً جازماً أن كلامه من عمله، فالإنسان قد يتكلم بالكلمة، ولا يلقي لها بالاً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا, يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

واللسان يذل، وقد تكون كلمة قاضية على مصير الإنسان:

احفظ لـسانك أيها الإنـسان لا يلدغنك إنـه ثعبـان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه شجعان

فالكلام -أيها الأخوة- نشاط واسع جداً في حياة الإنسان، والكلام خاضع لمنهج الله، فرُب كلمة ارتقيت بها إلى أعلى عليين، ورب كلمة هويت بها على أسفل سافلين.
بادئ ذي بدء: ما تعريف الصمت؟.
قال بعض العلماء: الصمت إمساك عن قول باطل دون الحق، لأن الذي لا يتكلم بالحق شيطان.
ينبغي أن تنطق بالحق وتصمت عن الباطل، إنك إن ذكرت الباطل أشرت إليه، وإن ذكرت الباطل وروجته، وأغريت الناس به, فالباطل ينبغي أن تكف عنه.
بعض علماء الفلاسفة قالوا: الصمت فقد الخاطر بوجد الحاضر.
حينما ترى حقيقة الخواطر تنتهي, الخواطر المتشككة والمتطلعة، حينما ترى الحقيقة أمامك ماثلة, تكف هذه الخواطر فتصمت.
وقيل: الصمت سقوط النطق بظهور الحق.
وقيل: انقطاع اللسان بظهور العيان.
الحقيقة مسكتة!.
لكن العلماء فرقوا بين السكوت والصمت؛ السكوت شيء، والصمت شيء آخر، فالسكوت ترك الكلام مع القدرة عليه، فالسكوت فضيلة، ويوجد قاعدة أنه:
ينبغي أن تسكت حيث سكت القرآن.
لكن هناك من يتطلع إلى تفاصيل وجزئيات أغفلها القرآن، فالذي سقط عنه القرآن ينبغي أن تسكت عنه، والذي فصله القرآن ينبغي أن تفصل فيه، لئلا تفسد على الله حكمته من إيجاز القول في بعض القصص، لأن هذه القصص في الحقيقة نماذج بشرية, جاءت مقتضبة موجزة من أجل أن تشعر أنها نموذج متكرر، أما إذا بالغت في البحث عن تفصيلات سكت عنها القرآن, فكأنك تريد أن تقول: إنها وقعت، ولا تريد أن تقع، فحكمة الباري جل وعلا من حكمة سكوته عن بعض التفاصيل: من أجل أن تكون هذه القصة نموذجاً متكرراً.
إذاً: السكوت هو ترك التكلم مع القدرة عليه، بينما الصمت سكوت مطلق.
أنت قادر أن تتكلم أو لست بقادر، ما دمت لم تتكلم فأنت صامت، أما إذا كنت قادراً أن تتكلم ولم تتكلم فأنت ساكت, يوجد فرق آخر، الصمت يراعى فيه الطول النسبي، فمن ضم شفتيه آناً قصيراً يكون ساكتاً، أما من طال سكوته يكون صامتاً، الفرق بين الصمت والسكوت المدة؛ السكوت إمساك عن الكلام حقاً كان أم باطلاً، أما الصمت فهو إمساك عن القول الباطل حصراً. 

الآن من التعاريف الدقيقة لحفظ اللسان: حفظ اللسان أن يصون المرء لسانه عن الكذب ، والغيبة، والنميمة، وقول الزور، وغير ذلك مما نهى عنه الشرع الحكيم.
هل تصدقون أيها الأخوة: أن من بعض معاصي اللسان وجوب النار؟.
لا يدخل الجنة قتات.
القتات هو الذي يتحدث بما قاله الناس عن رجل ينقله إليه، فيحدِث شرخًا كبيرًا في العلاقات الاجتماعية، معظم المسلمين ولست مبالغاً في معظم لقاءاتهم وسهراتهم يتحدثون عن بعضهم بعضاً غيبة ونميمة، والغيبة أشد من الزنا كما قال عليه الصلاة والسلام، والنميمة تمنع النمام من دخول الجنة.
لا يدخل الجنة نمام.
والنمام هو القتات, الوعيد على معاصي اللسان يصل إلى النار، فحفظ اللسان أن يصون المرء لسانه عن الكذب، المؤمن لا يكذب ولا يخون.
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ))

[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]

فإن الكذب والخيانة تتناقضان مع الإيمان، والمعنى الدقيق: أن الشيئان قد يتعاكسان، قد تجد على حائط لونًا أسود ولونًا أبيض، والأبيض والأسود متعاكسان، الشيئان المتعاكسان يجتمعان ، ولكن الشيئين المتناقضين لا يجتمعان، وجود أحدهما ينقض الآخر.
الكذب والخيانة تنقض الإيمان, لحديث أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

((يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ))

[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]

فإذا كذب وخان فليس بالمؤمن.
فأخواننا الكرام, أصحاب الأعمال عندك موظف احتمل منه كل خطأ، إلا أن يكذب أو يخون.
من أركان الخلق الرفيع: الصدق والأمانة والعفة، فإذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ:

((كَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ, فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ, كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ, نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ, وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ, وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ, وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ, وَنُسِيءُ الْجِوَارَ, يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ, فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا, نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ, وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ, فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ))

[أخرجه ابن خزيمة في صحيحه]

إن عاملك فهو أمين، وإن حدثك فهو صادق، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف.
كما قلت قبل قليل: الآفات التي أساسها اللسان تزيد عن عشرين آفة، وكلها آفات مهلكة.
مرة أراد إنسان أن يستسمح من إنسان اغتابه، فقال له: لقد اغتبتني، قال له: ومن أنت حتى أغتابك؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أمي وأبي –إنسان-, لأنهم أحق بحسناتي منك.
معنى ذلك: أن الذي يغتاب يخسر حسناته لمن اغتابه يوم القيامة، والغيبة أشد من الزنا، وصدق: أنك لا تكون ورعاً إلا إذا صنت لسانك عن الغيبة والنميمة.
وكما تعلمون: النبي الكريم يقول:

((إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم، ولكن رضي فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم))

يقول: كلام في كلام.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا, فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا))

قالت:

((قصيرة، فقال: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ))

و:

((قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة))

بعض الأدباء يقول: إن من الأخلاق الفاضلة الإخبار عن الشيء على ما هو به.
هذا الخلق مستحسن: أن تصف الشيء على ما هو به، إلا إذا كانت موضوعيتك مسيئة لإنسان, فينبغي أن تصمت، أو أن تكون فاضحة لإنسان.
واحد سألك: هل ارتكبت الفاحشة؟ قل له: ما هذا السؤال؟ وما شأنك بي؟ أما لو كنت صادقاً، وفضحت نفسك, خرقت ستر الله عليك، فالأصل أن تنطق بما هو كائن، لكن ربما تصمت مراعاة لحقوق الآخرين أو لمكانتك.
كما تعلمون دائماً: أن الإنسان مخير، فكل شيء في حياته من حظوظ وجوارح وشهوات وخصائص حيادية، فاللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، صغير بجرمه.
دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفد من الحجازيين تقدمهم غلام صغير، فغضب، وقال : اجلس، وليقم من هو أكبر منك سناً، قال: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول, لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس، صغير في جرمه عظيم في فعله، كلمة تفرق زوجة عن زوجها، وقد أبالغ فأقول: وحركة قد تسبب طلاق امرأة، كيف فلانة الله أعلم طلقها زوجها، ف:
قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة.
الإيمان لا يستبين إلا بنطق اللسان، ما هو الإيمان؟ ما وقر في القلب وأقر به اللسان وصدقه العمل، ويوجد كفر قولي، هناك من ينطق بكلمة الكفر، يوجد كفر اعتقادي وكفر عملي وكفر لساني، يوجد كلمات هي الكفر بعينه.

إذا أردت أن تنجو من شر لسانك فعليك بالصمت:

قال: أعصى الأعضاء على الإنسان هو اللسان، فإنه لا تعب في إطلاقه، ولا مكنة في تحريكه، إذا أطلقته لا تتعب، وإذا حركته لا يحتاج على مؤونة، ويمكن بهذا اللسان أن يقوم من الشر ما لا يوصف.
اليوم قضية الشرور الناتجة من إطلاق اللسان في الأعراض وفي الغيبة والنميمة لا تنتهي، تجد المجتمع ممزق على مستوى مدينة أو حي أو أسرة أو أقارب، في أي مستوى المجتمع ممزق من آفات اللسان.
من كلام الإمام الغزالي: قد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وأهواله، والحذر عن مصائده وحبائله.
قال: هو أعظم آلة للشيطان في إغواء الإنسان اللسان، من أطلق لسانه, سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة.
أخواننا الكرام, من طبع الإنسان الخوض في فضائح الناس.
الحقيقة: الحديث عن الفضائح شيء ممتع جداً، متعة، فعلاً خانت زوجها؟ هكذا قيل! مع من؟ يتتبع، فالطبع يميل إلى الخوض في فضائح الناس، لكن الشرع يقول لك: اسكت، احفظ لسانك, اصمت، لا تجعل الشيطان يقودك إلى النيران.

الإمام الغزالي يقول: إن خطر اللسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلا بالصمت.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَال:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ صَمَتَ نَجَا))

[أخرجه الترمذي في سننه]

مستحيل أن تندم على الصمت كما تندم على النطق، الندم على الصمت أهون بكثير من أن تندم على النطق، الإنسان إذا تكلم كلمة سجلت عليه، سنكتب ما قالوا ...

شروط الكلام الحسن:

أخواننا الكرام, العلماء بحثوا في هذا الموضوع, وضعوا للكلام الحسن الذي يليق بالمؤمن شروط، من هذه الشروط: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه.
أخواننا الحلاقون, يستخدمون المقص مئة قصة على الفارغ، وبعدها واحدة تصيب، وهكذا كلام الناس! كلام لا معنى له، ولا فائدة، ولا لزوم له، إلا أنه مضيعة للوقت، فلذلك: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، فإذا لم يكن لديك ما تقول فلا غناء في القول، وباللغات العامية: المصرية أرغي رغي، وبالشامية عي، كلام لا طائل منه، كلام وتفاصيل وحديث.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ))

[أخرجه الترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]

وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس))

[أخرجه البزار في مسنده]

أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتراء نفع أو دفع ضر، أما كلام هذيان لا طائل وراءه, فالأولى أن نصمت، والصمت حكمة وعقل ووقار، وقد يكون الصمت أبلغ من الكلام، الشق الأول أن يكون هناك داع إلى الكلام، يوجد سبب، أما الكلام للكلام، الكلام وسيلة ، وليس غاية.
الشيء الثاني: أن يأتي الكلام مناسباً لمقتضى الحال.
أحياناً هناك تفاصيل مملة، وإيجاز مخل، وهناك كلام ينبغي أن تسكت عنه، وكلام ينبغي أن تنطق به، فالحكمة في إلقاء الكلام أحد أكبر شروط هذا الكلام.
نضر الله امرأ اقتصر في كلامه على حاجته، وإياك وكثرة الكلام، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً.
اختيار اللفظ من توفيق المؤمن: أنه يختار أدق الألفاظ.
سيدنا عمر مر بقوم قد أضرموا ناراً فقال لهم: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، ولم يقل لهم: السلام عليكم يا أصحاب النار، وفرق كبير بين أن تقول: يا أصحاب الضوء، وأن تقول: يا أصحاب النار، وكلما ارتقى المؤمن, يختار أدق الكلمات.

آداب الكلام:

1-ألا تسرف في مدح, وألا تسرف في ذم:

من آداب الكلام: ألا تسرف في مدح، وألا تسرف في ذم، يوجد قاعدة أخلاقية:

((أحبب حبيبك هوناً ما, عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما, عسى أن يكون حبيبك يـوماً ما))

[أخرجه الترمذي في سننه]

فلا تسرف لا في المديح ولا في الذم، ما الذي يحصل؟ .
إنسان يخطب من أسرة يتحدث عنه أهل الفتاة, ملك من السماء، تقوى، صلاح، ذكاء، فهم، أصل، نسب، حسب، ينشأ خلاف, يصبح سكة عطل، إنسان ساقط جاهل، لا يصلي، منافق، الأحكام الحادة دليل ضعف العقل، دائماً كن معتدلاً في أحكامك.
من آداب الكلام: ألا تسرف لا في المديح ولا في الذم.

2-أن تضبط اللسان عن وعد ووعيد, لست قادراً على فعله:

ومن آداب الكلام: أن تضبط لسان عن وعد ووعيد, لست قادراً على فعله.
لي قريب مقيم ببلد بعيد, جاء إلى الشام لزيارة أهله، فله ابن صغير يبدو له أنه شوش، فقالت له جدته: اسكت، سآخذك مساء إلى مكان جميل فسكت، هو ينتظر تنفيذ وعدها، هي لا تفكر هكذا أبداً، فقال لها: أنت كاذبة وعمره سنوات!!!!.
إذا كنت تتكلم كلامًا لست قادرًا على تنفيذه، لا تنفيذ الوعد ولا تنفيذ الوعيد, سقطت من عين الناس، لا تتكلم كلامًا إلا وأنت قادر على تنفيذه.
من آداب الكلام: أنك إذا قلت قولاً, ينبغي أن تحققه بفعلك.
من لوازم الكلام: أنه إذا كان ترغيباً فلا بد من كلام لين، وإذا كان لينًا فلا بد من كلام فيه غلظة:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة التوبة الآية: 73]

إذا كان الموطن موطن ترغيب فلا بد من اللين، وإذا كان الموطن موطن ترهيب فلا بد من الشدة.
يروى في اللغة العربية شاهد على عدم اختيار الكلمات المناسبة، أحدهم تغزّل بفتاة اسمها سلمى، قال: إن سلمى خلقت من قصب السكر لا عظم الجبل، وإذا قربت منها بصلاً، غلب المسك على ريح البصل، قال: هذا غزل مطبخي، جمل، وبصل، هل هذا غزل؟!!
كلمات غير مناسبة، فأنت لا تعرف قدرة الإنسان في الكلام إلا بحسن اختياره للكلمات.

3- ألا ترفع بكلامك صوتاً مستكرهاً:

من آداب الكلام: ألا ترفع بكلامك صوتاً مستكرهاً، كلمة فاحشة بذيئة، ارتفاع صوت فجائي، ينبغي ألا يرفع المتكلم بصوته صوتاً مستخرجاً، ولا يزعج الإنسان إزعاجاً مستهجناً.

4-أن يكف عن هجر القول ومستقبح الكلام:

الآن: أن يكف عن هجر القول ومستقبح الكلام، كلمة لا تليق، المؤمن تعيش معه ثلاثين سنة, لا تسمع منه كلمة نابية ولا قاسية ولا منحرفة، وهذا الذي يقول: لا حياء في الدين، أنا أقول: الدين كله حياء، والحياء من الإيمان، واستنبط من كلام الله عز وجل حينما قال:

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 5-7]

عبر عن كل انحراف جنسي بكلمة: ابتغى وراء ذلك! فالقرآن كله أدب، وكلام النبي كله أدب.
أحياناً العوام لهم كلمات مبتذلة، ينبغي للمتكلم ألا يهبط في كلامه إلى مستوى العامة, والغوغاء، أن يقلد العلماء في كلامهم، لا أولئك الذين سقطوا من عين الناس.

أحاديث مشتركة تبين آفات اللسان:

أيها الأخوة الكرام, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ صَمَتَ نَجَا))

[أخرجه الترمذي في سننه]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ, وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ, وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))

الموضوع العي والرغي.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا, وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا, وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ))

[أخرجه أبو داود في سننه]

يوجد مزاح يحدث صدمة، أنت تمزح، إلا أن ظنك أنك مازح أصيب بنوبة قلبية، أتمنى على كل أخ ألا يسلك المزاح في اللسان.

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ:

((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ, قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ, ثُمَّ قَالَ هَذَا))

ويقال: أكثر خطأ ابن آدم في لسانه.
عامة المسلمين لا يسرقون، ولا يزنون، ولا يقتلون، ولا يشربون الخمر، أليس كذلك؟ الأكثرية، هذه معاص كبيرة ترتكبها قلة قليلة في المجتمع، لكن الخطأ المتفشي بين أفراد المجتمع خطأ اللسان، أكثر خطأ ابن آدم في لسانه.
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ, عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِي اللَّه عَنْه- قَالَ:

((قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ))

عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:

((كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا؛ قِيلَ وَقَالَ, وَإِضَاعَةَ الْمَالِ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ))

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:

((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ, فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ, وَنَحْنُ نَسِيرُ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ, قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ, وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ, تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ, وَتَصُومُ رَمَضَانَ, وَتَحُجُّ الْبَيْتَ, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ, وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ, وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ, قَالَ: ثُمَّ تَلَا:

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾

حَتَّى بَلَغَ

﴿يَعْمَلُونَ﴾

ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ, وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ, وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ, قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا, فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟))

 

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ:

((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ, قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا))

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:

((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ, وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ, وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ, إِلَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

وعالم الشام الجليل الشيخ بدر الدين الحسني -رحمه الله تعالى-: إذا تكلم إنسان في حضرته عن إنسان, يقول له: اسكت، أظلم قلبي.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا, فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ))

وكان عليه الصلاة والسلام لا يواجه أحداً بما يكره, إن أراد أن يعظ أصحابه, يخطب ويقول:

((ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟))

سبحانك يا رب!.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ, أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي في سننه]

آفتان خطيرتان: اللسان والفرج، فإذا ضبط لسانك وفرجك بمنهج الله, ضمن لك النبي الجنة.

من أقوال السلف الصالح:

من أقوال الصحابة الكرام: من كثر كلامه كثر سخطه؛ أي خطؤه.
بأي جلسة الذي يكثر الكلام يكثر الخطأ، والصامت في حصن.
لا تمار حليماً ولا سفيهاً، فإن الحليم يقليك والسفيه يؤذيك، المراء الجنان.
أحد التابعين الأجلاء وهو الأحنف بن قيس كان في مجلس فأحرج، قيل له: ما تقول في يزيد؟ قال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت.
فكان هذا الكلام البليغ تلميحاً أبلغ من تصريح، إذا أحرج الإنسان, فالنبي علمنا ما يسمى بالمعاريض، إن في المعاريض لممدوحة عن الكذب.
من أين أنتم؟ قال عليه الصلاة والسلام: من ماء، من هذا لسيدنا الصديق عن رسول الله في الهجرة, قال: هو رجل يهديني السبيل، قصد السبيل لله عز وجل.
فالإنسان ممكن أن ينطق بكلام صحيح الإنسان, لكنه يستخدم المعاريض الكنايات.
أيها الأخوة, من فوائد الصمت وحفظ اللسان: أن الصمت دليل كمال الإيمان، وحسن الإسلام، وأن الصمت دليل السلامة من العطب في المال والعرض, الإنسان والنفس، ودليل حسن الخلق، وطهارة النفس، وأن الصمت يثمر محبة الله، ثم محبة الناس، وأن الصمت يهيئ المجتمع الصالح والنشىء الصالح، وأن الصمت ينتهي بصاحبه إلى الجنة، والنجاة من النار.
قال النبي الكريم يخاطب صحابياً جليلاً:

((يا فلان, فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله، قال: ما هما يا رسول الله؟ قال: الصمت وحسن الخلق))

فالخوض في أخطاء الناس، وفي تقييمهم، وكشف عوراتهم، ونشر فضائحهم، هذا ليس من خلق المسلم .
أيها الأخوة الكرام, أسأل الله النجاة من آفات اللسان. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور