وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة الزمر - تفسير الآية 67 كيف نقدِّر اللهَ حقَّ قدرِه؟.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآيةُ الكريمةُ السابعةُ و الستُّون من سورة الزمر وهي قوله تعالى:

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

[سورة الزمر]

 النقطةُ الدقيقةُ هو أن النبيَّ عليه الصلاة و السلامُ حينما بُعِث إلى قريشٍ و إلى الأمةِ العربيةِ و إلى جميع الأممِ بدأ بتعريف الناسِ باللهِ، و بقيَ ثلاث عشرةَ سنةً يعرِّف الناسَ باللهِ، و الآياتُ المكيةُ كلُّها تقريبا تتحدَّث عن الكونِ، و في المدينة نزلتْ آياتُ التشريعِ، فالدعوةُ سلكتْ في مرحلتين، مرحلةُ التعريف بالآمرِ و مرحلة التعريف بالأمر، ونحن إذا أغفلنا المرحلةَ الأولى لا نفلح في دعوتنا أبدا، وهذه الآيةُ تغطّي هذا المعنى، قال تعالى:

 

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

 

[سورة الزمر]

 فكيف نقدِّر اللهَ حقَّ قدرِه ؟
تفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ ستِّين عاما، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)﴾

 

[سورة القدر]

 ألف ثمانين عاما تعبد فيها اللهَ عز وجل، خيرٌ منها أن تتعرَّف على الله عز وجل و أن تعظِّمه، ألم يقل سيِّدُنا موسى: ربِّ أيُّ عبادك أحبُّ إليك حتى أحبه بحبِّك، قال يا موسى أحبُّ العباد إليَّ تقِيُّ القلبِ نقيُّ اليدين لا يمشي إلى أحد بسوءٍ، أحبَّني و أحبَّ من أحبَّني و حبَّبني إلى خلقي، قال: يا ربي إنك تعلم أني أحبُّك و أحب من يحبُّك، فكيف أحبِّبُك إلى خلقِك ؟ قال ذكِّرْهم بآلائي و نعمائي و بلائي "
 أنا أريد أن أبحث عن الخطوات العملية كي يقدِّر اللهَ حقَّ قدره، الله تعالى نفى عن هؤلاء التائهين الشاردين الغافلين العصاة المذنبين أنهم ما قدروا اللهَ حقَّ قدره، إذا الإنسانُ مجنَّدٌ في العسكرية و لمحَ لواءً في الطريق يحيِّيه أقوى تحيَّةٍ، أما إذا لمحه مدنيًّا لا يعرف ما هي الرُّتبُ لا يقدِّره، من يقدِّر؟ من ينظَمُّ لهذا السلك، من يقدِّر أكبرَ جرَّاحِ قلبٍ في العالَمِ ؟ أطبَّاءُ القلب، من يقدِّر أكبرَ مهندسٍ ؟ المهندسُ، أنت لن تستطيع أن تقدِّر إلا إذا تأمَّلتَ و تعرَّفتَ، و ماذا تعني الآياتُ ؟ قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(164)﴾

 

[سورة البقرة]

 إن أردتم صيغةً عمليةً لأن تقدِّر الله حقَّ قدره، الجوابُ: تفكَّرْ في خلق السماوات و الأرض، فكلما تفكرتَ في خلق السماوات و الأرض قدَّرت الله حقَّ قدره، بل إن الكونَ بمجرَّاته و مذنَّباته و كواكبه ونجومه، و المجموعة الشمسية و التي نحن فيها و الأرض بما فيها و ما عليها و ما في باطنها و بجماداتها بأنهارها و جبالها ببحورها و نباتاتها و حيواناتها، هذا الكونُ أوسعُ بابٍ تدخل منه إلى معرفة الله و أقصرُ طريقٍ تعبُره كي تصل إلى الله، و لا حاجةَ لإعادة بعض الآيات الكونية، أنا ذكرتُ لكم قبل عامٍ أن إحدى محطَّاتِ الأخبار العالمية أذاعتْ الخبرَ التالي: أُرسِلتْ مركبةٌ إلى الفضاء الخارجي بأعلى سرعةٍ صنعها الإنسانُ أربعين ألفَ ميلٍ في الساعة، بقيتْ تسير في الفضاء الخارجي ستَّ سنواتٍ، وصلتْ إلى قريب المشتري، و على هذه المركبة مرصدٌ عملاق، رصد قبل عام أبعدَ مجرَّةٍ كُشِفتْ للإنسانِ، الرقم بسيطٌ جدا ثلاثمائة ألف بليون سنة ضوئية، و الضوءُ يقطع في الثانية ثلاثمائة ألف كيلومتر، قال تعالى:

 

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾

 

[سورة الواقعة]

 انتقِلْ إلى الشيء الصغيرِ ؛ الحُوَيْن المنوي، الإنسانُ في اللقاءِ الزوجي يفرز خمسمائة مليون حُوَيْن، تحتاج البُوَيْضةُ إلى حوَيْن واحدٍ، و في الحوين الواحد موادٌ خمسة آلاف مليون معلومة مُبرمجة، على نُوَيَّة الحوين المنوي، قال تعالى:

 

﴿ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(3)﴾

 

[سورة يونس]

 قال تعالى:

 

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

 

[سورة الزمر]

 إن أردتم الصيغةَ العمليةَ لأن تقدِّر اللهَ حقَّ قدره، فإذا عرفت اللهَ عز وجل، تعُدُّ للمليون قبل أن تعصيَه، و إذا لم تعرفه تبحثُ عن فتوى من أجل أن تعصيَه، لذلك من عرف الأمرَ قبل الآمرِ تفنَّن في التفلُّت من أمر الآمرِ، و من عرف الآمرَ قبل الأمرِ تفانى في طاعته، أنت الآنَ جندي في الثكنةِ جاءك أمرٌ من سبعةٍ، من ثمانية ونجمتين أو أكثر من ذلك، فكلما صعدتْ الرتبةُ تندفع كلمح البصر إلى تنفيذ الأمرِ، هذا في السلك العسكري، و قد قيل: لا تنظر إلى صِغر الأمر و لكن انظُر إلى على من اجْترأْتَ، اجترأْت على الله خالق الكون.
آيةُ اليوم قوله تعالى:

 

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

 

[سورة الزمر]

 كيف أقدِّره حقَّ قدره ؟ لو أمضيتَ العمُرَ كلَّه في التدقيق في آيات الله في جسمك لا تنتهي، و الذي هو أقربُ شيء إليك، ثلاثمائة ألف شعرة و كلّ!ُ شعرةٍ فيها وريد و شريان و عصب و عضلة، غدَّة دهنية و غدة صبغية، و العين مائة و ثلاثون مليون عُصيَّة و مخروط في الشبكية من أجل نقل أدقِّ تفاصيل الصورة الملوَّنة، ثم انظُر إلى الدماغِ، أربعة عشر مليار خلية قشرية، ترتكز على مائة و أربعين خلية سمراء لم تُعرَف وضيفتُها بعدُ و الذاكرةُ تحتوي في عمرٍ متوسِّط أربعين مليار صورة مصنفة في أرشيف، منها البعيد و المتوسط و القريب و شيء يُمحَى
أتحسب أنك جِرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبرُ
فجسمك وحده يمكن أن تعرف اللهَ من خلاله، طعامك، قال تعالى:

 

﴿فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا(26)فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا(28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا(29)وَحَدَائِقَ غُلْبًا(30)وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31)مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ(32)﴾

 

[سورة عبس]

 هذا البطِّيخ الذي نأكله في الصيف، كيف يعرف الفلاحُ أنها استوتْ ؟ الله تعالى جعل فيها حلزونا أخضرَ تمسكه و تضغطُه إذا انكسر معناها أنها استوتْ، ما انكسر اترُكْها، علامة راقية جدًّا، و العنب مهما هبَّتْ عليه الرياحُ لا يسقط، وهو محمولٌ بأربطةٍ متينةٍ جدًّا، فكِّرْ في البيض و الدجاج و الحليب و الخضر و الفواكه و القمح الذي فيه أربعة آلاف و خمسمائة نوع من القمح، أحدُ إخواننا الدكاترة في الجامعة قال لي: خمسة و أربعون ألف نوع من القمح تنبت في رؤوس الجبال و الأغوار و في كلِّ المناطق، لأنه أساسي، فإذا أردتَ أن تقدِّر اللهَ حقَّ قدره عليك أن تتفكَّر، قال تعالى:

 

﴿ فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(7)﴾

 و قال تعالى

 

﴿فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا(26)فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا(28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا(29)وَحَدَائِقَ غُلْبًا(30)وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31)مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ(32)﴾

[سورة عبس]

  و قال تعالى:

 

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18)وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19)وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)﴾

 

[سورة الغاشية]

 وقال تعالى:

 

﴿قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ(101)﴾

 

[سورة يونس]

 و قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(164)﴾

 

[سورة البقرة]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور