وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة غافر - تفسير الآيات 70 - 78 افرح بفضل الله عليك.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السبعون من سورة غافر، وهي قوله تعالى:

﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)﴾

[سورة غافر]

 هؤلاء الشركاء في الدنيا، والذين اعْتقدتم أنَّهم ينفعون أو يضرُّون يرْفعون أو يخفضون، ويُعطون أو يمْنعون، هؤلاء الذين عبدتموهم من دون الله في الدنيا، وهؤلاء الذين استغنيتُم بهم عن معرفة الله وطاعته وقدَّسْتموهم وعظَّمتموهم وعملْتُم لهم ونسيتم ربَّكم، قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)﴾

 

[سورة غافر]

 قال لي أحدهم: قضِيَّة ربَوِيَّة كانت فيها فتْوى، ويوم القيامة تقول: يا رب: أنا لي قضِيَّة مع فلان ! فيُقال لك: ابْحَث عنه فإذا لم تجِدْهُ فماذا تفعل ؟! فأنت إن كان لك مسْتند وحيد، وهو الوحيد الذي أفتى لك ولكن هناك فتوى وهناك تقْوى، ونفس المشكلة ؛ قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾

 

[سورة غافر]

 بحثوا عنهم فلم يَجِدوهم، قال تعالى:

 

﴿قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾

 

[سورة غافر]

 ما وجدنا لهم ذِكْرًا ولا أثرًا، ولا قيمةً، ولا حركةً، ولا فِعلاً، وتأثيرًا قال تعالى:

 

﴿بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)﴾

 

[سورة غافر]

 ثمَّ إنَّهم تذَكَّروا أنّهم كانوا يكذبون على أنفسهم في الدنيا، وهذه الآية ذَكَرتها لهذه الكلمة، قال تعالى:

 

﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)﴾

 

[سورة غافر]

 كيف يُضِلُّهم ؟ يُضِلُّهم لا عن ذاته، ولكن عن شُركَائِهِ، وهذا معنى آخر للإضلال، فالإضلال إذا عُزِيَ إلى الله، فليس معناه أنَّه تعالى يُضِلُّهم عن ذاته، ولكن عن شُركائِهِ، ويُضِلُّهم عن آلهة مزْعومة اتَّخذوها افْتِراءً وانْحِرافًا، ويُضِلُّهم عن جِهَةٍ لا تمْلِكُ شيئًا، ولا تنفعهم ولا تضرُّهم، فالله تعالى إذا أضلَّ إنسانًا فليس إضلاله أن يُبْعِدَهُ عن ذاته بل العكس، يُبْعِدُه عن شُركائِهِ لِيَصِلَ إليه، وهذا الإضلال بِمَعنى الهدى، فلأنَّ الله تعالى موجود، ولأنَّه هو القويّ والمانع والمعطي، والمعزّ المذلّ والقابض الباسط ؛ جاءَ إنسان واتَّخذ إلهًا غيره تعالى، فهذا المخلوق هو الذي افترى على الله تعالى كذبًا، وهو الذي قال: هذا قويّ، وهذا يرفعني، ويعْطيني ويمنعُني، فالله عز وجل إذا أراد أن يهْدي هذا الإنسان ماذا يفْعل ؟ يُضِلُّه عن هذا الشريك الزائِه الذي لا يمْلِكُ شيئًا، فهذا معنى آخر مِن معاني الإضلال وهو أنَّه إذا عُزِيَ الإضلال إلى الله عز وجل، فهو الإضلال عن ذات الله تعالى بل عن شُركائِهِ المزعومين والمُزَوَّرين، والذين لا ينفعون ولا يضرُّون.
أُعيد الآية عليكم، قال تعالى:

 

﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)﴾

 

[سورة غافر]

 هو لماذا كذَّب بالكتاب ؟ وادَّعى أنَّ جهةً أخرى تنفعُه ‍! اسْتغنى عن الله تعالى وأخْلص لإنسان، وأعطى حياته وذكاءه لإنسانٍ، وولاءه ومحبَّتَهُ قال تعالى:

 

﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)﴾

 

 

[سورة غافر]

 سوف هذه تهديد من الله تعالى ؛ أيْ غدًا تعلمون الحقيقة، فأنت الآن واهِم وفي ضلال، وفي زَيْغ وانْحِراف ولكن متى ستَعلم ؟! أحيانًا يسْرق الإنسان سرقة كبيرة، ويهِم أنَّه أذكى من كُلِّ الناس، فهو يظنّ أنّ الناس يعملون بِجُهدٍ ومشقَّة، وهو بِنِصف ساعة يأخذ الملايين المُجَمّعة سنواتٍ طِوال ! فحينما يُحاسب الإنسان يعرف الحقيقة، فالعِصابات يأكلون ما يشتهون يزنون، قال تعالى:

 

﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)﴾

 

[سورة غافر]

 أين شُركاؤُكم ؟ وآلهتكم المزعومة ؟ وأين الذين عبدْتموهم مِن دون الله ؟ وأغضبتم الله من أجلهم ؟ أين هم ؟! بحثوا عنهم فلم يجدوا لهم أثرًا ولا ذِكْرًا ولا قوَّةً ولا تأثيرًا، وقالوا: ضلُّوا عنَّا، ثمَّ تذكَّروا أنَّهم كانوا يكذبون على أنفسهم قال تعالى:

 

﴿بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)﴾

 

[سورة غافر]

 كبار الكهنة يعلمون أنَّهم على الضلال، ففي بعض المعابد بالهند يُقدِّمون لإلههم بوذَا أغلى أنواع الفاكهة، لِيأكلها في الليل، ثمَّ يأكلونها عنه في الليل !! أحد أكر الشَّخصيات للدِّعاية للدُّخان ماتَ بِسَرطان الرِّئة ! بسبب الدُّخان، وهو على فراش الموت قال: كنتُ أكذب عليكم ؛ إنَّ الدُّخان هو الذي قتلني ! قال تعالى:

 

﴿قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)﴾

 

[سورة غافر]

 وهذه الكلمات الأخيرة هي موْطِنُ الشاهِد ؛ فالله تعالى يُضِلُّهم عن شُركائِهِم المزْعومين فنحن الآن في الدنيا أيُّ واحد مِنَّا يعتمد على أي! جهة في الدنيا، ويعتقد أنَّها تنفعه أو تضرُّه ؛ لو أنَّها نفعتهُ فِعلاً أو لو أنَّها ضرَّتْهُ فعلاً ؛ الذي يحصَلُ أنَّ عقيدته تزْداد بها، كيف يهْديه الله إلى ذاته ؟ حينما تُخَيِّبُ ظنَّهُ ؛ يعْتَمِدُ عليها فَتُخَيِّبُ ظنَّهُ، فقد يعتمِدُ الإنسان على زوْجته، ويراها كلّ شيءٍ في حياته، ويمْحضُها كلّ حُبِّه وكلّ اهْتِمامه، وكثيرًا ما يعْصي الله مِن أجلها، وحينما تُسيء هيَ إليه وتتخلَّى عنه، وتقسو عليه، وتُؤثِرُ مصْلحتها على مسرَّتِهِ ؛ عندها يعلمُ أنَّه كان واهِمًا وأنّ الله أذَّبَهُ، فالإنسان كلَّما اتَّجَهَ إلى جهة أرْضِيَّة واعتَمَد عليها، ومحضَها وُدَّهُ واعتَقَدَ أنَّها تنفعُه وتضرُّه، فهِدايَةُ الله له أن يُضِلُّهُ عليك، فالاعتماد على المخلوق يُخَيِّبُ الظَّن، والإنسان قد يعتمد على ابنه، ويُعطيهِ كلَّ ما يمْلِك، فإذا بالولَد يذهب إلى بلاد الغرب ويأخذ جِنسِيَّة، ويبخل عليه بِرِسالة ! فالإنسان إذا اعتمد على جهة غير الله عز وجل فَهِدايَةُ الله له أن يُخَيِّب ظنَّه في الذي اعْتَمَد عليه، وكأنَّه أضلَّه عنه لِيَلفِتَهُ إلى ذاته تعالى، وهذا أحَدُ أنواع الإضلال الإلهي يُضِلَّك عن شُركائِهِ لِيَلفِتَك إلى ذاته، وهذا معنى جديد مِن معاني الإضلال، فإذا قلتَ أضلَّه الله ؛ أي أضلَّه عن شُركائِهِ.
ثمَّ يقول الله عز وجل:

 

﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)﴾

 

[سورة غافر]

 الإنسان قد يفرح، أما هناك فرح بالحق، وفرحٌ في غير الحق فالإنسان لو تزوَّج يفْرح لأنَّهُ سنَّة، وكذا لو اشْترى مأوى، ولو نال منْصِبًا رفيعًا يفرحُ، أما حينما يفرَحُ بِكَسبٍ حرامٍ، وبِلَذَّةٍ مُحَرَّمة، وبِعُلُوٍّ بُنِيَ على أنقاض الآخرين، وإفقار الآخرين ؛ فهذا فرح ممنوع ؛ لذلك قال تعالى:

 

﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)﴾

 

[سورة غافر]

 فهذا فرْقٌ، قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا(13)﴾

 

[سورة الإنشقاق]

 ينطوي نصفين من الضَّحِك، فهذا فرح بغير الحق، ولكنَّ الله تعالى وجَّهها توجيهًا آخر، قال تعالى:

 

﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58)﴾

 

[سورة يونس]

 فأنت اِفْرَح بِفَضل الله تعالى أنَّه هداكَ إليه، وافْرَح بِهِداية ابْنِكَ وبالزَّوجة الصالحة، وإيَّاك والفرح بالمعاصي والآثام، والمكاسب بغير حقّ.
قال تعالى:

 

﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)﴾

 

[سورة غافر]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور