وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 03 - سورة الزمر - تفسير الآية 7 الله غني عنا.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .
أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة من سورة الزمر، وهي قوله تعالى:

﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)﴾

[ سورة الزمر ]

 هذه الآية تُبيِّن أنَّ الله سبحانه وتعالى غَنِيٌّ عنَّا، ولكنَّه إذا دعانا تعالى إلى عِبادَتِهِ فَمِن أجْلِهِ، ومِن أجل أن يُسْعِدَنا، وأن يرْحَمَنا، وقد ذَكَرتُ لكم في الدَّرس الماضي أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال: وهذه عن عُثمان في بيْعَة الرِّضْوان، قال: فإنَّه في حاجة الله، وحاجة رسوله صلى الله عليه وسلَّم، فمَعَ أنَّ الله غَنِيٌّ عن عِباده، فحاجته أن يُسعِدَهم، وأن يرْحَمَهم لذلك قال: يا رب أيُّ العباد أحَبُّ إليك حتَّى أُحِبَّهُ بِحُبِّك ؟ قال: أحبُّ العِباد إليّ تَقِيُّ القلب، ونقيّ اليَدَين، لا يمْشي إلى أحدٍ بِسُوء، أحبَّني وأحبَّ مَن احبَّني، وحبَّبَني إلى خلْقي، فهُناك أشْخاص يُبَغَِّون الدِّين للناس، يبْحثون عن القضايا الخِلافِيَّة التي قد لا يقْبَلُها العَقْل أحْيانًا، ويُبالِغون في شرْحِها إلى أن تنْفر العامَّة من الدِّين، يقول لك: لو أنَّك عبَدْتَهُ طوال حياتِك وأفْنَيتَ عُمُركَ في طاعَتِك ؛ يُمْكِنُ أن يضَعَك في النار ! لماذا ؟! يقول لك: يقول لك لأنَّ الله تعالى:

 

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23)﴾

 

[ سورة الأنبياء ]

 ولأنَّك جزْء مِن مُلْكِهِ، والذي يتصَّرف في مُلْكِهِ ليس ظالمًا !! فهل هذا كلام يقْبلُهُ المؤمن ؟! أين قوله تعالى:

 

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

 

[ سورة الزلزلة ]

 وأين قوله تعالى:

 

﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16)﴾

 

[ سورة لقمان ]

أريد أن أقول: لا تُبَغِّض الدِّين للنَّاس، ولا تبْحث عن القضايا غير المُتَّفَقِ عليها، ثمّ تُضَخِّمُها وتُلقيها على الناس، حتَّى تنشأ لهم صَدْمة .
 مرَّةً رأى النبي علي الصلاة والسلام أُمًّا تخْبِزُ على التَّنور، وابنُها إلى جانِبِها، وكلَّما وضَعَت رغيفًا في التَّنور قبَّلَت ابْنَها، فقال عليه الصلاة والسلام: أَتُلقي هذه بِوَلَدِها إلى النار ؟ قالوا: معاذ الله ! فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفْس محمَّد بِيَدِهِ للهّ أرحم بِعَبْدِهِ من هذه بِوَلَدِها ! ولمَّا وردَ بالحديث القُدْسي: إن تابوا فأنا حبيبُهُم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبْتَليهم بالمصائب لأطَهِّرهم من الذُّنوب والمعايِب، فالمعاني التي تُحَبِّب الله إلى عِبادِهِ ينبغي أن تُبَيِّنَها، وأن تشْرَحها، أما أن تبْحث في ثنايا الكتب عن نِقاط غير مُتَّفقٍ عليها، ونِقاط سَلْبِيَّة، وتُبْرِزُها للناس من أجل أن تُخيفهم، فهذا ليس مِن سُلوكِ الداعِيَّة، فالله تعالى قال:

﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾

[ سورة الزمر ]

 الآن اِسْمَع، قال تعالى:

 

﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾

 

[ سورة الزمر ]

 قال العلماء في بعض كتُب العقيدة: أراد ولم يأْمُر، وأراد ولم يرْض و معنى اراد ن أنه سمح بوقوع الشيءِ، أنت صيدلي بحاجة إلى موَظَّف يعينك بعد الظهر، لا بد من أن يكون عنده ثقافةٌ صيدلية، لا بد من أن تمتحنه، جِئتَ به إلى مجموعة من الأدوية، و قلتَ له: ضع كلّ دواءٍ في مكانه، هنا سموم و فيتامينات، إذا أمسك دواءً سمومٍ و ذهب به إلى الفيتامينات ليضعه، لو منعتَه، ما امتحنتَه، و لا بدَّ من أن تسمح له أن يتحرك خطأً، سماحك له بالتحرك هو الإرادةُ، أراد، و لكنك لا ترضى له هذا الخطأَ، إنك في مجال امتحانه، أمسك دواءَ الفيتامينات ليضعه في مكان السموم، ولو منعتَه لم تكشف خبرتَه، فلا بد من أن تمتحنه ؛ فإذا الله تعالى سمح بمعصية ليس معنى هذا انه فعلها قهرا، لا يقع في ملك الله إلا ما يشاء الله،ما معنى مشيئة الله ؟ أنه سمح ان تقع، هل رضي الله بها ؟ هل أمر بها، فالعلماءُ قالوا: أراد و لم يرضَ و أراد و لم يأمر، و ما أمر بالزنا و لا رضيه من عباده، و لكن إنسانا إذا أصرَّ عليه و كانت هذه الشهوة حجابا بينه و بين الله وأصبح أصمّ!َ و أبكمَ، حبُّك الشيءَ يُعمِي و يصمُّ، يسمح الله له به لحكمة أرادها من أجل أن يتوب بعدها و أن يستغفر، قال تعالى:

 

﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾

 

[ سورة الزمر ]

 الوازرةُ الحاملةُ، الوزرُ الحِملُ، لا تحمل نفسٌ حملَ نفسٍ أخرى، هذا مبدأ من أصول الدين، فإذا الإنسانُ أنجبَ ولدًا مؤمنا الأب كافرٌ و الأب ما أراده أن يكون مؤمنا، وضع كلَّ العراقيل لكي يؤمن، فالابن ولو أنَّ أباه ليس مؤمنًا يدخل الجنَّة، أو بالعَكس، أبٌ أنْجبَ ولدًا فاخْتار الابن الشَّقاء، ونصَحَهُ وبيَّن له، وتلطَّف به، وزجَرَهُ، ووعَظَهُ، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

 

[ سورة الزمر ]

 فهذا المبدأ مُريحٌ جدًّا، قال تعالى:

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

 

[ سورة المائدة ]

 فأنت عليك بِنَفْسِكَ وكلٌّ مُحاسب على نفْسِهِ فامرأة فِرْعون كانت تحت رجل ادَّعَت الألوهِيَّة، جبَّار، ومع ذلك بيَّن لنا الله عز وجل أنّ المرأة مُسْتَقِلَّة في إيمانها عن زوجها، فأيَّةٌ امرأة ٍ تقول: هكذا يريد زوْجي ! ويريدنا أن أتبرَّج ! ويريدنا أن أخْتلِطَ مع رِفاقهِ ! فهذا الكلام غير مقبول في معْصِيَة الخالق، المرأة مُستقِلَّة في إرادتِها الإيمانِيَّة عن زوْجِها والله جَعَلَ لنا مثلاً صارِخًا ؛ فرْعون وزوْجَتُهُ صِدِّيقة، وكَمُل مِن الرِّجال كثير، وما كَمُل من النِّساء إلا أربع منهم آسيا امرأة فِرْعون قال تعالى:

 

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)﴾

 

[ سورة التحريم ]

 لو أنَّ امرأةً لها زوْج فاسِق كافر شارِب خمْر، وهي مستقيمة وصائِمة فأعرف صاحِب ملْهى ما أكلَتْ ابْنَتُهُ مِن مالِهِ أبدًا، وكانت تعْمل في جوبر، ولو طلبَت مِن أبيها مليونين لأعطاها !! وأعرف زوْجة صاحب مقْمَرة مشْهورة، لم تحْضر عُرْس ابنَتِها لأنَّها في مكان عامٍ فيه معاصي وآثام، فهذه الآية:

 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

 

[ سورة الزمر ]

 تُلقي في قلب الإنسان طمأنينة، فأنت لن تؤاخَذ بِجريرة غيرك .
قال تعالى:

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(15)﴾

 

[ سورة الجاثية ]

 أحيانًا الإنسان له عمل مَشروع، ولكن صاحِب العَمَل له أعمال لا تُرضي الله بعد الدَّوام فهذا لا علاقة له بِصاحِب العَمل، فهذا بائِع أقْمِشَة جاءَتْهُ امرأة تشتري قِماشًا فأعْطَتْهُ مالاً أخذَتْهُ مِن البغاء، فالبائِع لا يعْلَم، فهذا لا علاقة له، لذا حُرْمة المال لا مِن عَينِهِ ولكن من طريقة كسْبِهِ، فالإنسان يُطَبِّق منهج الله ولا علاقة له بالآخرين، ولو كانوا من أهل منزِلِه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: من اسْتَمَع إلى صوت أغّيِنة صُبَّ في أُذنه الآنك " فالنبي عليه الصلاة والسلام ما قال: من سَمِعَ، ولكن قال: من اسْتَمَع فالاسْتِماع يعني الجُلوس والمجيء بالمِذياع، والمُسَجِّلة وتسْتَمِع، أما أن ترْكَب سيارة لا تسْتطيع أن تتحكَّم في اسْتِعمال المذياع فيها، فالله تعالى قال:

 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

 

 

[ سورة الزمر ]

 فهذه الآية المُريحة، فالمؤمن لا بدّ أن يَعُدَّ للمليون قبل مُشاركة الواحد فأيّ علاقة حميمة، ومن العلاقة الحميمة السَّفر، واللِّقاء الأسبوعي فأيُّ علاقة حميمة لا بدّ أن تُبنى على الإسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ * ))

 

[ سورة الترمذي ]

 قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(13)﴾

 

[ سورة الملك ]

 مُلَخَّص الآية ؛ مشيئة الله تعني أنَّه سَمَح بِوُقوع الشيء لأنَّ الله تعالى حينما خلق الإنسان خلقَهُ على أساس أنَّهُ مُخَيَّر، وأنّ الله تعالى يُمِدُّهُ بِقُوَّةٍ يُنَفِّذُ بها اخْتِيارَهُ، فإذا أمَدَّ اله تعالى بِقُوَّةٍ لِتَحقيق اخْتِيارِهِ، فهذا معنى مشيئتِهِ سبحانه وتعالى، فإذا كان هذا الفِعْل خِلاف الشَّرع، ولم يأمر به الله تعالى، ولم يرْض به، وهذا هو مُلَخَّص الآية .
والآية الثانية،

 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

 

[ سورة الزمر ]

 أيْ أنَّ كلّ نفْس تحْمِلُ حِمْلها وحْدها ولا تحمِلُ حِمْل غيرِها، فأنت لسْتَ مُحاسَب عن أعمال والدِك، ولا أبوك يحْمِل أوزارَكَ، وهذه الحقيقة تُلْقي في قلب المؤمن راحة ما بعْدَها راحة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور