وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة هود - تفسير الآية 114 ، التوبة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

باب التوبة مفتوح على مصراعيه لكل إنسان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الآية الرابعة عشرة بعد المئة من سورة هود وهي قوله تعالى :

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) ﴾

[سورة هود]

 النقطة الأول في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة على مصراعيه لعباده المؤمنين ، لو تصورنا أن باب التوبة مغلق ، والإنسان ارتكب ذنباً ، ويئس من توبة الله عليه ، ورحمة الله ، ما الذي يحصل ؟ يفجر ، يعربد ، مادام لا يوجد توبة ، ولا قبول لتوبة ، ولن يسمح عنه ، ينحرف أشد الانحراف .
 لكن ربنا عز وجل برحمته لعباده فتح باب التوبة على مصراعيه ، فكل إنسان وقع بذنب يتوب إلى الله ، وفي الحديث الصحيح :

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

.

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

 لكن أحياناً الإنسان إذا فعل الذنب ، وتاب منه ، رأى رحمة الله قريبةً منه ، وشعر أن هذا الذنب محي ، وعفي عنه ، وكأنه لم يفعله ، لكن لو وقع بالذنب مرة ثانية ، الآن يتضعضع ، يشعر كالمستهزئ بربه .
 الإنسان إذا شعر أن هناك قوةً نشأت بينه وبين الله ، وأن هناك ثلمةً لحقت إيمانه ، وأن هناك حجاباً كفيفاً حال بينه وبين ربه ، ماذا يفعل ؟

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) ﴾

[سورة هود]

 فكل إنسان يجب أن يتعامل مع ربه تعاملاً صادقاً ، لو أنه زلت قدمه ، أو ارتكب خطيئة عن غير قصد ، وشعر بحجاب ، عنده حل واحد هي الحسنات ، سآتيكم ببعض الأحاديث . ورد في الحديث الصحيح :

(( صدقة السر تطفئ غضب الرب ))

[ الجامع الصغير بسند صحيح ]

(( الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير ))

[ الطبراني عن أبي أمامة]

(( باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ))

[ الجامع الصغير]

 فالإنسان إذا شعر أنه صار هناك حجاب وتاب سابقاً من هذا الذنب ، ثم عاد الكرة مرة ثانية ، فلئلا يقع في اليأس ، واليأس كفر ، لا ييئس إلا الكافر ، ولا يقنط إلا الكافر ، لئلا يقع في اليأس ، ولئلا يقع في القنوط ، عليه أن يفعل الأعمال الصالحة ، وفي مقدمة الأعمال الصالحة إنفاق المال ، والذي لا يملك إنفاق المال ، أي عمل صالح آخر كالصوم ، الصوم تكفير لما وقع منه من ذنوب ، إنفاق المال ، خدمة الخلق ، خدمة مسجد ، خدمة الأهل ، على كل العمل الصالح معروف بالفطرة ، ربنا عز وجل قال :

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾

[سورة هود]

أخطر شيء تراكم المعاصي والإصرار عليها :

 بالمناسبة أخواننا الكرام ؛ هذه النفس هي حركية شديدة ، معنى الحركية : أنك إذا فعلت سيئةً ، ولم تتب منها ، دفعتك هذه السيئة إلى سيئةٍ أكبر ، وإن فعلت الأكبر ، ولم تتب منها ، دفعتك إلى أكبر ، وهكذا ينتقل الإنسان من سيئة إلى أكبر ، إلى أن يقع في الفاحشة الكبيرة ، إلى أن يقع فيما يوجب الحد ، فالنفس طابعها حركي ، أو ديناميكي ، إن فعلت حسنة قادتك إلى حسنة أكبر منها ، وأن فعلت سيئة قادتك إلى سيئة أكبر منها ، لا يوجد حالة سكونية بالنفس ، إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر .
 إذاً من خطورة حركية النفس إذا أنت أهملت نفسك ، عملت بعض السيئات ، ولم تبادر بالتوبة ، بادرت إلى التوبة لقيت هناك حجاباً ، هذا الذنب عملته مرة ثانية ، إذاً تحتاج الآن إلى عمل صالح ، تحتاج إلى ترميم ، إلى إنفاق ، فإذا الإنسان أهمل نفسه ، لا تاب من الذنب ، ولا رمم الثلمة التي في نفسه ، بشكل أكيد ينتقل من معصية إلى أكبر ، من معصية إلى أكبر ، إلى أن يقع في الحجاب السميك الذي لا يخرق ، هذا هو الران .

﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) ﴾

[سورة المطففين]

 أخطر شيء تتراكم المعاصي ، ويتراكم الإصرار عليها ، إلى أن تصبح هذه المعاصي حجاباً كثيفاً بينك وبين الله .

الإكثار من الأعمال الصالحة عند إعادة الذنوب :

 لذلك سيدنا عمر قال : "تعاهد قلبك" ، الإنسان شعر بفتور يعمل عملاً صالحاً .

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾

[سورة الكهف]

 يوجد عمل صالح ، إنفاق مال ، صيام ، يوجد عبادة استثنائية ، صلاة ليل ، تهجد ، خدمة الخلق ، خدمة المسجد ، ممكن أن تبحث عن عمل يرمم هذه الثلمة ، ممكن أن تتوب أولاً، إذا الذنب عملته مرة واحدة ، يا ربي لن أعود إليه ، الله قبل منك التوبة ، أما إذا عملته مرة ثانية تشعر أن حجاباً صار بينك وبين ربك ، لو قلت : يا ربي تبت ، غير مقبول ، تحتاج إلى ترميم ، إلى حسنة كي تذهب السيئة ، وإذا الإنسان أهمل نفسه ، نفسه طابعها حركي ، ديناميكي ، أي كل حسنة تقود إلى أكبر ، وكل سيئة تقود إلى أكبر ، فإذا تفاقمت الذنوب ، واشتد الحجاب ، أصبح لا يعي على خير ، صار ميتاً ، الله عز وجل قال :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[سورة النحل]

 ميت انتهى ، هذا لا يصحو إلا عند الموت ، هذه الحالة خطيرة جداً . فالإنسان يتعاهد قلبه .
 يقول لك أحدهم : أنا أخطأت لن آتي إلى المسجد ، فإذا الإنسان وقع بغلطة لا يبتعد عن مجالس العلم ، يتفاقم الغلط ، الإنسان عندما يقع بغلط يرتاد المساجد أكثر ، الله يستقبله ، إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر .
 إذا قال لك : عندما تصلح نفسي آتي إلى الدروس ، هذا غلط كبير كمن يقول لك تماماً : أنا حينما أشفى تماماً آتي المستشفى ، عندئذٍ لا حاجة لك بها ، المستشفى الآن أنت بحاجة لها .
 فحينما تقع في مشكلة ، أو تقع في حجاب ، اقصد بيت الله ، الله عز وجل يقبلك في بيته ، هو المضيف وأنت الزائر ، ومن تمام الزيارة ، من لوازم الزيارة إكرام الزائر ، وحق على المزور أن يكرم الزائر ، لذلك الآية اليوم :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾

 أي هذه ممحاة ، إذا أنت كنت تكتب بالرصاص ، ومعك ممحاة القضية سهلة ، فالحسنة هي الممحاة .

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾

.

الله تعالى يسترضى بالصدقة والصيام وخدمة الخلق :

 بقي :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾

 الحقيقة الصلاة ، صلاة الفجر ، النبي الكريم قال :

((من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ))

 أنت آخذ أماناً من الله عز وجل ، طوال هذا اليوم يكفيك الله ما فيه من شر ، من مطبات ، من ورطات ، من مصائب ، من افتراءات ، من ابتلاء ، من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ، لا تعجز عن ركعتين قبل الفجر أكفك النهار كله .
 حدثني أخ أنا والله أكبرته كثيراً ، قال لي : أنا أستيقظ قبل الفجر ، وأصلي الليل ، وأصلي الفجر ، ولي أذكاري ، وأورادي ، ولا أجرؤ أن أخرج من البيت إن لم أفعل هذا ، إن فعلت هذا وخرجت من البيت أشعر بثقة كبيرة جداً أن الله يحفظني ، وأن الله يوفقني ، وأن الله معي ، وأن الله يؤيدني ، وأن الله ينصرني ، وأن الله يرزقني ، والله أنا أعجبت بهذا الإنسان ، قال لي : استيقظت مرة بعد الشمس لم أذهب إلى الدائرة خفت ، خفت أن أقع بورطات كبيرة جداً ، هو محصن .
 من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ، ولو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً - زحفاً - .
 وكلما قال لي إنسان : أنا أعاني من مشكلة ، أقول له الحل كما يلي : حديث صحيح .
 يقول عليه الصلاة والسلام : إذا كان ثلث الليل الأخير ، شخص يعاني من مرض لا سمح الله ، له عدو كبير ، قوي ، يتربص به يريد أن يسحقه سحقاً ، له مشكلة لا تحل ، لم يجد بيتاً ، لم يجد زوجة مناسبة ، بلا عمل ، عنده مشكلة ، مشكلة مؤلمة جداً ، النبي الكريم قال:

((إذا كان ثلث الليل الأخير - هذا وقت السحر - نزل ربكم إلى السماء الدنيا ، فيقول : هل من تائبٍ فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ هل من طالب حاجةٍ فأقضيها له ؟ حتى ينفجر الفجر ))

[ مسند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 أنا والله الذي لا إله إلا هو كلما قال لي أخ : أنا أعاني من مشكلة كبيرة جداً ماذا أفعل ؟ أقول له : صلِّ قيام الليل واسجد واسأل ربك عز وجل أن يزيح عنك هذه المشكلة ، هذه ثقة بالله كبيرة جداً .
 أخ من أخواننا الكرام ابنه معه مرض ، يبدو أنه عضال ، تفاقم المرض عنده لم يعد يستطيع أن ينام إطلاقاً ، طوال الليل يبكي ، قال لي : والله ذبحت خروفاً ووزعته ، أقسم بالله قال لي : بعد يومين صار ينام ، لكنه عانى ثمانية أشهر ، ثمانية أشهر ما نام بالليل ، كل الليل بكاء، لم يترك طبيباً حتى يئس ، توجه إلى الله بالدعاء ، وبذل هذه الصدقة ، وزعها على فقراء محتاجين ، فشعر أن المرض بدأ يتراجع .
 الله يسترضى أخواننا ، اللئيم لا يسترضى ، الله يسترضى بالصدقة ، بالصيام ، بخدمة الخلق .

تلخيص لما سبق :

 القصد من هذا الدرس تراقب نفسك ، لا تهمل قلبك ، فتعاهد قلبك ، قمت للصلاة شعرت أن هناك حجاباً معنى هذا يوجد مشكلة ، معصية قائم عليها ، شعرت أن هذا الذنب وقعت فيه مرة ثانية ، إذاً تحتاج إلى صدقة ، نظرت نظرة ثانية ، الأولى لك ، والثانية عليك ، عملت الثانية ، هذه تحتاج إلى مبلغ حتى تبقى مع الله مستقيماً ، لا تهمل نفسك ، نفسك حركية ، معنى حركية أي لا تبقى بحالة واحدة ، إن كنت نازلاً فأنت تنزل باستمرار ، وإن كنت صاعداً فأنت تصعد باستمرار ، هذا مبدأ العطالة مبدأ معروف ، الجسم يحافظ على حركته إذا كان متحركاً ، وعلى سكونه إن كان ساكناً .
 إذاً الإنسان إذا عمل أعمالاً صالحة هذه تقوده إلى الاتصال بالله ، الاتصال بالله يقوده إلى عمل صالح أكثر ، تكبر معه الأمور ، وإذا عمل عملاً سيئاً يقوده إلى عمل أسوأ ، والأسوأ حجاب ، والحجاب إلى أسوأ ، والأسوأ حجاب ، تتفاقم الأمور ، فلاحظ نفسك وأنت في حالة الغفلة أو اليأس ، اذهب إلى بيوت الله ، واستمع إلى مجالس العلم ، حتى الله يتجلى على قلبك ، ويفتح لك شيئاً من رحمته ، ويتنزل عليك بسكينته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور